بتـــــاريخ : 7/21/2008 9:46:08 AM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1349 0


    العنف الأسري من منظور إسلامي .

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : حمدي مراد | المصدر : www.almostshar.com

    كلمات مفتاحية  :
    اسرة


    العنف الأسري من منظور إسلامي .

     

    د. حمدي مراد .

      

    لقد خلق الله تعالى آدم وخلق حواء من نفس واحدة وجعل أول مسكن اسري وبيت زوجي لهما (الجنة) ثم شاء الله تعالى وبعد صراع وغواية من الشيطان أن يهبطهما إلى الأرض حتى يعمراها وبنوهم بالعدل والخير وقد رعاهم الله بالرسالات السماوية عبر الأزمان وبدعوة الأنبياء والمرسلين التي قامت في المجتمعات الإنسانية حتى ختامها (القران الكريم) وبدعوة خاتم المرسلين (محمد) صلى الله عليه وسلم، كل ذلك من سعادة الدنيا وسعادة الآخرة بعودتهم (الإنسانية) إلى الجنة إلا من زاغ عن الحق وحاد عن منهج السماء العادل . وانعم عليهما بالذرية (الأطفال) حتى تكتمل سعادتهم .

    نعم وانحرفت البشرية عبر العصور في معظمها عن عدالة السماء وأوقعت كثيرا من الظلم على مجتمعاتها هنا وهناك، وكان من ابشع الظلم هو العنف الاجتماعي أو الأسري الذي نسف معاني المودة والسكينة والمحبة والرحمة داخل الأسرة الواحدة خلال ما أراد الله عز وجل: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). فألحق الأذى بالحياة الزوجية والأسرية وبخاصة الأطفال.

    وصار هذا العنف الأسري ظاهرة بين سرية وعلنية ، والعلني قليل أمام مالا يعلم وما يجري خفية تحت ستار العادات والتقاليد والأعراف والقوانين وكل ذلك خلافا للتوجيه الإسلامي والتشريع الإلهي والنور الرباني والعقل المستنير الإنساني.

    لقد صارت كثير من النساء والأطفال وقليل من الرجال يعيشون أجواء من القهر والعنف والإرهاب الأسري الذي يمارس تحت جنح الظلام وبعيدا عن أعين الناس وسمع وبصر ورعاية المسؤولين في المجتمع في كل من مواقعهم ... والأدهى والأمر أن يمارس من أرباب هذه الأسر الذين استأمنهم الله تعالى عليهم حماية ورعاية وعناية ومودة ورحمة وأمنا ... وضاع الحال ابعد من ذلك حينما جنحت بعض القوانين والأنظمة في جوانب عديدة عن العدل الإلهي... والفهم المنصف ... ورحمة الإنسان لأخيه الإنسان بسبب هذا الفتور أو ذلك الاضطراب أو هاتيك التجاهل في بعض الأنظمة والقوانين والقضاء لحقيقة رحمة الله بالعباد وأمر الله بهذه الرحمة بينهم ... من هنا أصاب هذا الخسف والظلم سكون هذه الأسر وعصف باستقرارها وزرع فيها البغضاء ومشاعر الضياع وفقدان معنى الحياة .

    والأبشع من هذا وذاك محاولة ربط هذا العنف وهذه العدوانية وكأنها من الدين أو الرجولة أو مسؤولية الزوج أو من التربية أو من العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية الأساسية والمهمة ... ولكن الحقيقة الواحدة والقول الواحد أن كل هذا براء من ادعاءاتهم الظالمة فوق ممارساتهم للظلم .

    لقد طمسوا ملامح ومعاني ابتسامة الحياة عن وجه المرأة المستضعفة ووجه الطفل البريء وانشئوا كل تعابير اليأس من هذه الحياة وتمنى الخروج منها والفرار عنها.

    ومن هنا كان اللجوء إلى مسالك شتى ومزالق مختلفة كثيرا ما ينجم عنها الانحراف بأنواعه وألوانه ثم ليقع مسلسل الظلم الرهيب مرة ومرات أخرى تحت شعار وقانون ردع المنحرفين .
    وهكذا ... فإذا المجتمع في واقع غير قليل وان لم يظهر بجلاء ووضوح يعيش بركانا اجتماعيا مأساويا يدمر ذاته بذاته .

    واسمحوا لي أن أبدا بتعريف العنف كما افهمه أقول :

    ( هو كل فعل أو قول أو همس أو إشارة أو حركة أو صمت ... يعكس أية نسبة من الأذى مهما تدنت أكان جسديا أم معنويا أو ماديا أو نفسيا ... وان ذلك يعد من الاعتداء ).

    قال تعالى :( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ).
    وقال تعالى :( ويل لكل همزة لمزة ) .
    وقال تعالى :( ولا يغتب بعضكم بعضا ) .
    وقال عليه الصلاة والسلام :( وان الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا ).

    ولقد حرصت الرسالات السماوية وحرص الإسلام بكل دقة ووضوح وحسم حول العلاقة الإنسانية بين بني البشر كيف تكون وبخاصة بين الرجل والمرأة والأطفال وأنها علاقة الروح الواحدة والجسد الواحد والمصلحة الواحدة من اجل حياة فاضلة سعيدة كريمة ملؤها المحبة والأمن والسلام . ثم ما يعكسه هذا على الأطفال سلبا أو إيجابا فهي حلقات متصلة .

    ولقد أوردت العديد من الدراسات العلمية والاستطلاعات الاجتماعية نسبا راجحة حول العنف ضد المرأة وضد الرجل كذلك ، ولكن المرأة على الدوام هي التي كانت ولا تزال حصتها حصة الأسد في هذا العنف . ثم الأطفال الذين يقع عليهم أكثر من شكل من أشكال العنف فمنه غير المباشر وهو كل عنف يقع في الأسرة على غيرهم وبخاصة الأم هو عنف يصيب مشاعرهم وقلوبهم وأفكارهم وسلوكهم هذا بالإضافة إلى ما يصيبهم مباشرة من الآباء وكذلك من الأمهات وهذه جريمة عظيمة لأنها خيانة من الوالدين أو أحدهما لهذه الأمانة وهي الأولاد كذلك ما يلحق بالأطفال من عنف المجتمع بشتى أشكاله وأنواعه وتفاوت مخاطره وآثاره وان ما يلحق المرأة من عنف يلحق بالأطفال وهذه بعض الإحصاءات :

    • في الولايات المتحدة الأمريكية كانت النسبة كآلاتي :-
    • (95%) ضد الزوجات ( الإناث )
    • (5%) ضد الأزواج ( الذكور )
    • ومثل ذلك أو قريب منه جدا في أوروبا .
    • أما في مجتمعات العالم الثالث ومنها الأردن فقد كانت النسبة كآلاتي :
    • (97%) ضد الزوجات ( الإناث )
    • (3%) ضد الأزواج ( الذكور ) .

    هذا وانه من خلال استطلاعاتي لملفات قضائية وخبرتي الشخصية بالتحكيم القضائي، وكذلك جولات الإصلاح ذات البين وبالذات بين الأزواج والذي لا يكاد يمر يوم بالفعل إلا ولنا في ذلك مشاركة ما .

    هذا بالإضافة إلى خبرتي أثناء عملي في جامعات عربية وإسلامية وأجنبية …… واستبيانات كنت قد أعددتها وفرزتها فكانت أمامي النتائج التالية :

    • أن نسبة عنف الرجـال تجاه زوجاتـهم جسديا بضـرب مبرح + نفسيا حوالي (5%).
    • وان نسـبة عنف الرجال تجاه زوجاتهم جسديا بضـرب خفيف + نفسيا حوالي (10%).
    • وان نسبة عنف الرجال تجاه زوجاتهم نفسيا بالكلام القاسي حوالي (20%).
    • وان نسبة عنف الرجال تجاه زوجاتهم نفسيا بالإهمال حوالي (15%).

    ولقد أثبتت تفاصيل الدراسات اثر وخطورة هذا العنف على الأمهات بالنسبة للأطفال ماديا ومعنويا .. جسديا ونفسيا ... وأثره على مستقبل حياتهم وصحتهم وتعليمهم وأخلاقهم وسلوكهم .

    وهذا يعني أن نسـبة (50%) من الأسر تعاني من عنف واضـح متفاوت، وان أل (50%) مستورة الحال والله اعلم بالحال . فانظر ماذا يعني ذلك بالنسبة للأطفال في المقابل .

    والذي فاجأني أن معظم المشاكل ناتجة في عمقها عن سوء التعامل الزوجي أي الجهل بالثقافة الزوجية الدينية والأدبية والأنانية الجنسية تصل إلى أكثر من (60%) من المشاكل ، وان (40%) ناتج عن فرق مستوى الوعي والفهم والمزاج والظن . وما يعكسه ذلك حتما من عنف على الأطفال .

    ولعلي أوصى بمجموعة من التوصيات في هذا الشأن تخفف من هذه الظاهرة الظالمة المستورة طبقا للواقع ومعالجة لأصل المشكلة فيما اعتقد . وعلاقته بعد ذلك على راحة الأطفال وسعادتهم .

    أولا : في الحقل الاجتماعي قبل الزواج :

    • أن تكون هناك كفاءة متناسبة بين الخطيبين وبخاصة الثقافة والوعي والمؤهل والصحة والعمر .
    • أن يكون الزواج قائما مسبقا على محبة بين الخطيبين وليس برغبة الأهل فقط .
    • أن يسبق الزواج ثقافة جنسية كافية بأبعادها وأخلاقها .
    • الفحص الطبي قبل الزواج .
    • أن يسبق الزواج توعية كافية بحقوق الزوجين وعمق العلاقة السامية بينهما . وحقوق أطفالهم عليهم بعد ذلك .

    ثانيا : توصية لولي الأمر :

    أن يجوز له تقرير منع الضرب للزوجات في غياب الوعي الأسري الكافي وغيب الورع والتقوى بين الزوجين غالبا وليس هذا منعا أو رفضا أو اعتراضا على ما جاء في الآية الكريمة وإنما لضرورة ما عليه المجتمع وتزول الضرورة بزوال العلة . كذلك منع ضرب الأطفال لأنه محرم شرعا وتحريم كل ما من شانه أن يسيء إليهم أو يؤذي أجسادهم أو مشاعرهم وترويعهم وتجويعهم وتشريدهم وجرحهم وحبسهم وتعذيبهم واغتصابهم .

    ثالثا : على صعيد الأمن :

    دعم جهاز حماية الأسرة ماديا وقانونيا وتفعيل دوره وتوسيع صلاحياته بخصوص المرأة والطفل وحمايتهما من كل أشكال العنف .

    رابعا : على الصعيد الشعبي :

    تشكيل لجان لحماية الأسرة في كل حي لتسهيل سرعة وسهولة الاتصال ورفع الحرج المعروف بالذهاب لمراكز الأمن، بسبب بعض العادات والتقاليد حتى تلعب دورا فاعلا في أمن واستقرار الأسرة أطفالا ونساء .


    خامسا : على صعيد القضاء :

    التفريق السريع بين الزوجين في حال عدم إمكانية الإصلاح ونشوء قضية الشقاق والنزاع ، وإنجاز طلب الزوجة بسرعة انفصالها عن زوجها بسلطة القاضي، وذلك بخلعها نفسها مع تخفيف أسباب التعجيز لهذا الخلع لإنجازه بسهولة حماية للأسرة من مخاطر بعض الأزواج السفهاء وخطر أذاهم على الزوجة والأطفال ... حينما لا يجدي الإصلاح .

    سادسا : على الصعيد الإعلامي :

    توعية الجمهور بقضية العنف، ودعوة الناس من أقارب وجيران بالإبلاغ عن قضايا العنف مستورة لإجراءات وقائية قبل فوات الأوان أكانت على الأمهات أو الزوجات أو الأطفال .

    سابعا : تشديد العقوبة :

    وذلك على مرتكبي جرائم الشرف ، فهي لا دينية ولا إنسانية ، والتوعية في ذلك ولخطورتها على الأسرة والأطفال والأنظمة والعنف الخطير الذي تشكله .

    ثامنا : إيقاف عادة الجلو :

    الإجراء القسري الظالم لقوله تعالى :( ولا تزر وازرة وزر أخرى ). مأساويا على الأسر والأطفال فهم يتعرضوا لظلم ونوع من العنف الذي يسيء لحياتهم في مناحيها المختلفة .

    أما عن دور العلماء:

    بالنسبة للعلماء: وهم المفكرون والمشرعون أكان بشرع الله إليهم بالقانون الوضعي، أم القضاة شرعيون أم نظاميون، فان دورهم يتمثل بشكل رئيسي في أحكام معاني ومقاصد الشرع الحكيم وأعمال العقل الراقي العادل السليم في إنجاز القوانين والأنظمة التشريعات والتعليمات ... التي من شانها أن تنصف المرأة والأنثى والطفل لنرقى بحياتهم التي هي ميزان الحياة في كل أبعادها وأحوالها، وان يتجنبوا الخضوع النفسي لأية أسباب ذاتية أو تأثيرات جانبية أو عادات أو مفاهيم سلبية ... حتى يعود النصاب بالحق إلى أهله في أدق حلقات الحياة الإنسانية والمصير البشري ... وان يعلموا (أن الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، والأطفال) هم شيء واحد، وإطار واحد وجوهر واحد .

    وهذا يعني أن عليهم أولا إعادة النظر بهذه القوانين والأنظمة والتشريعات والتعليمات وبحثها من جديد بتلك الروح التي ذكرت ، وبذلك العمق الذي أشرت ... ثم التوقف عن إضافات جديدة إلا على هذه القاعدة وهذا الأساس .

    ولعل ذلك يتطلب تشكيل لجان حيادية على أعلى المستويات التخصصية في ذلك، وإنشاء ندوة أو ... دائمة الانعقاد بأمانة تتابع إنجازاتها تستمر لمدة ما ... لا تزيد على سنة واحدة لتصل أخيرا إلى الغاية المنشودة ووضع كل المقترحات الشاملة لذلك ، ثم تعميقها على شكل حلقات بحث ومؤتمرات في العالمين العربي والإسلامي على مدار سنة أخرى وحتى تكون السنة الثالثة ثمرة نقطفها بعد كل تلك الجهود المباركة ونحن نتطلع إلى غد افضل بالنسبة لأسرة عربية سعيدة بأطفالها .

    أم بالنسبة لدور الأئمة والوعاظ والخطباء : فاعتقد أن رسالتهم واضحة لا لبس فيها ... ... فهذا قوله عليه الصلاة والسلام : ( العلماء ورثة الأنبياء ... ).

    فهم المقصود الشامل لمعنى الدعوة إلى الهداية والطريق المستقيم لسعادة الدنيا والآخرة ... هي الدعوة لمجتمع إنساني آمن مستقر ... هي الدعوة للاخوة والمحبة … هي الدعوة للتعاون على البر والتقوى ... هي الدعوة للسلوك الأمثل في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان بعامة ... وعلاقة الزوجين والأطفال خاصة ... ولان صلاح الكليات لا يكون إلا بصلاح الجزئيات ، ولان العلاقة بين الجزئيات والكليات علاقة جدلية وثابتة ومتكاملة لا تقبل التجاهل أو الإهمال أو الاضطراب ... ولان القاعدة والأصل هما أساس أي بناء شامل يقوم بقيامه ويسقط بسقوطه ويضعف بضعفه ... وهذا ما يترك بصماته على أطفالنا حتما .

    أن على الدعاة بكل أسمائهم ومسمياتهم ... أن يعلموا هذه الحقيقة والمكانة الخطيرة التي يتبوءونها ... ويقفون على سدتها ... وهم المسؤولون عنها أمام الله وعباده .. نعم .. عليهم أن ينهضوا بهذه المسؤولية بكل أمانة وصدق ووضوح وثبات، وان يزيلوا ما علق من شوائب في أذهان الناس وقلوبهم من مفاهيم ومعاني مخالفة لرسالات السماء واحترام عقل الإنسان الذي خلقه الله نعمة لسعادة هذا الإنسان ذكرا وأنثى ... كبارا وأطفالا .

    إننا نرفض هذه المهاترات التي تدعو لوضع الحواجز بين الرجل والمرأة ... والتي هددت وتهدد حياة الأسرة وأطفالها وبالتالي حياة المجتمع في كل أماكن وجوده ... نعم تهدد استقراره ... كفانا نزاعا في غير موضوعه ... وخلافا لا يجوز أن ينشا أصلا وصراعا لا يكسب منه أحد ... وأين المصير دوما أمام مثل هذه الصراعات الاجتماعية الظالمة سوى الضياع لفلذات الأكباد ولشركاء وشقائق مسيرة الحياة ... لا بل أنها التعاسة التي ما بعدها تعاسة ... وسوء العاقبة التي ما بعدها سوء عاقبة ... انه نداء ... ونداء ... ونداء ... لكل المعنيين بهذا الشأن والمجال ... من اجل أسرة سعيدة وأطفال سعداء ومجتمع سعيد .

    ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .

    فناقوس الخطر لا يزال يدق ... وصوته لا يزال يرتفع ... وصداه لا يزال يزيد ... والأمل بكم جميعا مبشر أن شاء الله .

     

     

     

     



    المصدر : موقع أمان .
     

     

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    اسرة

    تعليقات الزوار ()