كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ
 القول في تأويل قوله تعالى :  { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم }  /  يعني بقوله جل ثناؤه :  { كما أرسلنا فيكم رسولا }  ولأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية , وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام , وأجعل لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال :  { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم }  2 128  كما جعلت لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها , فقال :  { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم }  2 129  فابتعثت منكم رسولي الذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل أن أبعثه من ذريتهما . ف " كما " إذ كان ذلك معنى الكلام صلة لقول الله عز وجل :  { ولأتم نعمتي عليكم }  ولا يكون قوله :  { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم }  متعلقا بقوله :  { فاذكروني أذكركم } .  وقد قال قوم : إن معنى ذلك : فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم . وزعموا أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير , فأغرقوا النزع , وبعدوا من الإصابة , وحملوا الكلام على غير معناه المعروف وسوى وجهه المفهوم . وذلك أن الجاري من الكلام على ألسن العرب المفهوم في خطابهم بينهم إذا قال بعضهم لبعض : وكما أحسنت إليك يا فلان فأحسن " أن لا يشترطوا للآخر , لأن الكاف في " كما " شرط معناه : افعل كما فعلت , ففي مجيء جواب :  { اذكروني }  بعده وهو قوله :  { أذكركم }  أوضح دليل على أن قوله :  { كما أرسلنا }  من صلة الفعل الذي قبله , وأن قوله :  { اذكروني أذكركم }  خبر مبتدأ منقطع عن الأول , وأنه من سبب قوله :  { كما أرسلنا فيكم }  بمعزل . وقد زعم بعض النحويين أن قوله :  { فاذكروني }  إذا جعل قوله :  { كما أرسلنا فيكم }  جوابا له مع قوله :  { أذكركم }  نظير الجزاء الذي يجاب بجوابين , كقول القائل : إذا أتاك فلان فأته ترضه , فيصير قوله " فأته " و " ترضه " جوابين لقوله : إذا أتاك , وكقوله : إن تأتني أحسن إليك أكرمك . وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب , فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب . والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجه إليه من اللغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل . ذكر من قال : إن قوله :  { كما أرسلنا }  جواب قوله :  { فاذكروني } .  1914 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل :  { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم }  كما فعلت فاذكروني .  1915 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . قوله :  { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم }  فإنه يعني بذلك العرب , قال لهم جل ثناؤه : الزموا أيها العرب طاعتي , وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها , لتنقطع حجة اليهود عنكم , فلا تكون لهم عليكم حجة , ولأتم نعمتي عليكم وتهتدوا , كما ابتدأتكم بنعمتي فأرسلت فيكم رسولا إليكم منكم , وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم محمد صلى الله عليه وسلم . كما : 1916 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله :  { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم }  يعني محمدا صلى الله عليه وسلم . 
يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وأما قوله :  { يتلوا عليكم آياتنا }  فإنه يعني آيات القرآن ,
وَيُزَكِّيكُمْ
وبقوله :  { ويزكيكم }  ويطهركم من دنس الذنوب ,
وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
 { ويعلمكم الكتاب }  وهو الفرقان , يعني أنه يعلمهم أحكامه , ويعني بالحكمة : السنن والفقه في الدين . وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده .
وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ
وأما قوله :  { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون }  فإنه يعني : ويعلمكم من أخبار الأنبياء , وقصص الأمم الخالية , والخبر عما هو حادث وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها , فعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخبرهم جل ثناؤه أن ذلك كله إنما يدركونه برسوله صلى الله عليه وسلم .