تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 151

الناقل : elmasry | المصدر : quran.al-islam.com

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ

القول في تأويل قوله تعالى : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } / يعني بقوله جل ثناؤه : { كما أرسلنا فيكم رسولا } ولأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية , وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام , وأجعل لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال : { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم } 2 128 كما جعلت لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها , فقال : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } 2 129 فابتعثت منكم رسولي الذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل أن أبعثه من ذريتهما . ف " كما " إذ كان ذلك معنى الكلام صلة لقول الله عز وجل : { ولأتم نعمتي عليكم } ولا يكون قوله : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } متعلقا بقوله : { فاذكروني أذكركم } . وقد قال قوم : إن معنى ذلك : فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم . وزعموا أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير , فأغرقوا النزع , وبعدوا من الإصابة , وحملوا الكلام على غير معناه المعروف وسوى وجهه المفهوم . وذلك أن الجاري من الكلام على ألسن العرب المفهوم في خطابهم بينهم إذا قال بعضهم لبعض : وكما أحسنت إليك يا فلان فأحسن " أن لا يشترطوا للآخر , لأن الكاف في " كما " شرط معناه : افعل كما فعلت , ففي مجيء جواب : { اذكروني } بعده وهو قوله : { أذكركم } أوضح دليل على أن قوله : { كما أرسلنا } من صلة الفعل الذي قبله , وأن قوله : { اذكروني أذكركم } خبر مبتدأ منقطع عن الأول , وأنه من سبب قوله : { كما أرسلنا فيكم } بمعزل . وقد زعم بعض النحويين أن قوله : { فاذكروني } إذا جعل قوله : { كما أرسلنا فيكم } جوابا له مع قوله : { أذكركم } نظير الجزاء الذي يجاب بجوابين , كقول القائل : إذا أتاك فلان فأته ترضه , فيصير قوله " فأته " و " ترضه " جوابين لقوله : إذا أتاك , وكقوله : إن تأتني أحسن إليك أكرمك . وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب , فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب . والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجه إليه من اللغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل . ذكر من قال : إن قوله : { كما أرسلنا } جواب قوله : { فاذكروني } . 1914 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } كما فعلت فاذكروني . 1915 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . قوله : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } فإنه يعني بذلك العرب , قال لهم جل ثناؤه : الزموا أيها العرب طاعتي , وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها , لتنقطع حجة اليهود عنكم , فلا تكون لهم عليكم حجة , ولأتم نعمتي عليكم وتهتدوا , كما ابتدأتكم بنعمتي فأرسلت فيكم رسولا إليكم منكم , وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم محمد صلى الله عليه وسلم . كما : 1916 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .

يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا

وأما قوله : { يتلوا عليكم آياتنا } فإنه يعني آيات القرآن ,

وَيُزَكِّيكُمْ

وبقوله : { ويزكيكم } ويطهركم من دنس الذنوب ,

وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

{ ويعلمكم الكتاب } وهو الفرقان , يعني أنه يعلمهم أحكامه , ويعني بالحكمة : السنن والفقه في الدين . وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده .

وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ

وأما قوله : { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } فإنه يعني : ويعلمكم من أخبار الأنبياء , وقصص الأمم الخالية , والخبر عما هو حادث وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها , فعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخبرهم جل ثناؤه أن ذلك كله إنما يدركونه برسوله صلى الله عليه وسلم .