بتـــــاريخ : 6/28/2008 2:22:12 PM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1455 1


    إذا غلا الشيء استرخصْه بالترك !

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : البقعاوي | المصدر : www.startimes2.com

    كلمات مفتاحية  :
    اقتصاد

    قيمة لأي سلعة في العالم إلا إذا كان لها مستهلكون، وكلما كثر المستهلكون، وقلت السلع ارتفع سعرها، والعكس صحيح. إنها معادلة اقتصادية بسيطة. كما أن التجارة تقوم أصلاً على معادلة أبسط، وهي أنها لا تستطيع التحليق إلا بجناحين، يتمثل الأول بالتاجر، أما الثاني فيتمثل بالمشتري. والإثنان يتأثران ببعضهما البعض سلباً وإيجاباً، فإذا استشرس التاجر ضعف المستهلك، وإذا تعنت المستهلك استسلم التاجر.
    وكما هو واضح هذه الأيام فإن التجار يشنون حملة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً على المستهلكين المساكين. قد يقول البعض إن التجار وأصحاب السلع مضطرون لرفع أسعار سلعهم بسبب التحولات الاقتصادية العالمية، فهم بدورهم ضحايا الارتفاع الجنوني للأسعار، خاصة وأن التاجر يشتري ليبيع..

     

     

    وهذا صحيح، لكن التاجر يبقى هدفاً لا ضير أبداً في استهدافه تجارياً كي يقوم بدوره في الضغط على المتحكمين به من شركات ومصانع ومؤسسات، علماً أنهم كانوا يعاقبون التجار المتلاعبين بالأسعار في القرون الوسطى قراقوشياً، وذلك بإجلاسهم على الخوازيق!

    متى يوقن المستهلك العربي الذي يرزح هذه الأيام تحت وطأة الغلاء الرهيب والارتفاع غير المسبوق للأسعار بأن في يده سلاحاً فتاكاً يمكن أن يفعل الأفاعيل بالذين يسومونه سوء الغلاء. إنه سلاح المقاطعة العظيم. فالمقاطعة يجب أن لا تـُستخدم فقط ضد الأعداء، كأن نقاطع مثلاً البضائع الأمريكية والإسرائيلية والدنماركية والهولندية بسبب احتلال أراضينا، أو الإساءة إلى مقدساتنا. بل علينا أن نقاطع، وبنفس الطريقة، الشركات والتجار الذين يعتدون على حقوقنا الإنسانية بجعل بعض السلع الأساسية حلماً بعيد المنال لملايين الناس في طول العالم العربي وعرضه. فإذا كانت الدنمارك تسيئ إلى عقيدتنا، فإن التجار المتلاعبين بالأسعار يسيئون إلى وجودنا الإنساني ذاته، بحيث يحرموننا من نعمة العيش البسيطة التي وهبها الله لكل المخلوقات على وجه المعمورة.

    إذن لا بد أن يفكر الجميع باستهداف الذين يستهدفون بطوننا وبطون أطفالنا. والمطلوب من كل إنسان عربي أن يعي بأنه يستطيع بطريقته البسيطة، لو امتلك إرادة معقولة وهو يتبضع في المحلات التجارية، أن يؤثر على التجار والمحتكرين والشركات دون أن يتحالف، أو يتشارك مع أحد، فلو نظــّف كل إنسان أمام منزله لأصبح الشارع كله نظيفاً، ولو قاطع كل فرد شركة خضار أو فاكهة أو حبوب لأفلست الشركة عن بكرة أبيها، خاصة وأن هناك أسباباً كثيرة وراء ارتفاع الأسعار لا علاقة لها أبداً بما يُشاع عن ارتفاع أسعار النفط، وانخفاض انتاج الحبوب، واللجوء إلى الوقود الحيوي، فالمضاربون على أسعار المواد الاستهلاكية، مثلاً، يفعلون فعلهم بمضارباتهم الجهنمية دون أن يكون هناك أي سبب وجيه لذلك سوى الإثراء السريع على حساب حوالي مليار جائع في العالم. وهل نسينا أيضاً أن أمريكا تريد تصريف ملايين الأطنان من الحبوب والخضار والفواكه المعدلة جينياً التي يقاطعها الأمريكيون والأوروبيون والصينيون واليابانيون، فعملت مع أذرعها الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية على رفع الأسعار بقصد بيع مخرونها الهائل من السلع المعدلة وراثياً للشعوب الجائعة، أو تلك التي بدأت تعاني من ارتفاع المواد الاستهلاكية؟ فلماذا نسمح للمتلاعبين بأقوات الشعوب أن يدفعونا إلى الزاوية، ويجوعونا إذا كان بإمكاننا أن نضربهم حيث يتألمون؟ لماذا لا نجرب سلاح الإفلاس كما يفعل الإسرائيليون والمتعاطفون معهم في الغرب، إذا كانت تلك الوسيلة مجربة وناجعة إلى أبعد الحدود؟ لماذا لا تشن الشعوب هجوماً معاكساً على شياطين السوق؟

    يذكر الدكتور وسام قندلا مؤسس جمعية الأطباء لحقوق الإنسان في بريطانيا أنه "في عام 1982 كان هناك في لندن مجلة طبية عامة مرغوبة توزع مجاناً على الأطباء في إنجلترا، نشرت مقالات عدة كان يكتبها الأستاذ كارل صباغ. وفي أحد الأعداد طالب هذا الكاتب من القراء مقاطعة الأولمبياد الطبي الذي كان مقرراً أن يعقد في إسرائيل بسبب سياسة رئيس وزرائها، آنذاك مناحيم بيغن الدموية تجاه العرب. وقد أثار ذلك المقال ضجة كبيرة وقتها قام بها العديد من الأطباء اليهود الموالين لإسرائيل، حيث أمطروا إدارة المجلة بوابل من رسائل الاحتجاج، كان الأخطر منها احتجاجات ورسائل بعثوا بها إلى شركات العقاقير الطبية والصحية التي كانت تنشر إعلاناتها على صفحات المجلة، وطلبوا منها التوقف عن الإعلان في تلك المطبوعة، كما أنهم هددوا الأطباء المحتجين أنفسهم بوقف الوصفات الطبية التي تضعها تلك الشركات عن المرضى، مما أدى بالعديد من تلك الشركات إلى وقف إعلاناتها في تلك المجلة. وبعد أسابيع من تلك الحملة استقال رئيس التحرير من منصبه، وبسبب العجز المالي الذي سببته المقاطعة توقفت المجلة عن الصدور، ولم تقم لها قائمة مرة أخرى".

    ويمكن تطبيق المثال أعلاه على الشركات والتجار، وقد شاهدت أنا الأمر بنفسي، فبعد ارتفاع أسعار المازوت في سوريا مثلاً، ارتفع سعر شحنة الرمل المخصص للبناء من ستة آلاف ليرة إلى عشرين ألفاً دفعة واحدة، فتوقف الناس عن شراء الرمل لارتفاع سعره، وللاحتجاج على هذا الغلاء الجنوني المفاجئ. وقد أتى الاحتجاج أوكله فوراً، فقد لاحظت أن شركات بيع الرمل التي كانت في الماضي تجعلك تنتظر أسبوعاً أو أكثر للحصول على "نقلة" رمل، بدأت تتصل بالزبائن، وتعرض عليهم توصيل الرمل إلى ورش البناء خلال ساعات وبنصف السعر الذي فرضته بعد ارتفاع أسعار المازوت. فانخفض سعر الشحنة من عشرين ألفاً إلى عشرة آلاف. صحيح أن السعر ظل مرتفعاً، لكن ضغط المستهلك أعاده إلى جادة الصواب فوراً. باختصار فإن المستهلكين يستطيعون أن يضيقوا الخناق على الشركات والتجار إذا أرادوا بشكل فردي، فكيف إذا تحرك المجتمع المدني، ونظم صفوفه، وراح يقارع التجار الجشعين بطريقة منظمة، ويهددهم بالمقاطعة المدروسة؟

    إن المقاطعة هو السلاح الأبيض الفتاك الذي لا يعرف سره إلا الفرد نفسه، وإذا تم استخدمه بانتظام فهو يساوي أكبر تظاهرة، أو نار أي بندقية. يقول حسن البصري:"إذا غلا الشيء استرخصته بالترك". ولا ضير أبداً في أن تقول عن العنب الذي لا يمكنك أن تطاله بأنه حامض نكاية بالتجار. لقد نصح روبرت غرين مؤلف الكتاب الشهير "كيف تمسك بزمام القوة" نصح الذين يبغون شيئاً، ولا يستطيعون الوصول إليه بأن يظهروا زاهدين به. أما الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان يقول للناس الذين يشتكون له من ارتفاع الإسعار:" أرخصوها أنتم"، فقالوا: "نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة، فتقول أرخصوه أنتم، فهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟"، فقال قولته الشهيرة:" اتركوه لهم!"

    كلمات مفتاحية  :
    اقتصاد

    تعليقات الزوار ()