بتـــــاريخ : 5/13/2008 11:15:44 AM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2316 1


    قُبلة أمازونية.. لكل مشترٍ

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : هشام سليمان | المصدر : www.islamonline.net

    كلمات مفتاحية  :

    شاعر المهجر العراقي أحمد مطر نظم قصيدة اسمها "قبلة بوليسية" يدّعي فيها أن أجهزة الأمن في الدول العربية البوليسية - ومنها بلده بالطبع- ترصد كل شيء عنه، حتى مقدار رغبته إذا ما قبّل يوما زوجته.. هكذا يقول، بل وصل الأمر إلى أن مخبر الدولة "يرْصـدُ وعَـيَ الغفْلـهْ!".

     

     

    أقول نموذجا، أي إن أمازون ليس الوحيد في ذلك المضمار، إنه فقط في المقدمة، وهناك عشرات الآلاف من المواقع في كل الدنيا، بعضها عالمي، بغض النظر عن الجنسية أو المنشأ، تمارس نفس الأساليب، وتلعب بنفس الأدوات أو بأشباهها، الاختلاف فقط في درجة انتهاك الخصوصية، والبراعة في استخلاص البيانات وتحويلها إلى معلومات تكتظ بها الملفات.

     

     

     

    تقرير لوكالة أسوشيتد برس نشره موقع ياهوو، أضاء بعض جوانب الموضوع، وأمدنا ببعض الحقائق المنشودة، منها أن أمازون تلقى مؤخرا امتيازا خولته السلطات في أمريكا بموجبه حق تقصي معلومات عن الأشخاص الذين اشترى عملاؤه هدايا لهم -بمناسبة أو بدون مناسبة- من الموقع.

    وسائل وحيل وأدوات "عبقرية"

     

     

    عبقرية -هذه نسبة لوادي "عبقر" الذي كانت العرب تظن أن الجن تسكنه- لأن الشركة صاحبة أمازون دشن عباقرتها موقعا لمحرك بحث اسمه A9 وأطلقته مؤخرا، شيء جميل، لكنه ليس بريئا.. لماذا؟ لأن المحرك الذي قفز ترتيبه بسرعة البرق بين محركات البحث إلى المرتبة 41 بين عشرات المئات منها، يتذكر كل شيء قام المتصفح أو الباحث بالبحث عنه مهما كثر أو طال عليه الزمان.

     

     

    صرخات انتهاك الخصوصية

     

    المدافعون عن الخصوصية يقولون: إن أمازون يقترب بدرجة خطيرة إلى أن يكون "أخا أكبر" Big Brother يحصي الأنفاس، ويكشف عن القلوب، ويتجول في الأذهان، وأنه يستغل بصورة غير مرضية البيانات التي بحوزته.

    مصطلح "أخ أكبر" هذا بالمناسبة استلهم حديثا من رواية الخيال العلمي للمبدع جورج أورويل بعنوان "1984" Nineteen Eighty-four، التي صدرت عام 1949، فقد استخدم أورويل مصطلح الأخ الأكبر لوصف دكتاتور خيالي يُحكم قبضته على المجتمع، وتنبّأ في الرواية بمستقبل مظلم للبشرية يعيش فيه الأفراد منزوعي الإرادة، وتحت رقابة تامة دائمة من قبل الأخ الأكبر.

    تشيريس هووفنجل رئيس مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية أو Electronic Privacy Information Center تحول إلى ما يمكن تسميته بـ"لعنة أمازون" منذ أن غير الموقع عام 2000 سياسته فيما يتعلق بالخصوصية، ومنح نفسه الحق في تبادل المعلومات الشخصية التي لديه مع الشركات التي يتعامل معها أو مع شركائه، والسبب كما يقول هو "إنهم -أي في أمازون- يجدون دوما طرقا جديدة لاستغلال البيانات الشخصية".

    إن الغفلة عما يحوط بنا من تقنيات التسجيل والتصوير وجمع المعلومات ثمنها باهظ، لذا يقول فرانك موريس -وهو محام في مكتب إبستين بيكر أند جرين بواشنطن العاصمة، باشر قضايا ذات علاقة بموضوعنا-: "فقط أولئك الذين تعرّضوا لتجربة مؤلمة يشعرون بخطورة الأمر، أما الآخرون فالغالب الأعظم منهم غير واعين رغم أهميتها".

    لا أعتقد أن أحدا لا يود لو تخلص من وسواس المراقبة، أو لا يحب ألا يقع ضحية لإساءة استخدام معلوماته الشخصية.

    لذا أحذر من الاستسلام إذا ما دهمنا الواقع الجديد، لمنطق سكوت ماكنيللي الرئيس التنفيذي لشركة صن مايكروسيستمز أثناء عرض لإحدى تقنيات الشركة أمام جمهور من الصحفيين والمحللين "خصوصيتك معدومة على جميع الأحوال.. فدع القلق بشأنها"!

    منطق محبط، وأرى أن مقاومته ومقاومة منتهكي الخصوصية تنبع من المعرفة، ولدي اعتقاد أن من يفعل ذلك يحول نفسه بطبائع الأشياء إلى عدو؛ لذا أردد: اعرف عدوك. مطر يقول في قصيدته:

    فحيثُ سِـرتُ مخبرٌ

    يُلقـي عليَّ ظلّـهْ

    يلْصـقُ بي كالنّمْلـهْ

    يبحثُ في حَقيبـتي

    يسبـحُ في مِحـبرَتي

    يطْلـعُ لي في الحُلْـمِ كُلَّ ليلهْ!

    حتّى إذا قَبّلتُ، يوما، زوجَـتي

    أشعُرُ أنَّ الدولـهْ

    قَـدْ وَضَعَـتْ لي مُخبرا في القُبلـهْ

    يقيسُ حجْـمَ رغبَـتي

    يطْبَعُ بَصمَـة لها عن شَفَتي

    يرْصـدُ وعَـيَ الغفْلـهْ!

    أمازون وإخوته ومن يسيرون على دربه يفعلون ذلك وأكثر.. فحي على الوعي..  حي على الكفاح.

    ماذا في ذلك؟ وما علاقته بموضوعنا؟ الإجابة بسيطة ولن تغيب عن فطنتكم، فالمعلومات التي تجمع عن هؤلاء يتم توجيهها لأمازون الأم، ومن ثم يمكن استخدامها لاحقا في التسويق وخلافه، رغم ادعاء المسئولين عن الموقع حسن النية، وعدم إنكار الاستغلال، مع كون الموقع يبدو خدميا.

    خلاصة القول جاءت على لسان المحلل المختص ديفيد جاريتي عندما قال: "إن التقنيات التي تتوقع بدقة رغبات العملاء والزبائن أصبحت حرجة وحيوية بدرجة فائقة في المنافسة على البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، أو لأولئك الباحثين في التوسع بالبيع أون لاين"، يريد أن يقول: هناك المزيد من الحيل والوسائل في الطريق، ولا رجعة في ذلك أو تخفيف، أو احترام للخصوصية.

    وماذا بعد ذلك؟! تحتفظ الشركة بحق تبادل هذه البيانات التي سوف تخضع للتحليل بطبيعة الحال مع الفرع التسويقي لها، أي فرع أمازون الذي يبيع بالتجزئة.

    أيضا أنشأت شركة أمازون الأم موقعا أسمته “ 43 things”هذا الأخير يبحث في كيفية ربط وإيصال أصحاب الهم أو الهدف الواحد أو الاهتمام المشترك ببعضهم البعض، كأولئك الذين يبحثون عن طوق نجاة من قيد الدين مثلا.

    يعني لم يكتف الموقع بمعلوماته عن عملائه، بل بات من حقه جمع معلومات عمن يقع في دوائر المعارف والأقارب والأصدقاء لهؤلاء العملاء. حجة الموقع في ذلك أن جمع المعلومات هي أفضل طريقة لإبقاء عملائه سعداء! وبناء علاقة دافئة وحميمة معهم من خلال تلك المعلومات هي الوسيلة الأمثل لتحقيق رضاهم.

    وشعار الموقع وهو يسعى لتحقيق هدفه "اجمع معلومات كثيرة بقدر المستطاع" كما جاء على لسان وارنر فوجلز مدير تقنيات أمازون.

    وإضافة لما سبق عما يرصده الموقع من دواخل عملائه وجاء في صدر المقال، فإن الموقع بنى وسائل تكنولوجية معقدة للغاية تدفع عملاءه لمزيد من الشراء أو الاستهلاك، وتوجه بحثهم إلى منتجات بحسب البيانات المخزنة عنهم هم أكثر الناس قبولا لشرائها، ويصل الأمر لحد المفاجأة، حتى إنه ليفاجئهم أحيانا بالنصح بعدم شراء منتجات بعينها، ككتاب سبق شراؤه منذ 3 سنوات مثلا.

    تصور مثلا أن شخصا اشترى أسطوانة لفيلم "آلام المسيح"، فإن الموقع على الفور سوف يرشح له أسطوانة فيلم "مملكة السماء".. لماذا؟ لأنهم بعد تحليل مبيعاتهم لاحظوا أن معظم من اشتروا الأول قاموا بشراء الثاني.

    أي إن "رصد وعي الغفلة" كما يقول مطر يمارسه الموقع حقيقة لا مجازا ولا تزيدا، إذ لديه من الوسائل والتقنيات والبرمجيات ما يكفل للقائمين عليه رصد ما يعيه العميل، ومثال ذلك: "ماذا يشتري عملاؤه؟"، وبدرجة أقل وعيا: "ماذا قاموا بترشيحه لغيرهم ليشتروه؟"، وما يغفل عنه العملاء مثل: "ماذا قاموا بتصفحه لكنهم أبدا ما اشتروه؟"، خاصة عندما يطول الزمان ويعفى على ذلك، لكن هناك سجلات تسجل كل شيء، ثم رصد وعي الغفلة لدى العملاء ومثال ذلك: "ماذا يتمنون أن يشتريه أحدا ويهديه لهم؟".

    رصد تفاصيل التفاصيل

    المهم.. اختياري للخوض في هذا الشأن مبعثه أن طوفان العولمة الذي اجتاح أركان البسيطة -ومنها منطقتنا- يوشك أن يلقي بظلاله عليها فيما يختص بمسألة البيع عن طريق الإنترنت والتسويق بها، بل إن طلائع هذا الظل طالت بالفعل منطقة الخليج الغنية وأورفت، وحتى في باقي الدول الفقيرة أو التي يلهث سواد شعوبها المعدمة وراء لقمة العيش، هناك نخب اجتماعية تتعامل بنفس المعاملات ودائرة التعامل بمثل هذه الطرق النخبوية في اتساع.

    وحيث إن بضع عشرات أو مئات من المواقع العربية والإسلامية دخلت الحلبة وراء المواقع العالمية وهي على آثارها تهرع، أعتبر أن إلقاء شيء من الضوء على بعض الحقائق التي تكتنف عملية البيع على الإنترنت أمر هام، وأنا أدعو غيري أيضا للخوض فيه، وتكثيف دائرة الضوء حوله حتى تتضح لنا معالمه.

    أمازون.. أكبر وأشهر وأوسع موقع بيع بالتجزئة على الإنترنت يفعل ما هو أكثر من ذلك، ولكن بطريقة "ألطف" أو لنقل "أكثر أناقة"، لدرجة أنه يجمع معلومات مفصلة عما يشتري عملاؤه، وما يفكرون في شرائه، وما قاموا بتصفحه، لكنهم أبدا ما اشتروه، وما قاموا بترشيحه لغيرهم لشرائه، بل ما يتمنون أن يشتريه أحد ويهديه لهم.

    أمازون كنموذج للتسويق والبيع على الإنترنت لا يقف عند هذا الحد بل يتخطاه إلى أفق جد بعيد، يمكن اعتباره معه "وكالة استخبارات إنترنتية" أو "Internet Intelligence agency" ولكنها خاصة، وهذا –للعلم- مصطلح من عندياتي صككته لتوي. وأرشح وسائله وأساليبه لأجهزة الدول البوليسية إياها، بدلا من الأساليب السمجة أو الأدوات العتيقة.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()