زكاة عروض التجارة

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ابن جبرين | المصدر : www.ibn-jebreen.com

وأما عروض التجارة:
وهو كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح: فإنه يقوم إذا حال الحول بالأحظ للمساكين من ذهب وفضة، ويجب فيه: ربع العشر.


زكاة عروض التجارة
قوله: (وأما عروض التجارة، وهو كل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح: فإنه يقوم إذا حال الحول... إلخ):
ذكرنا فيما مضى: إن عروض التجارة هي كل ما يعرض للبيع من كبير أو صغير أو كثير أو قليل، من عقار أو نقود، فكل ما أعد للبيع والشراء لأجل الربح فإنه يقوم إذا حال عليه الحول بالأحظ والأنفع للمساكين من ذهب وفضة ويجب فيه ربع العشر.
ويدخل في ذلك العقار، فالذي يعمل في العمار يشتري الأرض ثم يبيعها بربح بعد يوم أو شهر أو أكثر أو أقل، أو يشتري العمارات والفلل وكل ذلك لأجل الربح، ففي هذا زكاة.
ويدخل في ذلك المنقولات ولو كانت ثقيلة، كالسيارات، والماكينات والمضخات، والثلاجات، فأصحاب المعارض الذين يشترون السيارات ثم يبيعونها، وكذلك أصحاب الماكينات وأصحاب المضخات وأصحاب الثلاجات، وما أشبهها، كل هؤلاء يشترون السلع لأجل الربح فيها، فتقوم هذه السلع كل سنة ثم يزكى ثمنها.
ويكون تقديرها بالأحظ والأنفع للمساكين والفقراء، فإذا كان الأحظ لهم تقديرها بالدراهم، قدرناها بالدراهم، وإذا كان الأحظ تقديرها بالدنانير أي الذهب قدرناها بالذهب، فلو كانت مثلا إذا قدرناها بالدراهم لا تساوي إلا مائة وتسعين أي أقل من النصاب، وإذا قدرناها بالذهب ساوت اثني عشر جنيها، فالأحظ للفقراء تقديرها بالذهب، حتى يكون فيها زكاة.
وكذلك العكس: فلو مثلا ثمنا هذه السلع فكانت بالجنيه عشرة جنيهات، وإذا ثمناها بالدراهم صارت ألفين، فيكون الأحظ للفقراء تثمينها بالدراهم؛ لأنها أكثر وأحظ للفقراء وأجلب للمنفعة.
مسالة:
معلوم أن السلع تتعرض للزيادة والنقص في أسعارها، فقد ينقص سعرها عن وقت الشراء وقد يزيد، فكيف تقدر في هذه الحالة؟
الجواب: نوضح ذلك بمثال:
رجل اشترى سلعة بمائة ريال وبقيت في مستودعه ستة أشهر ثم حال عليها الحول فننظر كم قيمتها الآن؟ فإن كانت قيمتها الآن رخيصة ما تساوي إلا ثلاثين أو خمسين فإنها تزكى بقيمتها التي تساويها الآن. وهكذا لو زاد سعرها فأصبحت مائة وخمسين فإنها تزكى بما تساويها الآن، ولا تزكى بالثمن الذي اشتراها به.
وإذا كانت السلعة تباع بثمنين، ثمن للجملة، وثمن للمفرق، فكيف تزكى؟
الجواب: يقدرها ببيع الجملة؛ وذلك لأنا ثمناها جملة، ولا ينظر إلى ثمنها الذي اشتراها به لأنها تتغير.
وجوب زكاة العروض
لا شك أن التجارات الآن هي أغلب أموال الناس، وهي التي تكون فيها الزكوات كثيرا. فأكثر تجارة التجار في العروض، فمنهم: من تجارته في العقار فيقدرها ويزكيهـا، ومنهم: من تجارته في السيارات كأصحاب المعارض فيقدرها، ومنهم من تجارته في قطع الغيار للسيارات ونحوها فيقدرها في الحول، ومنهم من تجارته في الأدوات الكهربائية، ومنهم: من تجارته في الأكسية والألبسة ونحوها، ومنهم من تجارته في الأطعمة والمواد الغذائية، ومنهم من تجارته في الأواني والمواعين وما أشبهها، ومنهم من تجارته في الفرش واللحف وما أشبهها، ومنهم من تجارته في الكتب والرسائل إلى غير ذلك كما هو معروف.
فلو أنا أسقطنا الزكاة عن هؤلاء قلت المنفعة، وقلت الزكاة التي تصرف للمساكين، ولم يأتهم إلا زكاة النقدين وهي قليلة، أو زكاة المواشي، أو زكاة الخارج من الأرض، فيحصل من ذلك ضرر على الفقراء والمحتاجين، فلا شك أن عروض التجارة مما تجب فيها الزكاة.
وقد أجمع علماء الأمة على أن عروض التجارة فيها زكاة، وقد خالف في ذلك الشيخ الألباني عفا الله عنه، ولا أعلم أحدا خالف في ذلك قبله، فقد نشر في بعض تعاليقه: إن العروض لا تجب فيها زكاة، وليس عليهم إلا أن يتصدقوا تبرعا، فخالف بذلك الإجماع وسبب ذلك أنه تكلم على الحديث الذي رواه الحسن عن سمرة:

كنا نعد الزكاة من كل شيء نعده للبيع

فلما لم يكن هذا الحديث صحيحا على شرطه، قال بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة، وكأنه لم يطلع على حديث آخر فيه دليل على زكاة العروض، فقال: إذا لم يثبت هذا الحديث فإنه لم يثبت في العروض حديث، ولهذا فإنه لا زكاة فيها، ومن أراد الصدقة تصدق تطوعا، وإلا فلا، وخالف بذلك الإجماع.
ثم خالف الآيات الصريحة في قوله تعالى:

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103] أليست عروض التجارة هي أغلب الأموال؟ لا شك أنها أغلب أموال الناس قديما وحديثا، فالله قد أمر بالأخذ. كذلك قوله تعالى:

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 24، 25] وفي آية أخرى:

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: 19] أليست أموالهم هذه يدخل فيها أموال عروض التجارة؟ لا شك أنها تدخل بطريق الأولى، فإذا أسقطنا منها الزكاة فماذا بقي؟!
كذلك أيضا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث لأصحاب الأموال من يجمع الزكاة منهم، كالحديث الذي في الصحيح عن أبي هريرة: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث عمر على الزكاة
- أي زكاة أهل المدينة- فجاء في الحديث: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس بن عبد المطلب. وهؤلاء ليسوا أصحاب حروث، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-

ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله

والغالب أن سبب اغتناء الفقير هو مضاربته إلي التجارة، ثم قال:

وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا إنه قد احتبس أدرعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس فعم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهي علي ومثلها معها

كل هؤلاء ما عندهم إلا التجارة، لكن خالدا عنده دروع ورماح قد جعلها وقفا لقتال المشركين، فليس عنده شيء يزكيه، وهذه الدروع والرماح لم يعرضها للبيع، إنما أوقفها في سبيل الله، أي: احتبس أدرعه وأعتده وخيله ونحوها في سبيل الله، ولم يجعلها تجارة، فاعتذر عنه.
وأما العباس فكان أيضا يتعاطى التجارة ولما هاجر إلى المدينة لم يكن عنده إلا التجارة، لم يكن صاحب ماشية، ولا صاحب بستان، لم يكن عنده إلا التجارة، إذا فهذا دليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرسل من يقبض من التجار الذين هم أصحاب التجارات يقبض منهم زكواتهم، أليس ذلك دليلا؟ ولكنه فات ذلك على الشيخ الألباني عفا الله عنه فجزم بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة في تعليقه على هذا الحديث عند تخريجه لأحاديث كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق، وقد روى البيهقي عن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة.
فالحاصل: إن إجماع الأمة من كل مذهب ثابت على أن عروض التجارة فيها زكاة، وأنها كل ما أعد للبيع والشراء. وإن لم يصح حديث سمرة فقد صح فيه فعل الصحابة وصح العمل عليها، حتى ذكروا أن عمر رضي الله عنه في خلافته مر عليه أحد الموالي يحمل جلودا فأوقفه، وقال: هل أديت زكاتها؟ فقال: ما عندي إلا هذه ولم تبلغ نصابا فهذه جلود أنعام ذهب بها ليبيعها ولو بلغت نصابا لأخذ زكاتها، وهذا دليل على أنهم كانوا يأخذون الزكاة على كل شيء يباع.