الواجب نحو أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر فضائلهم.

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ابن جبرين | المصدر : www.ibn-jebreen.com

[فصل: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول صلى الله عليه وسلم ؛ كما وصفهم الله به في قوله تعالى : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ الحشر: 10 ] وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ] .


(الشرح) قوله: (فصل: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم...):
هذا الفصل تكلم فيه المؤلف رحمه الله عن الصحابة وأطال فيه وفصَّل.

والسبب في ذلك أن الرافضة ابتلوا بسب الصحابة، وتسلطوا عليهم، فصاروا يكفرونهم ويضللونهم.
وحيث إن الصحابة هم الواسطة بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الطعن فيهم طعن في الشرع كله؛ وذلك لأننا بواسطتهم عرفنا الإسلام، فهم الذين نقلوا لنا القرآن، ونقلوا لنا الأحاديث بعد أن سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين نقلوا الأعمال التي عملها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في زمنه، فهم الذين نقلوا لنا الحلال والحرام والفرض والواجب والمستحب والمكروه، وهم الذين نقلوا لنا الأذان على هذه الهيئة، والمواقيت علي تلك الكيفية، والصلوات على هذا العدد وكذلك بقية الأعمال، كالصوم والجهاد والحج وما أشبهه.
كل ذلك إنما تلقاه المسلمون بواسطة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما كان كذلك كان الطعن عليهم طعنا في الإسلام، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالتبليغ لمن بعدهم وقال:
ليبلغ الشاهد منكم الغائب وقال: بلغوا عني ولو آية .
وحيث إن الصحابة هم الذين قرءوا القرآن بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك سمعوا أحاديثه، ورأوا أفعاله وأعماله ونقلوها لمن بعدهم، وتقبلتها الأمة التي نقلت عنهم، فإن إجماع الأمة على ثقتهم وعلى عدالتهم وعلى قبول رواياتهم، تزكية لهم.
فالتابعون قبلوا منهم فدل على أنهم أهل أن تقبل منهم روايتهم، وكذلك أبناؤهم وتلامذتهم قبلوا منهم وزكوهم، ثم اتفق أئمة الجرح والتعديل على أن الصحابة لا يجوز الطعن فيهم، تقبل روايتهم كلهم، فقالوا: إن الصحابة كلهم عدول، فليس في الصحابة من يُطعن فيه، لا في عقيدته، ولا لبدعة فيه، ولا لسوء حفظ، ولا لتهمة بكذب، بل مع كثرة التتبع لأحاديثهم، شهدوا لهم بأنهم أهل العدالة والأمانة والذكاء، والحفظ والصدق، فلم يردوا رواية واحد منهم متى ثبتت عنه، فتزكية الأمة لهم دليل على عدالتهم.
أما أسباب الطعن فيهم فقد حدثت من الرافضة، وكان الرافضة أولا ما بلغوا إلى درجة السب واللعن، كان منبعهم من العراق وذلك لأنه في زمن بني أمية، ابتلي بعض الولاة بسب علي رضي الله عنه على المنابر، وبتنقصه وعيبه، وبتزكية ولاة بني أمية والشهادة لهم، فكان هناك بعض من يحب عليا محبة شديدة من أهل العراق الذين أسلموا على يديه، وتعلموا على يديه، فكانوا يسمعون هذا السباب وهذا اللعن فيسوؤهم ويحزنهم، ولا يجدون مجالا للإفصاح بما في نفوسهم، ولا يستطيعون الرد على أولئك الولاة والأمراء مخافة الضرب والتعذيب.

ففكروا في إنشاء جماعات فيما بينهم، يجتمعون في بيت أحدهم، ويتذاكرون فضائل علي رضي الله عنه وآثاره الحسنة ومزاياه، ثم دخل معهم بعض الجهلة، وصاروا يسمعون هذه الفضائل ثم أخذوا ينقلونها إلى غيرهم ممن هم على نِحْلَتِهِم، وكان من بين هؤلاء من استحل المبالغة والكذب والزيادة، وحملتهم محبتهم لأهل البيت- علي وذريته- على أن يزيدوا، فزادوا في فضائله وفضائل أهل بيته ما ليس بصحيح، فسمع هذه الأكاذيب بعض الجهلة والدهماء فاعتقدوا أنه أفضل من الخلفاء، فعند ذلك طعنوا في الخلفاء، وأصبحوا يتتبعون أخطاء الخلفاء أو ما يظنونه هم أخطاء ويطعنون عليهم بسببها، ثم زاد الأمر، فلم يتركوا واحدا من الصحابة إلا سبوه وكذبوا عليه، ورموه بمفتريات وطعنوا فيه بطعون.
فمنهم من وصل طعنه إلى الخلفاء الراشدين، وسيأتينا قي هذه العقيدة- إن شاء الله- بيان تزكية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لهم، وهو قدوة هؤلاء والمُعَظَّم عندهم. وتجاوز آخرون ذلك فغلوا في علي وادعوا أنه أحق بالرسالة،، وزعموا أن جبريل أُمِرَ بأن ينزل بالوحي على عليٍّ ولكنه صرف الوحي إلى محمد ولذلك يقولون: خان الأمين، وصدها عن حيدر
الأمين هو جبريل وحيدر هو علي ؛ بمعنى أن جبريل انحاز وصرف الرسالة والوحي من حيدر إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
وجاء شيطان آخر فأوقعهم فيما هو أكبر من جعل الرسالة لعلي وهو ادعاء الإلهية فيه، أي أن عليا هو الله وهو المعبود، وقد قيل ذلك في حياة علي رضي الله عنه، وكان أول من قال بذلك هو عبد الله بن سبأ وكان يهوديا دخل في الإسلام زندقة ليفسد على المسلمين دينهم وعبادتهم وإسلامهم ، فانخدع به أناس كثير وقال لهم: اسجدوا لعلي فإنه ربكم، فلما خرج عليٌّ مرة سجدوا له كما يسجدون في الصلاة ، فسألهم وقال: ما بالكم؟ قالوا: أنت إلهنا.
عند ذلك استتابهم فأبوا أن يتوبوا، فحفر لهم أخاديد وأوقد فيها نارا، ومن لم يتب قذفه في النار وأحرقه، فتمسكوا بعقيدتهم أكثر وقالوا: الآن أيقنا بأنك إله لأنك عذبت بالنار، ولا يعذب بالنار إلا رب النار!! وكانوا يقذفون بأنفسهم في تلك النار ويقولون:
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [ طه: 84] فأنكر عليهم علي ذلك وخَدَّ لهم الأخاديد وجعل يقول:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا أججت ناري ودعوت قنبرا

وقنبر هو غلام علي رضي الله عنه.
فالحاصل أن هذه العقيدة- وهي اعتقادهم أن عليا هو الله- لم تقتصر على ابن سبأ ومن كان في زمنه بل لا يزال من يعتنقها إلى الآن في فرقة يقال لهم: القرامطة والباطنية من غلاة الرافضة، يزعمون أن عليا هو الله، وأن محمدا هو الرسول، وأن سلمان هو ملك الوحي، وكانوا من الفرس فغلوا في سلمان لأنه فارسي منهم .

وزاد غلوهم حتى إنهم كانوا يقولون: أشهد أن لا إله إلا حيدرة الأنزع البطين، ولا حجاب عليه إلا محمد الصادق الأمين، ولا مندوب له إلا سلمان ذو القوة المتين.
فالحاصل أن أول أمر الرافضة كان تفضيلا لعلي وبحثا في فضائله وجمعا لها، فدخل معهم بعض الجهلة فولدوا أكاذيب وسبوا الصحابة، وقالوا: إن الصحابة أعداء له، ولا يتم حبنا لعلي إلا إذا أبغضنا كل الصحابة؛ لأنهم أعداء لعلي وزادت طائفة أخرى فوصل بهم الأمر إلى أن جعلوه أولى بالرسالة، وزادت طائفة أخرى إلى أن جعلوه إلها وخالقا وربا فتعالى الله عن ذلك .
والذين يعبدونه الآن لا يقتصرون عند هذه العقيدة، فإنك تسمعهم في المطاف يطوفون بالبيت وهم يدعونه، ونسمعهم وهم في عرفة التي هي الموقف الأعظم ومعهم كتب قد يبلغ الواحد منها مجلدا كبيرا، ليس فيه إلا دعاء علي ووصفه بأوصاف لا يستحقها إلا الخالق؛ يا علي الذي يملك الخلق والأمر، يا علي الذي يملك النفع والضر، يا علي الذي يملك العطاء والمنع، يا علي الذي يتصرف في الكون كيف يشاء.
وإذا تأملت تلك الأوصاف فإذا هي متفرعة عن عقيدة الذين يزعمون أنه هو الله.
فالحاصل أن المسلمين اهتموا بذكر فضائل الصحابة ليردوا بذلك عقيدة الرافضة ونحوهم.
والرافضة يسمون أنفسهم شيعة، يعني أنهم شايعوا عليا أي أنهم أشياعه وأعوانه وأحبابه وأنصاره، ولكن أهل السنة والجماعة يسمونهم رافضة، فأهل الإسلام قلوبهم سليمة لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم؛ لأن الله تعالى مدحهم بذلك في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ الحشر:10].
فطلبوا من ربهم ألا يجعل في قلوبهم غلا لأهل الإيمان، ومن المعلوم أن أولى الناس بالإيمان من هذه الأمة هم الصحابة لسبقهم وفضيلتهم، فكل من جاء بعدهم داعيا لهم فهو من أهل هذه الآية، ومن جاء بعدهم مكفرًا لهم فليس من أهل هذه الآية، ولا يستحق الثناء ولا المدح المذكور في هذه الآية .
الرافضة يزعمون أن الصحابة قد خانوا في القرآن، وقد كتموا منه، وأخفوا منه شيئا كثيرا، أخفوا أكثر من ثلثيه، وستروا فضائل أهل البيت وفضائل علي رضي الله عنه.
وكل ذلك كذب؛ لأن عليا رضي الله عنه إنما كان يصلي بهذا القرآن، وحفظ عنه الصحابة القرآن، فكيف يكون هناك قرآن لم يقرأه وهو يعرفه.
كذلك المسلمون يحفظون وصية النبي صلى الله عليه و سلم في أصحابه حيث أوصاهم بأصحابه خيرا، ثبت أن عبد الرحمن بن عوف كان من السابقين الأولين، وخالد بن الوليد كان من الذين أسلموا متأخرين في سنة ثمان، تَسَابَّا فقال النبي صلى الله عليه و سلم لخالد
لا تسبوا أصحابي- يعني القدماء- فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه والمد هو ربع الصاع، والنصيف يعني نصف المد؛ يعني لو أنفقتم ذهبا مثل جبل أحد الذي يضرب به المثل في الكبر، أنفقتموه في سبيل الله، وأنفق أحدهم مدا أو نصف مد من طعام لكان ذلك أفضل؛ وذلك لأنهم تبعوا الرسول في زمن الشدة، وصبروا على البلوى وعلى الأذى، وأنفقوا وهم محتاجون إلى مَن ينفق عليهم، وتركوا أموالهم وأولادهم وبلادهم لله تعالى، فكيف يقاس بهم غيرهم؟ وهذا أيضا يلحق به غيرهم، فإن كل الصحابة الذين أسلموا مع الرسول وناصروه لهم فضل الصحبة.
فالحاصل أن أهل السنة يحفظون وصية النبي صلى الله عليه وسلم هذه لأصحابه، ولذلك فإنهم يعترفون بفضل الصحابة رضي الله عنهم.


-40-