مستقبل السودان بعد انفصال الجنوب

الناقل : فراولة الزملكاوية | الكاتب الأصلى : د. مدثر أحمد إسماعيل | المصدر : almoslim.net

 

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده!

 

 

بدأت عجلة الأزمة تتسارعُ، ويقترب توقيتُ الاستفتاء على فصل جنوب السودان أو بقائه متَّحداً0 والحقيقة المرّة التي يعلمها كبارُ السَّاسة في السودان: أنّ عملية الاستفتاء ما هي إلا تحصيل حاصل([1])؟

فحكومة الجنوب فعلياً منفصلة عن حكومة الشمال قبل الاستفتاء، وما تملك حكومة الشمال في أرض الجنوب من قطمير، لا سياسياً ولا أمنياً ولا عسكرياً، ناهيك عن المحافظة على البقيَّة الباقية من تراث المسلمين إن جازت التسمية -لما بقي من لونٍ إسلاميٍّ أو عروبيٍّ- بالتراث؟

 

 

كما يعلم كبار السّاسة -وللأسف الشَّديد- أنَّ الوضع في السودان لن يستقرَّ بمجرد  انفصال الجنوب، وإنما ستكون هناك بؤر توتُّر مستمرة بين الشمال والجنوب، وأنَّ تقرير المصير في جنوب السودان لن يكون آخرَ تقرير مصير في السودان، فهناك دارفور التي يتصاعد فيها الآن الحديثُ عن العمل المسلح لإسقاط النظام، كما يتصاعد تدريجيًّا الحديث عن تقرير المصير. وليس دارفور وحدها، بل هناك أيضاً منطقتا جبال النُّوبة والنيل الأزرق، اللتين تقول بعض القيادات الجنوبية: إنّهما سيلحقان عاجلاً أم آجلاً بالجنوب، باعتبارهما جزءاً من نضاله على حدِّ تعبيرهم(

[2])

 

 

وكم هي الحقائق المُرّة التي يتغافل عنها كبار الساسة، ولا يتعاملون حيالها بما يمليه عليهم دينُهم، إن كانوا بما في دينهم يعلمون أو يعملون!!

فهل يا تُرى غاب عن علمهم أنّ عملية الانفصال سوف تواجهها مجموعة معقَّدة من التحديات([3])، أهمُّها -على سبيل المثال وليس الحصر- الوجودُ الإسرائيليُّ القويُّ ضمن اللعبة، فإسرائيل عملت منذ فتره ليست بالقصيرة على استمالة زعماء التمرد في الجنوب، ودعمهم وتسليحهم وتدريب العصابات التي يتزعَّمونها, كما عملت جاهدةً على استمالة حركات التمرُّد والانفصال في دارفور.

 

 

يقول آفي ديختر وزير الأمن الصهيوني، في محاضرة ألقاها في 4 سبتمبر الماضي 2008م، فىمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلى:

"يتساءل البعضُ في إسرائيل: لماذا نهتم بالسودان،ونعطيه هذا القدر من الأهمية؟ ولماذا التدخل في شئونه الداخليَّة فى الجنوب سابقاً،وفى الغرب -دارفور حاليًّا- طالما أنَّ السودان لا يجاورنا جغرافياً، وطالما أنَّ مشاركتهفى إسرائيل معدومة أو هامشية، وارتباطه بقضية فلسطين حتى نهاية الثمانينات ارتباطٌ واهـٍ وهشّ؟

وحتى لا نُطيل فى الإجابة، يتعيَّن أن نسجل هنا عدة نقاط محورية، تكفىلتقديم إجابات على هذه التساؤلات:

*السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه، كانمن الممكن أن يصبح دولة إقليميَّة قويَّة منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراقوالسعودية.

* لا يجب أن يُسمح لهذاالبلد رغم بعده عنا، أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربيّ؛ لأنَّ موارده إن استمرتفي ظل أوضاع مستقرة، ستجعل منه قوةً يُحسب لها ألف حساب.

* لابد أن نعمل على إضعاف السودان، وانتزاع المبادرة منه لبناء دولةقوية موحدة، رغم أنَّها تعد بالتعددية الإثنية والطائفية".

 وراح ديختر يورد المعطياتعن وقائع الدور الإسرائيلي في إشعال الصراع فى جنوب السودان، انطلاقاً من مرتكزات قدأقيمت فى أثيوبيا وفى أوغندا وكينيا وزائير سابقاً الكونغو الديمقراطية حالياً،  وقال:

"*إنَّ جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل، من بنجوريون، وليفى أشكول، وجولدا مائير، وإسحاق رابين، ومناحم بيجين، ثم شامير، وشارون،وأولمرت، تبنوا الخط الاستراتيجىّ فى التعاطي مع السودان، الذي يرتكز على تفجير بؤرةوأزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب وفى أعقاب ذلك فى دارفور.

*ما أقدمنا عليه من جهود على مدى ثلاثة عقود، يجب أن لا يتوقف؛ لأن تلكالجهود. 000 تضع نصبأعينها أنَّ "سوداناً" ضعيفاً ومجزأً وهشّاً، أفضلُ من "سودانٍ" قويٍّ وموحد وفاعل.

* من واجبنا الأدبيِّ والأخلاقيِّ أن ندعم تطلعاتِ وطموحاتِسكان الجنوب ودارفور. حركتُنا فى دارفور لم تعد قاصرةً على الجانب الرسميِّ، وعلى نشاطأجهزة معينةٍ. المجتمع الإسرائيلى بمنظماته المدنية وقواه وحركاته وامتداداتها فىالخارج، تقوم بواجبها لصالح سكان دارفور.

 

 

* الموقف الذي أعِّبر عنه بصفتى وزيراً إزاءما يدور فى دارفور من فظائع وعمليات إبادة ومذابح جماعية، هو موقف شخصيٌّ وشعبيٌّ ورسميٌّ.
* من هنا، نحن متواجدون فى دارفور، لوقف الفظائع، وفى ذات الوقت لتأكيد خطِّناالإستراتيجيِّ من أنَّ دارفور كجنوب السودان من حقِّه أن يتمتَّع بالاستقلال وإدارة شؤونهبنفسه، ووضع حدٍّ لنظام السيطرة المفروض عُنوةً من قبل حكومة الخرطوم.

* لحسن الطالعأنَّ العالم يتَّفق معنا، من أنه لا بدَّ من التدخل فى دارفور، سياسيًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا،الدور الأمريكيُّ فى دارفور دور مؤثِّر وفعَّال، ومن الطَّبيعيِّ أن يُسهم أيضاً فى تفعيل الدورالإسرائيلي ويسانده.

*صانعو القرار في إسرائيل،  كانوا من أوائل المبادرين الى وضع خطة للتدخل الإسرائيليِّ فى دارفور 2003م، والفضليعود الى رئيس الوزراء السابق إرييل شارون، فى كلمة ألقاها خلال اجتماع الحكومة فىعام 2003م: "حان الوقت للتدخل فى غرب السودان، وبنفس الآلية والوسائل، وبنفس أهدافتدخلنا فى جنوب السودان!"
وعندما سُئل ديختر: ما هي نظرته إلى مستقبلالسودان على خلفية أزماته المستعصية فى الجنوب وفى الغرب، والاضطراب السياسيّ وعدمالاستقرار فى الشمال وفى مركز القرار الخرطوم؟ هذا السؤال طرحه نائب وزير الدفاعالسابق جنرال الاحتياط إفرايم سنيه.

رد ديختر على هذا السؤال بقوله:

"هناك قوىدولية تتزعَّمها الولايات المتحدة، مصرة على التدخل المكثف فى السودان لصالح خياراتتتعلق بضرورة أن يستقلَّ جنوب السودان، وكذلك إقليم دارفور على غرار استقلال إقليمكوسوفو.

* السودان فى ظل أوضاعه المتردية والصراعات المحتدمة فى جنوبهوغربه، وحتى فى شرقه، غيرُ قادرٍ على التأثير بعمق فى بيئته العربية والأفريقية؛ لأنهمتورط ومشتبك فى صراعات ستنتهي -إن عاجلاً أو آجلاً- بتقسيمه الى عدة كيانات ودول، مثليوغوسلافيا التي انقسمت إلى عدة دول: البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفو ومقدونياوصربيا، ويبقى السؤال عالقاً: متى؟"([4])

بعد هذه النقولات الهامة والخطرة، يأتي سؤال هامّ:

 

 

 

هل سيعقب الانفصالَ ازدهارٌ ورخاءٌ كما يتمنّى ويُمنّى البعضُ، ويكون بين الشمال والجنوب التعايش وحسن الجوار، أم سيكون الأمر عكس ذلك؟

والإجابة عليه تكون من خلال التَّتبُّع والاستقراء للاتفاقية والمخاض العسير الذي لا زالت تمرُّ به مع استصحاب النُّقولات السابقة!

 فالاستقرار والازدهار في السودان الشمالي، بعد إعلان الانفصال، قد يكون سرابأ بقيعة حسبته الإنقاذُ ماءً، حتى إذا جاءته لم تجده شيئاً!  

إنّ عملية انفصال الجنوب، ليست بمثل هذه البساطة التي توحي بها أحاديث البعض.. كما أنّ آثارَها لن تتوقف عند جنوب السودان أو شماله، بل سوف تشمل وتؤثر على دوائر أكثر اتساعاً بكثير، وستبدأ الحلقة الثَّانية من مسلسل السودان الجديد([5]).

 لذا فإنّ الواجب المتحتم على الغيورين والحادبين، أن ينظروا النظر العميق وبأقصى درجةٍ من الوضوح والموضوعيَّة، فى مآلات هذا الوضع الحرج والخطر في آنٍ واحد، ومن ثمّ تحديدُ خطوات عمليَّة، لمواجهة هذا المستقبل، وإدارة الصراع مع الخصوم بمنهجية سياسية إسلامية شرعية.

وقد أحسن الطيب زين العابدين في سرد المآلات والمخاطر والمحاذير الناجمة عن انفصال الجنوب، وهذه نُبَذٌ ومقتطفات مما كتبه([6]):

 

 

"التحديات الأمنية:

هناك ستة تحديات أمنية متوقعة، يُخشى منها على استقرار السودان في الشمال والجنوب، إذا ما وقع الانفصال بين الإقليمين:

حرب بين الشمال والجنوب، بسبب الاختلاف على ترسيم الحدود في منطقة أبيى أو غيرها، من حدود 1956م التي لم تُحسم بعد، أو تنفيذ قانون الاستفتاء حول تبعيَّة أبيى أو القبول بنتيجته، أو عدم الاتفاق على حلِّ قضايا ما بعد الانفصال التي نصّ عليها قانون الاستفتاء: الجنسية، العملة، الخدمة العامة، الوحدات المدمجة والأمن الوطنيّ والمخابرات، الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، الأصول والديون، حقول النفط وإنتاجه وترحيله وتصديره، العقود والبيئة في حقول النفط، المياه، الملكية، أيُّ مسائل أخرى يتفق عليها الطرفان).إهـ

واحتماليَّة هذه الحرب كبيرة، فقد كشفت تقارير الدوائر الغربية مؤخراً، أنَّ سنوات الهدنة الخمس الماضية، تمَّ استغلالُها بشكل ملفت للانتباه، في تسليح الجنوب، وتأهيل ما يُسمى الجيش الجنوبي، والذي لم يدمج حتى الآن في الجبش المركزي للدولة، حيث  وصل الأمر إلى إنشاء قوات جوية وبحرية وبرية  وقواعد عسكرية، بلغت تكاليفها بحدود   2,5 مليار بدعوى تحديث قوات الجنوب, ناهيك عن مساعدة دول الجوار الأفريقي في الدعم العسكري للمتمردين، مثل إثيوبيا  وأوغندا وغيرها، من خلال سفن  الأسلحة المحملة للمتمردين في جنوب السودان، والتي تم اختطافُها قبالة  السواحل الصومالية0

كما أنَّ تقاسم أموال النفط حسب اتفاقية نيفاشا، بين الشَّمال والجنوب  أتاح لحكومة جنوب السودان  مبلغاً شهريَّاً يتراوح بين 160-240 مليون دولار من نصيبها في بيع النفط السوداني، وهذا كلُّه ينفق على الاستعدادات العسكرية والتسليح، ولا ينفق منه شيْ على التنمية أو تحديث البنية التحتية، بالإضافة إلى  أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم دعماً تبلغ قيمته مليار دولار سنويَّاً للحركة الانفصالية، بحجة صرفها  على إنشاء البنية التحتية كمساعده إنسانية!

ويرى الطيب زين العابدين أنّ قرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي، ليس مرضياً عنه من كلا المجموعتين الأساسيتين في المنطقة: دينكا نقوك والمسيرية؛ فالمجموعة الأولى تظنُّ أن حقول البترول في هجليج قد أُخذت منها بغير حق، والثانية تعتبر أنَّ الحدود الشمالية التي ضمت إلى أبيي قد توغلت كثيراً في مناطقهم، وحرمتهم من الأراضي ذات المياه الوفيرة التي يعتمدون عليها في سقي بهائمهم وقطعانهم زمن الخريف.

وفي ذات الوقت فإنَّ إضافة المنطقة الشمالية لا يخلو من مشكلة بالنسبة للدينكا، لأنه يُعطي المسيرية الذين يعيشون في تلك المواقع حسب تفسير الحكومة حقَّ التصويت في الاستفتاء حول تبعية المنطقة لبحر الغزال أو إلى جنوب كردفان، فهم يخشَون من تصويت المسيرية لصالح الانضمام إلى كردفان.

 

 

ولكنَّ الحركة الشعبية لا تقرُّ بهذا الحق للمسيرية، على أساس أنهم رُحَّل ولا يقيمون في المنطقة بصورة دائمة، فلا ينطبق عليهم ما نصَّت عليه اتفاقية السلام الشامل.

تحديدُ من سيُصوت في الاستفتاء بجانب "أعضاء مجتمع دينكا نقوك" ما زال عالقاً، وأُحيل البتُّ فيه إلى مفوضية الاستفتاء، التي ستحدد معايير الإقامة التي تؤهِّل صاحبها لحق التصويت في الاستفتاء.

وقد يبدأ تمردٌ مسلح جديد في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق، بسبب عدم الرضا عن تنفيذ الاتفاقية التي تخصُّهما، وستقوده عناصر الحركة الشعبية التي جاءت إلى السلطة في الولايتين بقوة السلاح، وربما تدعم الحركة مثل هذا التمرد خاصة إذا كان الانفصال متوتراً ومضطرباً بين طرفي الاتفاقية.

2- أن تسري عدوى الانفصال من الجنوب إلى حركات التمرد في دارفور إذا لم تحلَّ المشكلة قبل الاستفتاء، وإذا لم تشارك الحركات المسلحة وأهل دارفور بصورة كاملة في انتخابات أبريل/نيسان 2010م.

3- وربما يندلعُ عنف قبليٌّ في الجنوب أكثر مما هو واقع حالياً، وستتهم الحركة الشعبية كما فعلت في الماضي المؤتمر الوطني بدعم ذلك العنف ومن ثم تجد العذر لدعم أي تمرد يقع في الشمال خاصة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

4- ومن المرجح أن يزداد الانفلات الأمني والنهب المسلح في مناطق التوتر (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق) بسبب الاضطراب السياسي وانتشار السلاح والفقر وازدياد العطالة، خاصة في أوساط الشباب والخريجين.

5- وفي حالة الاضطراب السياسي والانفلات الأمني، سيكون السودان أكثر عرضةً للتدخلات الخارجية من دول الجوار (تشاد، إرتريا، ليبيا) وربما من قبل القوات الدولية في السودان التي ستكلف بحماية المدنيين ولو ضد القوات المسلحة السودانية.

 

 

 

التحديات السياسية:

من المؤكد أن انفصال الجنوب سيؤدي إلى تداعيات سياسية في الشمال، خاصة إذا ما كان انفصالاً متوتراً صحبته عمليات عسكرية أو انفلات أمني، وأهم تلك التداعيات المحتملة هي:

1- زيادة وتيرة الاضطرابات السياسية في أقاليم السودان الشمالية مطالبة بالمزيد من الحكم اللامركزي، ومن اقتسام الثروة مع المركز، واحتجاجاً على معالجة الحكومة لبعض القضايا مثل تنفيذ اتفاقية الشرق، أو توطين المتأثرين بسد مروي، أو إنشاء خزان كجبار أو غيرها، وربما تشتطُّ بعض الجماعات لتطالب بتقرير المصير أو الانفصال كلية عن السودان مثل ما فعل الجنوب.

ولعلَّ مناطق التوتر الأولى في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وربما شرق السودان، تأتي في مقدمة من قد يَرفع مثل تلك المطالب من خلال آليَّة المشورة الشعبية، التي قد تُستغلًّ سياسياً ضد الحكومة المركزية؛ كما أنَّ ضعف الموقف الاقتصادي للبلاد المتوقع بعد خروج عائدات بترول الجنوب من موازنة الدولة، وتأثر تلك المناطق بالوضع الاقتصادي الجديد، سيشجع على مثل تلك الاضطرابات.

2- سيزداد الاستقطاب السياسي بين الحكومة والمعارضة، وستحمِل المعارضة الشمالية حزب المؤتمر الوطني الحاكم مسئولية انفصال الجنوب واشتعال الاضطرابات في مناطق أخرى، ومن ثمَّ فإنه غير جدير بالاستمرار في الحكم، حتى ولو فاز في الانتخابات القادمة؛ لأن استمراره يعني المزيد من التفكيك والانشقاقات. وربما تستغل المعارضة الاضطرابات السياسية لمحاولة تغيير السلطة في الخرطوم، خاصة إذا ما بقيت خارج الحكم عن طريق انتفاضة شعبية، ظلت ترددها لسنوات عديدة.

3- ازدياد الضغوط الدولية على السودان، في مجالات التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ورعاية حقوق الإنسان وتحقيق بنود اتفاقيات السلام وغيرها، وذلك بقصد الضغط على الحكومة حتى تستجيب لمطالب أهل دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أو يتغير النظام.

 

 

 

التحديات الاقتصادية:

لعلَّ أهم هذه التحديات هي:

1- خروج نصيب حكومة السودان من عائدات بترول الجنوب، والتي تساوي حالياً حوالي 80% من كل عائدات البترول (تبلغ عائدات البترول بصورة عامة حوالي 60% من موازنة الدولة الاتحادية، وأن الانفصال يعني خروج أكثر من نصف هذه النسبة من الموازنة العامة بعد 2011م)، وهذا نقصٌ كبير سيتسبب في كثير من المشاكل الاقتصادية لشمال السودان.

2- إذا وقعت عقب الانفصال نزاعاتٌ عسكرية أو انفلاتات أمنية واضطرابات سياسية، فإنَّ الوضع الاقتصاديَّ سيكون في حالة متردية وفي تلك الحالة سيتوقف ضخ الأموال من أجل الاستثمار في البلاد.

3- لن تستطيع الحكومة مقابلة تعهداتها الداخلية في اتفاقيات السلام تجاه تعمير وتأهيل وتنمية مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان، وسيجرُّ عليها ذلك بعض المشكلات والاحتقانات السياسية أو النزاعات المكشوفة. وقد لا تتمكن الدولة من الوفاء بمستحقاتها تجاه الديون الخارجية، مما يشكل عليها بعض الضغوط وربما يحرمها من أية قروض جديدة.

4- إزاء مثل هذه الأوضاع المتقلبة قد تُضطرُّ الدولة لزيادة الضرائب والرسوم الجمركية، دون أن تزيد الأجور بنفس النسبة، وهذا يعني زيادة العبء المعيشيّ على الطبقات المتوسطة والضعيفة التي ظلت تعاني لسنوات من الضائقة المعيشية، ولم تتحسن أحوالُها حتى بعد تدفق عائدات البترول، وسيصبُّ ذلك في اتجاه زيادة الاضطرابات السياسية.

 

 

 

 العلمانيون بعد الانفصال:

هنالك مثل سوداني شائع يقول: (إذا وقع الثور كثرت سكاكينه)!

فالعلمانيون ترتفع أصواتهم، لوضع الترتيبات لاستمرار العمل السياسي في الشمال بعد انفصال الجنوب، لتطبيق رؤية السودان الجديد.

فإسقاط حكومة البشير, وإلغاء الشريعة الإسلامية، وبسط الحريات العامة، والانفتاح على الغرب، وكبت الإسلاميِّين وكتم أنفاسهم 0000

هذه بعض أهدافهم التي يؤمّلونها ويجتهدون في تحقيقها، فالأحزاب العلمانية في السودان بمختلف لافتاتهم السياسية  يسعون للهيمنة على المجتمع، وجرِّه إلى التعاسة والشقاء، ومحاولة مسخ دين هذا البلد وعقائده وأخلاقه، بل وحتى عاداته الاجتماعية، تحت شعار: السودان الجديد وبقيادة الحركة الشعبية.

وقد بدأت خطواتُهم في تحقيق ذلك وقطعوا أشواطاً، فمن ضمن خطواتهم:

1/ استغلال التَّباينات العرقيَّة أو الدينيَّة، وتوظيفها لزعزعة أمن البلاد.

ومن أكبر الدلائل على هذا "تصريح قيادات الحركة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق، وهم يعلنون في مؤتمر صحفي بقاء الحركة الشعبية بالشمال لتغيير الخرطوم، ويرون أنّ انتهاء بنود الاتفاقية لا يعني عدم وجود صراعٍ بين المركز والهامش، لوجود التَّهميش بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق000. و أنَّ التعدُّد موجود، وقال بعضهم: لن يستطيعَ أحدٌ إلغاء التَّعدُّد في السودان"([7])، وأنَّ مشروع السودان الجديد وُجد ليبقى في الشمال في حالتي الوحدة أو الانفصال.

وهدَّدوا وتوعَّدوا بأنّ عدم الالتزام بذلك سيؤدِّي لوجود نفس عوامل انفصال الجنوب في مناطق بالشمال، من بينها جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق والشرق 000"(

[8])

2/ تحطيم الشعائر الدينية والمظاهر الإسلامية، واستبدال قيم الإسلام وأخلاقياته بقيم غربية، فيتعرضون لأحكام الشريعة الإسلامية نقداً، ويتعرَّضون للعلماء طعناً في مناهجهم وتنقصاً لجهودهم أو حطَّاً لقدرهم، وتكون عندهم جراءةٌ على الشرع، في وسائلهم وخُطبهم وأحاديثهم وكلماتهم،

3/ تحريك الوضع الاجتماعي، من خلال اللعب بورقة المرأة، بوصف المرأة مؤثراً قوياً في هزِّ المجتمع، وخير شاهد على هذا ضجيجهم الذي ملأوا به سمع العالم وبصره، في قصة فتاة الفيديو المجلودة، ومن قبلُ الصحفية التي استجارت ببطاقة الأمم المتحدة.

4/ استغلال الأحداث والأزمات، خاصة الأزمات السياسية والاقتصادية، والتحرك في أوساط القوى المعارضة والمعادية، تمهيداً للهيمنة الكاملة التي يتمنَّون حصولها فيما بعدُ لهم، ولا أدلَّ على ذلك من استغلالهم أزمة انفصال جنوب السودان، وما بعد الاستفتاء، ليفرضوا علمانية الدولة ويطالبوا بدستور علمانيٍّ ملحد، تشهد عليهم تصريحاتهم في الصحف ووسائل الإعلام، وفي سبيل ذلك يُكوِّنون الجمعيات وينظمون المسيرات، ويصدرون النشرات، ويعقدون المؤتمرات، ويتحالفون مع الأعداء الخارجيين، كاليهود والنصارى، وهذا كله معروف مشهود.

ففي آخر تصريحٍ لقيادات الحركة الشعبية في الشمال، شدَّدوا على أنهم سيواصلون نشاطهم في الشمال بمشروع السودان الجديد، حتى في حالة انفصال الجنوب، وشدَّدوا على أنَّ «التعدد سيكونُ أساس الدولة الجديدة في الشمال»، 0000ودعَوا الحركات المسلحة للعمل من أجل التَّغيير من الداخل.

وقالوا: إنّ "الانفصال لا يعني نهاية الاتفاقية، وأنّ كافة الأحزاب سترتب أوضاعها في حالة الانفصال، باعتبار أن هناك خارطة سياسية جديدة."(

[9])

وقد ردَّت الحركة الشعبية على إعلان الرئيس عمر البشير بأنّ الشمال سيكون دولة إسلامية وعربية 00000حيث قال نائب رئيس الحركة الشعبية: "إنَّ مستقبل الحركة في الشمال، يُماثل مستقبل أيِّ حزبٍ آخر"(

[10]).

5/العمل على نشر الانحلال والفساد، وإشاعة الفواحش والشهوات.

 

 

 

السودان والشيعة الرافضة

إنّ من التحديات التي تواجهنا في السودان بعد انفصال الجنوب:  تمدُّد  الشيعة الرافضة، والتي تُغذِّيها وتدعمها دولة إيران، والتي استغلت التعاطف السودانيَّ الرسميَّ مع الثورة الإيرانية، ومساندة إيران لحكومة الإنقاذالسودانية، وتعمُّق العلاقات بين البلدين كان له دور كبير في انتشار المذهب الشيعي فيالسودان، وساعد عليه وجود تعاطف سوداني طبيعي بحكم انتشار التصوف في السودانالمعروف عنه الحبُّ الشديد لآل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وتزايد هذا النفوذ الشيعيُّ مؤخراً، نتيجة التعاطف الشعبي السوداني مع "حزب الله" الشيعيِّ، إبان العدوان "الإسرائيلي" الأخير على لبنان صيف 2007م، مما رفعأسهم حسن نصر الله زعيم "حزب الله" دون النظر أيضا إلى عقيدته ومذهبه ورأيه في أهلالسنة والجماعة".

ويؤكد خبراء سودانيون أن الشيعة دخلوا للسودان عبر العلاقات السياسيةبين الحكومة وإيران، إضافة لانتشار التصوف الذي يعلي من شأن آل البيت وحب آل النبي-صلى الله عليه وسلم، والذي يستغله الشيعة في نشر أفكارهم، وأنَّ بعض الصحفيين والكتابالسودانيين العلمانيين والليبراليين استغلوا القضية لتأييد الشيعة بدعوى "حريةالرأي" ومحاربة ما يسمونه "الهوس الديني والإرهاب والظلاميين"، وأنهم يوظِّفون ذلك فيحربهم ضد الإسلام السياسيِّ والسلفيِّ بغطاء حرية الرأي للشيعة.

وبشكل عام التواجد الشيعي في السودان، بدأ في الظهور عبر زوايا وحُسينيات معروفة، ولديهم مراكز تعليمية ومنظمات للمرأة،ولديهم انتشار في المناطق المشهورة بالتصوف .وكان أبرز نشاط للشيعة في السودان ظهورهم علناً للمرة الأولى في تجمعات ضمت مئات الأشخاص في ضاحية جنوب العاصمة الخرطوم، واحتفلوا بذكرى مولد الإمام المهدي، أحد أبرز الأئمة الشيعة.

وقال مشاركون في الاحتفال لجريدة "الشرق الأوسط" اللندنية: إنّ الاحتفال الذي أقيم يوم الجمعة حضره المئات من معتنقي المذهب الشيعيّ في السودان، جاءوا من مختلف أنحاء البلاد.

وشارك في الاحتفال الذي أقيم في استراحة في ضاحية جبل أولياء، نحو 40 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم، ممثلون للشيعة من مختلف المواقع في السودان، خصوصاً من كردفان، والنيل الأبيض وأم ضواَ بان، وسطاً، ونهر النيل، شمالاً، ومن بين المشاركين طلاب في الجامعات والمراحل الثانوية، وأساتذة جامعات، وسياسيون، وصحافيون، وطلاب يدرسون في الحوزات الدينية في مدينة قم بإيران.

 وتقول تقارير غير مؤكدة: إنَّ للشيعة في السودان نحو 15 حسينية، أغلب هذا العدد في العاصمة الخرطوم، وأشهرها حسينية في الخرطوم شرق قلب العاصمة، ينظم فيها منتدى دوري يتناول الأمور الخاصة بالمذهب الشيعي، فيما تشير التقارير إلى أنَّ عملها أقرب إلى السرية، "ليس تخوفا من السلطات السودانية، حيث تغمض عينيها حيال نشاطها، ولكن تخوُّفاً من الجماعات السلفية".(

[11])

وحسب التقارير فإنَّ هذه الحسينيات تُلحق بها مكتبات مقروءة وصوتية، وعبرها يتم الحصول على بعثات دراسية في إيران.

  الواجب المحتم على كل مسلم:

 

 

 

1/ ضرورة الكشف عن العلمانيِّين:

إنَّ الله كشف المنافقين، وأنزل سوراً عديدة منها التوبة، حتى كانت تُسمَّى "المقشقشة" ما تركت أحداً إلا ذكرته منهم، حتى بينتهم وفضحتهم، وكانت تسمى "الفاضحة" أيضاً، فنريد من أهل الإسلام -علماء الإسلام وطلبة العلم والدعاة- أن يترسَّموا ويستلهموا منهج هذه السورة في فضح العلمانيين، وكشفهم، وبيان عوراتهم، خاصة وأنَّ كثيراً من العامة ينخدعون بهم، وهذه مصيبة، أن تسير الأمة خلف ركابهم مخدوعة، لأنهم يستخدمون ألفاظاً إسلامية، وقد يستشهد أحدهم بآية أو حديث، أو كتاب لأهل العلم، وقد ينقل قاعدة فقهية، وقد يتكلم، وقد يُصلي أحياناً، وهذا الفضح لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون من خلال التشويش والتهويش والغضب والانفعال والصراخ أبداً، يجب أن يكون من خلال الوثائق والحقائق والمعلومات الدامغة التي تجعل حتى عدوك لا يملك إلا أن يوافقك على ما تقول.

2/ على أمّة السودان حكاماً ومحكومين أن ينتبهوا لهذه الأخطار المحيطة بهم في الداخل والخارج والتي تهددهم في دنياهم وآخرتهم؟!

3/نداء نوجهه إلى كل صفوف العمل الإسلامي: أن يؤجلوا خلافاتهم في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بالعباد والبلاد، وليُفرغوا طاقاتهم ويركزوا جهودهم لمواجهة هذه التحديات؟!

والوقوف أمام المخطط الأميركي الصهيوني لتفتيت بلاد المسلمين، بداية بالعراق -وكما قرر الكونجرس الأميركي بجلسته أخيراً- إلى مناطق ثلاث، كردية في الشمال، وسُنية في الوسط، وشيعية في الجنوب. وهو ما يجري الآن بالنسبة إلى السودان وتقسيمه إلى شمال عربي إسلامي، وجنوب زنجي مسيحي، وغربٍ عرقيٍّ وشرق قبليِّ. والخطر مازال قائماً على بعض مناطق الخليج العربيِّ، وتقسيمه طائفياً ومذهبياً إلى سُنة وشيعة، أو عرقياً، والأمم المتحدة بالمرصاد تتلقى توجيهات الدول الكبرى باسم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات. والخطر يهدد المغرب العربيَّ كله وتقسيمه إلى عرب وبربر.

 

 

 

 

البدار َ البدار َ بالتوبة النصوح!

يقول سيدنا عليٌّ -رضي الله عنه-: (ما نزل بلاءٌ إلآ بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة).

وقال الحسن البصري: (بلغنا أنَّه ليس أحدٌ يصيبه خدشُ عودٍ ولا نكبةُ قدم ولا خلجان عرق إلا بذنبٍ، وما يعفو الله عنه أكثر).

لقد صدق فينا قولُ ربِّ العزة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طـه:124] وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر مرفوعاً: (كنت عاشرَ عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوجهه فقال: يا معشرَ المهاجرين! خمسُ خصالٍ أعوذ بالله أن تدركوهنَّ: ما ظهرت الفاحشة في قوم قطُّ، حتى أعلنوا بها إلآ ابتُلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضَوا. ولا نقص قوم المكيال إلآ ابتلوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان. وما منع قوم زكاة أموالهم إلآ مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطروا. ولا خفر قومٌ العهدَ إلآ سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تعمل أئمَّتُهم بما أنزل الله في كتابه، إلآ جعل بأسهم بينهم شديداً.)

 

 

فنحن أمة خفرنا العهدَ مع الله؛ فسلط علينا عدوَّنا من كل جهة، وتداعت علينا الأمم كما تداعت الأكلة على قصعتها.

لقد ذقنا مرارة بعدنا عن كتاب الله، وتجرَّعنا آلام تنكبنا لطريق الله، وحصدنا ما زرعنا من التساهل والتلاعب بدين الله!

لقد آن لنا أن نرجع إلى الله، ونفرَّ إليه، فإنَّه لا ملجأ من الله إلا إليه، وحالُ البلاد والعباد ليس لها من دون الله كاشفة!

عليكم عباد الله أن تتوبوا إلى ربكم توبةً نصوحاً، وأن تحولوا مما يكره ربكم إلى ما يحب، لعلَّ الله أن يتحول لكم مما تكرهون إلى ما تحبون، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [سورة النور آية : 31].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ سورة التحريم آية : 8].

وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [سورة هود آية : 3].

 

أسأل الله تعالى وأتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أن يجعلَ في قلوب المؤمنين الحماسَ والرَّغبة الصَّادقة في العمل الجادِّ لما يُرضيه، وفي الجهاد الصادق في سبيله، وفي قول كلمة الحق، وفي الدعوة إلى الله تعالى، وفي جمع الكلمة، وفي بذل النصيحة، وفي محاولة رد كيد الكائدين، سواء كانوا من العدو الداخلي المستتر، أم من العدو الخارجيِّ المعلن، وأسأله تعالى أن يكلل العاملين بالنجاح، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص؛ إنَّه على كلِّ شيء قدير.