اقتصاديات دول مجلس التعاون في ظل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : أحمد بن سليمان بن عبيد | المصدر : www.arriyadh.com

اقتصاديات دول مجلس التعاون

في ظل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية


الملخص

تستهدف الورقة تحديد السبل المساعدة على تفعيل اقتصاديات دول مجلس التعاون وعلى تكيفها في ضوء قواعد ومدلولات الانضمام إلى منظمة التجارة العاليمة، ولتحقيق ذلك استعرضت الورقة –بداية- بعض المؤشرات الاقتصادية من أجل تحديد مدى اتجاه دول المجلس نحو العولمة، ومن ثم ناقشت الورقة انضمام دول المجلس لمنظمة التجارة العالمية ومدى التوافق بين أنظمتها وقواعد المنظمة التجارية، وبعد ذلك وضحت الورقة عدداً من الآثار الاقتصادية المحتملة لانضمام دول المجلس للمنظمة. وعلى تفعيل اقتصاديات دول المجلس في مرحلة الانضمام وما بعد الانضمام إلى المنظمة. وتقع هذه السياسات في إطار ضرورة اتخاذ أجراءات كفيلة بعمل إصلاحات اقتصادية شاملة، وتندرج تحت عاملين رئيسين:

الأول، الاتجاه نحو التخصيص كخيار استراتيجي وتقليص دور الدولة كموجه رئيس للإقتصاد المحلي؛ والثاني، مراجعة السياسات الاقتصادية المختلفة وتبني ما يتناسب مع ظروف المرحلة الحالية.

 

1. مقدمة:

تتسارع وتيرة ما يسمى بظاهرة العولمة، إذا ارتفعت درجة التشابك والتداخل والتفاعل في علاقات الشعوب والدول والمؤسسات العالمية [يعرف الحمد (2000، ص 24) العولمة بأنها: "... هي هذا التداخل والتفاعل والتشابك السريع والمتسارع في العلاقات بين المجتمعات والدول والمؤسسات العالمية، وعلى مختلف المستويات، وهذا التداخل السريع والمتسارع يأخذ أبعاداً وأشكالاً مختلفة، يبدأ من التشابك الاقتصادي البحث، مروراً بالانتشار الإعلامي، ولا ينتهي بالتفاعل الثقافي، أو الثقافية المتسارعة كما يمكن القول".] من جوانب عدة، الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والثقافية. وتحمل العولمة في طياتها نظرة مرنة للسيادة والحدود الوطنية ونظرة تجاه دور الحومات، إذ تدعو إلى فتح الأسواق الوطنية على مصراعيها أمام تجارة السلع والخدمات وتدفق رؤوس الأموال وتدعو إلى تدخل محدود، إن لم يكن معدوماً، للحكومات.

ويعد نمو التجارة الدولية المتسارع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أحد مظاهر العولمة، فقد نمت التجارة بمعدلات أسرع من معدلات نمو الإنتاج العالمي، وقد ساعد على ذلك عدة عوامل من بينها والتي تبلور عنها إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) في عام 1995.

وتدعو الجات، ضمن قواعدها المنظمة لعملية الانضمام، إلى إزالة جميع القيود غير الجمركية على تجارة السلع والخدمات، وتركيز الحماية عن طريق التعرفة الجمركية، وتحرير التجارة من خلال تخفيض التعرفة المستمر. كما تفرض الجات على الدول الأعضاء فيها عدم التمييز بين شركائها التجاريين، والوضوح وإمكانية التنبؤ بالأنظمة والقوانين التجارية، ومنع سياسة الإغراق أو دعم الصادرات بأي شكل من الأشكال.

ويتوقع في ظل القواعد والأنظمة المنظمة لعملية التجارة في السلع والخدمات، وأيضاً تلك المنظمة لانتقال رؤوس الأموال، أن تنمو التجارة العالمية بمعدلات غير مسبوقة، وأن تتزايد حجم الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي يعود بمكاسب اقتصادية –مختلفة- للدول الأعضاء، سواء كانت الصناعية منها أم النامية، إن إنشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) وتزايد عدد أعضائها بعد إنشائها –خلال الخمس سنوات الماضية- بعكس مدى التداخل في العلاقات الاقتصادية الكلية بين الدول، وما يتبعه من انعكاس لآثار السياسات الاقتصادية على الدول والأقاليم. فلم تعد السياسات الاقتصادية لدولة أو إقليم ما مستقلة تماماً عن السياسات الاقتصادية في الدول أو الأقاليم الأخرى أو تلك التي على مستوى العالم.

وعلى ضوء ذلك، فإن المجتمعات التي تستطيع الحد من الآثار السلبية وتحقيق المزيد من الآثار الإيجابية الناتجة من هذا التشابك في العلاقات الاقتصادية هي تلك المجتمعات القادرة على إيجاد بيئة مواتية للإنتاج والتسويق بكفاءة عالية والقادرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية. إن لدى الدول الصناعية المعطيات الكافية للتعامل مع هذه المتطلبات والشروط الواردة في أنظمة وقواعد منظمة التجارة العالمية، وذلك على عكس عدد كبير من الدول النامية. لذا يبرز التساؤل التالي: كيف لدول نامية مثل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تعتمد على النفط كمورد اقتصادي رئيس للدخل أن تدخل هذا الصراع الدولي بنجاح؟

تستهدف هذه الورقة تحديد السبل المساعدة على تفعيل اقتصاديات دول المجلس وتكيفها في ضوء قواعد ومدلولات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ولتحقيق ذلك قسمت الورقة إلى خمسة أقسام رئيسية: بعد هذه المقدمة يعنى القسم الثاني بتوضيح مدى اتجاه دول المجلس نحو العولمة؛ ويُعنى القسم الثالث بمناقشة انضمام دول المجلس إلى المنظمة والاتفاقات التي تمت بهذا الخصوص وبتحديد مدى التوافق بين أنظمة دول المجلس وقواعد المنظمة التجارية؛ ويُعنى القسم الرابع بتحليل الآثار الاقتصادية المحتملة نتيجة لانضمام دول المجلس إلى المنظمة؛ وأخيراً يناقش القسم الخامس عدداً من العوامل الممكنة لتفعيل اقتصادات دول المجلس في ضوء قواعد ومدلولات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

2. دول المجلس والعولمة:

ليست العولمة ظاهرة حديثة وإنما هي عملية مستمرة على مستويات اجتماعية وثقافية واقتصادية متعددة. إلا أنها –أي العولمة- برز حديثاً كظاهرة بسبب الثورة المعلوماتية وما أحدثته من قدرة على تسريع وتيرة الاتصالات والعلاقات الاقتصادية والثقافية منذ مطلع التسعينات. ونظراً لأن العولمة عملية مستمرة منذ أمد ليس بالقصير، فهل يمكن أن نقيس مدى اتجاه مجتمعات دول مجلس التعاون نحو العولمة؟ أو بمعنى آخر، هل يمكننا قياس مدى تفاعل مجتمعات دول المجلس مع العالم من حولها وذلك على المستوى الاقتصادي؟

من المؤشرات الرئيسية في هذا الشأن حجم التجارة الخارجية نسبة إلى النشاط الاقتصادي للمجتمع وحجم الاستثمارات الخارجية المباشرة FDI (Mc Grew. 1992).

 

التجارة الخارجية

يُعد اقتصاد دول مجلس التعاون اقتصاداً منكشفاً على العالم الخارجي، إذ يصل حجم التجارة الخارجية (الصادرات والواردات) إلى مستويات مرتفعة نسبة إلى النتائج المحلي الإجمالي، فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية في دول المجلس في عام 1999 222.12بليون دولار، ويشكل هذا ما نسبته 86.9 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وللمقارنة بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية للعام نفسه لجمهورية مصر العربية 35.87 بليون دولار، ويشكل هذا ما نسبته 40.4 في المائة على الناتج المحلي الإجمالي، وللولايات المتحدة الأمريكية 22250.5 بليون دولار، ويشكل ما نسبته 24.3 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

جدول رقم(1)

درجة انفتاح دول مجلس التعاون على العالم الخارجي

(نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي)

المتوسط السنوي (%)

96-1998

93-1995

91-1992

89-1990

        الفترة

الدولة

136

129

106

96

الإمارات

157

174

186

171

البحرين

77

73

82

77

السعودية

83

82

81

75

عُمان

86

80

84

80

قطر

91

99

192

102

الكويت

91

91

99

90

دول المجلس

المصدر: تم حسابها من: اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، دراسات الحسابات القومية، النشرة التاسعة عشرة 1999م.

توضح بيانات جدول رقم (1) أن درجة انفتاح دول المجلس على العالم الخارجي عالية جداً، وخاصة إذا ما قورنت مع مثيلاتها في الدول النامية أو الدول الصناعية، إلا أن ارتفاع مستوى التجارة مع العالم الخارجي لا يعني توجهاً واضحاً نحو العولمة، حيث يتطلب انخراط دول المجلس في العولمة اتجاهاً مستمراً في تزايد حجم التجارة الخارجية بما يعكس انخفاضاً في العوائق التجارية المحلية والخارجية. لذا فإن المؤشر الأنسب لتحديد اتجاه دول المجلس نحو العولمة ليس نسبة حجم التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وإنما نمط التغير في نسب التجارة الخارجية خلال فترات زمنية مختلفة.

تشير بيانات الجدول إلى أن نسب التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي في ارتفاع لجميع دول المجلس فيما عدا دولة البحرين ودولة الكويت؛ وذلك خلال فترة ما بعد حرب الخليج الثانية (أي خلال فترة انضمام غالبية دول المجلس إلى منظمة التجارة العالمية). فعلى سبيل المثال، ارتفع المتوسط السنوي لنسب التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي من 129 في المائة إلى 136 في المائة لدولة الإمارات العربية المتحدة ومن 73 في المائة إلى 77 في المائة للمملكة العربية السعودية وذلك بين الفترتين 93-1995 و 96-1998. أما انخفاض نسب التجارة الخارجية لكل من دولة البحرين ودولة الكويت بين الفترتين المذكورتين فإنه لا يدل على تراجع في الانفتاح الاقتصادي فقد حققت دولة البحرين معدلات نمو مرتفعة للناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 96-1998، وبقيت معدلات نمو التجارة الخارجية مستقرة، في حين انخفضت واردات دولة الكويت خلال الفترتين الأخيرتين نتيجة للانخفاض التدريجي لالتزامات إعادة البناء بعد حرب الخليج.

 

الاستثمارات الأجنبية

تعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI مؤشراً دقيقاً نسبياً مقارنة بنسب التجارة الخارجية لتحديد درجة انفتاح مجتمع ما على العالم الخارجي واتجاهه نحو العولمة. إن جذب استثمارات أجنبية بصورة كبيرة يعكس تحقيق مرحلة متقدمة نسبياً من التكامل الاقتصادي مع المجتمعات المشاركة ويمثل توجهاً واضحاً تجاه الانفتاح والعولمة، وقد بلغت حجم الاستثمارات الأجنبية في دول المجلس لعام 2000 1.98بليون دولار (50.5 في المائة منها في المملكة العربية السعودية)، في حين كانت تساوي 240.17 بليون دولار في الدول النامية و 1005.18 بليون دولار في الدول المتقدمة. (World Investment Report 2001).

وبمتابعة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى دول مجلس التعاون خلال الفترة 1989- 2000 (انظر جدول رقم2)، نلاحظ تذبذباً في مستوياتها، الأمر الذي يعكس توجهاً غير مستقر للاستثمارات الأجنبية نحول دول المجلس، والذي ربما يعود إلى التوسع في زيادة الاستثمار في أنشطة بترولية أو غازية أو تشييدية ليس لها صفة الاستمرارية. وعلى ضوء ذلك فمن الصعوبة بمكان الاستنتاج من هذه البيانات بأن بيئة دول المجلس الاستثمارية بيئة مواتية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية بصورة متزايدة أو –على الأقل- بصورة مستقرة. ويصعب تبعاً لذلك التوصل إلى اتجاه واضح لدول المجلس نحو العولمة من خلال هذا المؤشر –الاستثمارات الأجنبية المباشرة. (سيتم التطرق في القسم الأخير من الورقة إلى البيئة الاستثمارية في دول المجلس وإمكانات تحسينها).

جدول رقم (2)

الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى

دول مجلس التعاون (مليون- دولار)

2000

1999

1998

1997

1996

1995

1989/1994

     الفترة

الدول

500

448

180

329

2048

431

237

البحرين

100

-13

253

232

301

399

90

الإمارات

1000

-782

4289

3044

-1129

-1877

502

السعودية

62

21

101

65

60

29

119

عُمان

303

144

347

418

339

94

48

قطر

16

72

59

20

347

7

-4

الكويت

1981

-110

5229

4108

1966

-917

992

دول المجلس

المصدر: UNCTAD. World Investment Report 2001

من خلال هذه المراجعة لنسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي بدول المجلس ولحجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى دول المجلس خلال نهاية عقد الثمانينات وعقد التسعينات يتضح ما يلي:

أولاً: يعكس المؤشر الأول، ارتفاع نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي، انفتاح دول المجلس واتجاهها نحو العولمة، الأمر الذي يعني انخفاض العوائق التجارية من رسوم جمركية وغيرها في دول المجلس. إلا أنه لابد من ملاحظة أن ذلك لا يعني قدرة في منتجات دول المجلس غير النفطية في النفاذ للأسواق العالمية، فهي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من صادراتها لا تتجاوز 10%. إن منتجات دول المجلس غير النفطية تعاني من ضعف في قدرتها التنافسية لارتفاع تكلفتها ولقلة تجربتها التسويقية وغير ذلك من أسباب.

ثانياً: يعكس المؤشر الآخر، تذبذب حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى دول المجلس، انفتاحاً محدوداً لدول المجلس نحو العالم الخارجي واتجاهاً ضعيفاً نحو العولمة، مما يعني وجود بيئة استثمارية غير مواتية لتشجيع رجال الأعمال الأجانب على استثمار رؤوس أموالهم على الأمد الطويل في دول المجلس.

3. دول المجلس والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية

انضمت خمس من دول المجلس هي دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين ودولة قطر ودولة الكويت وسلطنة عمان إلى عضوية منظمة التجارة العالمية. وقد كانت دولة الكويت الأقدم في الانضمام إلى عضوية الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (الجات)، إذ مضى على عضويتها أكثر من ثلاثين عاماً، فيما انضمت دولة البحرين إلى الاتفاقية في ديسمبر من عام 1993، وانضمت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر في بداية عام 1994، ووافق المجلس العام للمنظمة على انضمام سلطنة عمان في 10 أكتوبر، 200، [وافق المجلس العام لمنظمة التجار العالمية في 10 أكتوبر 2000م على انضمام سلطنة عمان لتصبح رسمياً العضو 139 في المنظمة في غضون شهر. (جريدة الرياض، العدد 11797، 11 أكتوبر، 2000م)] أما المملكة العربية السعودية فقد تقدمت بطلب عضوية إلى الجات في يوليو 1993، وتتفاوض حالياً مع المنظمة للاتفاق على شروط الانضمام ومن أهمها تحديد سقوف التعرفة الجمركية للسلع المختلفة.

وتلزم الجات ومنظمة التجارة العالمية الدول الأعضاء بتحديد سقوف التعريفات الجمركية لسلع مختلفة كشرط أساسي لقبول عضويتها، وتكون هذه التعريفات عادة أعلى من التعريفات الفعلية المعمول بها عند الانضمام. وتلزم الدول الأعضاء بعدم تجاوز هذه السقوف المحددة إلا من خلال مفاوضات مع الشركاء التجاريين الذين قد يتضررون من هذا الإجراء.

وقد تحددت سقوف التعريفات الجمركية لأربع من دول المجلس (التي انضمت إلى عضوية المنظمة) في الجداول الملحقة باتفاقات انضمام كل منها، وذلك على النحو التالي:

دولة الإمارات العربية المتحدة: بلغت السقوف الجمركية العليا على الواردات لأكثر من 155 مجموعة سلعية ما بين 5 في المائة و15 في المائة.

دولة البحرين: بلغت السقوف الجمركية العليا على واردات 127 مجموعة سلعية 35 في المائة، في حين تم تحديدها للسجائر بـ 100 في المائة.

دولة قطر: تحددت السقوف الجمركية العليا على واردات أكثر من 150 مجموعة سلعية بين 505 في المائة و 30 في المائة. في حين تحددت السقوف الجمركية على استيراد السجائر ولحم الخنزير بـ 100 في المائة.

دولة الكويت: تحددت السقوف الجمركية العليا الواردات من جميع السلع، ما عدا النفط الخام والمشتقات النفطية والبتروكيماوية، بـ 100 في المائة.

وبمراجعة نظام الحماية التجاري الحالي المرتبط بالرسوم الجمركية في دول المجلس، فإنه لا يوجد ما يتعارض بين رسوم الحماية والاتفاقات الخاصة بكل من دول المجلس التي انضمت إلى المنظمة. وتوضح منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (2000) في دراسة حول هذا الموضوع بأنه لا يوجد حالياً سلع تحت الحماية في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وفي سلطنة عمان وفي دولة الكويت، في حين تقوم دولة قطر بفرض رسوم مقدارها 20 في المائة كإجراء لحماية قضبان حديد التسليح العادي والمجدول (التي تتراوح أقطارها من 10 إلى 32مم)، وتقوم دولة البحرين بحماية عشرة منتجات، مثل قضبان ومقاطع الألمنيوم، ومراتب إسفنجية، وزيوت نباتية، وذلك بفرض رسوم حماية مقدارها 20 في المائة، وتفرض المملكة العربية السعودية رسومياً جمركية مماثلة لحماية 439 منتجاً (تتبع 72 مجموعة صناعية). وتؤكد الورقة ذاتها بأن دول المجلس لا تمارس التقييد الكمي للواردات في الوقت الحالي. ويبين الجدول التالي مستويات التعرفة الجمركية المفروضة على واردات دول المجلس خلال العقدين الماضيين.

جدول رقم (3)

التعرفة الجمركية لدول المجلس

2000

1999

1994

1988

1985

1984

قبل1984

السنة/ الدولة

4%

4%

4%

2%

2%

2%

1%

الإمارات

5-7.5-20%

5-10-20%

5-10-20%

5-10%

5-10%

5-10%

5-10%

البحرين

7-12-20%

7-12-20%

7-12-20%

7-12-20%

7%

4%

3%

السعودية

5%

-5

-15

20%

5%

5%

4%

4%

2%

عمان

4%

4%

4%

4%

4%

4%

2.5%

قطر

4%

4%

4%

4%

4%

4%

4%

الكويت

المصدر: الأمانة العامة لمجلس التعاون، 2000، ومنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، 2000.

أما فيما يتعلق فإجراءات الحماية على مستوى دول المجلس مجتمعة، أي من خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد أقر المجلس الأعلى في عام 1988م نظاماً موحداً لحماية المنتجات الصناعية ذات المنشأ الوطني بدول المجلس، [يهدف هذا النظام إلى تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، وتشجيع التجارة وتنشيطها في مجال المنتجات الصناعية، وتوجيه الاستثمارات والمواد الأخرى نحو منتجات صناعية تتفق وأوليات برامج التصنيع المحلية والتكاملية، وتشجيع الصناعات الوطنية الناشئة لاكتساب الخبرة والمهارات الفنية والإدارية والتسويقية لتعزيز قدراتها التنافسية] ويتركز نظام الحماية هذا على أمرين: الأول، فرض رسوم جمركية على السلع المنافسة للصناعات ذات المنشأ الوطني [تصنف السلعة المنتجة محلياً على أنها ذات منشأ وطني في حالة أن ملكية مواطني مجلس التعاون لا تقل عن 51 في المائة، وأن القيمة المضافة منها إلى الاقتصاد الإقليمي لا تقل عن 40 في المائة] بمعدل لا يتجاوز 25 في المائة من قيمة السلعة؛ والثاني، التقييد الكمي للواردات أو منع الاستيراد للسلع المنافسة للسلع ذات المنشأ الوطني في حالة تعرضها للإغراق.

وعلى الرغم من أن بنود اتفاقية الجات وشروط عضوية منظمة التجارة العالمية يمنحان ميزات تفضيلية للدول التي تعمل في ظل اتحاد جمركي أو منطقة تجارية حرة، (وذلك كاستثناء عام من قاعدة الدولة الأولى بالرعاية)، إلا أن هذين الأمرين (نظام الحماية) يتعارضان مع ما هو مسموح به من أنظمة لحماية المنتجات الوطنية، فأنظمة الجات والمنظمة تتيح فرض رسوم جمركية لحماية المنتجات الوطنية بشرط ألا تتجاوز هذه الرسوم السقوف العليا للتعرفة التي تم الاتفاق عليها بين كل دولة والمنظمة إبان انضمامها. كما تمنع أنظمة الجات والمنظمة بشكل قطعي اللجوء إلى القيود الكمية للحماية من الإغراق، والاستعاضة عن ذلك بالرسوم الجمركية وفق شروط معينة.[ يشترط أن تثبت الدولة التي تعاني من الإغراق لسلعة من السلع المنتجة محلياً أن الواردات من السلع المنافسة تلحق ضرراً كبيرا بالصناعة المحلية، ويكون ذلك من خلال تحريات على المستوى المحلي تتم بناءً على طلب من المنشأة المتضررة أو من ينوب عنها، وتجدر الإشارة إلى أن الانخفاض في أسعار السلع المستوردة المنافسة لا يعني دائماً بالضرورة أنها مضرة بالصناعة المحلية، إذ قد يعود بنفع على المنتجين والمستهلكين في الدولة المستوردة]

ولتجنب التعارض مع قواعد المنظمة بهذا الشأن، لابد من التوفيق بين المعدل الأقصى للرسوم الجمركية في النظام الموحد لحماية المنتجات الصناعية بدول المجلس وقواعد المنظمة، ويكون ذلك بعدم تجاوز السقوف العليا الخاصة بهذه السلع والمحددة بالاتفاقيات الخاصة بكل دولة مع المنظمة. وبهذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى لمجلس التعاون قد اقر في دورته العشرين  (1999) بدء العمل بالاتحاد الجمركي لدول المجلس تجاه العالم الخارجي بدءاً من عام 2005م، وأن تصنف السلع إلى سلع معفاة من الرسوم الجمركية وسلع أساسية وبقية السلع، وأن تلتزم جميع الدول الأعضاء بفرض تعرفة موحدة بواقع 5.5 في المائة على السلع الأساسية وبواقع 9.5 في المائة على بقية السلع، وحتى البدء بالعمل بالاتحاد الجمركي فإنه يجب عدم تعارض التعرفة الموحدة الخاصة بالسلع التي تخضع للحماية في دول المجلس مع السقوف العليا المحددة في اتفاقات كل دول مع المنظمة، وذلك حتى لا يشكل النظام الموحد للحماية تجاوزاً على قواعد المنظمة. وبمراجعة السقوف العليا لدول المجلس (الخمس) التي انضمت إلى المنظمة (منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، 1999)، يتضح عدم وجود هذا التعارض.

ولتجنب التعارض بين النظام الموحد لحماية المنتجات الصناعية وقواعد المنظمة، لابد أيضاً من إلغاء القيود الكمية ومنع الاستيراد للحماية ذد الإغراق، وتحديد إجراءات بديلة كفيلة بحماية المنتجات الوطنية، مثل رفع الرسوم الجمركية (منظمة الخليج للاستشارات الصناعية 2000)، بحيث تتوافق مع قواعد المنظمة. ومن الضروري هنا تعريف الإغراق وفق أحكام المنظمة وتحري الدقة عند تحديد السلع التي تتعرض لحالات إغراق. [تعد المنظمة السلعة إغراقية إذا قل سعر التصدير عن سعر السلعة المماثلة في بلد المصدر (المادة السادسة من الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة، 1994)، وكذلك في حالة أن يباع المنتج بأقل من تكلفة إنتاجه]

وفي هذا الصدد أيضاً، وافق المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته العشرين على إلغاء شرط الملكية الوطنية الوارد في الاتفاقية الاقتصادية الموحدة كشرط لاكتساب صفة المنشأ الوطني، وأبقي على شرط ألا تقل القيمة المضافة الناشئة عن إنتاج السلعة في هذه الدول عن 40 في المائة من قيمتها النهائية، وبعد هذا توجهاً نحو إيجاد انسجام بين النظام الموحد لحماية المنتجات الصناعية ذات المنشأ الوطني بدول المجلس وقواعد المنظمة الخاصة بتحديد شهادة المنشأة وتشجيعاً للاستثمار الأجنبي.

4. الآثار الاقتصادية المحتملة لانضمام دول المجلس إلى عضوية المنظمة

اختلفت استنتاجات الدراسات الاقتصادية حيال الآثار الاقتصادية على دول مجلس التعاون الناتج عن انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، فمن الدراسات ما يستنتج حدوث آثار اقتصادية إيجابية، ومنها ما يستنتج عكس ذلك، فعلى سبيل المثال حددت دراسة للأمم المتحدة (UN. 1990) الآثار المتوقعة على الإيرادات العامة والرفاهية الاجتماعية لدول مجلس التعاون (كدول ضمن مجموعة الدول العربية) نتيجة لتحرير التجارة العالمية في السلع الزراعية بأنها آثار سلبية، وذلك بافتراض حدوث أربعة سيناريوهات مختلفة: الأول، تحرير كامل للتجارة، من خلال إلغاء الدعم المقدم للمنتج والمستهلك؛ والثاني، تحرير جزئي للتجارة من خلال تخفيض الدعم المقدم للمنتج بحوالي 20 في المائة، والثالث، إلغاء دعم الصادرات، والرابع، زيادة الواردات من كل سلعة بمقدار 10 في المائة.

ويوضح الجدول التالي التغيرات المحتملة في الإيرادات العامة والرفاهية الاجتماعية لدول المجلس نتيجة لتحرير التجارة العالمية في السلع الزراعية ضمن السيناريوهات الأربعة الآنفة الذكر.[ بينت دراسات عديدة أن استفادة الدول النامية من تحرير التجارة العالمية في السلع الزراعية محدودة ولن تتعدى في الغالب ثلث ما ستتكبده من خسائر نتيجة لارتفاع أسعار السلع الغذائية. وفي هذا المجال توصل فاليديز (Valdes. 1990) إلى أن خسارة مصر والمغرب ستبلغان 29 في المائة و28 في المائة، على التوالي، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار المنتجات الغذائية]

جدول رقم (4)

التغيرات المحتملة في الإيرادات العامة والرفاهية الاجتماعية

لدول المجلس مع تحرير التجارة العالمية في السلع الزراعية

(مليون دولار)

سيناريو (4)

سيناريو (3)

سيناريو (2)

سيناريو (1)

الدولة

الرفاهية

الإيرادات

الرفاهية

الإيرادات

الرفاهية

الإيرادات

الرفاهية

الإيرادات

-4.1

-2.5

-5.7

-3.6

-8.6

-5.3

-20

-11.1

الإمارات

-1.7

-1.2

-1.7

-1.2

-2.6

-1.4

-4.2

-2

البحرين

-31

-24

-31

25

-50

-37

-107

-76

السعودية

-3.1

-2.6

-2.3

-2

-4.4

-3.2

-10

-7.1

عمان

-0.7

-0.6

-1.3

-0.9

-1.7

-1.2

-3.4

-2.4

قطر

-8.1

-6

-5.7

-1.4

-8.5

-3.1

-16.7

-6

الكويت

المصدر:

UN. “Agricultural trade liberalization in the urguay rourd, implications for developing countries,” N.Y, 1990

وتتوافق نتائج دراسات عديدة مع ما توصلت إليه دراسة الأمم المتحدة، حيث ينتج عن تخفيض الدعم الزراعي في الدول المتقدمة ارتفاع في أسعار السلع الزراعية على المستوى العالمي، الأمر الذي ينعكس سلباً على اقتصاديات الدول العربية بما فيها دول مجلس التعاون. ويتوقع كل من لو وتارو (Loo and tower. 1988) بأن يؤدي تحرير التجارة في السلع الزراعية في الدول الصناعية على ارتفاع أسعار هذه السلع بمعدل 10 في المائة، وبناءً على ذلك ستفقد الدول العربية ما يقارب 4.9 بليون دولار. إلا أن دراسات أخرى ترى أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية قد يعمل على تحفيز الإنتاج الزراعي.

وفي المقابل انتقدت المنظمة العربية للتنمية الزراعية (1994) نتائج دراسة الأمم المتحدة لكونها تركز على تحديد الآثار على المدى القصير ولكونها لم تُضمن صادرات الدول العربية من الخضار والفواكه. إذ تتوقع المنظمة أن الآثار أقل حدة على المدى الطويل. وأن ارتفاع أسعار الخضار والفواكه تعود بفائدة على عدد من الدول العربية المصدرة لها.

ونظراً لأن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي لدول المجلس محدودة نسبياً، حيث لم تتجاوز 4.8 بالمائة خلال الفترة 1992- 1998، وأن مساهمة الصادرات الزراعية إلى إجمالي الصادرات متواضعة جداً، فإن الآثار الإيجابية من تحرير التجارة في السلع الزراعية على اقتصادات دول المجلس محدودة –فالإنتاج الزراعي في معظمة يخدم السوق المحلية. ومن هذه الآثار الإيجابية تخفيض أعباء الميزانية الحكومية من جراء تخفيض الدعم الممنوح للزراعة، وتحسن إنتاجية القطاع الزراعي وطرق تسويقه في الجل الطويل نتيجة لارتفاع الأسعار. وفي المقابل فإن هناك آثاراً سلبية نتيجة لتحرير التجارة في السلع الزراعية. وتتمثل هذه الآثار بانخفاض في الإنتاجية في الأجل القصير نتيجة لانخفاض الدعم، وتقييد حصول دول المجلس على تقانات زراعية جراء اتفاقات حقوق الملكية الفكرية، الأمر الذي يتبعه انخفاض في معدلات نمو الناتج الزراعي وارتفاع عرض أسعار السلع الزراعية المحلية على المستهلكين، إضافة إلى ذلك يؤدي ارتفاع أسعار السلع الزراعية عالمياً إلى رفع قيمة الفاتورة الغذائية على دول المجلس.

وفيما يتعلق بالمنتجات البترولية والصناعات البتروكيماوية والصناعات التحويلية الأخرى تتوقع دراسات عديدة، ومنها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية        (1992)، فضل الله (1994) والصفدي (safadi, 1996) وسليم (1997) أن يؤدي تخفيض التعرفة الجمركية وتحرير الرسوم غير الجمركية في الدول الصناعية إلى استفادة دول المجلس عن طريق الرفع من فرصها في المنافسة في أسواق هذه الدول، حيث ستستفيد القطاعات الاقتصادية المصدرة لسلع صناعية في دول المجلس بما في ذلك السلع البتروكيماوية من إمكانية النفاذ إلى الأسواق العالمية، فلن يرتفع متوسط التعرفة الجمركية عن 5 في المائة للسلع الصناعية، وما بين 5 و6.5 في المائة في المتوسط للسلع البتروكيماوية (سليم، 1997)، [في دراسة لأبو داهش (abu- dahesh, 1998) حول آثار تحرير التجارة على الاقتصاد السعودي، باستخدام نماذج التوازن العام (CGE)، توصل الباحث إلى أن إلغاء الرسوم الجمركية الكامل على المستوى العالمي يحقق أفضل النتائج فيما يتعلق بمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات نمو الاستثمار والادخار ومتغيرات اقتصادية أخرى، وذلك مقارنة بتخفيض الرسوم الجمركية بمقدار 50 في المائة أو زيادتها بالمقدار نفسه] ولن تخضع هذه السلع وغيرها لأي قيود كمية أو حصص استيراد. ونتيجة لوجود قواعد موحدة عند حدود الدول –بما تحكمه الاتفاقيات- وعدم قدرة الدول على رفع الرسوم الجمركية عن السقوف المحددة، فإن دول المجلس ستضمن توفر استقرار في الوصول إلى الأسواق العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن درجة الصعوبة في دخول المنتجات الصناعية الخليجية إلى الأسواق العالمية ستكون منخفضة نسبياً بعد الانضمام للمنظمة نظراً لانفتاح الاقتصاد الخليجي النسبي مقارنة باقتصاديات الدول النامية الأخرى، وذلك كما تم الإشارة إليه في الجزء السابق من الورقة.

وفي المقابل تتوقع دراسات أخرى مثل المقرن (1994) وزروق (1998) عدم استفادة صادرات دول المجلس من البترول ومشتقاته وذلك لاعتقادها باستبعاد المنظمة لهذه السلع من أحكامها. إلا أنه في حقيقة الأمر لا يوجد في نصوص اتفاقية الجات الأصلية أو نصوص الاتفاقيات اللاحقة ما يفيد استبعاد البترول ومنتجاته من أحكام المنظمة، وذلك خلافاً للاعتقاد السائد (هلال 1999).

ويمكن تحديد أسباب احتمال حصول آثار اقتصادية إيجابية لدول المجلس نتيجة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية فيما يلي:

معاملة دول المجلس معاملة الدول الأولى بالرعاية، دون أي تمييز، وذلك فيما يتعلق بصادراتها للدول الأعضاء في المنظمة.

معاملة صادرات دول المجلس معاملة السلع المنتجة محلياً في الدول الأعضاء في المنظمة، وذلك فيما يتعلق بالضرائب المحلية واللوائح المنظمة للتسويق والتوزيع المحلي.

ضمان دول المجلس بعدم وجود إغراق سلعي في سوقها المحلي مضر بإنتاج السلع المحلية، حيث تتيح أنظمة المنظمة اتخاذ إجراءات كفيلة بإزالة الضرر.

تشجيع الاستثمار الأجنبي (DFI)، حيث تفرض المنظمة كشرط لقبول العضوية فيها تعديل الأنظمة واللوائح الداخلية بطريقة مواتية لاستقطاب الاستثمار الأجنبي.

تزايد إمكانيات نقل التقنية والاستفادة منها وذلك عن طريق الاستثمارات الأجنبية وعن طريق تحرير التجارة الخارجية، كما سيتم التطرق إليه في الجزء التالي من الورقة.

تحفيز الصناعات في دول المجلس على الابتكار واستخدام طرق إنتاجية وتنظيمية وتسويقية ذات كفاءة عالية تتيح لها المنافسة في الأسواق العالمية، إن الانضمام إلى عضوية المنظمة ودخول السلع المنتجة محلياً إلى الأسواق العالمية يفرض زيادة المقدرة التنافسية  للصناعات المحلية ويتطلب بدوره نقل تقنية ذات كفاءة عالية واستخدامها.

في المقابل يتوقع حدوث آثار سلبية من جراء الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ومبعث هذه الآثار جوانب عديدة منها: أن دول المجلس ملزمة بالتعامل مع المنتجات المستوردة من الدول الأعضاء في المنظمة بطريقة تعاملها نفسها مع السلع المنتجة محلياً، كما أنها ملزمة بأن لا تضع قيوداً كمية أو تفرض نظام حصص على هذه المنتجات المستوردة، وأن تلتزم بسقوف التعرفة الجمركية المتفق عليها.

وعلى الرغم من دول المجلس لم تستخدم أسلوب دعم الصادرات (سليم، 1997) وأن سقوف التعرفة الجمركية لدول المجلس الأربع (الكويت، البحرين، والإمارات، وقطر) المتفق عليها مع المنظمة تتيح إمكانية توفر الحماية للمنتجات الصناعية والمنتجات الزراعية، إلا أن نمو الأنشطة المحلية سواء كانت الصناعية أم الزراعية منها ستتضرر من خلال إيقاف الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر غير المسموح به ضمن قواعد وشروطها المنظمة والذي يضر بمصالح الأعضاء التجاريين في المنظمة، وسيتضرر أيضاً من خلال عدم تفضيل المشتريات الحكومية للسلع المنتجة محلياً على السلع المستوردة من الدول الأعضاء. [تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك أشكالاً أخرى من الدعم تسمح بها المنظمة مثل دعم البحث العلمي المرتبط بصناعة معينة أو صناعات مختلفة ودعم الصناعات من دون انتقائية في المناطق النائية. (سليم، 1997)، كما تسمح المنظمة بدعم مباشر للصناعات الوليدة فقط (infant industry)، ولفتر محدودة، حتى تستطيع أن تنافس في الأسواق العالمية. (klein, 1998)]

5. تفعيل اقتصاديات دول المجلس في ضوء متطلبا منظمة التجارة العالمية

يكشف تحرير التجارة الخارجية على المستوى العالمي اقتصاديات الدول على بعضها بعضاً ويؤجج المنافسة التجارية الدولية، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يتعداه إلى تعزيز المنافسة في الدخول والخروج من الأسواق وفي توفير المعلومات بشفافية لكل من المستهلك والمنتج (klein. 1998)، لذا فإن المجتمعات المستفيدة بشكل أكبر في هذه المرحلة –مرحلة تحرير التجارة- هي تلك المجتمعات القادرة على الإنتاج والتسويق بكفاءة اقتصادية عالية [نقصد بالكفاءة الاقتصادية الكفاءة في الإنتاج والكفاءة في التوزيع، كفاءة الإنتاج تعني الاستغلال المثل للطاقة الإنتاجية والإنتاج بأقل التكاليف، وكفاءة التوزيع تعني توظيف المورد الإنتاجي المناسب في المكان المناسب]، والقادرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية (DFI) ذات المردود الاقتصادي العالي إليها. إن لدى الدول الصناعية المعطيات الكافية للتعامل مع هذه المتطلبات والشروط الواردة في أنظمة وقواعد منظمة التجارة العالمية، وذلك على عكس عدد كبير من الدول النامية. لذا يبرز التساؤل التالي: كيف لدول نامية مثل دول مجلس التعاون الخليج العربية التي تعتمد على النفط كمورد اقتصادي رئيس للدخل أن تدخل هذا الصراع الدولي بنجاح؟

توضح الأسكوا (ESCWA, 1996) بأن دول جنوب غرب آسيا تعاني من مرض عضال (أسمته بـ المرض العربي)، إذ تعاني دول الأسكوا من ارتفاع في معدلات الأمية، وضعف في تركيبة الصناعات التحويلية، ومحدودية المهارة الصناعية، وانخفاض معدلات الادخار، وانخفاض صادرات الصناعات التحويلية، وتردي مستوى البحث العلمي، والاعتماد الكبير على الحكومات، وعدم فعالية البيروقراطية، ومحدودية مشاركة القطاع الخاص، إضافة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي الدولي، وتضيف بأنه على الرغم من ضعف وعدم فعالية مرتكزات المنافسة الإقليمية في هذه المنطقة، إلا أنه يمكن تحويل الاتجاهات السلبية للمتغيرات الاقتصادية الرئيسة من خلال تكثيف الجهود والعمل باتجاه تصحيح اقتصادي شامل.

وبمراجعة اقتصادات دول المجلس يوضح سراج الدين (sirageldin. 1998) بأن مستقبل هذه الاقتصاديات غير واعد إذ لم يتم تطبيق سياسات ناجحة قبل نضوب المصدر الرئيس للدخل (البترول والغاز). ومن السياسات التي اقترحها بناء أرضية مؤسسية واقتصادية مواتية لعمل القطاع الخاص، وتخفيض الإنفاق الحكومي، وإلغاء الإعلانات التمييزية، إضافة إلى الاتجاه نحو تخصيص الملاك الحكومية وتخفيض العمالة لديها. ويستطرد سراج الدين ويؤكد بان هناك صعوبة في تطبيق مثل هذه السياسات في دول المجلس دون رسم استراتيجية طويلة المدى يكون لحكومات دول المجلس دور رئيس يختلف عن دورها الحالي، وذلك نظراً لاختلاف الخصائص الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول وللدور الحكومي البارز في تشكيلها.

وتفيد الاستنتاجات. الموضحة في الأقسام السابقة من الورقة. بأن الأنظمة والقواعد التجارية في دول المجلس تتفق إلى حد كبير مع تلك في منظمة التجارة العالمية وأن التجارة الخارجية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس نحو التزايد نتيجة لذلك، الأمر الذي يرفع من درجة التقارب والاندماج مع العالم الخارجي. وفي المقابل توضح الورقة بأن حجم الاستثمارات الأجنبية في دول المجلس منخفضة وغير مستقرة وأن البيئة الاستثمارية لديها لا تزال غير مواتية، لاستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتوطينها، الأمر الذي لا يدعم اندماج دول المجلس مع العالم الخارجي في هذا الجانب ولا يعزز نمو اقتصادياتها مستقبلاً.

وتوضح الورقة أيضاً احتمالات وجود آثار إيجابية في مجال الصناعات التحويلية والبتروكيماويات ووجود آثار سلبية في مجال السلع الزراعية.

وعلى ضوء ما سبق، فإن انضمام خمس دول من دول المجلس إلى منظمة التجارة العالمية وخوض المملكة العربية السعودية مفاوضات مع المنظمة بغرض الانضمام يحتم على المخططين الاقتصاديين وأصحاب القرار في هذه الدول التعامل بواقعية مع قواعد المنظمة واستغلال الميزات المتاحة التي تمنحها المنظمة للدول النامية والميزات التفضيلية للتكتلات الإقليمية؛ هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن عليهم أيضاً اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعمل إصلاحات اقتصادية شامل تتركز أهدافها حيال تعزيز درجة المنافسة للمنتجات المحلية وتهيئة البيئة القانونية والمؤسسية بصورة مواتية لتشغيل رؤوس الأموال المحلية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

في هذا الجزء تحاول الورقة تحديد ومناقشة عاملين رئيسين يساعدان على تكوين برنامج اقتصادي إصلاحي شامل لدول المجلس والي هي ضرورية لتهيئة هذه الدول للمنافسة الخارجية وتحقيق الاستفادة القصوى من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.

الأول: الاتجاه نحو التخصيص كخيار استراتيجي وتقليص دور الدولة كموج رئيس للاقتصاد المحلي:

مع تزايد تخصيص عدد من المنشآت الحكومية في السنوات الأخيرة بدول المجلس، إلا أن هناك حاجة كبيرة لإسراع العمل في هذا الاتجاه، فلا يزال كثير من الخدمات العامة وبعض المنتجات تقدم من قبل حكومات دول المجلس. إن الضغوط التنافسية التي تفرضها إيقاعات العولمة يوماً بعد يوم يفرض التحول على الملكية الخاصة لإنتاج السلع وتقديم الخدمات بكفاءة عالية، وأن هذا التحول لا يؤدي إلى إضعاف الحومات وإنما يعني تغيير دورها من مالك إلى موجه للقطاع لخدمة المجتمع بكاملة.

ويستدعي التقدم في عمليات التخصيص في ظل العولمة تعديل دور حكومات دول المجلس من فاعل مباشر في عمليات التنمية الاقتصادية إلى موجه رئيس للحياة الاقتصادية وذلك على الوجه الذي يحقق المنافسة والعدالة في الأسواق. ويتبلور هذا الدور في تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، هي تعزيز المنافسة وشمولية الأنظمة والقوانين وتطبيقها بشكل فعلا. فبالإضافة إلى ضرورة انتهاج حكومات دول المجلس لسياسات تدعم المنافسة، وتتواءم مع متطلبات منظمة التجارة العالمية، مثل تحرير التجارة وتقليص القيود على الاستثمار وتخفيف الإجراءات البيروقراطية والتعامل مع فئات القطاع الخاص دون تمييز، يتطلب الأمر تدخل الحومات باتخاذ إجراءات حيال الأنشطة التي تعاني من محدودية المنافسة فيها. ففي حالة التخصيص، على سبيل المثال، يتعين على الحكومات عند التخصيص بطريقة التأجير لمدد طويلة، تحديد فترة زمنية معينة (5 سنوات مثلا) يتم بعدها تقييم فعالية الإنجاز وإلا يتم سحب المشروع المخصص وتحويله إلى منشآت أخرى. كما يتعين عليها أيضاً، في هذا الصدد، إرساء عقود التخصيص والعقود التشغيلية وفق معايير تنافسية، مثل تكلفة المنتج، لكن وفق شروط ومواصفات جودة محددة. وعلى أية حال، فمن الضروري أن تكون معايير الإرساء ومعايير تقييم الأداء واضحة وشفافة.

إن العمل على تعزيز القدرات التنافسية داخل دول المجلس يحتاج إلى بناء أرضية مؤسسية وقانونية مواتية. [بالإضافة إلى ذلك تقديم مساعدات حكومية محدودة منها ضمان الاستثمار ضد المخاطر –إلى حد معين- وضمان القروض وتسهيل الحصول عليها من المؤسسات المالية، وضمان المخاطر ضد تدهور أسعار الصرف] فمثلاُ لابد من شمولية النظام القضائي والقانوني، وأن يشمل جميع جوانب العمليات التجارية والإنتاجية، وأن يتم إعادة ترتيب النواحي الإجرائية، وذلك لتسهيل عملية فض المنازعات، ولابد من تطوير الأسواق المالية من الناحيتين الفنية والعملية. ولكي يكون القطاع الخاص بدول المجلس قطاعاً منافساً لابد أيضاً من اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية الملكية الخاصة والملكية الفكرية والحد من الممارسات الاحتكارية ومحاولة القضاء على عوائق عمل السوق بجميع أشكالها.

وفي هذا الصدد أيضاً، يستحسن أن تتبنى دول المجلس أنظمة وإجراءات نمطية تنطبق على جميع عمليات التخصيص، وذلك فيما يتعلق بتحديد أسعار المنتج أو الخدمة المقدمة ومستوى الجودة وطريقة فض المنازعات. وبشكل عام فإن نمطية الأنظمة والإجراءات تقلل المخاطر على منشآت القطاع الخاص وتزيد من درجة المنافسة بينها.

إن إعادة تنظيم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية على النمط الذي سبق شرحه لن يكون فعالاً أو ذا جدوى، في تحقيق الأهداف المرجوة من رفع للقدرة التنافسية للقطاع الخاص الخليجي ومن الاستفادة من الانفتاح على العالم الخارجي، ما لم يتم تطبيق الأنظمة والقوانين ذات العلاقة بدقة متناهية. كما أن عدم إعادة الهيكلة وتنظيم تدخل الدولة بأسلوب موات لمعطيات المرحلة الحالية يوجد نوعاً من عدم الاستقرار في الأسواق المحلية وعدم القدرة على المنافسة الخارجية. وفي كلتا الحالتين سترتفع درجة المخاطرة على المستثمرين، وسترتفع العوائد التي يطلبونها للتعويض، الأمر الذي يؤدي إلى رفع أسعار المنتجات والخدمات المحلية، ومن ثم انخفاض قدرتها التنافسية أمام المنتجات والخدمات الأجنبية المماثلة.

الثاني: مراجعة السياسات الاقتصادية المختلفة وتبني ما يتناسب مع ظروف المرحلة الحالية، ومن هذه السياسات ما يلي:

إيجاد بيئة نقدية ومالية مستقرة، وذلك من خلال القضاء على عجز موازنات دول المجلس، ومراقبة مؤشرات التضخم، والأخذ بسياسات التثبيت الملائمة لتفادي حدوثه.

دعم سياسة التنويع الاقتصادي وتوجيهها نحو الصناعات التقنية وذات القيمة المضافة العالية، وقد يكون من المناسب أن تتجه سياسة التنويع إلى مجالات بهذه الخصائص مثل الخدمات المالية والبنكية والاتصالات والنقل وتجار الجملة والتجزئة والسياحة وبرامج الحاسب الآلي، هذا بالإضافة إلى الصناعات البتروكيماوية ومشتقات البترول ذات الميزات النسبية العالية. أما فيما يتعلق بالصناعات التحويلية فإن دول المجلس تواجه تنافساً كبيراً من قبل دول الشرق الآسيوية والهند والصين، لذا لابد من مراعاة القدرات الإنتاجية لهذه الصناعات في دول المجلس وقدرتها على المنافسة الخارجية. إن الطريق نحو التنويع الاقتصادي لدول المجلس طريق صعب وطويل ولكنه ليس مستحيلاً، ويتطلب تحقيق هذا الهدف تهيئة المناخ الملائم وذلك من خلال تطوير النظام التعليمي والبرامج التدريبية العامة والمتخصصة لجميع الفئات والمستويات ومن خلال تشجيع المدخرات الخاصة وإيجاد قنوات فعالة لاستثمارها من قبل القطاع الخاص الخليجي. يقترح (klein, 1998) بهذا الخصوص بأنه يجب أن تزيد معدلات الادخار الوطنية عن 20 إلى 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويماثلها في ذلك زيادة في معدلات الاستثمار.

تشجيع ودعم الصناعات التي تحقق وفورات في الإنتاج (أو تزايد في الغلة)، [في المقابل يجب مراعاة أن هناك حاجة لتشجيع ودعم الصناعات الصغيرة والمتناهي الصغر؛ وذلك لتوظيف العمالة الوطنية وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة] وذلك تحقيقاً لاقتصاديات الحجم الكبير وتهيئتها للمنافسة الخارجية. ويكون الدعم بطرق تتوافق مع قواعد المنظمة مثل دعم البحوث العلمية المرتبطة بتطوير هذه الصناعات والعمل على تحويل الشركات العائلية القابلة للتطوير والتوسع إلى شركات مساهمة. إضافة إلى ذلك فإنه في حالة كون الصناعات وليدة –وذات قيمة مضافة عالية- فهناك إمكانية التدخل المباشر من قبل الدولة لحمايتها خلال فترة معينة وفق حدود تسمح بها المنظمة.

إن صغر حجم اقتصاديات دول مجلس التعاون النسبي يستدعي السعي نحو الوصول إلى أسواق خارجية، وفي حين يهيئ الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ذلك، فإنه من الأجدى رفع درجة منافسة الصناعات المحلي عن طريق دعم الصناعات ذات الحجم الكبير والتي تحقق وفورات في الإنتاج ويتفق أحمد وعبد الرحمن (ahmad and abdel-rahman. 2000) مع كل من krugman scott بأن على الدول العربية أن تتحد الصناعات القادرة على الإنتاج بكفاءة عالية (Winner industries) وأن تدعمها، إلا أنه يجب أن لا يكون هذا الدعم الكبير وأن لا يكون لفترة طويلة، وذلك لجعلها قادرة على المنافسة الخارجية.

التركيز على سياسات التوجه إلى التصدير وتشجيع الصادرات بحيث تضع السياسات التجارية حدا للتحيز ضد قطاع التصدير، وتحدد الإجراءات الحمائية للصادرات في أضيق نطاق ووفقاً للقواعد المحددة في أنظمة منظمة التجارة العالمية، إن التقدم الاقتصادي الذي حققته دول شرق آسيا يشير إلى إمكانية نجاح سياسة الانفتاح على العالم الخارجي واستراتيجية التوجه نحو التصدير كخيار استراتيجي (Plummer, 1997).

التأكد من عدم اتخاذ إجراءات حمائية تعزل السوق المحلية عن السوق العالمية، وذلك من خلال الإقلاع عن القيود غير الجمركية والاعتماد على التعرفة الجمركية والدعم المحدود للصناعات التصديرية. إن التعرفة الجمركية تمثل أداة سعرية تتميز بالشفافية وتجعل الأسعار المحلية تتأثر بالأسعار العالمية مما يساعد المنتجين المحليين على الاستجابة لإشارات السوق وتبني التقنية التي يحتاجونها لمنتجاتهم، كما أنها تحمي المستهلكين من أعباء سوء جودة الإنتاج (زروق، 1998). إلا أن المغالاة في مستوى التعرفة الجمركية، إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وانخفاض الكفاءة الاقتصادية. لذا فإن تحقيق الاستفادة من الحماية عن طريق التعرفة الجمركية يتطلب تخفيض معدلاتها وتقليص تعدد نسبها. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن دول مجلس التعاون تتميز باستخدامها التعرفة الجمركية بنسب منخفضة نسبياً وبتعدد محدود، وتتسم أيضاً بعدم استخدامها التقييد الكمي للواردات مثل حصص الاستيراد، إلا أن هناك عدداً من العوائق الإجرائية غير الجمركية التي تعيق التجارة نسبياً في دول المجلس. [انظر دراسة الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: Non-tariff barriers and economic effects of trade liberization, 2000] والتي لابد أن تسعى دول المجلس للحد منها.

تشجيع الاستثمار الأجنبي ونقل التقنية. لقد تزايدت حدة المنافسة بين الشركات العملاقة للاستثمار خارج حدود دولها في الآونة الأخيرة، وأدى ذلك إلى انخفاض فوائض المنتجين، ومن ثم أصبحت قدرة الدول النامية في الحصول على الاستثمارات الأجنبية والاستفادة منها حساسة جداً للسياسات الحكومية (Esfahani, 1997). ومقارنة بالدول النامية، تستقطب دول المجلس أحجاماً منخفضة من رؤوس الأموال الأجنبية، كما أم هذه الاستثمارات –كما هو الحال في باقي دول المنطقة- متذبذبة من فترة إلى أخرى، [بلغ حجم استثمارات الدول العربية مجتمعة 4.6، 0.2، 6.4 بليون دولار، وتشكل ما نسبته 2.1 في المائة و –0.1 في المائة، و1.4 في المائة من إجمالي DFI العالمية للأعوام 1993 و1995 و1997، على التوالي] إذ بلغ نصيب الفرد من رؤوس الأموال الأجنبية -37.6 دولار في دولة البحرين، و4.1 دولار في دولة الكويت، 42.4 دولار في سلطنة عمان، و167.5 دولار في دولة قطر، -3.0 دولارات في المملكة العربية السعودية، و128.9 دولار في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة 1993-1995ـ وارتفعت هذه المعدلات لبعض دول المجلس وانخفضت لأخرى خلال الفترة 1996-1998، إذ بلغت 44.5 دولاراً في دولة البحرين، 65.8 دولاراً في دولة الكويت، 25.7 دولاراً في سلطنة عمان، 76.6 دولاراً في دولة قطر، و66.6 دولاراً في المملكة العربية السعودية، و43.8 دولاراً في دولة الإمارات العربية المتحدة (انظر جدول رقم 2 في القسم الثاني من الورقة).

في السابق كانت محددات الاستثمار الأجنبي في دول الشرق الأوسط وإيران وتركيا تتمثل في التمويل والضرائب والعمالة الماهرة والبنية التحتية ونوعية الإجراءات المتبعة والأنظمة القانونية، أما الآن فقد بات المستثمر الأجنبي يهتم بصورة رئيسة بالاستقرار السياسي وبفعالية النظام القضائي والقانوني وبمصداقية السياسات الحكومية (shafik, 1997). ومع توفر بنية تحتية ملائمة وإمكانات لتمويل المستثمر الأجنبي، تتمتع دول المجلس باستقرار سياسي، الأمر الذي يهم المستثمر الأجنبي بصفة رئيسة. هذا إضافة إلى أن عدداً من دول المجلس يعطي حوافز للمستثمرين الأجانب، حيث تركز الحوافز الاستثمارية في كل من دولة الكويت وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية على منح إعفاء من ضرائب الدخل لفترة محددة، تصل في بعضها إلى 10 سنوات، كما تقدم هذه الحكومات مساعدات تمثل في البحث والتطوير ومنح استخدام الأراضي الصناعية في دولة الكويت، وفي قروض ميسرة المملكة العربية السعودية. وفي حين نجد أن كلاً من دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة يشجعان على الاستثمارات الأجنبية إلا أنه لا يوجد حوافز معينة بهذا الصدد. [انظر إلى شفيق (shafik, 1997) لمعرفة حوافز الاستثمار الأجنبي المقدمة من دول مجلس التعاون] وتجدر الإشارة إلى أن كلاً من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان قامتا في منتصف العام الماضي بتعديل نظام الاستثمار فيهما بما يتماشى مع ظروف المرحلة الحالية وإمكانات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

إلا أنه في المقابل هناك عوائق تحد من تحفيز المستثمر الأجنبي للاستثمار في دول المجلس. ومن هذه العوائق صعوبة الإجراءات وطولها وعدم شفافية وشمولية الأنظمة والقوانين المتعلقة بفض المنازعات. وعلى الرغم من أن عدداً من دول المجلس تسعى إلى إزالة هذه العوائق، إلا أن تطمين المستثمر الأجنبي حول سلامة رأس ماله وإمكانات تحصي حقوقه تستدعي عملاً جاداً وطويلاً في هذا الاتجاه. كما أن تشجيع الأموال يتطلب العمل على تسهيل الإجراءات الإدارية والنظامية (Deregulation) المتعلقة بإمكانات دخوله وخروجها والحصول على الميزات الاستثمارية نفسها التي يحصل عليها المستثمر المحلي.

وحيث تتشابه الخصائص الطبيعية والاقتصادية، فإن هناك ضرورة لقيام دول المجلس بتنسيق سياستها المتعلقة بالاستثمار الأجنبي لتجنب المنافسة فيما بينها في استقطاب الاستثمارات الأجنبية ولتحقيق الاستفادة من الميزات النسبية لكل منها ولتحقيق تكامل في استخدام مواردها الطبيعية والاقتصادية. وأيضاً، وعلى مستوى دول المجلس مجتمعة، فإنه يستحسن العمل على تحديد المجالات الاستثمارية التي تماشى مع متطلبات التنمية وتعود بفائدة أكبر لدول المجلس وتقديم تنازلات للاستثمارات الأجنبية فيها.

إن استقطاب الاستثمارات الأجنبية يحقق نقلاً للتقنية مما يتيح تبنيها من قبل القطاع الخاص، وإن العمل من خلال التكامل الاقتصادي بين دول المجلس يعمق استخدام التقنية الموجودة ويضيف تقانات أخرى، حيث يؤدي العمل التكاملي إلى تخفيض التكاليف المتعلقة بالإجراءات ويحقق استفادة من مزايا الإنتاج الكبير في دول المجلس. إن نقل التقنية وتنميتها لا يتحقق فقط من خلال تشجيع الاستثمارات الأجنبية فقط، وإنما أيضاً من خلال تحرير التجارة. فمع ممارسة التجارة الدولية تزداد دوافع وقدرات القطاع الخاص في الحصول على تقنية حديثة ومنافسة السلع الأجنبية (Plummer, 1997). وكما تم الإشارة إليه، فإن استمرار عملية نقل التقنية وتنميتها تتطلب حماية فعالة لحقوق الملكية الفكرية.

 

خاتمة

ناقشت الورقة مدى انفتاح دول المجلس واتجاهها نحو العولمة، وتوصلت إلى أن انفتاح هذه الدول تجاريا يتزايد نحو العالم الخارجي، إلا أن الاستثمارات الخارجية لديها منخفضة وغير مستقرة، وناقشت الورقة كيف تعاملت دول المجلس مع أنظمة منظمة التجارة العالمية وقواعدها، وتوصلت إلى أن الأنظمة والقواعد التجارية تتفق إلى حد كبير. مع ما هو معمول به في دول المجلس، إضافة إلى ذلك تطرقت الورقة إلى الآثار الاقتصادية المحتملة على دول المجلس من جراء الانضمام إلى المنظمة، وتوصلت بهذا الشأن إلى احتمالات وجود آثار إيجابية على الصناعات التحويلية وصناعة البتروكيماويات، واحتمالات وجود آثار سلبية على المنتجات الزراعية.

عن انضمام خمس من دول المجلس إلى منظمة التجار العالمي وخوض المملكة العربية السعودية مفاوضات مع المنظمة بغرض الانضمام يعني اتجاه دول المجلس نحو مزيد من الانفتاح على العالم الخارجي، ويدعم ذلك ما اتخذته عدد من دول المجلس من إجراءات تصحيحية عام 2000 حيال جوانب من المالية العامة وحيال البيئة الاستثمارية المحلية. إن تزايد الانفتاح على العالم الخارجي يؤجج المنافسة التجارية والاستثمارية ويكشف أسواق دول المجلس على العالم. كما أن تزايد الانفتاح يقلل من فرص نجاح دول المجلس اقتصادياً في هذا الصراع الدولي وذلك ما لم تسع هذه الدول حثيثاً نحو تعزيز درجة المنافسة للمنتجات المحلية وتهيئة البيئة القانونية والمؤسسية بصورة مواتية لتشغيل رؤوس الأموال المحلية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وبما لا يتعارض مع أنظمة منظمة التجارة العالمية وقواعدها.

ويتحقق هدف تعزيز درجة المنافسة الخارجية للمنتجات المحلية لدول المجلس وتوطين رؤوس الأموال المحلية واستقطاب الأجنبية منها من خلال تبني برنامج اقتصادي إصلاحي شامل يركز على عاملين رئيسيين هما, كما حددتهما الورقة:

الأول: الاتجاه نحو التخصيص كخيار استراتيجي وتقليص دور الدولة كموجه للاقتصاد المحلي.

والثاني: مراجعة السياسات الاقتصادية المختلفة وتبني ما يتناسب مع ظروف المرحلة الحالية، ومن أهماها إيجاد بيئة نقدية ومالية مستقرة، ودعم سياسات التنويع الاقتصادي، وتشجيع ودعم الصناعات التي تحقق وفورات في الإنتاج وتشجيع الصادرات، والتأكد من عدم اتخاذ إجراءا حمائية تعزل السوق المحلية عن السوق العالمية، وتهيئة البيئة القانونية والمؤسسية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية ونقل التقنية.

 

المراجع

أولاً: المراجع العربية

الأمانة العامة لمجلس التعاون، إدارة التخطيط والدراسات. بيانات متفرقة، 2000.

الأمانة العامة لمجلس التعاون، إدارة التخطيط والدراسات، قرارات العمل المشترك، الطبعة الخامسة، 1998.

الحمد، تركي. العولمة في البحث عن تعريف، دول الخليج والعولمة (منتدى التنمية، اللقاء السنوي الحادي والعشرون، 3-4 فبراير 2000، دبي، الإمارات العربية المتحدة)، 2000، ص16-52.

جريدة الرياض. سلطنة عمان العضو 139 في منظمة التجارة العالمية، العدد 11797، 10 أكتوبر 2000.

زروق، جمال الدين. واقع السياسات التجارية العربية وآفاقها في ظل اتفاقية منظمة التجارة العالمية، مجلة التنمية والسياسات الاقتصادية، المجلد الأول، ديسمبر 1998م، ص 9-45.

سليم، محمد. اتفاقية الجات وآثارها على دول الخليج العربية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجي، سلسلة محاضرات الإمارات رقم3، 1997.

فضل الله، بشير. الجات وأثرها على التجارة العربية، جدة 1994.

اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، دراسات الحسابات القومية، النشرة التاسعة عشرة، 1999م.

مراد، عبد الفتاح. شرح النصوص الإنجليزية لاتفاقيات الجات ومنظمة التجارة العالمية، دون تاريخ.

المقرن، عبد اللطيف إبراهيم. الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة وعلاقتها بمنظمة التجارة الدولية وانعكاساتها على اقتصاديات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مجلة التعاون، العدد 35، سبتمبر 1994.

منظمة الخليج للاستشارات الصناعية. كيفية حماية المنتجات الصناعية ذات المنشأ الوطني في ظل اتفاقية التجارة العالمية، 1999.

تحليل ميزات وعيوب انضمام دول مجلس التعاون إلى الاتفاقيات متعددة الأطراف ونظم الأفضليات التجارية مثل الجات والنظام المعمم للميزات GATT and GSP، ديسمبر 1992.

المنظمة العربية للتنمية الزراعية. استقراء الآثار على الرفاهية وأيضاً على الواردات الآثار المحتملة لتحرير التجارة الدولية على أوضاع الزراعة العربية، بحث مقدم لاجتماع الخبراء العرب لدراسة آثار اتفاقية الجات على الاقتصادات العربية، القاهرة 4-7 يوليو 1994.

هلال، محسن. النفط الخام ومنتجاته وعلاقته بقواعد منظمة التجارة العالمية، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، 1999.

ثانياً: المراجع الأجنبية:

 

مجلة جامعة دمشق-المجلد التاسع عشر – العدد الأول 2003

الدكتور / أحمد بن سليمان بن عبيد

قسم الاقتصاد – كلية الدراسات العليا – جامعة الملك سعود – الرياض

المملكة العربية السعودية