هروب الاستثمار مستمر… وحاجاتنا قائمة

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : ناصر عثمان الصالح | المصدر : www.arriyadh.com

هروب الاستثمار مستمر وحاجاتنا قائمة

 

عندما تتكرر الظواهر السلبية فعلينا دراستها والاتعاظ بدروسها وتقادي سلبياتها. قبل 11 أيلول (سبتمبر) كانت هناك هجرة قديمة وموروثة بشكل وحجم كبيرين، وكان مبرر هذه الأموال المهاجرة البحث عن الأفق الأرحب والأوسع والأسهل لتحقيق المكاسب، ومن أجلها هاجرت هذه الأموال.

وبعد 11 أيلول (سبتمبر) وما تلاه من عقد وتعقيد أحاطت بالإنسان وماله المهاجر وعدم الترحيب الخفي والمعلن بإنساننا صاحب هذه الأموال عربياً كان أو مسلماً وجبنت هذه الأموال وعاد الكثير منها إلى أحضان الوطن، سعدنا وفرحنا، فوجئنا أن شهر العسل قد انتهى، وأن قافلة هجرة المال بدأت تسلك جادتها مرة أخرى، إنها تبحث عن فرص ومجالات استثمار مربحة ومفيدة، إنها بدأت تبعد عنا.

هذه دبي المدينة الناجحة والإمارة المبدعة تجذب المواطنين في سياحة استثمارية بكل ترحاب، وكذلك غيرها من دول الخليج والعالم العربي. لاشك أن هذه الهجرة لها ميزاتها وحسناتها، إنها ذهبت إلى مَن نحب واستفادتهم منها مكسب لنا جميعاً، ولكن الوطن يفقد هذه الأموال المهاجرة فلماذا يا تُرى؟

يبدو أن هناك في وطننا قوة طاردة للاستثمار.. يا تُرى ما كنه هذه القوة الطاردة التي نجحت في إزعاج ريالنا وأصحابه؟ لماذا شبابنا قبل شيبنا وأصحاب الدخل المحدود قبل الأثرياء ذهبوا إلى هذه المدينة وغيرها ليُسجلوا كمستثمرين ويساهموا في استثماراتهم الجديدة، إلى دبي ذهبوا أفراداً وجماعات إلى درجة أن أحد المختصين في الإمارات ذكر أن تهافتهم تطلب أن يقوم ضباط الشرطة ورجال الأمن لصد المستثمرين الذين كان أكثرهم سعوديين، كما أكد مسؤول مصرفي هناك أن البنوك واجهت موجة تدافع لم تكن تتوقعها.

يبدو أن الإخوة في الخليج يفهمون كنه مشكلتنا حين قالوا إن إقبال السعوديين بكثافة على الاكتتاب يعود إلى وجود فائض سيولة ضخم في المملكة يبحث عن فرص استثمارية في الإمارات، تحديداً بسبب قوانينها المشجعة على الاستثمار ومرونة الإجراءات وارتفاع عوائد الاستثمار وليس قلة مجالاته في المملكة. إذا عُرف السبب بطل العجب كل ما علينا هو أن ننطلق وألا نتردد وأن نفتح أبواب الاستثمار المتعددة في بلادنا من خدمات وصناعات وغيره للاستثمار المحلي ولدينا مجالات عديدة، ألا يكفي أن الدولة قرت تخصيص 20 قطاعاً، يبدو أن آلة التنفيذ إما متقاعسة أو تعاني من أسباب أخرى.

هذه قطاعات المصافي ومنتجاتها البترولية التي كانت في السابق من اختصاص "بترومين" ومن قبلها "سمارك" التي آلت تشغيلاً وإدارة إلى "أرامكو" التي بدورها نجحت بقيادتها الشابة الوطنية في تطوير وتنمية هذا القطاع. لماذا لا ينظر في أمر تحويل هذا القطاع وطرحه للاستثمار المحلي، بل والتوسع في إنشاء المصافي في مناطق المملكة. هذا المشروع الاستراتيجي الذي يهمنا جميعاً يتطلب استثمارات كبيرة وبالمليارات، ولاشك أن سيولتنا المحلية سترحب بهذا الاستثمار كثيراً.

هناك أجواؤنا السعودية التي حان الوقت لتخصيصها لأكثر من ناقل، وطرح أسهمها في السوق المحلية، بل وحتى تشجيع الشركات الخليجية بشروط وقواعد تحمي مصالحنا للعمل في أجوائنا لنستفيد من رسومها وفرص عملها وتطوير للسياحة وربط أكثر ترابطاً لأجزاء المملكة مع بعضها، وهذا لا يضير ولا يضير ناقلنا "السعودية" الذي يشهد الجميع له أنه تطور كثيراً، ولكن المملكة قارة وأكبر من أن يقوم بأعبائها واحتياجاتها ناقل واحد.

ثم هناك صوامع الغلال ومطاحن الدقيق التي أقرت حكومتنا الرشيدة تخصيصها ضمن 20 قطاعاً، فوجئنا أن هذه المؤسسة قررت أن تطرق مساراً آخر وهو POT الذي يعني البناء والتشغيل ثم.. ثم إعادتها إلى المؤسسة كما تعنيه T. كان أملنا أن تطرح الصوامع والمطاحن كشركة مساهمة وأن يبقى للدولة اختصاصها المرتكز على دعم سعر القمح زراعة كان أم استيراداً حسب الظروف يجب التقيد بمبدأ التخصيص وعدم الخروج عن هذا المسار.

نسمع كثيراً أن المملكة يوجد فيها ما يقارب 45 شركة تأمين غالبيتهم لا يتعدى أن يكون "بوتيكات" مؤسسات صغيرة بأعداد قليلة من الموظفين موظفاً أو اثنين وطبيعة عملهم وكلاء لشركات تأمين في الخارج. يعاني المؤمن عليهم من هذه المؤسسات الذين قل ما يخدمون الصالح العام. هذه المؤسسات وسيلة لهجرة الأموال إلى شركة التأمين الدولية التي تستعملها لأغراضها. أليس من الأفضل أن يُفرض على هذه الشركات كيان جديد كما هي الحالة مع مكاتب الصرافة التي تحولت إلى بنك؟ لماذا هذه الشركات مجتمعة لا تتحول إلى شركات مساهمة برأسمال محدد وأن ترتبط هذه الشركات بمؤسسة للتأمين كمؤسسة النقد لتشرف على عملهم وتضع الشروط والقيود التي تحمي المؤمن والمؤمن عليه؟

هذه الشركات الحالية الصغيرة المهلهلة سريعة في أخذ المال وبطيئة، إن لم تكن ممتنعة عن القيام بما عليها من استحقاقات.

هناك قطاع سكة الحديد الذي يعيش حالياً فترة تطور ورغبة وثابة لتطوير هذا القطاع الذي لم تلمسه يد التوسع منذ وفاة الملك عبد العزيز رحمه الله، وقيادة السكة الحديد تهدف طامحة إلى ربط البحر الأحمر والخليج بحسر سيكون له دعم كبير في تطوير اقتصادنا المحلي، أليس الوقت مناسباً لطرح هذا الاستثمار في سوقنا المحلية؟

إذاً لدينا آفاق واسعة وإمكانيات كبيرة وفرص عديدة لاجتذاب والاستفادة من السيولة الحالية قبل أن تهجرنا إلى غيرنا، فأعتقد أنه حان الوقت أن ينظر في هذه الأمور وأن يكون لها لجنة عليا لديها من المرونة والفعالية ما يضمن تحقيق مصلحة هذا الوطن ومواطنيه في ظل دولتنا المخلصة الأمينة.

كل ما علينا هو أن ننطلق وألا نتردد وأن نفتح النوافذ والأبواب لمستثمرينا وأموالنا المحلية، وأن نجتذب المستثمر الخليجي وأن نعكس الاتجاه في صالحنا، فنحن مقارنة بمن حولنا الأكبر والأقوى والأغنى.

الاقتصادية / السبت 27 شعبان 1426هـ العدد 4373

الدكتور / ناصر عثمان الصالح مستشار اقتصادي