إفراط وتفريط وتستُّر..!!

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : نورا | المصدر : saaid.net




عشنا منذ صغرنا في كنف أسرة تتكون من أب وأم وأربع أخوات وشقيقين، عودنا والدي – بحكم دراسته في أمريكا والعمل بها بعض الوقت- على نوع من الحرية والثقة المتبادلة.. وكنا نعي هذا الأمر جيداً ونتعامل على أساس هذه الثقة وهذا الوعي الذي تحظى به أسرتنا..


لدينا خط إنترنت في المنزل، لزوم الاطلاع والبحوث والتواصل مع عالم التقنية والمعرفة، ورغم وجود خط هاتف منزلي، فلكل واحد من البنات والأولاد هاتفه النقال الخاص به.. وهذا أضاف علينا عبئاً ثقيلاً.. وزاد عظم الثقة والأمانة على نفوسنا، لكنه من الجانب الآخر أتاح مجالاً آخر للانفلات والتسلية والترفيه، وفتح باباً واسعاً للشرور والانصراف عن الأساسيات.

إلى حد كبير كنت أنا ومنار باعتبارنا الأكبر سناً على قدر من المسؤولية ومكاناً للثقة.. أما ريم فهي أصغر العنقود.. فلم يكن على عاتقها شيء من المسؤولية، بل لم تكن تدري شيئاً عما يدور حولنا وحولها، وسعد وتركي كانا مشغولين دائماً بأمورهما الخاصة، وأصدقائهما وهوايتهما المتمثلة في عالم السيارات، وجنون الهواتف النقالة، فضلاً عن الدراسة..

لكن نهى كانت خارج هذه المنظومة، كانت تطلق لخيالها العنان، ولنفسها الحبل على الغارب، وبدون كوابح أو إلجام.. كونت من خلال النت والجوال صداقات فاقت التصور، استغلت مساحة الحرية والثقة الممنوحة من الوالد استغلالاً غير مرشَّد.

ولا أخفيكم كنت أحبها (بجنون) فهي رغم انشغالها بأمورها تمثل الشخصية المحبوبة من الجميع، بحيث لا يملها أحد أو يتضايق منها شخص، بل هي ملح المكان الذي توجد فيه.. ذات روح خفيفة ومرحة وذكية.. طيبة النفس، بريئة لا تخفي في نفسها شيئاً، لكنها كانت تسبح في أمواج من الغراميات والعاطفة بلا أطواق نجاة، ودون النظر إلى أي ساحل أو مرفأ ترسو عليه قواربها التي أصابتها الأمواج بالبلل والشروخ..

تعرَّف عليها شاب أوهمها بجنة الحب وسعادة الغرام، واستطاع أن ينتزع قلبها من قفصها الصدري.. وصار اسمه أغلى ما في هذا الكون (في نظرها) ذابت حباً في (خالد) الذي وعدها بالزواج والعيش في سعادة، وصوَّر لها حياتهما المستقبلية بأوصاف لا توجد إلا في عالم الأحلام، فتخدرت لحديثه ووثقت في مشاعره، وأسلمت نفسها وعواطفها له، حتى صار مجاب الطلبات، ومسيطراً على القلب والفؤاد.

لم تكتف (نهى) بالاتصال عليه عبر الهاتف والنت، بل تحول الأمر إلى مقابلات، وبدأت بالمراكز التجارية، ثم الأسواق المفتوحة، حتى وصل الأمر بينهما ليلتقيا في المطاعم العائلية.. مستغلة الثقة والحرية المتوفرة لدينا.. دون أن يعلم أبي بأي خطوة من ذلك، بل كنت وحدي التي تعلم بذلك، ولكن من كثرة حبي لها لم أود أن أعكر عليها صفوها على أمل أن يظهر الشاب (خالد) ويخطبها، وتنتهي فترة الكتمان ويصبح كل شيء في ضوء النهار.

لكن (خالد) فارس أحلام الفتاة الضائعة لم يكن أكثر من ذئب بشري شرس لم يكتف بالمهاتفات والمقابلات.. بل كان يكشر عن أنيابه لينهش من الشرف والفضيلة، وينتقص من قدر وشرف الفتاة التي أودعته قلبها وأملها وأحلامها..

ذات مرة بعد لقاء سريع وخاطف في أحد المراكز التجارية التي اعتادا اللقاء فيها، أخذها بسيارته (الفارهة) وتناولا عصيراً طازجاً.. لم تع نهى بعده من أمرها شيئاً، بل لم تستيقظ إلا بعد أن لاح ضوء الصباح.. لتجد نفسها في مكان غريب وبعيد.. ولتجد نفسها غير نهى التي خرجت من المنزل بكامل عذريتها وطهرها.. وعقلها السليم.. صدمت نفسياً، وانكسرت وصارت شبحاً مخيفاً.. تحادث الجدران والهواء والجماد، وتبكي كثيراً حينما ترى الناس، وخاصة حينما ترى أبويها أو أحداً من أفراد أسرتها.. لقد أسدلنا الستار على شباب الفتاة البريئة المرحة نهى، وانضمت إلى أسرتنا شابة منهارة الأعصاب، مكسورة القلب فاقدة الوعي، منقسمة الشخصية، ترقد في أحد المستشفيات النفسية، أما المجرم المدعو (خالد) فهو في قبضة الأمن.. حيث تم القبض عليه؛ بعد هروب خارج المنطقة استمر عدة أشهر، وما زال رهن المحاكمة.

تعذبت كثيراً بسبب ما جرى لشقيقتي؛ لأني كنت أعلم بذلك المنكر، ولم أنه عنه، بل كنت أتستر عليه بوهم محبتي وخوفي عليها، لكنني في الواقع كنت سبب المأساة الإنسانية التي تعيشها أسرتنا.. وتتجرع مراراتها نهى، أو شبح نهى.. ندمت وبكيت وتألمت.. ولكن متى؟ بعد أن وقع الفأس على الرأس..!!