من المتصل – ج 3 – دروس تسويقية عملية

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

على أن نمو شركة من المتصل Who’s Calling من مليون دولار عوائد في عامها الأول، إلى 60 مليون دولار من العوائد بعد خمس سنوات من بداية عملها لم تكن عملية سهلة، أو وليدة الصدفة. رغم أنها كانت ثالث شركة ناجحة يؤسسها لوني، لكنه خصص لها ميزانية محدودة وصغيرة، للتسويق ولزيادة حجم الأعمال، فإن نفدت هذه الميزانية ولم تنجح الشركة في زيادة مبيعاتها، كان هذا معناه وداع العاملين فيها ونهاية القصة!
لعل من أفدح أخطاء أصحاب الأعمال الناشئة، أنهم يتوهمون أنهم قادرون على فعل كل شيء بأنفسهم، ومهما كان هذا صحيحا، فاليوم مكون من 24 ساعة فقط، هذه الساعات لن تكفي في نهاية الأمر لفعل كل شيء، ولذا شئت أم أبيت، ستجبرك الأعمال على تفويض السلطات إلى الآخرين في فريق عملك. هذه الحقيقة فهمها لوني جيدا.
حين دخل جون ستابلتون غرفة الاجتماعات، التي جمعت وفود فريقي المحامين: فريقه وفريق لوني، حين دخلت شركته وشركة لوني في صراع قضائي، أدرك وقتها أن هذا الصراع القضائي لن يؤدي في النهاية سوى لجعل مصاصي الدماء – هؤلاء المحامين الذين يرتدون بذلات أنيقة غالية الثمن – أكثر ثراء، على حساب طرفي النزاع.
اقترب جون من لوني وطلب دقائق من وقته، فوافق لوني، واستمع لوجهة نظر جون، وأعجبه طريقة تفكيره، وما هي إلا سويعات حتى كان الاثنان حلا خلافهما، وتحولا صديقين، ثم بعد سنوات قليلة عرض لوني على جون أن يوليه مسؤولية إدارة شركة من المتصل، فوافق جون على الفور.
لقد وجد لوني صفات كثيرة مشتركة بينه وبين جوني، خاصة في طريقة تفكير كل منهما، وفي بغضهما للاقتراض ولإنفاق النقود فيما لا يعود بمردود على الشركة. كذلك، اهتم جون بالتدفقات النقدية لأي عمل يديره، ولم تنطلي عليه حيل المحاسبين في تقليل أثر المصاريف والنفقات على كشوف الحسابات، في حين تخلو الخزينة من النقود، وتضطر الشركة للاقتراض والسير نحو الهاوية.
ما أن باشر جون أعماله، حتى وجد الشركة مكونة من رجال مبيعات يستميتون من أجل تأمين عميل أو اثنين، مهما كلف الأمر. نظر جون فوجد أن سير العمليات لا يخضع لنظام أو مراقبة، كما لم يجد تقارير توضح تكاليف إتمام عمليات البيع، ولذا عمد إلى تعيين مدير عمليات، ستيوارت ديبنا، الذي لمع نجمه في أكثر من شركة عمل بها.
وجد ستيوارت أن عمليات البيع الكثيرة لم تكن تدر أرباحا تترجم هذا الكم من المبيعات، ومن خلال النظام الجديد الذي وضعه خصيصا ليناسب طبيعة خدمات الشركة، كشفت التقارير الصادرة من النظام أن بعض المبيعات ذات تكاليف تفوق عوائدها، مما ساعد على توجيه اهتمام فريق المبيعات إلى العملاء الذين يحققون ربحية أكبر، وجعلهم يتركون أولئك الذين لا طائل منهم.
بعد ترتيب البيت من الداخل، وبعدما بدأت التدفقات النقدية في الدوران، جاء دور العثور على مدير التسويق!
حيث كان جون يسكن، جاوره في السكن مديرة تسويق لفريق رياضة بيزبول أمريكي شهير، طرق جون بابها وطلب منها حديث سريع، عرض عليها فيه أن تأتي لشركة من المتصل، خلال فترات التوقف ما بين مباريات الفريق والعطلات والإجازات. حبا في التجربة، وافقت الحسناء أليكسي فينري، التي تمتعت بخبرة كبيرة في التسويق للفرق الرياضية.
حين دخلت أليكسي الشركة، وجدت أنها بلا أي خطة أو رؤية أو ميزانية تسويقية، أو حتى إدارة للتسويق. كان جل الخطة التسويقية للشركة توزيع منشورات دعائية في صناديق البريد، وإرسال فاكسات لأرقام تليفونات جمعها رجال المبيعات بجهودهم الفردية.
قابلت أليكسي لوني، وسحرتها شخصيته ورؤيته لطريقة أداء الأعمال، وقبل أن تدرك، كانت قد شاركت في وضع شعار الشركة، وبشكل أو بآخر، أقنعها لوني بمساعدته على دخول المعرض الوطني لوكلاء السيارات الأمريكيين، وهو كان أكبر قرابة 5 إلى 10 مرات من أكبر معرض يقام على الأرض العربية – وقتها في عام 2000 – والأهم من كل هذا، كان المتبقي من الميزانية المخصصة للشركة الناشئة بدأ في النفاد. رغم كل شيء، قرر لوني أنه سيشارك في هذا المعرض، وأنه سيحصل على عملاء منه ينقلون شركته إلى بر النجاح.
كان معرض NADA يستمر لمدة أربعة أيام ويضم أكثر من 17 ألف عارض يعملون في مجالات متعلقة بصناعة السيارات، يعرفون عملهم جيدا، ما جعل فرصة أي قادم جديد في الحصول على جزء من الكعكة شبه مستحيل.
كانت مهمة أليكسي بسيطة: وضع شركة من المتصل على خريطة اهتمام العملاء المحتملين. إن لم تنجح أليكسي في هذه المهمة، لربما كانت هذه إشارة إغلاق الشركة وفشلها.
جاءت أليكسي بفكرة تسويقية مبتكرة وجديدة غير مسبوقة، 10 آلاف كرة زرقاء، تضيء عند الاهتزاز أو الرج، حملت شعار الشركة ورقم اتصال مجاني فريد، يسمح بتتبع الأداء التسويقي لهذه الكرات. اعتمد نموذج العمل على توزيع الكرات بالمجان على العارضين والزوار على السواء، حيث وقف رجال المبيعات في جناح الشركة في المعرض، يرمون الكرات أمام المارة، الذين ينبهرون بفكرة الكرات المضيئة، ولذا كان من المعتاد أن يأتي عارض أو وكيل لجناح الشركة، ليطلب 4 و5 كرات، له ولأبنائه ولأصدقائهم، وكانت هذه الزيارات كافية لرجال المبيعات لعرض فكرتهم، وللحصول على صفقات رابحة.
جاءت النتائج أفضل من أعتى التوقعات جموحا، في صورة صفقات بقيمة 400 ألف دولار أمريكي، وتوزيع 10 آلاف كرة وامضة، جعلت الاتصالات الهاتفية لا تتوقف لمدة ستة شهور بعد أيام المعرض الأربع. مع تكرار هذه الأفكار النيرة، في المرة الرابعة التي دخلت فيها “من المتصل” ذات المعرض، حققت مبيعات قدرها مليون دولار في أثناء أيام المعرض فقط.
علمت أليكسي أن الاستمرار في ريادة السوق والتسويق يتطلب الاستمرار في ابتكار الأفكار، إذ أن سمة السوق والمنافسين التقليد، ولذا عمدت إلى إقامة حفلات خلال فعاليات المعرض لشكر العملاء، استغلتها للدعاية للشركة ولكي يعلم أكبر قدر من الناس بنشاط الشركة، ولتحقيق أكبر أثر تسويقي ممكن، وهي أجادت أيما إجادة، من حفلة أقامتها في بهو فندق مجاور للمعرض، ما جعل عدد ضخم من العارضين يمرون على الحفل ويعرفون عن الشركة، ومن ثم شاركوا في الحفل.
كما واستغلت أليكسي في مرة أخرى بدء عرض فيلم جيمس بوند جديد، فاستأجرت استوديو تصوير الفيلم، وطلبت من الناس الحضور بأزياء تنكرية، وعرضت شعار الشركة على جدار الاستوديو بشكل ساحر، ما جعل الجميع يتحدث عن هذه الحفلات، التي استغلها رجال المبيعات في تحقيق المزيد من الصفقات، وحققت أيما أثر في زيادة المبيعات.
رغم أن هذه الحفلات كانت من ضخامة الحجم حتى لتظنها باهظة التكاليف، لكن أليكسي استغلت كل صغيرة وكبيرة بذكاء، بحيث تخفض التكاليف، واعتمدت على المدعوين في إحياء الحفل ونشر الخبر وترك الأثر المرجو في نفوس العملاء المحتملين. كان مردود كل حفلة من الصفقات المبرمة يغطي مصاريف إقامتها ويفيض.
مرة أخرى، لم تنتهي القصة بعد، ولا زال للحديث بقية!
هذه التدوينة مهداة لكل من يطلبون خطة تسويقية بشكل سريع وعاجل، وينسون ذكر هل يريدونها خطة حارة أم بالخلطة العادية، مقرمشة أم سادة، لحم دجاج أم غنم أم سمك، توصيل للمنازل أم لداخل الفم، وهل يريدون مشروبا غازيا معها أم عصيرا طبيعيا، وهل … يكفي هذا.
التسويق علم وفن، يحتاج لنظر وتفكير وتدبير، وتمعن وتجريب. كل موقف له ما يناسبه من الأفكار، التي لا يمكن بحال وضعها بشكل سريع، مهما كان اختبارك على الأبواب، أو كانت وظيفتك الجديدة على المحك!
 
أنا هنا لأعلمك طريقة صيد السمك، ولا أبيعه!