المرور بالمسعى حال الطواف

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : هاني بن عبد الله بن جبير | المصدر : saaid.net

حكم المرور بالمسعى حال الطواف

الحمد لله وحده و الصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
ففي حج عام 1423هـ وقع زحام شديد في وقت طواف الوداع، يوم النفر الأول والثاني، فامتلأ المطاف و الأروقة المحيطة به، وكذلك أروقة الدور الثاني وسطح الحرم، وكان أشد الزحام في مكان بداية الطواف المحاذي للحجر الأسود؛ إذ يضيق المكان لقربه من المسعى، فاضطر بعض الحجاج إلى دخول المسعى حال الطواف، إذا بلغ حذاء الحجر الأسود، ثم يعود فيخرج من المسعى إلى أقرب مكان منه للكعبة، حيث يتسع المكان، وكان هذا محل استشكال لما يذكره الفقهاء:
إن من شروط الطواف أن يكون داخل المسجد، مع ما عرف من أن المسعى ليس من المسجد الحرام؛ ولذا فقد أحببت أن أكتب بحثاً يسيراً في هذه المسألة والله الموفق.

أولاً: معنى الطواف.
قال في لسان العرب(1) (طاف بالبيت وأطاف عليه: دار حوله؛ قال أبو خراش: تُطِيف عليه الطَّيْرُ وهو مُلَحَّبٌ خلافَ البُيُوتِ عند مُحْتَملِ الصُّرْم.
وقوله عز وجل: { وليطوّفوا بالبيت العتيق }( الحج – 29) (2) )أ.هـ.

فالطواف هو الدوران حول الكعبة. يقال طاف بالكعبة يطوف طوفاً وطَوَفَاناً (3).

ثانياً:حكم الطواف خارج المسجد.
الطواف خارج المسجد غير مجزئ عند أصحابنا. قال في الكشاف(4) (أو طاف خارج المسجد
لم يجزئه لأنه لم يرد به الشرع. ولا يحنث به من حلف لا يطوف) ومثله في شرح المنتهى (5) ومطالب أولى النهى 6)) .
وقد نقل النووي في المجموع الإجماع على هذا الحكم، قال رحمه الله(7): "واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنّه يجوز التباعد ما دام في المسجد، وأجمع المسلمون على هذا، وأجمعوا على أنّه لو طاف خارج المسجد لم يصح، وذكر النووي كلاماً آخر إلى أن قال:" واتفق أصحابنا أنه لو وسّع المسجد اتسع المطاف، وصح الطواف في جميعه، وهو اليوم أوسع مما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بزيادات كثيرة زيدت فيه، فأول من زاده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اشترى له دوراً فزادها فيه، واتخذ للمسجد جداراً قصيراً دون القامة، وكان عمر أول من اتخذ له جداراً) أ.هـ
وأمّا في الإنصاف (8) فقال: (لو طاف حول المسجد: لم يجزئه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
قال في الفصول: إن طاف حول المسجد: احتمل أن لا يجزئه واقتصر عليه) وهذا مقرر عند الحنفيّة (9) والمالكية (10).

ثالثاً: هل المسعى من المسجد أو لا؟
قال أصحابنا: إن من المسجد ظهره و رحبته - أي ساحته - المحوطة بحيطانه وعليها باب وكل ما زيد فيه(11).
وقد كان المسجد الحرام سابقاً دون المسعى إذ كان خارجاً عن المسجد ثم زيد في بناء المسجد حتى شمل المسعى، وحصل خلاف هل يكون المسعى بعد التوسعة داخلاً في حكم المسجد أم تبقى له الأحكام السابقة.
وقد نظر هذا الموضوع مجمع الفقه الإسلامي بمكة، وصدر قراره بالأغلبية على اعتبار أن المسعى بعد دخوله ضمن مبنى المسجد الحرام لا يأخذ حكم المسجد، ولا تشمله أحكامه؛ لأنّه مشعر مستقل، قال تعالى: { إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يَطَّوف بهما } (سورة البقرة:158) (12).

رابعاً: أثر الزحام والاتصال:
من استقراء كلام الفقهاء يتبيّن أن ما اتصل من الزوائد بالأصل اتصال قرار و تماس يشمله حكم واحد في الجملة ومن أمثلة ذلك:
1- أن الصفوف إذا اتصلت صحت المتابعة ولو امتدت خارج المسجد.
2- الطواف من وراء حائل:
فقد قال المالكية بعد أن قرروا عدم جواز الطواف من وراء حائل إلا بسبب زحمة فإنه لا يضر حينئذ حيلولتها بين الطائف وبين الكعبة لأن الزحام يصيّر الجميع متصلاً بالبيت(13).
3- التباعد عن البيت عند الطواف:
قال ابن حزم بعد أن رأى أن التباعد عن البيت عند الطواف غير جائز قال:( إلا في الزحام )(14).
4- من لم يجد مكاناً بمنى:
فقد صدرت فتاوى علماء عصرنا على أنّه يجوز لمن لم يجد مكاناً بمنى يبيت له أن يبيت بأقرب مكان يجد فيه مكاناً له.
فأنت ترى أن الزحام و الاتصال بين الناس عذر معتبر لامتداد الحكم فيما سبق وفي أمثلة كثيرة تشهد لهذا الاعتبار. مع أن في مسألتنا ملحظاً آخر وهو رفع الحرج المقرر في شريعتنا قال تعالى:{ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } (سورة البقرة: 286).

خامساً: جواز استعمال المسعى لغير عبادة السعي:
وذلك أن يصلى فيه إذا اتصلت الصفوف، كما أن كونه مشعراً مستقلاً لا يمنع استعمال أرضه في غير العبادة المشروعة فيه، كما أن المزدلفة وهي مشعر خاص - كما قال تعالى: { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } (سورة البقرة: 198) - لا يمنع استعمال أرضه للمبيت ليالي أيام التشريق إذا امتلأت منىً، ولم يجد الحاج فيها موضعاً لنزوله، وكذلك الطواف فإنما هو الدوران حول الكعبة فيحصل ولو تباعد الناس عنه ولا يعترض عليه بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم طاف من دونه وذلك أن الزحام يمتد الحكم بامتداده ولا شك أن جدار المسجد حادث بعد العهد النبوي كما تقدَّم.

سادساً:حكم المرور بالمسعى حال الطواف:
مما تقدم فإنّه يظهر لي جواز المرور بالمسعى حال الطواف عند حصول الزحام و الحاجة إلى المرور به. وصحة الطواف والحال ما ذكر(15).
وأما عند عدم الزحام والحاجة فإنّه على اعتبار المسعى من المسجد الحرام فالطواف صحيح أيضاً. وعلى اعتباره خارجاً عن المسجد كما هو رأي مجمع الفقه فلا يصح الطَّواف.

هذا آخره وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

----------------------------------------------
(1 ) (9/225) طَوَف.
(2) سورة الحج: 29.
(3) القاموس المحيط (طوف).
(4) (2/434)
(5) (2/52)
(6) (2/396)
(7) (8/42)
(8) (4/15)
(9) بدائع الصنائع (2/131)
(10) الشرح الكبير (2/31).
(11) الروض المربع (3/480)
(12) القرار الثالث في الدورة الرابعة عشرة المنعقدة يوم السبت 20/8/1415هـ.
(13) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (2/33) .
(14) (المحلى (4/206))
(15) أخبرني الشيخ أحمد الغامدي أن فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين كان يفتي بذلك قبل وفاته رحمه الله .