صانعة الحياة

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : هناء الشيخ | المصدر : www.lakii.com

لكل انسان في هذه الحياة رسالة ووظيفة يقوم بها. والأصل أن كل صاحب مهنة ماهر فيها...
خاصة اذا كان مقتنع بوظيفته , محب لها , متفهم لأبعادها.وعلى قدر هذا التفهم والحب يكون النجاح والابداع فيما بعد.

.
والوظائف في هذه الحياة كثيرة متعددة, ونحن هنا بصدد الحديث عن إحداها بل وأهمها وربما تكون هذه الوظيفة هي الاساس في صناعة الحياة والمستقبل . هذه الوظيفة ربانية خالصة من الله لمن يشاء من عباده, الاناث منهم خاصة ووعد كل من تقوم بها على اتم وجه.. قصر من قصب (اي لؤلؤ) لاصخب فيه ولانصب.. وذلك على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .


الرسالة والوظيفة التي نتحدث عنها , هي وظيفة الامومة . وهي قضية هامة خطيرة . وحساسة جدا ايضا لأن التقصير فيها له مردود على الحياة كلها . والنجاح فيها يؤدي إلى وجود أفراد صالحين مميزين يكونون دعائم لمجتمع صالح قوي ذا أسس حميدة


والمهمة الملقاة على عاتق الأم , والمسلمة خاصة ليست سهلة أو هينة , ولكي تقوم بها الأم على أتم وجه يجب أن تكون أبعاد هذه المهمة واضحة بالنسبة لها وان يكون الهدف واضح كذلك
إذن في البداية يجب أن تسألي نفسك ماذا يعني كونك أما ؟ وأما مسلمة بالذات . وهل تختلف الام المسلمة عن غيرها في وظيفتها ؟ ما هي رسالتك ؟ ما طبيعة وظيفتك ؟ هل تجدين من يتوظف في مكان, وهو لا يدري ما هو دوره الواجب عليه القيام به ؟


هل كونك أما مسلمة يعني أن وظيفتك هي إعداد الطعام , وغسل الأطباق والملابس,وتنظيف البيت فقط؟ نحن لانتهاون في هذه المهام , فهي مهمة ولكن, أتعتقدين أن الله سبحانه أوصى بالأم وخصها بالمكانة الرفيعة , وكذلك فعل رسوله الكريم عندما قال (أمك ثم أمك ثم أمك) لأنها تقوم بهذه الوظائف فقط , أم أن هناك أمورا أعظم, وأضخم لأجلها كان هذا الاهتمام بالأم ؟

إعلمي أخيتي أن كونك أما مسلمة, يعني أنه قد شملك نداء الله سبحانه ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) وشملك قول رسوله الكريم ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول ووووقوله صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فالله سائلك عما استرعاك إياه وكيف كان اهتمامك برعيتك . هل اديت واجبك ام قصرت؟ هل اعتنيت ام اهملت؟ فالسؤال خطير والسائل عظيم وهو عندما كلفك كان عز وجل يعلم انك قادرة على اداء المهمة فهو لايكلف نفسا إلا وسعها . وانت على قدر هذا الوسع إن شاء الله

لذلك نحن هنا الأن لنوضح لك بعض النقاط التي تبين لك مدى عمق وظيفتك وأهميتها , ولماذا هذا الاعتماد عليك انت بالذات, وتحميلك هذه المسؤلية التي تنأى بها الجبال, ثم فهمها من زاوية أخرى غير التي ألفناها . ونحاول أن نعدك نفسياً للخروج عن المألوف والموروث من الأفكار حول دور الأم ووظيفتها . لتفخري بها بين العالمين


في البداية, يجب أن تترسخ لديك فكرة أن ممارسة الأمومة يحتاج الى فن وعلم وقدرة ثم جهد دؤوب وارادة لاتخمد ., يجب أن ترفضي أن تكوني أما عادية, أو أن يتم احصاءك ضمن الأمهات اللواتي اصبحن كذلك بحكم الزواج والحمل ثم الولادة . فهذا أمر طبيعي, قادر عليه حتى العجماوات من المخلوقات لكنك تتميزين بالأعظم, وهو رسالتك, التربوية وكيفيتها. والنجاح فيها بل الإبداع, يجب أن تشعري بعظم مكانتك في المجتمع , أنت تعملين خلف الكواليس نعم .

ولكن بدونك, لن ينجح من يقف على المسرح, وأمام الجمهور.أنت بداية ونهاية تعملين لله , ومعذرة الى الله , وبأوامر الله لا ليقال هذا ابن الشيخ فلان , أو هذه بنت فلان . أو تربين في الصغر لتنالي صلاحهم , وبرهم وحسن طاعتهم عند الكبر لا أبدا انما كل عملك من باب ( قل ان صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمينa

انت الأن قد عرفت الهدف , الذي هو بحد ذاته كلمةخاوية فارغة والذي يمنحها الحياة هو حرارة الايمان بها في قلبك وايمانك بها وإيمانك بها الى حد الإعتقاد الحار الجارف هدفك تربية جيل صالح ولكن لله واستجابة لاوامره . ورعاية لامانته التى استأمنك إياها

إذن رسالتك كأم بدأت من يوم أن خلقك الله أنثى. وفطرك على الأمومة, والإستعداد لدورك المستقبلي. وبدخولك عش الزوجية تأخد الإستعدادات مجرىً أخر أكثر جدية . ومع الحمل . تبدأ المهمة بشكلها التمهيدي ومع الولادة تبدأ رحلة الحياة العملية


وهنا يبدأ دورك في أداءالوظيفة الربانية "الامومة"و الذي نريده منك الأن أن تلاحظي انك شخص واحد نعم ولكنه متعدد المواهب والقدرات والوظائف وهذا طبيعي لمن هو في مكانك ويريد أن ينشئ جيلا مميزاً فمهمتك تحتاج قدرات خاصة ومجتمعة كيف ؟ فلنتابع معا ولتتعرفي على خصائصك التي ربمالا تعرفين أنك تملكينها


فأنت قائدة المسير وحارسة القلعة

. ومن صفات القائد الفذ , أنه يضع الخطط قصيرة المدى منها والبعيدة وأنت يجب أن تفعلي ذلك لضمان نجاح مؤسستك البيتية , والمحافظة عليها من كل جوانبها ,فأنت خبيرة بكيفية تنظيم الأمور . وترتيب الأولويات , وتوظيف الطاقات , وتوزعين المسؤليات على ابنائك كل حسب قابليته واستعداداته الفطرية , فانت تعلمين منهم ما لا يعلمون هم عن أنفسهم . تملكين زمام الامور في يديك , فلا تتفلت الأمور أو تتعرض للفوضى المهلكة. فكل الامور تسير بنظام . ووفق تخطيط وترتيب دقيقين. من مواعيد للنوم والأكل واللعب والدراسة والخروج وعدم اعتداء اخ على حدود اخيه وغيرها من الامور التي ان تشابكت أحدثت فوضى وضجر متعب للأعصاب ومضيع للوقت الذي هو اهم ما نملك . واعمالك من تخطيطك وليست ردود افعال للأحداث فقط , انت تعرفين كيف تتواصلين مع طفلك ولاتتجاهلين أسئلته مهما كثرت وتكررت . حكيمة ذكية تعطيين ولدك حريته, لكن تحت ناظرك وسمعك, لاتأخذك بهم شفقة في غير موضعها. وتعلمين أ ن الأصل في أطفالنا الخطأ, ومهمتك التقويم. وهذه من صفات القائد الحكيم.

 

ثم أنت مدرسة وصاحبة مدرسة


فما أن تحملي طفلك بين ذراعيك, حتى يدخل مدرسته الأولى فعلا . مدرسة الحضن الدافئ , واللمسة الحانية . ومع الإرضاع تزداد العلاقة بينكم متانة, و يبدأ في تلقي الدروس الأولى من الصفات الحميدة . ومكارم الأخلاق. ومع مرور الأيام تزدادين له تعليماً وتأديباً ولتعلمي أنه ليس من مهامك أن تصنعي إنساناً غني المال . ولكن مهمتك أن تصنعي إنساناًغني الخلق رفيع الادب. ومدرستك لها مناهجها التي تستمدها من الكتاب والسنة و سيرة السلف الصالح ولها أسلوبها في التعليم وعرض المعلومات. تعلمين اولادك
الفصاحة في اللسان ,والبيان في الحديث , تعلمهم كيفية التخاطب مع الناس . وكيف يعاملونهم بكل أدب وذوق تقدمين لهم العلوم بمذاقها اللطيف لا المجرد الثقيل. تعلمينهم أن يكونوا صناع حياة مثلك , وأن يكونوا هم محورها وعناصر تسييرها نحو الأفضل تعلمينهم مالن تعلمهم إياه المدارس والجامعات من خبرات واسلوب حياةوتعامل


وأنت طبيبة معالجة


تعرفين متى تقدمين الشافي من الدواء ومتى تزيدين الجرعة ومتى تخففين منها , وتعرفين متى يحتاج الأمر لعمليات استئصال من عادات سيئة أو كلمات لاتليق , وتعلمين أن أمراض القلوب والنفوس أعظم وأخطر. من أمراض الجسد لذا فأنت على اطلاع دائم لما يستجد من أمراض على طفلك من عدوانية مثلا أو خجل أو عناد وغيرها , وتعالجين أولا بأول ولاتنتظرين حتى يتفاقم المرض ويستشري .وتعرفين نوع العلاج دوما.


وأنت فنانة مرهفة المشاعر

تعرفين متى تنقش الخلق وأين , وكيف, وماذا تستخدمين من ألوان , لتقدمي الأخلاق والعلم بأبهى الصور تعلمين اولادك فنون الشعر والأدب . والقصة والنثر . ماهرة في تزيين الأمور التي تحتاج منهم الى جهد ومثابرة في صورة جميلة مشرقة فيقبلون عليها رغم مشقتها . تجعلينهم ينظرون للطبيعة من حولهم بعين الفنان المرهف الشعور فلا تعميهم الالفة عن جمال الوجود وروعة مخلوقات الخالق. فتتهذب طباعهم . وتزداد شاعريتهم وارتباطهم بالوجود والمخلوقات الحية منها والجمادات فكلها ممن يسبح الله


وأنت مزارعة

كذلك تعرفين موعد زراعة كل خلق , فبذور الصيف لاينفع زراعتها في الشتاء . فالحياة مواسم وانت تستغلين المواقف والمناسبات . فتزرعين المناسب من العادات والاخلاق.ثم لا تنسى أن تتبعها بالري من ماء المكارم.,وتتعهدين زراعتك بالرعاية دوما خوفا من نمو اي خلق ضار أو عادة غريبة ليست من عاداتنا. وانت تعرفين الترب وأنواعها . وتعرفين المناسب زراعته في كل تربة فهناك أمور تزرع في تربة الفتاة من رقة في الكلام وخفض في الصوت , ومهارة في أمور البيت .وانواع من العلوم والمعارف لا تصلح زراعتهافي تربة الصبي الذي يحتاج إاى قوة في التربية , وخشونة في الاعداد أكثر من الفتاة


وانت كذلك مهندسة ماهرة


.أخذت قواعد هندستك من قوله تعالى( أ فمن اسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم) تعرفين مراحل البناء . فلا تضعين الحجر الكبير فوق الصغير ولا ترفعين بناء عاليا في السماء وهو ضعيف الأساس لأنه سينهار عند أول هزة له . لذا فانت تعرفين الخصائص المرحلية لطفلك , وتعاملينه على ذلك الأساس . فينشأ بنيانك قويا شامخا كالجبال لأن أساسه متين قوي , ولن تؤثر فيه أي رياح أو أعاصير قادمة . من تأثر بسلوكيات سيئة . لا يخلو منها مجتمع . أو أخلاقيات غريبة, بحكم الاختلاط في البيئة المدرسية .او الحياة الاجتماعية المفروضة أحيانا. والحياة لا تخلو من ذلك. تبنين في نفوسهم الحميد من الأذواق والجيد من الطباع بميزان التناسق والتناسب والاعتدال. فالجمال الخلقي جزء من حسن البناء

ثم إنك امرأة مثقفة واعية .


حريصة على اقتناء كل ما يستجد من كتب تخص أطفالها . وتشتريها . وتجمعها ولكن لا لتصفها في مكتبة البيت ليكتمل الديكور العام لبيتها . أو ليراها الضيوف فقط . أنا أعلم بعضهن لا يعرفن من الكتاب إلا الإسم وشكل الغلاف. نريدك أن تقرئي بهدف الإستفادة والتطبيق العملي . لابهدف جمع المعلومات والتشدق بها في المجالس فقط . دون أي تطبيق لها . نريدك أن تكوني مرجعاً متحركاً, وموسوعة ناطقة لكن مع القول والعمل لا نريد بلاغة في اللسان . لا يتبعها تصديق في الأعمال

ثم إنك وهو الأهم صاحبة علم شرعي


. تبدئين الدعوة من داخل بيتك تنتقلين بين الاية والحديث وتعرفين أولادك مفاهيم الحلال والحرام, والجنة والنار, وتزرعين فيهم رقابة الله عليهم التي هي اهم رادع من الانحراف والاخطاء. تأخذين نظرياتك من مصادر الثقافة الإسلامية والعلمية التي توافق شرعنا. ومن تجاربك, والمفيد من تجارب غيرك, ولا تلجئين الى نظريات فرويد في الجنس أو دور كايم في الأخلاق . مقلدة اياهم تقليدا اعمى ولكنك تتطلعين على الثقافات الاخرى بل ويجب ولكن لتأخذي نافعها وتتركي ضارها.


ثم إنك مفجرة طاقات بارعة,


تعرفين مداخل أطفالك , وهواياتهم فتنمينها لهم وترسخينها, وتملئين وقت فراغهم, وتزرعين الطموح فيهم. تعرفينهم على المبدعين من بني قومهم, ألا نملك في تاريخنا من هم أشباه السوبرمان اليوم, وهذا تشبيه مع الفارق العظيم, فنحن أبطالنا واقع أكيد, وأبطالهم من نسج الخيال. أما كان أسامة بن زيد أمير جيش عظيم وهو كما تقول إحدى الروايات لم يتجاوز الثالثة عشرة؟ ألم يتولى محمد الفاتح حكم احدى الولايات وهوفي العاشرة. وتولى الخلافة وهو في العشرين .

وفتح بعد ذلك القسطنطينية؟ ولو تتبعت التاريخ لوجدت العظيم والعجيب من القصص والحكايا. عن أطفال تفجرت طاقاتهم, و أبدعوا في سن صغيرة. صحيح أن التاريخ لم يذكر لنا من دور أمهات هؤلاء الابطال الا ما قل ولكن أتعتقدين انهم شبوا هكذا بلا عين ساهرة , وارادة قوية كإرادة هند بنت عتبة . عندما مر عليها أحدهم وكان أمامها ابنها معاوية صغيرا يلعب فقال لها إن فيه شئ من صفات القيادة فقالت بلغة الواثق" ثكلته أمه إن لم يسد قومه".
فوراء كل عظيم أم عظيمة . ذكرها التاريخ أ م لم يذكر . يكفي انها من صناع هذه الحياة ومن صناع أبطالها
فهل عرفت حجم الوظيفة والمهمة الملقاة على عاتقك؟ هل عرفت ضخامةهذه الوظيفة الربانية ؟وهل رأيت ما يعنيه كونك أما مسلمة؟ المهمة صعبة أعلم .ولكنك لها إن شاء الله . لأنك مؤهلة لها بعقيدتك , وبمعونة الله لك إن أخلصت النية له .

فلا يضرنك إذن أنك تعملين ضمن حدود اسوار مملكتك لانه لولا هذا الجهد الدؤوب لما تفجرت البيوت عن القادة والعظام, ولا يزعجنك اقوال التافهين الذين يحاولون اخراجك من مملكتك الخاصة فانت ان فعلت من سيقوم بكل تلك المهام التي كنا نتحدث عنها. فالله سبحانه وتعالى عندما أمرنا بالقرار في البيوت لم يكن من باب التضييق علينا حاشا لله ولكنه لم يرد أن يحملك فوق طاقتك وعلم طبيعتك الانثوية التي تحب القرار والاستقرار فعندما تعلمين ان مهمتك حدودها البيت وتتخصصين فيها فهذا سيفتح افاقا من الابداع والانتاج لن تحققه من خرجت من بيتها بلا داع قوي او امر فوق ارادتها فليس هناك من هو اهم من اولادك او احق منهم بوقتك ورعايتك ولا يقتصر الخروج الذي نتحدث عنه بالخروج للعمل فقط. فهو اقل خطرا من الخروج الدائم للاسواق والزيارات وتقديم ذلك على رعاية البيت والاولاد

.
فهيا اذن جددي النية وشدي العزم واستعيني بالله . ولترينا كيف يكون الرقي في مدارج الامومة فليس من الخطأ أن نرى أما بدرجة الماجستير وأخرى يدرجة الدكتوراه في مجال الامومة واخرى اعظم من ذلك, ولترينا اول فوج تخرجه مدرستك كيف سيكون . فنحن في مرحلة حرجة . في تاريخ المسلمين. نريد من يجدد لنا الامل في غد مشرق . وحياة كريمة عفيفة . فربما يكون القائد المنتظر بين يديك . أو في صالح ذريتك القادمة
. ما يدريك؟
مع خالص الدعاء بالتوفيق والعون
ولك كل الحب ...........هناء الشيخ