وتلـك أمـك يـا فتـاة (1) آسيـة بنـت مزاحـم

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : أبي مصعب السيوطي | المصدر : saaid.net


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأنتمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعد
فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإليكـ أخـتـاه ...
" الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ " [رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
إليكـ أخـتـاه ...
يا أسعد َ الناسِ في دين وفي أدب بـلا جُمـان ولا عِقـد ولا ذهـب
بل بالتسابيح كالبـشرى مرتلة كالغيث كالفجر كالإشراق كالسحب
في سجدة ، في دعاء ، في مراقبة في فكـرة بين نور اللـوح والكتب
في ومضة في سناء الغار جـاد بها رسـولُ ربـك للرومـان والعـرب
فأنتِ أسعد كـلِّ العالمين بمـا في قلبك الطـاهر المعمـور بالقـرب
إليكـ أخـتـاه ...
يا من تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة بنور الإيمان ، تقر في كل شىء معناه السماوى .
يا من خلقت لتكونى للرجل مادةَ الفضيلة والصبر والإيمان ، فتكونى له وحياً وإلهاماً ، وعزاء وقوة ، زيادة في سروره ونقصاً من آلامه.
إليكـ أخـتـاه ...
يا من تعيش فى زمن الغربة ، والأيام الخداعات التى نعتوا فيها رمزَ عفتك ، وتاجَ وقارك بالخيمة والكفن واللاشئ ..... .
تقبضين بيد على جمر المحن والإحن ، وتقاومين باليد الأخرى طوفان الفساد ، تصرخين في وجه الرذيلة : أنا مسلمة مستقيمة ، أنا بالله مستعينة ، لا تخدعنى الشعارات ، ولا أضيع وقتى أمام القنوات ، ومتابعة أخر الموضات ، جعلتُ همي رضا رب الأرض والسماوات .
إليكـ أخـتـاه ...
يا من تعرف وتعني ما تقول . أفعالها وأقوالها محكومة بقال الله وقال الرسول . يزول عنها قلبها لكن حياءها لا يزول ؛ لأنها تعلم إلى أين هذا الطريق يأول .
لم تتساقط مع أوراق الخريف . ولم تتقلب مع تقلب الفصول . باعت الفاني واشترت باق لا يزول .
أخـتـاه ...
أنا لا أعجبُ من أمرك ... من قوة إيمانك ، وصبرك ، وثباتك ، وتضحيتك ، وتميز شخصيتك فـــ :
* تلكـ أمُـك يـا فتـاة *


[1] آسية امرأة فرعون


* مع الخالدات :
قال تعالى : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
[التحريم:11]
- حلقة فى سلسلة تكريم القرآن للمرأة ففى كتاب الله سورة باسم " النساء " ، وسورة باسم امرأة " مريم " ، وآيات نزلت فى مخدع امرأة " عائشة " ، وآيات تنزل لتبرأها ، وقرآن ينزل ليزوج امرأة ، وعشرات الآيات التى تبين حقوقها وواجباتها .
فلا التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للرجال
- وها هى ذى امرأة كرمها القرآن ، خلد ذكرها المنان ، فى آية تتلى ما بقى الجديدان ، ضرب الله - عز وجل - بإيمانها المثل . إنها آسية - امرأة فرعون - السراج الذي أضاء في ظلمات القصر ، آسية التى غزا الإيمان قلبها ، وملك عليها أمرها .
- يرتفع قدر هذه المرأة أضعافاً ، وتعلو مكانتها علواً بمجرد أن يقع طرف البصر على الآية التى تليها حيث إفرادها بالذكر مع مريم ابنة عمران.
وهما الاثنتان نموذجان للمرأة المتطهرة المؤمنة المصدقة القانتة يضربهما الله لأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمناسبة الحادث الذي نزلت فيه آيات صدر السورة , ويضربهما للمؤمنات من بعد في كل جيل .

* فى ظلال الآية :

قال تعالى : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
- ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ) وضرب الله مثلاً لحال المؤمنين- الذين صدَّقوا الله ، وعبدوه وحده ، وعملوا بشرعه ، وأنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين في معاملتهم - بحال زوجة فرعون التي كانت في عصمة أشد الكافرين بالله ، وهي مؤمنة بالله .
- ( إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ) حين قالت: رب ابْنِ لي دارًا عندك في الجنة .
قال ابن القيم: فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون في الجنة فإن الجار قبل الدار.
- ( وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ) خلصني من طغيان فرعون وتعذيبه وعمله الشنيع .
- (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وخلصني من القوم التابعين له في الظلم والضلال ، ومن عذابهم .
- وجاءت هذه الآية والتى تليها مثلين لمؤمنتين صادقتين عاشتا فى بيئة كفر ( آسية ومريم ) بعد ذكر مثلين لامرأتين كافرتين خائنتين عاشتا فى بيئة نبوة ( امرأتي نوح ولوط ) تعريضاً بامرأتين ( أمى المؤمنين عائشة وحفصة ) لما تظاهرا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان الترهيب بذكر مثل الكافرتين ، فإن صدرت منهما معصية ، لن يفيدهما كونهما من زوجات النبي لدفع العذاب ، ثم ذكر مثل المؤمنتين ترغيباً في التمسك بالطاعة والثبات على الدّين ، وحثاً للمؤمنين على الصبر في الشدة ، كصبر آسية على أذى فرعون ، وصبر مريم على أذى اليهود واتهامها بالفاحشة ، فصبر المؤمن والمؤمنة على الأذى ينجي من القوم الظالمين ، والتقرب إلى اللّه يكون بالطاعات .
قال تعالى : (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) [التحريم4:-5]
وقال تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) [التحريم:10-12]

* مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا :
- دعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صورة .
امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ . في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي . . ولكنها استعلت على هذا بالإيمان . ولم تعرض عن هذا العرض فحسب , بل اعتبرته شراً ودنساً وبلاء تستعيذ بالله منه . وتتفلت من عقابيله , وتطلب النجاة منه !
- هي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية . . وهذا فضل آخر عظيم . فالمرأة أشد شعوراً وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته . ولكن هذه المرأة . . وحدها . . في وسط ضغط المجتمع , وضغط القصر , وضغط الملك , وضغط الحاشية , والمقام الملوكي .
- في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء . . وحدها . . في خضم هذا الكفر الطاغي !
- نموذج عال في التجرد لله من كل هذه المؤثرات ، وكل هذه الأواصر , وكل هذه المعوقات , وكل هذه الهواتف . تحدت آسية زوجها، وشمخت بإيمانها، ولم تفتنها الدنيا ومباهجها.

* فى وداع الملكة :

ها هي امرأة فرعون من أغنى أهل الأرض ...
ادخلي قصرها وانظري ...
إذا بقصر يبهر العقول ... كأن الجمال يصول بين جنباته ويجول ...
نمارق مصفوفة ، وسرر مرفوعة وجدران مزخرفة ...
وفجأة ننظر في ذلك القصر ...
بداخلة امرأة مربوطة تساق إلى خشبة الجلاد ...
انظري إليها .. دققي ..
هي ليست بخادمة ولا سارقة ...
وإنما هذه المربوطة هي الملكة !! .
الملكة ؟! صاحبة هذا القصر هي هي بعينها ...
هذه المربوطة كانت إذا تحركت في القصر وقفت لها أنفاس الخدم ...
كانت إذا أشارت بيدها تسابقت لها الأيادي بما تشتهي من النعم ...
أجمل قصر على الأرض هو قصرها وأغلى حلي في الوجود حليها ...
لكنها تساءلت : هذا النعيم الذي أرفل فيه إلى متى سيدوم ؟
فطرقت مسامعها إجابات صريحة قد يدوم مائة سنة وقد لا يدوم .
فكرت بقصر لا ينتهي بزمن ولا يزول إذا ماتت .
فكرت في حلل لا تبلى ، وحلي لا تتغير ولا تصدأ .
فكرت فى ملك لا ينتهي ولا يفنى ...
فلما أن لاح لها الهدف تقدمت نحوه تقدم الواضح الذي لا يقف ولو أدمي قلبه
هددوها بزوال قصرها وملكها ...
فتذكرت أن قصرها الذي في السماء هو الأبقى ...
هيهات لمن عُرض لها الذهب أن تغريها باللعب .
أمر فرعون بها فمدت بين يديه على لوحٍ ...
ربطت يداها وقدماها في أوتاد من حديد ...
وأمر بضربها فضربت ...
حتى بدأت الدماء تسيل من جسدها .. واللحم ينسلخ عن عظامها ..
فلما اشتدّ عليها العذاب .. وعاينت الموت .. رفعت بصرها إلى السماء .. وقالت :
( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ
وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
وارتفعت دعوتها إلى السماء ...
فكشف الله لها عن بيتها في الجنة ...
فتبسمت .. ثم ماتت .. ماتت الملكة ..
التي كانت بين طيب وبخور .. وفرح وسرور ..
تركت فساتينها .. وعطورها .. وخدمها .. وصديقاتها ..
واختارت الموت ..
لكنها اليوم .. تتقلب في النعيم كيفما شاءت ..
ولماذا لا يكون جزاؤها كذلك .. وهي التى تحدت الطغيان ، وآثرت لقاء الرحمن .
نفعها صبرها على الطاعات .. ومقاومتها للشهوات ..
( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )

* وخلدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

- لله درُك يا آسية ! لقد خلدك القرآن - كلام ربي أعظم كتاب – وها أنت على درب الخلود سائرة ، ولم لا ؟! وقد مدحك أعظم الخلق ، ذُكرتِ على لسان أفصح الخلق محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فتارة يشهد لك بتمام فضلك وكمال عقلك ، وتارة يروى مشهد عذابك ، وملحمة صبرك وثباتك .
- عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " [متفق عليه]
- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَفَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ " . [أحمد والترمذي]
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ ، قَالَ: " تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : " أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ " .
[أحمد والحاكم]
- عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة فقالت : ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فكشف لها عن بيتها في الجنة .
[رواه أبو يعلى فى مسنده ، وقال بركة الزمان وحسنة الأيام الألبانى : و هو في حكم المرفوع ؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي]
وفى رواية : عَنْ سَلْمَانَ ، قَالَ: " كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ تُعَذَّبُ بِالشَّمْسِ ، فَإِذَا انْصَرَفُوا عنها أَظَلَّتْهَا الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا ، فَكَانَتْ تَرَى بَيْتَهَا مِنَ الْجَنَّةِ " .
[ رواه الحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ]
وفى رواية : عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : " وَتَّدَ فِرْعَوْنُ لِامْرَأَتِهِ أَرْبَعَةَ أَوْتَادٍ، ثُمَّ جعَلَ عَلَى بَطْنِهَا رَحًى عَظِيمَةً حَتَّى مَاتَتْ " .
[ رواه البيهقي فى شعب الإيمان / بَابٌ فِي شُحِّ الْمَرْءِ بِدِينِهِ حَتَّى يَكُونَ الْقَذْفُ فِي النَّارِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ ]
- حُق لك أن يخلد ذكرك فى كتاب الله ، وسنة نبيه ، ما أرجح عقلك ! ما أكمله ! حين آثرت الباقية على الفانية ، وكأنك فى آتون المعاناة المريرة ، والمأساة المريعة ترددين بلسان الحال : الدنيا ... ظل غمام وحلم نيام ، من عرفها ثم طلبها فقد أخطأ الطريق ، وحرم التوفيق ، والآخرة ... يقظة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، قد أبت علىَّ نفسي إلا أن أدخل الجنة فبعتُ لله نفسي واللهُ اشترى .

أمـاه ... ربـح البيـع

* سـر الثبـات :

- أختاه ... أخاف عليك من أمواج الفتن المتلاطمة ، ومن ريح المكر العاتية .
- أختاه ... أخاف عليك من تقلب قلبك ، فقد كان أتقى قلب يسأل ربه الثبات ، فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " . قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا " [ رواه أحمد بإسناد قوى ] .
- أختاه ... لست بالخَلْق الضعيف النفس ، فإن من احتمل ما احتملته فى ظلمات التاريخ ، وعَسْف الأب ، وصَلَف الزوج ، إلى وَقْر الحمل ، وألم المخاض ، وسُهد الأمومة لا يكون ضعيف النفس .
- أختاه ... يا دعامة المجتمع ، يا من وكلك الله بابتناء الشعوب ، وإنشاء الأمم ... .
اثبتي فإنك على الحق
- ولكى تثبتى - كما ثبتت أمك - عليك أن تسلكى سبيل الثبات ، فلا تضلى الطريق ولا يقطعه قطاعٌ دعاةٌ على أبواب جهنم حتى تَصِلى بأمان ... إليك وسائل الثبات ...

1- القرآن القرآن :

قال تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ) [الفرقان:32]
أختاه ... من أعظم أسباب الثبات الاعتصام بالقرآن قراءة وحفظاً ومُدارسة ، والقيام به ليلاً ، والعمل به نهاراً .
- فالقرآن يشتمل على الترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ...
- سماع القرآن يزيد الإيمان ، قال تعالى : ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) [التوبة:124]
- القرآن يعالج أمراض الشبهات والشهوات ، قال عز وجل : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) [الإسراء:84]
وكلما سلم القلب من الشبهات والشهوات كان لمواجهة الفتن أقوى وأكثر ثباتاً .
- القرآن يشتمل على القصص الذى يبشر المؤمنين بالنصر والتمكين ، ويظهر عاقبة المجرمين ، قال تعالى : ( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) [هود:120]
2- استجيبي لله ولرسوله :
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) [النساء:66]
فالاستجابة لأمر الله ، والانتهاء عما نهى الله عنه يقوى قلبك – أختاه – فتكوني أقدر عل الثبات ، وأكثر تمسكاً بالحق حتى الممات .
فالطاعات أغذية القلوب ، والمعاصى سمومها ، والتفريط والتهاون يجعل القلب ضعيفاً أمام الفتن ، ومن أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولاً لم ينج آخراً .
3- أكثري من ذكر الله عز وجل :
لما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون أوصاهما بقوله : ( وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) .
[طه:42]
وأمر سبحانه المؤمنين بكثرة الذكر عند ملاقاة الكفار ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [الأنفال:8]
فكثرة الذكر تقوى القلب والبدن ، ودنكِ تعليمُ النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمةَ وعلىٍّ أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين ، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين ، ويكبرا ثلاثاً وثلاثين ، وقال : " فَهُوَ خَيْرٌ لَكمَا مِنْ خَادِمٍ " [متفق عليه]
قال ابن القيم : فقيل أن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنيه عن خادم .
فاستعينى – أختاه – بذكر الله على مواجهة الفتن والابتلاء .
جعلكِ الله من الذاكرات
4- وضوح المنهج :
فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ... " [أخرجه مالك مرسلاً والحاكم مسندًا]
فيجب الابتعاد عن الشبهات والبدع المستحدثة فى دين الله عز وجل ، والابتعاد عن المذاهب الباطلة ، وذلك يكون بالتمسك بكتاب الله ، وسنة نبيه بفهم قرون الخيرية من الصحابة والتابعين ، وتابعى التابعين ، ومن سار على نهجهم فى كل زمان ومكان .
- أختاه - إن إتباع سبيل المؤمنين - أهل السنة والجماعة - من أعظم أسباب الثبات فهم أعظم الناس صبراً على أقوالهم ومعتقداتهم ، أما أهل البدع فهم أكثر الناس شكاً واضطراباً .
قال تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) [النساء:115]
وقال سبحانه : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) [آل عمران:106]
تبيض وجوه المؤمنين المتقين ، وتسود وجوه الكافرين والمبتدعين من أصحاب الأهواء .
فأهل البدع والأهواء يعرفون في عرصات القيامة باسوداد وجوههم ، وأهل السنة والجماعة وهم الذين يعيشون عقيدة وعبادة على ما كان عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يعرفون يوم العرض بابيضاض وجوههم .
أختاه ... هل تتصورين عقاب من يبدل ويغير ؟ ضعى هذا الحديث نصب عينيك ...
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرِدُ عليَّ أمتي الحوض ، وأنا أذود الناس عنه ؛ كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله ، قالوا: يا نبي الله ! أتعرفنا ؟ قال: نعم ، لكم سيما ليست لأحد غيركم ، تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء . وليصدن عني طائفة منكم ، فلا يَصِلُون ، فأقول: يا رب ! هؤلاء من أصحابي ؟! فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك ؟! "
قال القرطبي : والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . فمن بدل أو غير أو ابتدع في دين الله مالا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض ، المبتعدين منه المسودي الوجوه ، وأشدهم طرداً وإبعاداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم ؛ كالخوارج على اختلاف فرقها ، والروافض على تباين ضلالها ، والمعتزلة على أصناف أهوائها ؛ فهؤلاء كلهم مبدلون ومبتدعون .
ثبتكِ اللهُ على منهج الحق
5- أكثري العبادات والطاعات :
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ... وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ... " [رواه البخارى وغيره]
فالعبد الذى يتقرب إلى الله بالنوافل بعد استكمال الفرائض يوفقه الله لكل خير ، ويصرف عنه كل شر ، وتصير جوارحه كلها مشغولة بالله ، وترتفع رتبته إلى درجة علية سَنية فإذا سأل اللهَ أجابه ، وإذا احتمى بجنابه واستعاذ به أعاذه ، وهذا من أسباب الثبات على الحق .
فكلما ازداد العبد من الطاعة يزداد رسوخ قدمه على طريق الله ، فلا يزعزعه إرجاف المرجفين ، وتهويل المبطلين .
جعلكِ الله من العابدات
6- حققي الأخوة الإيمانية :
أختاه ... فى أيام تصاعدت فيها الهزات الداخلية ... ما أحوجكِ إلى الأخوة الإيمانية ، فالوحدة غربة ، والغربة وحشة ، والوحشة نُفرة ، والنفرة ضلال .
أختاه ... في هذه الحياة تجدين صعوبة بالغة في أن تعيشي وحيدة دون أخت لك ، تأوى إليها . تلاقيك وتواسيك . تبثي إليها همومك .تشاطرك أفراحك . تشاركك أحزانك وأتراحك . تقيلك من عثرتك . تحيطك من وراءك . تشحذ همتكِ . طريقها طريقك . ودها ودك . مرآتك الصافية . إن أحسنتِ أعانتك . إن أسأتِ قومتك . إن ضعفت نفسك ساعة بالجنة ذكرتك . بالثبات نصحتك .
إن الإسلام دين الأخوة والمحبة والتآلف ، قال تعالى : ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) [الأنفال:63]
فكم من أخت كاد أن يدركها الغرق فإذا بيد حانية شفيقة تمتد كطوق نجاة فانتشلتها ، فلما وصلت بها إلى بر الأمان شدت أزرها وقوت عزمها .
كم من أخت بدأت طريقها بجد وهمة ، ثم فترت همتها شيء فشئ ، فإذا بكلمات رقراقة انطلقت من قلب حى تذكرها بسابق العهد والجوار .
كم من أخت أحاطت الغربة بها من كل جانب حتى ضاق عليها صدرها ، فإذا بوجه تلاقيه أو صوت يهاتفها فتزول الغربة ويتسع الصدر .
أختاه ... يا من زرعتِ بساتين الأخوة في قلبك . فأثمرت فيكِ حياة أخرى غير تلك التي تحيها ، فالقلوب تحيا وتترابط وتتآلف فيورثها الله من النعيم ما لا يستشعره إلا من ذاقه .
فمن ذلك : تتذوقي حلاوة الإيمان فتحيين حياة السعداء – يحيطك الله برحمته ويقيكِ شدائد يوم القيامة – يظلك اللهُ فى ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله – يحبك الله – يزيد الله فى درجاتِك لتصلى منازل الأبرار ..... .
كيف لا تثبتين وقد حققت الإخوة الإيمانية ؟!!
7- ثقي بنصر الله ووعده :
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبث عوامل الثقة فى النفوس ، وكان القرآن يتنزل وأهل الحق يعذبون يبشرهم بالنصر والتمكين وهزيمة المشركين ، كقوله تعالى : ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) نزلت بمكة وتحقق الوعد الصادق فى أول لقاء بين الكفر والإيمان يوم الفرقان .
وهذا خَبَّاب بن الأرت يشكو إلى النبى ما لقى من تعذيب فبين النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له أن أصحاب الحق لابد لهم من الفتنة والابتلاء ، وزاده تثبيتاً فبشره بنصر الإسلام ، واكتمال أمره فقال : " وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الأَمْر حَتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَموتَ لاَ يَخَافُ إلاَّ اللهَ والذِّئْب عَلَى غَنَمِهِ ، ولكنكم تَسْتَعجِلُونَ " [رواه البخارى وغيره]
فمهما انتفش الباطل واستطال فكونى على يقين من هزاله وضعفه وخفة وزنه ، وأن الثقة فى نصر الله هى مناط القوة التى يستشعرها صاحب الحق .
قال تعالى: ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) [الأنبياء:18]
قال العلامة الحويني - حفظه الله - : لقد جعل الله عز وجل قوة الحق ذاتية فيه ، فالحق قذيفة ، يحمل أسباب القوة في ذاته ، لكنه يحتاج إلى مسدد ، ومن قوة الحق أنه يتوجه إلى كبد الباطل وإلى دماغه ، لا يتوجه إلى العضلة ولا إلى الكتف ، وإنما إلى الدماغ ، ولذلك قال تعالى: (فَيَدْمَغُهُ) يدمغه نستفيد منها فائدتين :
الفائدة الأولى: أنها تصيب دماغه ، والمرء إذا أصيب دماغه لا يعيش .
الفائدة الثانية : فيه معنى الدمغ ( الختم ) أي أن الذي يصيبه الحق يصاب بدمغٍ وعلامةٍ ظاهرةٍ يظهر منها أنه مبطل ، والباطل زاهق ، لا روح له ولا نفس .
( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ )
8- اقرعي أبواب السماء :
أختاه ... إذا أقبل عسكر الفتن والبلاء فاثبتي واستقبليه بسلاح الدعاء . إلجائي إلى الله الذى بيده مقاليد كل شيء (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .
وانظري إلى غلام أصحاب الأخدود وهو يلجأ إلى الدعاء " اللهم اكفينهم بما شئت وكيف شئت " فينجيه الله من كيد الملك الكافر .
أختاه ... إذا جاءتكِ المصائبُ كالسيل ، والخلانُ عنكِ في مَيل . عندما يلُفُكِ الليل ...
فارفعي يديكِ وقلى ((يَا رَبُّ)) (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) [النمل:62]
أنزلْي حوائجَك به ، فهو أقربُ إليكِ من دمك الذي يجري في عروقك ، وهو أعلمُ بما فيه نفعكِ فيسوقه إليك ، وييسره لك ، وهو أعلم بما فيه ضرك فيصرفه عنك ، ففي السؤال ذل وانكسار وافتقار واضطرار .
قال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [البقرة:186]
وَعَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا أَوْ قَالَ خَائِبَتَيْنِ " [رواه ابن ماجه]

* من وحـى القصـة :

1- بيان ما يفعله الإيمان بالنفوس ، ففى سبيل الله يستروح المؤمنون العذاب ، ويواجهون الطغاة ، ولا ينفع فى مواجهة المؤمن أشد ألوان الظلم ، وأقسى أنواع التعذيب .
2- إكرام الله لأوليائه الذين بذلوا نفوسهم رخيصة فى سبيله ، فقد أعلى الله مقام آسية ، وأكرمها إكراماً عظيماً .
3- عظم كراهية الكفرة أمثال فرعون للمؤمنين ، وخلو قلوبهم من الرحمة عند المواجهة .
4- الجزاء من جنس العمل ، فقد تركت آسية قصراً دنيوياً لله فأبدلها الله بيتاً فى الجنة رأته وهى فى الدنيا .
5- يثبت الله عباده الذين شاء لهم الكرامة فى المواقف الصعبة ، فقد ثبت الله آسية .
6- صفعة على وجوه العلمانيين وأذنابهم الذين يتهمون القرآن بهضم حق المرأة فهذا كتاب الله يخلد امرأةً أطاعت ربها ، ليسوى بين الرجل والمرأة فى العقل والعقيدة .

وقبل الرحيل ... أختاه
ما أجملك حين تسددي وتقاربي وتوازني ، وما أعظمك حين تجعلين الدنيا مطية الآخرة ، وما أكرمك حين تعطي في الدنيا كل ذي حق حقه ، فتعطي حق الله في التوحيد والعبودية والولاء ، وحق الإسلام في الالتزام الحقيقي به والدعوة إليه ، وتعطي حق الزوج والأولاد في الطاعة والتربية والرعاية ، وتعطي حق نفسك بتمتعها من الطيبات ومتاع الدنيا دون عبودية لها ، وهكذا سائر الحقوق تؤديها بصدق وإخلاص وعزم وقناعة وزهد.
قال بعض الصالحين: يا ابن آدم إذا سلكت سبيل القناعة، فأقل شيء يكفيك، وإلا فإن الدنيا وما فيها لا تكفيك .
وقال علي بن أبي طالب: ليس الزهد ألا تملك شيئًا، ولكن الزهد ألا يملكك شيء .
وعن وكيع قال: قال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا: قصر الأمل ليس بالأكل الغليظ ولا لبس العباء .
أسأل الله ن يحفظكِ ويثبتك ثبات أمك آسية

المراجـع

القرآن الكريم . صحيح البخارى . صحيح مسلم . مسند أحمد . مسند أبى يعلى . شعب الإيمان للبيهقي . سنن ابن ماجه . سنن الترمذى . مستدرك الحاكم . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي . فى ظلال القرآن . أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري . مواقف إيمانية لأحمد فريد . عودة الحجاب لابن المقدم . وحى القلم للرافعي . أسعد امرأة فى العالم لعائض القرني . الفوائد لابن القيم . الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم . صلاح الأمة فى علو الهمة للعفاني . الأخوة أيها الإخوة لمحمد حسين يعقوب . إذا سألت فاسأل الله لعادل محمد . هذه هى زوجتى . ما أقوى شخصيتها لعبد المحسن الأحمد . القابضات على الجمر للعريفي . الفتاة ألم وأمل لإبراهيم الدويش . سنة الدفع وتعلقها بحق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته للحويني .