البعد التاريخى لقضية تحرير المراة

الناقل : heba | المصدر : www.lahaonline.com

الدعوة إلى تحرير المرأة من سجنها المزعوم  ـ وهو بيتها ـ دعوة طارئة على المجتمع الإسلامي، جاءت ضمن ما جاءنا من آثار اتصالنا بالحضارة الغربية، ونقلنا عن تلك الحضارة ما ينفع وما يضر، ذلك أنّ أول الداعين إلى تلك الدعوة  هم أولئك الذين تلقوا علمهم وثقافتهم في أوروبا، ثم عادوا إلى بلادهم الإسلامية بعقول غربية وعادات أجنبية عن مجتمعاتهم، وعادوا كذلك وقد امتلأت نفوسهم إعجاباً بمظاهر الحياة الاجتماعية في أوربا، متجاهلين ما يلائم شريعتنا الإسلامية من ذلك أو ما يخالفها.

فقد كان أول الداعين إلى ذلك رفاعة الطهطاوي الذي ابتعثته الحكومة المصرية إماماً للصلاة وواعظاً لبعثة من الشباب الموفدين إلى أوربا لتلقي العلوم، فدرس في فرنسا الجغرافية والتاريخ و تعلم الفرنسية وترجم عنها بعض الكتب.

 

وكان رفاعة الطهطاوي من أوائل من نادوا بتعليم البنت وتثقيفها، وله في ذلك مؤلف قائم بذاته هو: "المرشد الأمين في تربية البنات والبنين" اتخذ أساساً للتعليم في مدارس البنات، وكذلك نادى بتعليم البنت علي باشا مبارك.

فلما كان قاسم أمين ـ وهو أحد الذين أكملوا تعليمهم في فرنساـ جعل من الدعوة إلى تعليم البنت أو المرأة دعوة إلى تحريرها من سجن ومن عبودية اجتماعية كما يرى، واستطاع أن يجعل من هذه القضية شغل الناس الشاغل، ومجالاً للجدل والخصام بين الكتّاب والمفكرين. وقفز بالقضية إلى مستوى تأليف الكتب فيها، فألف كتابيه المشهورين: "تحرير المرأة"، و"المرأة الجديدة"

.

وهما كتابات جديران بالمناقشة، وليس من الإنصاف أن نقول: إن كل ما فيهما خطأ، أو أن كل ما فيهما صواب، ولست هنا بصدد المناقشة لهذين الكتابين، ولكنني لا أستطيع أن أمضي عنهما دون أن أشير إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها كاتبهما...

وعلى سبيل المثال -لا الحصر- جاء في كتابه تحرير المرأة قوله:"... ولا يزال النّاس عندنا يعتقدون أن تربية المرأة وتعليمها غير واجبين، بل إنهم يتساءلون: هل تعليم المرأة القراءة والكتابة مِمّا يجوز شرعاً أم هو محرّم بمقتضى الشريعة....؟"

 

ولنا أن نسأل قاسم أمين: من هؤلاء المتسائلون؟ أليسوا من عامة النّاس وجهالهم بالشريعة الإسلامية؟ أيليق بمَنْ يعرف الشريعة الإسلامية أن يتساءل عن تعليم المرأة أحلال هو أم حرام؟ إنّ أقل المسلمين معرفة بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم وتاريخ صحابته ـ رضوان الله عليهم ـ ليدرك تماماً أن تعليم المرأة أمر مرغوب فيه، فما بالنا بمن هو على علم بأصول الشريعة ونصوصها؟ أيستطيع مسلم أن يستدل على تحريم تعليم المرأة بنص من نصوص الإسلام؟ وإذا كان العصر الذي عاش فيه قاسم أمين قد حرم المرأة من العلم والثقافة فإنّ العيب فيه وفي تخلف أهله وقصورهم، بل وفي تقصيرهم في فهم الإسلام، ليس العيب في شيء آخر مِمّا يتوهّم المتوهمون.

 

ومن الصواب الذي لا يعاب على قاسم أمين في كتابه ذاك قوله : "ولست مِمّن يطلب المساواة بين المرأة والرجل في التعليم، فذلك غير ضروري، وإنما أطلب الآن وأتردد في الطلب أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي على الأقل، وأن يعتنى بتعليمهن إلى هذا الحد مثل ما يعتنى بتعليم البنين".

وكذلك أصاب حينما نادى بأن تنال المرأة من التربية القدر الذي يمكّنها من فهم الحياة والقدرة عل مجابهة ظروفها.

 

وفي كتابه "المرأة الجديدة"، نعدّ له من الخطأ قوله: "أما الحجاب فضرره أنّه يحرم المرأة من حريتها الفطرية ويمنعها من استكمال تربيتها، ويعوقها عن كسب معاشها عند الضرورة، ويحرم الزوجين من لذة الحياة العقلية والأدبية، ولا يتأتى معه وجود أمهات قادرات على تربية أولادهن، وبه تكون الأمة كإنسان أصيب بالشلل في أحد شقيه...".

وليس في هذا الكلام شيء يُقبل لدى عقول العقلاء، فكيف يحول الحجاب بين المرأة وبين الحرية والتربية وكسب المعاش ولذة الحياة العقلية والأدبية، ويعجزها عن تربية أولادها؟ كيف؟ إنّ الحجاب إذا حال بين المرأة وبين كل ذلك فما هو في الحق إلا مرض عضال مقعد يصيب المرأة بالشلل، ولكن اسمه الحجاب!!!

 

ولا أزال أتساءل ويتساءل معي كل منصف عن هذا الحجاب الذي يتحدّث عنه قاسم أمين والذي يحول بين المرأة وبين كل ذلك الذي ذكر.

ولقد أثار كتابا قاسم أمين ثائرة الكتّاب والمفكرين، وقد تناول عدد من الكتاب ما جاء في كتابي قاسم أمين بالرد والمناقشة، فتكتبوا في ذلك المقالات والبحوث، ولم يتوفر على الرد عليه في كتاب سوى محمد طلعت حرب باشا في كتابه: "تربية المرأة والحجاب" ومحمد فريد وجدي في كتابه "المرأة المسلمة".

 

ولعل أبرز ما في كتاب "المرأة الجديدة" من عيوب وأخطاء: مهاجمته لرجال الدين الذين تصدوا له، فقد هاجم الحضارة الإسلامية وهو يهاجمهم، حينما قال:"متى تقرّر أنّ المدينة الإسلامية هي غير ما هو راسخ في مخيلة الكتاب الذين وصفوها بما يحبون أن تكون عليه، لا بما كانت في الحقيقة عليه، وثبت أنها كانت ناقصة من وجوه كثيرة، فسيان عندنا بعد ذلك أنّ احتجاب المرأة كان من  أصولها أو لم يكن، وسواء صح أنّ النساء في أزمان خلافة بغداد والأندلس كُنَّ يحضرن مجالس الرجال أم لم يصح، فقد صح أنّ الحجاب هو عادة لا يليق استعمالها في عصرنا الحاضر".

ولعل الأخطاء التي تردّى فيها قاسم أمين في كلمته تلك أوضح من أن تحتاج إلى جدل أو خصام، ويكفيه إثماً وخطيئة زعمه بأنّ الحضارة الإسلامية ناقصة من وجوه كثيرة، واحتجاجه بما كان عليه نساء المسلمين في بغداد والأندلس أدل على الخطأ والتخبط.