العلمانيون حول المراة 5 ( قيادة السيارة)

الناقل : heba | المصدر : www.lahaonline.com

 

قد تكون قضية (قيادة المرأة للسيارة) منحصرة في آخر مجتمع مسلم، (وهو المجتمع السعودي)، لأنه الوحيد الذي تمنع أنظمته المرأة من قيادة السيارة، وإن كانت هذه القضية تخصّ المجتمع السعودي عن غيره من المجتمعات الإسلامية، إلا أنه من الجدير التوقف عندها.

أثار العلمانيون قضية قيادة المرأة للسيارة؛ بهدف تحقيق الأهداف العلمانية كالاختلاط، ونزع الحجاب، وغيرها في المجتمع السعودي، حدث ذلك خلال السنوات الأخيرة، وبالتحديد عام (1990م)، ولما لتلك القضية من الجدوى المفسد، صاروا يثيرون قضية القيادة بصفتها هي قضية حياة المرأة أو هلاكها، رغم أنّ هناك قضايا تهم المرأة في المجتمع السعودي، هي أكبر حجماً وأعظم قدراً للمرأة، إلا أنهم اختاروا هذه القضية بالذات، حتى وصل الأمر بإحدى السعوديات حين سألها مدير الجلسة بمنتدى (دافوس)، وهو الصحفي (فريدمان) سؤالاً حول ماذا ستفعله لو أتيحت لها الفرصة لتكون ملكة على السعودية ليوم واحد؟ فقالت: سأسمح للنساء بقيادة السيارات!

عجب يمتد إلى غير نهاية! على افتراض أن منعها من قيادة السيارة مشكلة تحتاج إلى حل، هل انتهت مشاكل المرأة السعودية الأساسية والمصيرية؛ كالعنوسة، والطلاق، والعضل، والإيذاء، لنهتم بموضوع قيادتها للسيارة لهذا الحد المبالغ فيه؟!

 

ثم حين واجههم المصلحون الصادقون، والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، راحوا يلبسون باطلهم ثياب الحق بطريقتهم المعتادة حين يسوقون حججهم ومبرراتهم، وسيتم استعراضها، والرد عليها:

1ـ الخلوة المحرّمة:

من المبررات الممجوجة لديهم أنّ عدم السماح للمرأة بالقيادة، يضطرها إلى الركوب مع سائق أجنبي، وهذا من (الخلوة المحرّمة) شرعاً، فقيادتها للسيارة تمنع هذا الحرام المنتشر في المجتمع الإسلامي، وذاك مبرر ساقط من مجموعة أوجه هي:

 

1ـ إنّ هذا المبرر يدل على (غيرة حميدة)، ومن كانت لديه هذه الغيرة الحميدة جدير أن نسأله عن غيرته في قضية الخلوة المحرّمة مع الخادمات المسلمات في البيوت، وقبل ذلك أن يحدثنا عن (غيرته) إزاء سفر هؤلاء الخادمات بدون محرم من بلادهن إلى البلاد التي يعملن فيها، ومعيشتهن في خلوة محرمة مدة أعوام، فلماذا لم نسمع حديثاً منهم عن هذا الموضوع، بالرغم من أنّ خطورتهن أشد من خطورة السائقين؛ فخطورة الخادمات في تعاملهن وأثرهن السيء على الأولاد، والقصص المشهورة تغني عن التذكير بها في هذا المقام، ناهيك عن القضايا الأخلاقية.

 

هناك خطر جنسي من (السائقين) على (محارمنا)، وهذا صحيح، كيف لا؛ والشيطان ثالثهما، وبالمقابل فإنّ (للخادمات) خطراً أعظم وأكبر على (شباب مجتمعنا) أيضاً، وتوفر السبل بين الخادمات والشباب أسهل وأيسر، من وجود غرف النوم، ودورات المياه، وسهولة الانفراد، وتيسر غرفتها التي تسكنها فيها بداخل (ردهات المنزل)، وهذه التسهيلات لا تحصل للسائق كما هو متيسر للخادمة، فهي أشد وأعظم خطورة، ولا ذكر لهذه الخطورة في أحاديثهم واهتماماتهم.

 

 

بل وللخادمات شأن آخر فيما يحدث بينهن وبين الرجال الغرباء (أحياناً) مثل العمّال والباعة، فتقوم بإدخالهم في البيت، مما يترتب عليه أن تنتشر سمعة سيئة لبيوت شريفة، ليس بسبب سوء أهلها، ولكن بسبب الخادمة التي لا تحسن الحفاظ على تلك السمعة.

2ـ قادت المرأة السيارة في المجتمعات التي تتشابه مع المجتمع السعودي اجتماعياً كدول الخليج، ومع ذلك لم تتنه (ظاهرة السائقين) من مجتمعاتهم؛ بل بقي السائق في المجتمع، وقادت المرأة السيارة، فلم تنته مخاوفهم من الخلوة المحرمة، كما كان يزعم العلمانيون هناك (في بداية فتح مجال القيادة للمرأة)، ولم تبق المرأة في بيتها لترعى شؤونها، وفي الختام لم نرض الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم لم نرض الخلق، ولم نحم النشء

.

3ـ في المجتمع حالات كثيرة للخلوة المحرّمة، هي أشد وأفظع من خلوة السائق بالمرأة، نراها في (المجالات الطبية) بين طبيب وطبيبة دون داع يذكر في كثير من الأحيان، ونراها في الطائرات بين المضيفات والطيارين، وتوجد في بعض (التخصصات الجامعية) وتكون أمام الملايين في القنوات الفضائية، وفي الإعلام المسموع، علماً بأنّ الأحكام الشرعية فيها متساوية تماماً، ولا بد أن تكون الغيرة متساوية فيها تماماً، وصمت العلمانيين أمام هذه الخطوات المحرمات لا يسعف غيرتهم المترنحة.

 

4ـ عندما تقود المرأة السيارة، فإنّ البيوت ستفتقر إلى من يقوم بشأنها، وسيضطرنا الحال إلى إحضار خادمة تقوم مقام (ربة المنزل)، وسنقع في محظورات أكبر مع زيادة عدد الخادمات، وبناء عليه سيزداد عدد (الخلوات المحرّمة)، وهذا (يخالف الغيرة الحميدة) التي ينطلقون منها.

5ـ لو قادت المرأة وحصل منها (قطع للإشارة) مثلاً، فالنظام يعاقب من قطع الإشارة بالإيقاف (24) ساعة، فهل سينتظر رجل المرور أحد أقاربها ليذهب معها للسجن؛ ليكون محرماً لها حتى نتفادى خطر الخلوة؟! أم سنخصص سجوناً خاصاً بالنساء اللواتي يقطعن الإشارة، ويقعن في مخالفات مرورية؟! أم سيتم توظيف نساء في شرطة المرور، لحل المشكلة، وبالتالي ستنشأ مشكلة أخرى، وهي خلوة الشرطية مع الشرطي!

 

6ـ في حالة عطل السيارة سيكون هناك خلوة محرمة، لأنّ المرأة ربما تحتاج إلى سيارة أجرى، وحين ذلك سيكون سائقها رجلاً أجنبياً له حكم السائق، أو ستحتاج إلى ورشة إصلاح، والعامل فيها رجل أجنبي كالسائق؟

7ـ إن حصل حادث مروري، فهل ستبقى المرأة بداخل السيارة حتى يأتي رجل الأمن؟ أم أنها ستنزل من سيارتها للتفاهم وحلّ النزاع؟ وإن نزلت للتفاهم، فما الحل المقترح كي نحمي المرأة من تجمهر الناس حول الحادث؟ أو بالأحرى التجمهر حولها!

 

وأخيراً، فإنّ قضايا هتك الأعراض تظهر في الخادمات أكثر بكثير من السائقين، ولا يتوهم أحد أنني أتلمّس الأعذار لوجود السائقين، فوجودهم بيننا، وواقعنا معهم يحتاج إلى مراجعة، كما هو الحال بالنسبة لمراجعة حالنا مع الخادمات، فنحتاج إلى إعادة نظر في وضع السائق ومدى الضرورة له، وما الضوابط لاستقدامه؟ وليست المشكلة تكمن في مسألة قيادة المرأة للسيارة أو عدمها؟ ولكن سقت الحجج السابقة؛ لإيضاح أنّ شبهتهم هذه كمن يرى القشة المؤذية، ويتعامى عن الجذع القاتل في طريق الناس.

 

2ـ التوفير المالي:

من الحجج التي يسوقونها لدفع المرأة لقيادة السيارة حجة (التوفير المالي)؛ فيزعمون أنّ السائق يستنزف أموالاً متفرقة لا تقتصر على الرواتب فقط، بل نخسر عليه (الطعام، والسكن، والعلاج، ومستلزمات أخرى) ناهيك عن الحوادث، فهذه الأموال الطائلة تهاجر من بلادنا لتصب في جيوب دول أخرى، وكان الأولى أن تبقى لدعم اقتصاد البلد.

 

1ـ لنفترض أنّ المرأة قادت السيارة، وتخلصنا من السائق من أجل التوفير المادي، فمن الذي سيقوم بواجبات البيت وقتها؟! لا بد أن تخرج أمامنا مشكلة يكون حلها في الإتيان بامرأة تعوّض احتياج البيت للأنوثة و(لعبير المرأة)، وحينها نكون قد استبدلنا المال بمال، وبالمرأة الأصل امرأة مستعارة، فضلاً عن أنّ الخادمة التي جلبناها بدلاً عن السائق؛ طمعاً في التوفير المادي، سوف تجرّ خسائر أكبر وأفظع من خسائر السائق المادية، من إهدار للمنظفات، وإتلاف للأجهزة الكهربائية، حيث إنهن غير حريصات بالقدر الكافي، ناهيك عن خسائر الثروة المائية، التي تمثل ثروة وظنية عالمية، بل إنّ بعض الخبراء يرون أنّ الحرب القادمة في العالم، ستكون حرب المياه، وخطر نقص الثروة المائية، وفي النهاية بدلاً من التوفير المالي، انفتح علينا باب آخر من الخسران.

 

2ـ السائق بالجملة يقوم بنقل أكثر من امرأة، وهنا تكون دعوى المحافظة على الاقتصاد دعوى عرجاء، لأنّ التخلص من السائق، يترتب عليه (خسائر مادية) في أمور، منها:

ـ (عدد النساء) أكثر من (عدد السائقين)، فالسائق يخدم في الغالب أكثر من امرأة، فإذا قادت النساء، فإنه يترتب على ذلك شراء عدد من السيارات يفوق (العدد المستعمل)؛ لأنّ كل امرأة كان السائق يقوم بإيصالها سوف تحتاج لسيارة خاصة، مما يتنافى مع دعوى (التوفير المالي)، وحين نشتري سيارات للنساء، فإننا تلقائياً نجعل أموالنا تهاجر من بلادنا لتصب في رصيد دول أخرى تقوم بصناعة السيارات.

 

ـ طبيعة المرأة تستلزم التجمّل و(الإفراط في الزينة)، وهذا يكسر (قانون التوفير المأمول) في الحجاب، فالحجاب هو التوفير الاقتصادي الحقيقي، لأنّ المرأة إذا قادت ستخرج وجهها أو عينيها ـ على الأقل ـ وكشف الوجه يستلزم أن تكون المرأة مستعدة بمساحيق الجمال لدى كل خروج من المنزل، ومن نوافل الحديث أن أذكر القاريء بما يسمى (مكياج السوق) الخاص فقط بالذهاب للسوق أو المشاوير القصيرة النفس، بينما اللواتي يلتزمن بالحجاب فإنهن في (راحة بال)، و(راحة مال)، وهذا باعتراف النساء اللواتي يعشن في بلاد عبثت فيها العلمانية، وأفسدت، وحاربت الحجاب، حيث إنّ النساء إذا أردن أن يخرجن بملابس البيت بدون وضع المكياج والمساحيق لبسن الحجاب، وأتممن حاجياتهن وقمن بالتوفير المالي.

ناهيك عن تجميل النساء للسيارات وما يترتب عليه من إهدار مادي يستفيد منه الغرب، مع الاتفاق أنّ الإسراف في الزينة خصلة أنثوية تشمل زينة السيارات حتماً.

 

إنّ لدى العربي خصوصاً والمسلم عموماً قيمة المال أقلّ شأنا من قيمة العرض، من أجل هذا جاء الإسلام بتحريم خروج المرأة إلا لحاجة، فإن كان في خروجها مساس (بالمحافظة على قداسة المحارم)، وسيكون بوابة لفساد متدرج، ولم نضمن المحافظة عليها وعلى حشمتها، كما وقع من المصائب في أغلب دول المسلمين حالياً، فإنّ الفقر أرحم وأحبّ إلينا من (إهانة الأعراض)، أو (خدش حيائها بالنظرات الحادثة الملوثة) في الشوارع والأماكن العامة الصاخبة.

 

3ـ الخلل الأمني:

من الحجج التي تساق لإخراج المرأة واستلامها لمقود السيارة؛ هو أنّ وجود العمالة من غير البلد (ربّما) يسبب خللاً أمنياً، وهذا الكلام يتنبأ به بعض المفكرين لقوة احتماله، والناظر في حال المجتمعات يجد أنّ:

1ـ العمالة من خارج البلد أكثر عدداً في المهن والحرف بصورة أكبر من (قضية السائق)، وبالمقارنة بين عدد السائقين، وعمّال الورش، أو عمال النظافة، أو عمّال البناء، أو محلات الإلكترونيات، أو غيرها كثير يجد أنّ هذه القضية حساسة تحتاج إلى استنفار جهود كثيرة لتأمين البديل من شباب البلد، ولو بصورة متكافئة في العدد على أقل تقدير، ولو فتحنا الحديث عن الأخطار الأمنية، فإنّ السؤال المطروح حتماً هو: هل الجريمة مقتصرة على السائقين فقط؟، بالطبع.. لا،

 

 فهناك أخطار كثيرة موجودة في المجتمع، كالمخدرات، والبطالة، وغيرها من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام أكثر من اهتمامهم المفرط بموضوع قيادة المرأة، وأيضاً وجود الأطباء غير المسلمين من الخطورة بمكان حين نضع أعراضنا بين أيديهم، فهؤلاء بلا شك أعظم، وأشد خطورة وضراوة من قضية السائق، والإعلام يحتل مساحة كبرى من الخطر كذلك، فعقول المجتمع بأسره تحت سطوة القنوات الفضائية تعبث بها كما تشاء، ولم يظهر من العلمانيين أي نكير، أليست هنالك مخاطر أشدّ من موضوع السائق؟! فلماذا تندلقون بعنف وحماس لقضية الخلل الأمني؛ الذي نشأ بسبب عدم قيادة المرأة للسيارة، ونفتقد أصواتهم، ويتبخر حرصهم عند الحديث عن القضايا المهمّة الحساسة في المجتمع؟!

 

2ـ الخادمات في البيوت أكثر عدداً من السائقين، وأشدّ خطورة كذلك، ومن المعلوم أنّ الخادمة تخلص إلى داخل المنزل، كغرف النوم، وأماكن الاجتماع الأسري، والمكوث في البيت حال غياب أهله، بخلاف السائق الذي لا يدري ما يجري بداخل البيت، (والمرأة هي أداة الجاسوسية) في عالم الاستخبارات والاختراق الدولي، وليس على المستوى الإقليمي فحسب؛ بل على مستوى العالم والتاريخ.

 

وبالتسليم ـ جدلاً ـ بخطورة السائق أمنياً، فإنّ المقدرات التي تحت يده لا تتجاوز خمسة أنفس، بينما يوجد عمالة أجنبية تتملك وتحكم في أرواح العشرات؛ بل المئات والألوف، ولكن لا تُطرح للنقاش؛ لأنّ البديل ليس قيادة المرأة! ولذلك كان من نصيبها الإهمال.

 

لعله من المناسب أن أختم هذه المناقشة بتناقض يقع فيه العلمانيون، وما أكثر تناقضاتهم، وهو أنهم يحاولون إظهار الغيرة على المحارم والاهتمام بها، حين يأتي الحديث عن توظيف النساء، أو في موضوع (قيادة المرأة للسيارة)، ويزعمون الخشية على المرأة من الخلوة المحرّمة بالسائق، ولكنهم في الوقت نفسه، يطالبون مطالبة عنيفة متكررة بسفر المرأة بلا محرم، وفي السفر بلا محرم خلوة أعظم وأفظع من خلوة المرأة بالسائق، فأين غيرتهم هناك؟ ويقاس على ذلك مطالبتهم بتوظيفها بلا محرم؛ حيث الاختلاط بالساعات برجال، فأين نواياهم الحسنة؟