عتاب السيوف

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : بشار بن برد | المصدر : www.bab.com



 


     حينما يسلب الشاعر نعمة البصر يرسم الأشكال بريشه خاصة به ويلونها بألوان من البديع والزخارف اللفظية، ويتعمق في اختيار التراكيب وزركشة المعاني الفلسفية فيتجاوز حاسة البصر إلى البصيرة النيرة فتكون أبياته وجدانية صادقة وهذا ما فعله شاعرنا الأعمى بشار بن برد في قصيدته الجميلة التي يفوح منها عبير الحكمة، ويدعو من خلال أبياتها الأولى إلى تقوية الأواصر الاجتماعية والتجاوز عن الأخطاء والهفوات التي قد تبعد الصديق عن صديقه لأن طبيعة الحياة البشرية تستلزم الخطأ بسبب الاختلافات الكثيرة بينهم.
ثم ينتقل الشاعر إلى الفخر والمديح ويبالغ في ذلك إذ يصور أجواء المعركة بأوصاف يعجز عن استحضارها المبصرون.
والشاعر هو بشار بن برد المولود في البصرة عام 714م ونشأ أعمى وهو حاد الذكاء حاول الاتصال ببني أمية فلم يفلح.
مدح المهدي فوصله ثم عاد فغضب عليه بسبب خبث لسانه وغضب عليه الوزير يعقوب بن داود فأغرى المهدي بقتله فقتل عام 784م.
والقصيدة من البحر الطويل.

جَفـَا وِدُّهُ فَازورَّ أو مَلَّ صَاحبُهْ
وَأَزرَى بِهِ أَن لاَ يَزَالَ يُعَاتِبُهْ

خَليلَيَّ لاَتَستَنكِرَا لَوَعَةَ الـهوَى
وَ لاَ سَلوَة المَحزُونِ شَطَّت حِبَائِبُهْ

شَفَى النَّفسَ مَا تَلقَى بِعَبدَةَ عَينُهُ
وَ مَا كَانَ يَلقَى قَلبُهُ وَطَبائِبُهْ

فَأَقصــَرَ عِرزَامُ الفُؤَادِ وإِنَّمَا
يميـلُ بِهِ مسُّ الهوَى فَيـُطَالِبُهْ

إذَا كان ذوَّاقًا أَخُوكَ منَ الهَوىَ
مُوَجَّهةً في كُلّ أَوبٍ رَكائِبُهْ

فَخَلِّ لَهُ وَجهَ الفِرَاقِ وَ لاَتَكُن
مَطيّةَ رَحَّـَالٍ كَثيرٍ مَذاهِبُهْ

أخُوك الّذِي إن رِبتَهُ قَالَ إنَّمَا
أَرَبْتُ وَإن عَاتَبتَه لان جَانِبُـهْ

إِذا كُنتَ في كّلِ الأُمُور مُعَاتِبًا
صَدِيقَك لَم تَلقَ الَّذِي لا تُعَاتبُهْ

فَعِش وَاحدًا أَو صِلْ أَخاكَ فإِنَّهُ
مُقـَارِفُ ذَنبٍ مَرَّةً ومُجانِبـُهْ

إذَا أَنتَ لَم تَشرَبْ مِرارًا عَلَى القَذَى
ظَمِئتَ، وأيّ النَّاسِ تَصفُو مشاِربُهْ؟

وَليـلٍ دَجـوُجِيٍّ تَنـامُ بَناتُهُ
وَأَبنَـاؤُهُ مـن هَـولِه وَرَبـائِبُهْ
حَمَيتُ بِهِ عَيني وَعينَ مَطـيَّتي
لذِيذَ الكَرى حَتىَّ تَجَلّت عَصَائبُهْ

وَمَاءٍ تَرى رِيشَ الغطَاط بـجَوِّه
خَفِيِّ الحَيَا مَـا إن تَلينُ نصائبـُهْ

قَرِيبٍ منَ التَّغرِيرِ نَاءٍ عَنِ القُرَى
سَقـَاني بِهِ مُستَعمِلُ الليلِ دَائِبُـه

حَليفُ السُرَى لاَ يَلتويَ بِمَفَازَةٍ
نَسَـاهُ وَ لاَ تَعتَلُّ مِنـهَا حَوَالِبُـهْ

أمَقُّ غُرَيْرِيٌ كـأنَّ قُـتُودَهُ
على مَثْلَثٍ يَدْمى مِنَ الحُقْبِ حاجِبُهْ

غَيُورٍ عَلَى أَصحَـابِه لاَ يَرُومُه
خَليطٌ وَلاَ يَرجـُو سَواهُ صَوَاحِبُهْ

إِذَا ما رعَى سَنَّيْنِ حَاوَلَ مِسْحَلاً
يَجـِدُّ بِـهِ تَعْذَامُـهُ وَيُلاَعِبُـهْ

أَقَـبَّ نَفى أبنَاءَهُ عَنْ بَنـاتِـه
بِذِ الرَّضْمِ حَتَّى مَا تُحَسُّ ثَوالِبُهْ

رَعَى وَرَعَيْنَ الرَّطْبَ تِسعِينَ لَيلَة
عَلِى أبَقٍ وَ الرَّوضُ تَجري مَذَانِبُهْ

فَلمَّا تولَّى الحَرُّ وَاعتَـصَرَ الثَّرَى
لَظَى الصّيفِ مِن نَجْمٍ تَوقَّد لاَهبُهْ

وَطَارَت عَصَافِيرُ الشَّقاِئقِ وَاكتسَى
مِنَ الآلِ أمثَـالَ المُلاءِ مَسَارِبُـهْ

وصَدَّ عَنِ الشَّوْلِ القَرِيعُ وأقفَرت
ذُرى الصَّمْدِ مِمّا استوَدعَتهُ موَاهبُهْ

وَلاَذَ المهَا بِالظِّلِّ وَاستوفَضَ السَّفَا
مِنَ الصَّيفِ نَئَّاج ٌ تَخُبُّ مَوَاكِبُه

غَدَت عَاَنةٌ تَشكُو بِأَبصَارِهَا الصّدَى
إلى الجَأْبِ إلا أنّهَا لاَ تُخَاطِبُـهْ

وَظَلَّ عَلَى عَليـَاء يَقسِمُ أَمـرَهُ
أَيمضي لِوردٍ بَِاكـِرٍ أم يَواتِبُـهْ

فَلَمَاَ بَدَا وَجْـهُ الزّماع وَرَاعـهُ
مِنَ الليلِ وَجهٌ يَمّم المَاءَ قارِبُـه

فَبَاتَ وَقَد أَخفَى الظَّلامُ شخُوصَها
يُنَاهِبُـهَا أُمَّ الهُـدَى وَتُنَاهِبُـهْ

إذا رَقَصَت في مَهْمَهِ اللَّيلِ ضَمَّهَا
إِلى نَهَج مِثـلِ المَجـرّةِ لاَحِبُهْ

إلى أن أصَابَت في الغَطَاط شرِيعةً
مِن المَاء بالأهوالِ حُفَّت جَوانبُـه

لَهَا صَخَبُ المُستَوفِضاتِ عَلى الوَلى
كَما صخِبَتْ في يَومِ قيظٍ جَنَادِبُهْ

فَأقْبَلَهَا عُرضَ السرِيِّ وَعَينُـهُ
تَرُودُ وَفي النَّاموسِ مَن هُو رَاقِبُهْ

أَخُو صِيغَةٍ زُرقٍ وصفراَءَ سَمْحةٍ
يُجـاذِبُهَا مُستحصِدٌ وتُجاذِبُـهْ

إذا رَزَمَتْ أنَّتْ وَأنَّ لهَا الصّدى
أَنِينَ المرِيضِ للِمرِيضِ يُجـاوِبُـهْ

كأنَّ الغِنى آلى يَمـينًا غَليظـَةً
عَلَيهِ خَـلاَ مَا قَرَّبَتْ لا يُقارِبُـهْ

يَؤُولُ إِلى أُمِّ ابنتيْنِ يَـؤودُه
إذا مَا أَتاهَا مُخفِقًا أو تُصَاخِبُـهْ

فَلَمَّـا تَدَلَّى في السّرِيِّ وَغرَّهُ
غَليلُ الحَشَا مِن قَانِصٍ لا يُوَاثِـبُه

رَمَى فَأَمَرَّ السَّهمَ يَمسَحُ بَطنَـهُ
وَلَبَّاتِهِ فَانصـاعَ وَ الموَتُ كَارِبُه

وَوَافَقَ أَحـجارًا رَدَعْنَ نَضِيّهُ
فأصبحَ مِنهَا عَامِـراهُ وَشاخـِبُهْ

يَخَافُ المَنَايَا إِن ترَحَّلْتُ صَاحِبي
كأنَّ المَنـَايَا في المَقـَامِ تُنَاسـِبُه

فَقُلتُ لَهُ: إِنَّ العِرَاقَ مُقَـامُهُ
وَخِيمٌ إِذا هَبَّتْ عَلَيكَ جَنَائِبـه

لَعلّك تَستدْني بِسيرِكَ في الدُّجَا
أَخَـاثِقَةٍٍ تُجـدِي عَلَيكَ مَناقِبُه

مِنَ الحَيِّ قَيسٍ قَيْسِ عَيلاَنَ إِنَّهُم
عُيُونُ النَّدى مِنهُم تُرَوّى سَحَائِبُهْ

إِذَا المجُحِدُ المَحرُومُ ضَمّتْ حِبالَهُ
حَبَائِلُهُم سِـيقَت إِلَيهِ رَغَائِبُـهْ

وَيَومٍ عَبُورِيٍ طَغا أَو طغابـِهِ
لظَاهُ فَما يروَى منَ المَاء شَاربُـهْ
رَفعَتُ بِهِ رَحلي عَلَى مُتَخَطْرِفٍ
يَزِفُّ وقَد أَوفَى عَلَى الجذْلِ راكبُه

وَأَغبَر رَقَّاصِ الشُّخُـوصِ مَضِلةٍ
مَوَارِدُهُ مَجـهُولةٌ وَسـباسـِبُهْ

لألقَى بَني عَيْلانَ، إِنَّ فَعَـالَهُم
تَزيدُ عَلى كُـلِّ الفَعَالِ مَرَاكبُـهْ

أُلاَكَ الأُلَىشَقُّوا العَمَى بُسُيوفِهم
عَنِ الغَيِّ حَتَّى أَبصَرَ الحَقَّ طَالبُـهْ

إِذَا رَكبُوا بِالمشـرَفيَّةِ وَالقنَـا
وأَصبَـحَ مَروَانٌ تُعَدُّ موَاكِبـُه
ْ
فَأَيُّ امـرِئٍ عَاصٍ وَأَيُّ قَبيـلَةٍ
وَأَرعَنَ لاَ تبـكي عَلَيهِ قَرَاِئبُـهْ

وَسَاٍم لمروانٍ وَمِنْ دونِه الشَّـجا
وَهَوْلٌ كَلُجّ البَحرِ جَاشَت غَوَاربُهْ

أَحَـلَّتْ بِهِ أُمُ المنـَاياَ بناتِـها
بأَسيَافِنَا، إِنَّا رَدَى مَنْ نُحَارِبُـهْ

وَمَا زَالَ مِنَّـا مُمسِـكٌ بِمَدِينَةٍ
يُرَاقبُ أَو ثَغرٍ تَخـَافُ مَرَازِبُـهْ

إِذَا المَلِكُ الجَبَّـارُ صَعَّرَ خـَدَّهُ
مَشَـيْنَا إِليَه بِالسُّيُوفِ نُعَاتِبُـهْ

وَكُنَّا إِذَا دَبَّ العَدُوُّ لِسُخطـِنَا
وَرَاقَبَـنَا في ظَـاهِرٍ لا نُرَاقِبُـه

رَكِبنَا لَهُ جـهرًا بِكـلِّ مُثَقَّفٍ
وَأبَيَضَ تَستسقي الِدّمَاءَ مَضَارِبُه

وَجَيشٍ كَجُنح اللَّيلِ يَزحفُ بِالحصَى
وَبالشَّوْلِ وَالخَطِّيِّ حُمرٍ ثَعالِبُـه

غَدَوناَ لهُ والشَّمسُ في خِدر أُمِّهَا
تُطـالعُِنَا والَّطلُّ لم يجرِ ذَائِبُـه

بَضَربٍ يَذُوقُ الموتَ منَ ذاقَ طعمَه
وَتُدرِكُ مَن نَجَّى الفِرارُ مَثَـالبُِه

كَأَنَّ مُثـَارَ النَّقْـعِ فَوقَ رُؤوسِنا
وَأَسـيَافَنَا لَيلٌ تهَاوَى كَوَاكبُه

بَعَثْـنا لَهُم موتَ الفُجـَاءةِ إِنَّنَا
بَنُو المُلكِ خَفَّاقٌ عَلَينَا سَـبَائبُه

فَراحُوا: فَرِيقًا في الإِسـارِ وَمثلُهُ
قَتِيلٌ ومِثلٌ لاَذَ بالبحر هاَرِبُـه

وَأَرعَنَ يَغشى الشَّمسَ لونُ حَدِيدِهِ
وَتَخِلسُ أَبصارَ الكُمَاةِ كَتَاِئبُه

تَغَصُّ بِهِ الأَرضُ الفَضَاءُ إِذَا غـَدَا
تُزاحِمُ أركَانَ الجبَالِ مَنَاكِبُـهْ

كَأنَّ جَنابَاوَيهِ مِن حَمِسِ الوَغـى
شَمَامٌ وَسلمَى أوأجًا وكواكِبُه

تركنا بِهِ كَلْباً وَقَحطَانَ تَبتَـغِي
مُجيرًا من القَتلِ المطِلِّ مَقَانبُـه

أَباحَتْ دِمشقًا خَيلُنَا حِينَ أُلجمَتْ
وَآبَتْ بِهَا مَغرُورَ حِمصٍ نَوائِبُه

وَنَالَت فِلَسطِينًا فَعَرَّدَ جَـمعُهَا
عَنِ العَارِضِ المُسْتَنِّ بالموتِ حَاصبُه

وقدَ نَزَلت مـِنَّا بِتَـدمُرَ نَوبَـةٌ
كَذَاكَ عُرُوضُ الشَّرِّ تَعروُ نَوَائِبُهْ

تَعُودُ بِنَفـسٍ لاَ تَزِلُّ عنِ الهُدَى
كَمَا زَاغَ عَنـهُ ثَابِتٌ وَأَقَارِبـُهْ

دَعَا ابنَ سِـمَاكٍ للِغوايـةِ ثَابِتٌ
جِهَارًا وَ لَم تُرشِـد بَنيهِ تَجارِبُهْ

ونَادَى سَعيداً فَاستصَبَّ مِنَ الشَّقَا
ذنُوبًا كَمَا صُبَّت عَليـهِ ذَنَائِبُـهْ

وَمِن عَجَبٍ سَعيُ ابن أَغنَمَ فِيهِمُو
وَعُثـمانَ، إِنَّ الدَّهرَ جَمُّ عجَائبُهْ

وَمَامِنـهُمَا إلاَّوَطـَارَ بِشـَخصِهِ
نَِجيبٌ وَطَارَتْ للِكلاَبِ رَوَاجِبُهْ

أَمَرْنَا بِهِم صَدرَ النَّـهارِ فَصُلّبُوا
وَأَمسَى حَمِيدٌ ينحِتُ الجِذعَ صَالبُهْ

وَنَاطَ ابنَ رَوْحٍ للجمَاعَةِ إنَّـهُ
زأرنَا إِليـهِ فَاقشَـعرَّتْ ذوائِبُـهْ

وَباِلكُـوفَةِ الحُبلَى جَـلبنَا بِخَيلِنا
عَليهِمْ رَعيـلَ المَوتِ إِنَّا جوَالبُـهْ

أقَمنَا عَلَى هـذا وذَاكَ نِسَـاءَهُ
مآتِمَ تَدعُـو للِبُـكَا فَتُجَـاوِبهْ

أَيامَى وَزَوجـاتٍ كَأَنَّ نِهَاءَهَا
عَلَى الحُزن أَرءَامُ الملاَ وَرَبَارِبُـه
ْ
بَكَينَ عَلَى مِثـلِ السّنَانِ أَصَابَهُ
حِمَـامٌ بأَيدِينَـا فَهُنَّ نواِدبُـه

فَلَمَّا اشـتَفينَا بالخَليفَـةِ مِنهُمُو
وَصَالَ بِنَا حَتَّى تَقَضَّت مَآرِبُه

دَلَفنَا إلىَ الضَّحَّاكِ نَصرِفُ بالِردىَ
وَمروَانُ تَدمَى مِن جُذَامَ مَخَالبُِهْ

مُعِدّينَ ضِرغَامًا وَأَسوَدَ سـالِخًا
حُتُوفًا لمِنَ دَبَّت إِليـنَا عَقَـاربُه

وَمَا أَصبَحَ الضَّحاكُ إِلاّ إلا كثابِتٍ
عَصَانَا فَأَرَسـلنَا المنِيةَ تَادِبُـه