ألف باء الورقة الأمريكية الروسية مقترحات .. أم نكتة سياسية ؟!..

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : السيد هاني | المصدر : www.algomhuria.net.eg

أحسب أنه لا يمكن قبول ورقة المقترحات الأمريكية الروسية التي قدمت الأسبوع الماضي إلي الجامعة العربية بشأن السلام في الشرق الأوسط وإخلاء المنطقة من السلاح النووي.. إلا من باب المزاح فقط!
ذلك لأن الأمر لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما:
1- إما أن واشنطن وموسكو أرادتا إطلاق "نكتة" علي الساحة الدولية. لكي يضحك العالم علي العرب إذا ما قبلوا بهذه المقترحات..
2- أو أن العاصمتين قررتا تبني الموقف الإسرائيلي بشكل كامل ووقعتا علي مقترحات كتبها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وأرسلها إلي الجامعة العربية عن طريق موسكو..
رغم أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلي الصواب. إلا أن الأخذ به يعني قبول "الإهانة" التي تتضمنها هذه المقترحات للجانب العربي.. لذلك يجب التعامل معها علي أنها وصلت للعرب من باب المزاح فقط.. كنوع من رد "الإهانة" التي حملتها هذه المقترحات!
* * *
الإهانة تتمثل في أن المقترحات الأمريكية الروسية تضع علي العرب تنفيذ الشروط التالية:
1- توقيع اتفاق سلام شامل بين العرب وإسرائيل.. قبل تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1995. الذي يدعو إلي إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي..
2- التزام جميع الدول العربية بتنفيذ اتفاق إزالة الأسلحة البيولوجية. واتفاق إزالة الأسلحة الكيماوية. ومعاهدة حظر إجراء التجارب النووية. وبقية الاتفاقات والمعاهدات الأخري المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل.. وذلك قبل النظر في الملف النووي الإسرائيلي..
3- التزام دول المنطقة الطوعي بعدم السعي إلي تخصيب اليورانيوم. وتسليم البرامج النووية التي لديها إلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. من أجل التغلب علي المخاوف النووية الموجودة بالمنطقة..
* * *
الجامعة العربية من جانبها أعلنت رفضها لهذه المقترحات علي لسان مساعد الأمين العام السفير أحمد بن حلي.. لكن الخوف هو أن تقوم واشنطن وموسكو بالضغط علي بعض الدول العربية لقبول هذه المقترحات.. أو حتي القبول بالتفاوض حولها.. تماماً كما حدث من قبل في عام 1995. قبل انعقاد مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في نيويورك.. عندما نجحت واشنطن في إفشال الجهود التي بذلتها مصر لخلق موقف عربي موحد يرفض التوقيع علي التمديد اللانهائي للمعاهدة. ما لم توقع عليها إسرائيل.. والنتيجة أن مصر وجدت نفسها تخوض المعركة وحدها في نيويورك.. رغم ذلك رفضت التوقيع علي المعاهدة. حتي تمت الموافقة علي صدور قرار من المؤتمر ملحق بالمعاهدة ينص علي إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.. وهي المبادرة التي كانت مصر قد تقدمت بها في 8 أبريل ..1990
تفاصيل ذلك يمكن أن نجدها في مضبطة اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الدورة 103 التي عقدت بمقر الجامعة في مارس 1995. وحضرها 20 من وزراء الخارجية العرب حيث قام عمرو موسي وزير الخارجية في ذلك الوقت. بحثّ الوزراء العرب علي الانضمام إلي الموقف المصري في الربط بين موقف إسرائيل من قبول أو رفض التوقيع علي المعاهدة بموقف الدول العربية.. لكن الوزراء العرب انقسموا علي أنفسهم.. وفي النهاية أصدروا بياناً هزيلاً مليئاً بالعبارات الإنشائية. من قبيل: "إن استمرار البرنامج النووي الإسرائيلي خارج النظام الدولي لمنع الانتشار النووي يشكل تهديداً للأمن الإقليمي".. كما جاء في البند الثاني.. و"إن تكريس الأمر الواقع بإلزام دول الشرق الأوسط فيما عدا إسرائيل بنظام منع الانتشار النووي يشكل خللاً خطيراً يهدد أمن المنطقة واستقرارها لا يمكن قبوله".. كما جاء في البند السابع.. إلي آخر هذه العبارات الإنشائية التي لا تقدم ولا تؤخر..
لقد كنت أحد الصحفيين الذين قاموا بتغطية هذا الاجتماع.. وشعرت بأن الهدف هو إنهاء الاجتماع بإصدار مثل هذا البيان. ثم بعد ذلك لتفعل كل دولة ما تشاء عندما تذهب إلي نيويورك..
الغريب أن وزراء الخارجية العرب قالوا لنا هذا الكلام بمنتهي الصراحة. وهم مازالوا علي أعتاب القاعة التي اجتمعوا فيها.. وهذه هي تصريحاتهم:
فارس بويز وزير خارجية لبنان: "سيكون لكل دولة عربية الحرية في التصويت كما تشاء علي تمديد معاهدة حظر الانتشار النووي"..
عبدالكريم الكباريتي وزير خارجية الأردن: "ليست هناك صلة فيما يتعلق بانضمام إسرائيل إلي المعاهدة وموقف الدول العربية منها.. ستكون كل الدول العربية حرة في التصويت علي المعاهدة كما تشاء"..
عمرو موسي وزير خارجية مصر: "موقف مصر لم يتغير.. لكن كل دولة حرة في التصويت كما تشاء"..
هكذا ذهب وزراء الخارجية العرب إلي نيويورك عام 1995 منقسمين علي أنفسهم. كما أرادت تل أبيب وواشنطن.. وخاضت مصر المعركة وحدها حتي نجحت في استصدار قرار بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط..
لكن المشكلة أن هذا القرار مازال حتي الآن حبراً علي ورق..
حاولت مصر تفعيله في مؤتمر عام 2000 حيث يعقد مؤتمر كل 5 سنوات في نيويورك لمراجعة بنود معاهدة حظر الانتشار النووي ومدي التقدم في تطبيقها إلا أن المؤتمر سيطرت عليه مسألة حيازة العراق لأسلحة نووية.. رغم ذلك استطاعت مصر هذه المرة أن تضيف نصاً إلي القرار يطالب إسرائيل صراحة بالانضمام إلي معاهدة حظر الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي.. وهو ما لم تكن قد استطاعت أن تفعله في مؤتمر 1995. بسبب عدم انضمام 3 دول عربية إلي المعاهدة حتي ذلك الوقت..
حاولت مصر مرة أخري تفعيل القرار في مؤتمر عام ..2005 إلا أن إدارة بوش الابن كانت لها بالمرصاد. حيث قادت حملة داخل المؤتمر لرفض النظر في الملف النووي الإسرائيلي. بحجة أن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطراً علي أمن إسرائيل.. ولما كانت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليس فيها ما يثبت ذلك.. فقد استمر الجدل داخل المؤتمر. وفي النهاية فشل المؤتمر ولم تصدر عنه وثيقة بشأن مراجعة المعاهدة.. كما لم تحصل مصر علي الإجماع المطلوب لتفعيل قرار 1995 بإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية..
لذلك بدأت مصر منذ عام 2007 في الاستعداد لتحقيق ذلك في مؤتمر 2010 المنعقد حالياً في نيويورك.. وذلك بأن تقدمت بورقة إلي اللجان التحضيرية للمؤتمر. طرحت فيها فكرة عقد مؤتمر إقليمي عام 2011. يهدف إلي وضع الأطر الزمنية لبدء التفاوض حول تنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر ..1995
تتسلح مصر في معركتها التي تخوضها حالياً في نيويورك. بكونها الرئيس الحالي لحركة عدم الانحياز "118 دولة".. وتحاول استخدام هذه الكتلة الدولية الكبيرة للتصويت بالموافقة علي عقد المؤتمر الإقليمي الذي تسعي إليه. لكن المشكلة أن نفوذ الولايات المتحدة داخل هذه الكتلة قوي جداً. ومن الممكن أن يعوق المساعي المصرية..
تتسلح مصر أيضاً بكونها عضواً فيما يسمي ب"تحالف الأجندة الجديدة".. وهو تحالف يضم دولاً من مجموعات إقليمية مختلفة. هي البرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وأيرلندا والسويد ونيوزيلندا. ويركز علي قضايا التسلح النووي.. وقد رحبت فرنسا بورقة العمل التي ستطرحها مصر نيابة عن هذا التحالف أمام مؤتمر نيويورك لعقد المؤتمر الإقليمي الخاص بإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي..
لذلك جاءت ورقة المقترحات الأمريكية الروسية. بمثابة محاولة لوضع العصا في عجلة الجهود التي تبذلها مصر في نيويورك..
وهي محاولة ترتقي من حيث السذاجة إلي مستوي "النكتة السياسية"!