ديمقراطية الأزواج العهد العظيم .

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : عبد الرحمن بن ساير العواد | المصدر : www.almostshar.com


ديمقراطية الأزواج العهد العظيم .

 

عبد الرحمن بن ساير العواد .

 

إن الأمم في مشارق الأرض ومغاربها تطمح إلى أن يكون الحكم السائد في بلادها ‏الديمقراطية والتي هي شكل من أشكال الحكم وأسلوب من أساليب الحياة وتعني ‏كلمة الديمقراطية بالتحديد حكم الشعب وقد وصف الرئيس الأمريكي إبرا هام لينكون ‏مثل ذلك الحكم بأنه حكم الشعب بالشعب وللشعب.‏


‏ وظل الإقرار بمبادئ المساواة وحرية الفرد على مر التاريخ من أهم السمات ‏للحياة الديمقراطية وتبعا لذلك فينبغي للمواطنين وبالتساوي أن يحددوا الحماية ‏لأشخاصهم وممتلكاتهم وحقوقهم وينبغي أن يمنحوا فرصا متساوية لممارسة حياتهم ‏وأعمالهم كما يحب أن يكونوا أحرارا في حدود القانون ليعتقدوا ويسلكوا ويعبروا عن ‏أنفسهم بحرية تامة.‏


‏ ونحن كأمة إسلامية ندين بالرب إلها وبالرسول صلى الله عليه وسلم نبيا قد ‏هدينا إلى الصراط المستقيم والطريق القويم وذلك بإتباعنا للوحي الذي أنزله الله على ‏رسوله الأمين ونحن لنا ما يخصنا دون سائر الأمم ونسير في إطار الشريعة والتي ‏هي حكم الله , وبالتالي فنحن مطالبين بالعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه ‏وسلم في سائر الأمور , وإن كنا ذكرنا الديمقراطية في هذا المقال لأنها أصبحت ‏الكلمة التي يعشقها كثير من أبناء وبنات هذه الأمة وإلا ففي ديننا الكفاية والشمولية ‏وهو كما قرره علماءنا الفضلاء بأنه صالح لكل زمان ومكان. ‏


‏ وإن المتأمل في واقع الأسرة يجد أنها نظاما فيه شعب وله زمان ومكان في هذه ‏الكرة الأرضية , وشعب الأسرة هم كل من الزوج والزوجة والأطفال من كلا ‏الجنسين . وإني ومن خلال عملي كمستشار في شؤون الأسرة أجد أن النظام القائم ‏لإدارة هذه الشعوب الأسرية هو النظام الديكتاتوري المقيت فالأب هو الآمر الناهي ‏وهو المتفرد بالقرارات وإن لم نقل كل القرارات فأغلب القرارات من لباس الزوجة ‏إلى تخصص الأبناء الدراسي إلى ما يشاهدون وما لا يشاهدون في التلفاز إلى اختيار ‏الألعاب وألوانها وأحجامها ونحو ذلك. وهذا الأب الدكتاتوري قد يكون من المطالبين ‏والحالمين بتطبيق نظام الديمقراطية بمفهومها السابق على ارض دولته ( أُسرته) ‏التي يعيش فيها والتي ذكرت جزء منها في أول هذا المقال ولكنه في مقابل حماسه ‏وأحلامه للتطبيق على مستوى الدولة نجده من أول الفاشلين في تطبيقه على مستوى ‏دولته الصغيرة ( أسرته ) .‏


‏ ولعلي أضرب بعض الأمثلة لمثل تلك الأنظمة الديكتاتورية التي تمارس ضد ‏الأسرة :‏


‏-‏ اتصلت بي أحد الفتيات وهي تبكي والسبب في ذلك أن زوجها ضربها حتى ‏أغمي عليها أمام أبنائها الثمانية والسبب في ذلك أنها تمنعه من الاستمتاع مع ‏الخادمة.‏


‏-‏ زوج عمره 53 سنة ومتزوج من 38 سنة يضرب زوجته على مرأى ‏ومسمع من أولاده التسعة والسبب أنه يتقدم لخطبة بعض الفتيات ويرفضون ‏وبالتالي من المؤكد أنها قد عملت له سحرا وبالتالي فهي تستحق الضرب.‏


‏-‏ ثلاث أخوات أعمارهن كالتالي 27 و23 و22 سنة ووالدهم من أصحاب ‏التخصصات الأكاديمية العالية ويرفض فكرة زواجهن على كثرة الخاطبين ‏ويرفض أن يتدخل أحد لمعالجة الوضع وعندما تدخل خال البنات أسكته بأن ‏ذلك يخصه وبناته فقط والبنت الكبيرة أصيبت بحالة نفسية شديدة بسبب هذا ‏الوضع ومع ذلك فلا يكف والدهن من السفر للخارج والزواج وأخر فتاة ‏تزوجها عمرها 16 سنة , واجتمعن البنات وكتبن لوالدهن العبارة التالية ‏على مكتبه ( حرمك الله السعادة كما حرمتنا الزواج والأولاد ) وحجته ‏الغريبة أنه يخشى عليهن من الطلاق .


‏-‏ شاب عمره 26 سنة متزوج يرفع الصوت على أمه ويضرب زوجته لأتفه ‏الأسباب لدرجة أنه يقوم بتقطيع شعر رأسها لأتفه الأسباب.‏
‏-‏ امرأة متزوجة من رجل مطلق وعنده ولد وقامت بتربيته والمشكلة التي ‏تعانيها هو أن هناك قاعدة تسير حياة زوجها وبالتالي حياة الأسرة وهذه ‏القاعدة هي ( أن المرأة تابعة وليست متبوعة ) بمعنى أن عليها طاعته بكل ‏ما يريد علما أنه لم تتواني في خدمته هو أو ولده في شيء وتذكر أن من أثار ‏هذه القاعدة أنه كل يوم والآخر يختلق المشاكل لأتفه الأسباب . ‏


‏-‏ أخت لها أخ عمره 39 وجامعي وموظف رفع في أحد الأيام صوته على أمه ‏ولما ناصحته أخته بعدم تكرار ذلك ضربها بوحشية بالغة طالبا منها عدم ‏التدخل في مثل هذه الشؤون.‏


‏-‏ زوج ناقشته زوجته عن كثرة خروجه وبينت أن لهم حق عليه فقام بضرب ‏زوجته –فبماذا تتصورون ضربها – لقد قام بضربها بأحد أبنائها الصغار ‏على بطنها وكانت حاملا في أشهرها والأولى والنتيجة أن أسقطت الحمل .‏


‏-‏ زوج في مكان مرموق في الدولة ابتعثه إدارته لدورة لمدة سنة إلى بريطانيا ‏ورفض مقابل ذلك أن يأخذ زوجته وولديه معه علما أن زواجهما من ثلاث ‏سنوات فقط وإذا فاتحته عن ذلك أسكتها وغضب عليها بشدة وفي النهاية ‏سافر وتركها لوحدها.‏

‏ ولو تسألنا عن واقع الديمقراطية في السنة النبوية ؟ أو ما هي ملامح ‏الديمقراطية –الجميلة كما هي تحلو لكثير من الناس - في السنة النبوية ؟ نعم لو تأملنا ‏في ذلك لوجدنا كيف أسس نبينا صلى الله عليه وسلم تلك الديمقراطية الأسرية بكل ‏إيجابية بما يكفل تحقيق النتائج الإيجابية في حياة الشعب الأسري –الزوج وزوجته ‏والأبناء عموما- فهل يمكن أن نكون ديمقراطيين في بيوتنا مع زوجاتنا وأبنائنا وهل ‏يمكن أن نبتعد في المقابل عن النظام الديكتاتوري المقيت.

‏ الديمقراطية في السنة النبوية :

التأمل الأول : ‏


ومن تلك الديمقراطية ما ورد في حديث أنس –رضي الله عنه –في البخاري قال : ‏‏"جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها قالت: يا ‏رسول الله ألك بي حاجة ؟ ..." وهذا فيه حرية التعبير وهي مطلب من مطالب ‏الديمقراطية وقد قال ابن حجر في شرح هذا الحديث فيه جواز عرض المرأة نفسها ‏على الرجل وتعريفه رغبتها فيه وأن لا غضاضة عليها في ذلك .

التأمل الثاني :‏


الاهتمام برضا من هم تحت ولايتك فعن أبي هريرة –رضي الله عنه-حدثهم أن النبي ‏صلى الله عليه وسلم قال :" لا تنكح الأيم حتى تستأ مر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ‏‏..."قال ابن حجر ويؤخذ من قوله حتى تستأ مر أنه لا يعقد إلا بعد أن تأمر بذلك وفي ‏هذا كفالة لحق الرأي وعدم المصادرة لأراء الآخرين وأنت في بيتك قد توجد عندك ‏بنتا بكرا أو ثيبا فكن ديمقراطيا معهن كما في هذا الحديث.‏

التأمل الثالث :‏


ما جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" غزا نبي من الأنبياء ‏فقال لقومه : لا يتبعني رجل ملك بُضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولم يبن بها ‏‏"والمراد لا يتبعه رجل تزوج بامرأة ولم يدخل بها قبل الغزو فهنا قدم الدخول ‏والتمتع على الجهاد وهذا فيه احترام مشاعر من هم معك حتى في مثل هذه المواقف ‏الحرجة.‏

التأمل الرابع :‏


الوصية العظيمة بالنساء فقد قال صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم ‏الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيرا ..."فتأملوا كيف جمع بين الإيمان بالله ‏واليوم الآخر وعدم إيذاء الجار والوصاية بالنساء بل إني أرى أن من أعظم ‏المجاورات على الإطلاق مجاورة الزوج لزوجته فكأنه يريد أن يقول من كان يؤمن ‏بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره والمرأة من الجيران فاستوصوا بهذه الجارة خيرا.‏

‏ التأمل الخامس :‏


أن الجميع يتحمل المسؤولية الزوجة والزوج على حد سواء وهذا من أسس ‏الديمقراطية الحديثة بل إن الجميع يتحمل المسؤولية فعن عبد الله بن عمر قال: قال ‏النبي صلى الله عليه وسلم :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... والرجل راع ‏على أهله وهو مسؤول والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة ... ألا فكلكم ‏راع وكلكم مسؤول ".وبالتالي فزوجتك وأبناؤك من جملة رعيتك ونفس الخطاب ‏متجه للزوجة وفي نفس الحديث فزوجك وأبناؤك

‏ التأمل السادس :‏


الاقتراع لتحقيق الرضا بين الأطراف ومن ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها ‏قالت : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه.وهذا ما ‏يحدث في بعض الأحيان عندما ترغب الأسرة السفر إلى أحد المناطق سواء الداخلية ‏أو الخارجية فيقع بينهم الخلاف فيحملهم الأب على ما يريده دون مراعاة لمشاعر من ‏معه وأذكر في هذا الجانب أنني كنت في زيارة لأحد البلاد العربية وقابلت أحد ‏الشباب وكان حديث عهد بالزواج وكان يتذمر من المقام في هذا البلد فلما دار الحديث ‏بيننا اتضح أنه لا يرغب في هذا البلد وإنما كان استجابة لإصرار زوجته وبعد لقاء ‏به بيوم أو يومين رأيته قد حمل حقائبه فلما سألته قال لم أستطع إكمال الأيام وسأذهب ‏للدولة التي ارغب بها , وما اعتقده لو استخدما هذين الزوجين نظام القرعة وخرجت ‏القرعة لزيارة هذه الدولة التي لا يرغب بها الزوج فأعتقد أن سيسلم بالأمر لأن هناك ‏قرعة وهو راض على كل حال.‏

هذه نماذج لروائع الديمقراطية النبوية وليس المقصود التكلف فيها بل هي مبثوثة ‏بشكل سهل ويسير مارسه النبي صلى الله عليه وسلم ومارسه الصحابة من بعده ‏وهكذا استمر الوضع على ذلك فمن مقل ومن مكثر ومن معتدل وما نريده هو ‏الاعتدال وما نريده هو أن يعرف كلا الزوجين أن الزواج حياة شعب وليس حياة ‏رجل فقط . وعلى ذلك لينوا في أيدي نسائكم وأبنائكم بما لا يفسدهم عليكم وعليكم ‏بالرفق وهو من الديمقراطية الحديثة وهو موجود في تراثنا الإسلامي فقد قال صلى ‏الله عليه وسلم من حديث عائشة :" يا عائشة ارفقي فإن

 

 الرفق لم يكن في شيء قط إلا ‏زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه " وهو من حديث عبد الله بن مغفل قال قال ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي ‏على العنف " وفي رواية جرير قال قال صلى الله عليه وسلم :" من يحرم الرفق ‏يحرم الخير كله ".وإن كان موضوعنا عن الأزواج فهو ولا شك حديث عن البيوت ‏واستمتعوا بما قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر حيث قال صلى الله عليه ‏وسلم :" إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق" فكما هو حديث جميل تبهج ‏له الأنفس وتتلذذ لسماعه القلوب الواعية ‏ .


وفي الختام اللهم كما حسنت خلقنا فحسن أخلاقنا مع زوجاتنا وأبنائنا وإخوانا ‏المسلمين والمسلمات ‏ .






المصدر : موقع ابن باز لمساعدة الشباب على الزواج .