غير إدراكك

الناقل : heba | المصدر : www.islammemo.cc

  شباب  
 

 

ذهب أحد مديري الإنشاءات إلى موقع من المواقع، حيث كان العمال يقومون بتشييد أحد المباني الضخمة في فرنسا، واقترب من أحد العمال وسأله: ماذا تفعل؟

        فرد عليه العامل بطريقة عصبية قائلًا: أقوم بتكسير الأحجار الصلبة بهذه الآلات البدائية، وأقوم بترتيبها كما قال لي رئيس العمال، وأتصبب عرقًا في هذا الحر الشديد.

 وهذا عمل متعب للغاية، ويسبب لي الضيق من الحياة بأكملها، وتركه مدير الإنشاءات وذهب إلى عامل آخر وسأله نفس السؤال ...

        وكان رد العامل الثاني: أنا أقوم بتشكيل هذه الأحجار إلى قطع يمكن استعمالها، وبعد ذلك تجمع الأحجار حسب تخطيطات المهندس المعماري.

وهو عمل متعب، وأحيانًا يصيبني الملل منه، ولكني أكسب منه قوت عيشي أنا وزوجتي وأولادي، وهذا عندي أفضل من أن أظل بدون عمل.

 وذهب مدير الإنشاءات إلى عامل ثالث وسأله أيضًا عما يعمله، فرد عليه قائلًا وهو يشير إلى أعلى: ألا ترى بنفسك؟ أنني أقوم ببناء ناطحة سحاب ).

        من هذه الإجابات نرى أن العمال الثلاثة رغم أنهم كانوا يقومون بنفس العمل، إلا أن نظرتهم تجاهه كانت مختلفة تمامًا.

        ومن هنا تنبع مأساة الكثير من الشباب مع الشهوة؛ فهم ينظرون إلى الشهوة على أنها وحش كبير يبغضونه؛ ولأنهم لا حول لهم ولا قوة، فهم لا يملكون إلا الانصياع لأوامره.

ولكن هل هذه هي الحقيقة؟

هل الشباب فعلًا لا يملكون إلا الانسياق وراء الشهوة؟

قبل أن أجيب، أريد أن أسألك سؤالًا هامًا يتوقف عليه جزء كبير من العلاج: ما رأيك في مجتمع الصحابة؟

        بالتأكيد ستقول: إنه أطهر مجتمع مر على الأمة الإسلامية منذ بعثة محمد r إلى الآن، ولكن من الصعب أن تقارن بيننا وبينهم من حيث ضغط الشهوة على الشباب، ومثيرات الشهوة التي تملأ كل مكان حولنا هذه الأيام.

  أنا أتفق معك تمامًا في النقطة الأولى، فهذا المجتمع لن يتكرر لأن النبي r يقول: (( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )).

ولكني أختلف معك في نقطة: مثيرات الشهوة؛ فقد بلغت صور الفساد والانحلال الأخلاقي قبل البعثة وفي عهد النبي r حدًا عظيمًا، والأدلة كثيرة؛ منها:

أ ـ إحاطة أمة الفرس والروم بأمة العرب وانتشار الزنا والانحلال؛ حتى عُرِفت عند العرب: [صاحبات الرايات الحمر]، وهي بعض أشكال تقنين الزنا وإباحته.

ب ـ أنواع الزواج؛ ويتضح من خلال حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث أخبرت أنه على أربعة أشكال:

1- نكاح الناس اليوم.

2- الرجل يأمر امرأته بعد طهرها بأن تضاجع رجلًا آخر، ثم يعتزلها حتى يتبين حملها فإن شاء أصابها، والغرض منه نجابة الولد!!! (نكاح الاستبضاع).

3- اجتماع الرجال أقل من العشرة على امرأة يصيبونها، وتلحق ولدها بمن تحب.

4- البغايا يدخل عليهن من شاء ثم يلحقن الولد بمن يحدد القائف (من يعرف الشَّبَه).

ج ـ كثرة الحديث عن الزنا وحده وعقوبته في الدنيا والآخرة والتحذير منه في أكثر من موضع في القرآن الكريم.

د ـ استئذان الصحابة للنبي r في الاختصاء، (وهو إزالة الخصيتين لإيقاف الشهوة), عن سعد بن أبي وقاص t قال: ( رد رسول الله r على عثمان بن مظعون التبتل؛ ولو أذن له لاختصينا ).

هـ- حوادث الزنى التي حدثت من بعض الصحابة كماعز t والغامدية رضي الله عنها.

و- بعض المواقف المتفرقة التي حدثت مع الصحابة كالصحابي الذي قَبَّل امرأة ثم جاء يشتكي للنبي r من فعلته.

زـ حديث الشاب الذي استأذن النبي r في الزنا فلم يأذن له.

ح ـ ينبغي كذلك التنبيه أن القدرة على الزواج لم تكن بالسهولة التي يتخيلها البعض ممن يحبون أن يشعروا أنهم في زمن صعب لم يكن له مثيل.

 فمع أن تكاليف الزواج وأعباءه في الماضي لم تكن تبلغ حجمها في الحاضر؛ إلا أننا نفاجئ أن حال الشباب لم يكن يختلف كثيرًا عن حاله اليوم.

ويتضح ذلك من مشاهد كثيرة من السيرة النبوية لصحابة يزوجهم النبي r بما يحفظون من القرآن، أو بخاتم من حديد، أو بدرع وسلاح، كما فعل مع علي بن أبي طالب t.

إذًا فقد كان هناك شباب تحيط بهم الفتن، وهم في أوج قوتهم وشهوتهم، مع التأكيد كذلك أن الحجاب لم يفرض إلا في السنة الخامسة من الهجرة، وهو للحرائر ويلزم الإماء كشف وجوههن ورءوسهن.

        وهكذا عزيزي الشاب، أيقنَّا سويًا أن ضغط الشهوة كان قويًا وشديدًا في عهد الصحابة، ولم يكن كما تتخيل.

        ولكنك تتعجب من عظمة هذا الجيل الفريد، الذي لم يعقه ضغط الشهوة عن نشر الدين والبذل في سبيل الله، فهم الذين قال الله تعالى عنهم:

â zÓÅ̧ ª!$# öNåk÷]tã (#qàÊuur çm÷Ztã á [ التوبة: 100 ].

        وتعال معي ـ عزيزي الشاب ـ نزدد فهمًا للشهوة؛ حتى نتأكد أنها ليست وحشًا كاسرًا كما كنَّا نَظَنُّ:

السلوك الجنسي كما قسمه علماء النفس ينقسم إلى نوعين:

أ ـ الدافع الجنسي: وهو الميل الطبيعي من كل نوع للآخر من الذكر إلى الأنثى والعكس، وهذا الشق راسخ داخل الإنسان وفي تكوينه؛ وبالتالي فهذا الميل لا يستوجب من الإنسان أن يستقذره أو يحاول إزالته؛ لأن ذلك مخالف للفطرة.

ب ـ الرغبة الجنسية: وهي العملية التي يتم فيها الاستثارة الجنسية الفعلية ويشعر بها الشاب في أعضائه.

هذه الرغبة يمكن للمرء زيادتها أو تقليلها عن طريق التحكم في محفزات ثلاثة؛ هي:

1ـ التفكير والتخيل: فيها يستحضر الفرد صورًا وتخيلات يستخدمها لاستثارة نفسه.

2ـ الإثارة الحسية: وذلك باستخدام حواسه الواقعية عن طريق البصر بالنظر إلى ما حرم الله تعالى، أو الاستماع إلى كلام يتعلق بالإثارة، أو شم روائح لها ارتباطات معينة، أو اللمس المباشر.

  والجدير بالذكر أن الرجل يثار تلقائيًا بسهولة بواسطة هذين الحافزين في المقام الأول والحافز الأخير هو قمة الإثارة بالنسبة له؛ ولذلك لزم الرجل الاحتياط الشديد في قضية النظر.

ولعلنا هنا نفهم لِمَ أكد الشرع على خطورة النظر بالنسبة للرجال وإن كان منع منه النساء أيضًا لأن استثارة الرجل بالصورة أسهل بكثير وأقوى منها عند المرأة وسبحان الذي يعلم من خَلَقَ وهو اللطيف الخبير, أما المرأة فتأثرها بالحافز الأخير أشد؛ وهو:

3 ـ الإثارة الموضعية: وتتعلق بالتعامل مع مناطق الإثارة في الجسد والجماع.

بناءًا على ما سبق؛ فإن الشهوة أو ما يُعرف بالرغبة يمكن للمرء تقليلها أو زيادتها بالتحكم في هذه المداخل الثلاثة المحفِّزة لهذه الرغبة.

إذًا عزيزي الشاب فالمفتاح بيدك أنت وليس بيد أحد آخر؛ فأنت تستطيع ـ بعد الاستعانة بالله بالطبع ـ أن تقلل أو تزيد من إثارة الشهوة بالنسبة لك.