املأ حياتك

الناقل : heba | المصدر : www.islammemo.cc

   
 

 
ومشتَّتُ العزمات ينفق عمره        حيران لا ظفر ولا إخفاق
بيت بليغ يعبر عما يجيش في نفوس الكثير من الشباب, فهم يعيشون مشتتي المشارب والسبل, لا يعرف الواحد منهم ماذا يريد من هذه الدنيا, ولماذا خلقه الله, وما هي الغاية التي يعيش من أجلها, ومن ثم تراه يتخبط في هذه الحياة يمنة ويسرة, يبحث عما يشبع شهواته ورغباته, وينفق جل وقته في ذلك, ولا عجب في ذلك فهو لا يملك هدفا آخر في الحياة ينفق فيه وقته.
وكما أسلفنا أن من أهم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في أسر الشهوة؛ الفراغ والوحدة، والتي تنتج عن غياب الهدف في الحياة؛ فإن من خطوات العلاج الفعَّالة للكثير من المشاكل وخاصة الشهوة هي صياغة أهداف لحياتك.
وإنما نعني بعملية وضع أهداف للحياة أن نضع تصورًا كليًا شاملًا لجميع جوانب حياتك في تكامل وتناسق، وكأننا نرسم لوحة فنية رائعة متناسقة الألوان، أو كأننا نكتب (سيناريو) مُحكَمًا لقصة سعيدة.
ولكي نتمكن من رسم تلك اللوحة أو كتابة ذاك السيناريو؛ فلا بد أن نقوم معًا بصياغة ثلاثة أجزاء، تقوم عليها فاعلية الإنسان ونجاحه في الحياة:
(1) الرسالة       (2) الرؤية         (3) الأهداف
فما الفرق بين هذه الكلمات الثلاث؟ وما العلاقة بينها؟ وكيف تتكامل سويًا لتصنع سيناريو حياتك لتملأه بالإنجاز والفاعلية؟
ما الرسالة؟
هي المهمة الكبرى أو الدور الأكبر الذي يعيش الإنسان من أجل تحقيقه في الحياة، أو في كلمة واحدة:
[الرسالة = الحلم الحقيقي].
فالرسالة هي غاية الفرد، والمجال الذي سيتميز فيه، والجمهور الذي سيعامله.
ما الرؤية؟
    هي أقصى صورة واقعية يمكن من خلالها تحقيق الرسالة على أكمل وجه، أو في كلمة واحدة: [الرؤية = الطموح], فالرؤية صورة يرسمها المرء لنفسه بعد عشر سنوات مثلًا.
والجدول الآتي يوضح الفرق بين كل من الرؤية والرسالة:
الرسالة
الرؤية
·       غير محددة بهدف، مثال: (رسالتي أن أعلم الناس).
·       شيء لا ينتهي، فأنت تعلم الناس حياتك كلها.
·       اتجاه ليس له حسبة.
·       غاية.
·       نوعية.
·       مقصد وهدف تصل إليه، مثال: (رؤيتي أن أكون مديرًا).
·       شيء محدد ويجب أن ينتهي، فبعد أن تكون مديرًا تكون قد أنهيت مهمتك.
·       نتيجة تقاس وتحسب.
·       وسيلة.
·       كمية.
ما الأهداف؟
هي النتائج الواقعية التي يريد الإنسان تحقيقها، وهي تشمل ثلاثة أنواع من الأهداف:
(1) أهداف قصيرة الأجل: وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة قصيرة، تتراوح في الغالب من يوم إلى سنة، ومثالها: الحصول على دورة تدريبية لمدة شهر في أحد برامج الكمبيوتر.
(2) أهداف متوسطة الأجل: وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة متوسطة تتراوح في الغالب من سنة إلى خمس سنوات، ومثالها: الحصول على (دبلومة) في إدارة الأعمال.
(3) أهداف طويلة الأجل أو استراتيجية: وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة طويلة تتراوح في الغالب من خمس سنوات إلى خمس وعشرين سنة أو أكثر، ومثالها: الحصول على درجة الدكتوراه في علوم القرآن, وتطلق كلمة الرؤية غالبًا على الأهداف طويلة الأجل، وقد تشمل أيضًا بقية أنواع الأهداف.
التكامل بين الرسالة والرؤية
فالسعادة نتاج الرسالة النبيلة، والنجاح نتاج الرؤية الصحيحة، والسر في هذا أن سبب السعادة إنما يكمن في إحساس الإنسان أنه يعيش من أجل هدف سامٍ وغاية نبيلة، ولذلك فالمؤمن هو أسعد الناس قلبًا في الدنيا والآخرة، إذ إنه يعيش من أجل أعظم غاية يمكن أن يحيا من أجلها البشر، ألا وهي تحقيق عبودية الله تعالى في الأرض.
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء.
وقال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (123) سورة طـه، وقال أيضًا:{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد، وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل.
    ويصدق الرسول e ذلك المعنى فيقول: (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ e نبيًا ))[رواه مسلم]
    بل وحتى عقلاء الغرب توصلوا إلى هذه الحقيقة، فها هو جون ماسون براون يقول: ( السعادة الحقيقية الوحيدة، هي أن نفني أنفسنا من أجل تحقيق غاية عظيمة في الحياة ).
    ومثله العالمة المشهورة هيلين كيلر حين تقول: ( كثيرون لديهم فكرة خاطئة عن الشيء الذي يشكل السعادة الحقيقية، إن السعادة لا تتحقق عن طريق إمتاع المرء لذاته أو إشباعه لرغباته، وإنما عن طريق إخلاصه لهدف قيم )، فهذا إذًا هو سر ارتباط السعادة بالرسالة.
    وأما ارتباط الرؤية بالنجاح؛ فلأن هذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه؛ أنه لا إنجاز ولا نجاح بدون تخطيط وأخذ بالأسباب، وهذا يجري على جميع الأمور والإنجازات، صغيرها وكبيرها، لأنها سنة الله الجارية التي يتحقق من خلالها قدر الله في الأرض.
    فصاحب الأرض الزراعية على سبيل المثال، لا بد لكي ينجح في الحصول على إنتاج زراعي جيد من أرضه، أن تكون لديه رؤية واضحة لزراعة الأرض، كيف يزرعها؟ 
كيف ينزع الحشائش الضارة أولًا، ثم يحرث الأرض، ثم يبذر البذور ويتعاهدها بالرعاية والسقي، وكيف يمدها بالسماد والمبيدات الحشرية حتى يقيها شر الآفات؟ وكم ينتظر حتى يحصد المحصول؟ فإن حدث خلل في هذه الرؤية؛ فإنه لا بد أن يفشل، وقس على ذلك جميع أمور الحياة.
        إذًا فلِكَي تعيش سعيدًا وناجحًا في هذه الدنيا, وتتخلص من أسر الشهوة, وتشغل نفسك بما يفيدك في الدنيا, ثم تواصل السعادة والنجاح في الآخرة؛ فلا بد أن تملك رسالة سامية تعيش من أجلها, ورؤية واضحة تحقق من خلالها هذه الرسالة، ولا بد أن تشتمل هذه الرؤية على أهدافك التفصيلية؛ سواء أكانت طويلة الأجل، أم متوسطة الأجل، أم قصيرة الأجل, وحينها نستطيع أن نقول أنك قد قطعت شوطا كبيرا في طريقك نحو التخلص من ضغط الشهوة الذي يعيقك عن النجاح في هذه الحياة.
 
أهم المراجع:
شهوة تبني مسجدا ...... محمد السيد عبد الرازق.
كيف تخطط لحياتك...... د. صلاح صالح الراشد.
قوة الأهداف........ كاثرين كارفيلس.
صناعة الهدف..... هشام مصطفى عبد العزيز وصويان شايع الهاجري وآخرون.