مقتضيات التطوير التربوى

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : محمد صادق الفردلى | المصدر : www.lahaonline.com

يقتضي لفظ "تطوير" وجود "موجود ما" سبق التعامل معه حتى هذا الحين، حتى هذه اللحظات الأخيرة الحبلى بالتحديات التي ظهرت ولا تزال تظهر تحديات تقنية وثقافية وإعلامية في هذا العالم، عالم الحداثة والتواصل العجيب المتعقد المتعدد الأغراض والمقاصد عبر مجالات لا يمكن حصرها أو تعدادها، مما يجعل هذا الواقع الموجود لو لم ننهض به ونفحصه ونعالج بنيانه ومكوناته.. متأخراً قاصراً محدود المردودية، لا سيما في أوكد مسألة وأهم قضية وأعمق مجال ألا وهو حقل التربية، حقل تنشئة الإنسان التنشئة الشاملة المتكاملة والمتوازنة والذي يستلزم هذا اليوم تعهداً وصيانة وتنمية.

 

إن كنت قد أجبت ضمن هذا الاستهلال وبكل إيجاز عن سؤال: لماذا نطوّر عملاً ما؟ يجدر بي الآن أن أطرح السؤال الأعمق وهو التالي: ماذا أطوِّر؟ أو بشكل آخر: هل أهدم الموجود لأستعيض عنه بجديد مثبت بديل؟ كلا!

 

إنَّ الموجود مرتبط ارتباطاً متيناً ووثيقاً بإرث اجتماعي تاريخي يحمل في طياته مقومات لحضارة معينة وشخصيات فذة فاعلة ذائعة الصيت لها أثرها وتأثيرها وبصماتها في نحت حاضرها، لا يمكن البتة التغافل عنها، إذ هي اليوم لنا ولأجيالنا مصباح ينير بأضوائه وعر الطريق وتشعباته.. وإنَّ هذا الموجود الذي ينبغي أن يكون ماثلاً أمامنا في ذاكرتنا وواقعنا ومجسماً في ممارساتنا اليومية وعلاقتنا مع الذات والآخر يكون له أعمق الأثر في تربيتنا لأجيالنا الناشئة والقادمة.. أجيالنا العربية المسلمة ـ لو صغناه صياغة جديدة تتماشى وواقعنا الحاضر المعيش وتستلهم من معين الماضي الذي لا ينضب وتتكيَّف مع ما هو آت وحال بثقله وتحديه.. لكن كيف يمكن أن يكون ذلك كذلك؟

 

فتقديم حوامل مثلاً من قبيل النصوص أو غيرها في القراءة أو الإملاء أو التعبير أو القواعد (ومن الأفضل أن أقول في اللغة العربية بشكل اندماجي: أوضح ذلك في مناسبة أخرى) تتلاءممحتوياتها مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي ومع أبعاد التنمية في جميع مجالاتها وصورها حسب مستوى الطالب المعرفي والإدراكي.. لعمري إنَّ هذا الطرح سيكون محركاً أساسياً وحافزاً نحو فهم واقع النص وتمثله ومناقشته وإبداء الرأي في مختلف وضعياته وقضاياه ذاتية فردية كانت أو اجتماعية إنسانية في أبعد حدودها.

 

وكذلك تجميع فقرات، مقالات، حوارات ووثائق، تخضع مضامينها لمحور معين أو مركز اهتمام مقصود، ويتفاعل بعضها مع نصوص الحدث الوطني والديني أو الطارئ المفاجئ؛ ليجعل التركيز لدى المتعلم أعمق والبحث أدق وأشمل والمردود أفضل.

 

وإضافة إلى بعض ما أسلفت أنتقل إلى موضوع ذي أهمية يرتبط ببرمجة المواد والتخطيط لها تخطيطاً يراعي التوقيت الملائم لكل مادة، ومن الأنسب أن أقول لكل وحدة تعليمية تعليمية كـ"وحدة اللغة العربية الوحدة العلمية والوحدة الاجتماعية.." لما لهذه المواد ضمن الوحدة من وشائج قربى وترابط وتكامل وتدامج.. وهذا الأمر يقتضي: مراجعة ومعالجة جذريتين إجرائيتين تنبنيان على قواعد ومسلمات علم النفس التربوي "إعادة توزيع مواد التدريس حسب جداول أوقات مناسبة تتلاءم وحجم المادة..".

 

ب ـ ضبط أهداف عامة وخاصة مميزة لكل مادة أو وحدة تعلمية تعليمية وتحديد أهداف سكانية وصحية.

ج ـ تحديد كفايات أساسية ينبغي على المتعلم تملكها وحذقها تسمح له بالارتقاء حسب نظام تقويم جاد ونزيه ووفق معايير محددة.

د ـ مراجعة مسار التعلم وفق أساليب وطرق نشيطة تنمي التفكير لدى المتعلم وتجعله مساهماً مساهمة فعالة في بناء المعرفة انطلاقاً من وضعيات دالة.

هـ ـ بعث مشروعات تربوية داخل المؤسسات التعليمية "مشروع المؤسسة".

ـ ملاحظة مجالات حية "عالم الحيوان مثلاً.. عالم النبات.. الماء في الحياة.." يتم استثمارها داخل الفصول:

هذه مجموعة رؤى طموحة يقتضيها تفعيل التطوير التربوي على أرض الواقع، لكن لن تتيسر ممارستها ميدانياً إلا إذا توفر إطار إشراف تربوي فاعل ومتفاعل يعي كل الوعي هذه الضرورات المتأكدة ويتحمَّس لها وجدانياً وسلوكياً، وبالتالي إذا توفر أيضاً معلمون مدرسون غيورون على التربية يسهمون بكل جدية في دفع عجلة التغيير والتطوير انطلاقاً من ملتقيات تربوية وأيام دراسية تكوينية تعقد لفائدتهم.

 

وحتى لا يظل خطابنا مكسور الجناح وطموحنا في مستوى التصور وما هو نظري، يجدر بنا جميعاً معلمين ومؤطرين ومشرفين متعاونين متكاملين شق طريق التنفيذ مستجيبين للحكمة الخالدة "علموا أطفالكم غير ما علمتم فإنهم سيكونون لعصر غير عصركم" علموهم كيف يتعلمون، كيف يفكرون، كيف يبحثون عن سبل المعرفة، علموهم كيف يكتشفون المعلومة مستندين إلى الواقع، واقعهم البشري والاجتماعي والاقتصادي، مستثمرين كلّ ما يتاح لهم من وسائل وتقنيات مستنيرين بطرقكم وأساليبكم الحديثة المتجددة المؤسسة على آليات تواصل تبليغ تستفز العقل وتحرِّك الحواس وتوقظ الفكر.

والصلاة والسلام على رسوله بدء وانتهاء.