علم الوراثة في السّنّة النّبويّة الشّريفة

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : المهندسة سناء الدحروش | المصدر : www.55a.net

علم الوراثة في السّنّة النّبويّة الشّريفة
 
 
بقلم  المهندسة سناء الدحروش
 
خلاصة البحث:
 
       يضمّ هذا البحث شقّين مهمّين من علم الوراثة، معزّزين بحديثين شريفين للرّسول الكريم عليه الصّلاة والسّلام، أناقش فيهما موضوع الوراثة Heredity و توارث الصّفات Genetics.
 
 
       فالحديث الأول هو الحديث المعروف للرّسول سيّدنا محمّد (صلى الله عليه وسلم) من صحيح البخاري إذ عرض بنفي الولد، قال : حدّثنا بن قزعة قال:حدّثنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيّب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال : إنّ رجلا أتى النّبي(صلى الله عليه وسلم) فقال:يا رسول اللّه،ولد لي غلام أسود،فقال: هل لك من إبل ؟ قال :نعم ،قال: ما ألوانها ؟ قال حمر ، قال :هل فيها من أورق؟(أي فيه بياض وسواد فقط)،قال :نعم ،قال :فأنّى ذلك؟ قال : لعلّه نزعه عرق،قال فلعلّ ابنك هذا نزعهُ.(وفي رواية أخرى ،قال:وهذا عسى أن يكون نزعه عرق).
 
 صورة لبعض الإبل
 
 
      هذا الحديث يطرح فيه الرّسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بكلّ موضوعيّة نظريّة الطّفرات أو النّزعات  (وأفضّل في أبحاثي استعمال هذه الصّيغة اقتداء بالسّنة النبويّة ) الّتي قد تشوب الموروث الجينومي - أي مجموع المورّثات الّتي تقنّن صفات الإنسان - وما يترتّّب عن ذلك من خلل في التّشابه البيولوجي الأفقي (تشابه أفراد نفس الجيل كالإخوة)، والعمودي (تشابه أفراد نفس النّسل ،كالأجداد ثمّ الآباء ثمّ الأبناء)، وهذه الطّفرات تظهر بصفة سريعة وسهلة في أُحاديّات الخليّة غير حقيقيّات النّواة Unicellulaires procaryotes أو  البكتيريات، وتستعمل البكتيريا E.Coli  في المختبرات لهذه الدّراسة، فلذلك أتيت بها كمثال لشرح القسم الأول من البحث.
 
 
      أمّا الحديث الثّاني، فهو عن الصّفات المتنحية المختفية في الموروث الجينومي للإنسان، و إمكانيّة ظهور صفات وأمراض متنحّية منذ القدم، وموروثة عن الأجداد، بعد أجيال لا يعلم بها إلاّ اللّه، والحديث هو ً تخيّروا لنطفكم ، فإنّ العرق دسّاس ً الّذي يقال إنّه مركّب من حديثين شريفين ، أحدهما عن عائشة رضي اللّه عنها (مرفوعا) وهو : ً تخيّروا لنطفكم ،وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ً (أخرجه ابن ماجة و الحاكم)، و الثّاني
 
 
هو:انظر في أيّ نصاب تضع ولدك فإنّ العرق دسّاس ً ( أخرجه ابن عديّ والقضاعي وابن الجوزي في العلل المتناهية) .
 
 
      وقد اخترت لهذا القسم من البحث صفتين، الأولى شكليّة حميدة (لون قزحيّة العين )، والثّانية فيزيولوجيّة مرضيّة (فقر الدّم المنجلي )، وكيف يمكن امتدادهما في كلّ النّسل، عبر أجيال لا يعلم مداها إلا اللّه سبحانه وتعالى، وكذلك نسبة ظهورها في كلّ جيل.
 
 
 صورة لمندل
 
 
      ونختم البحث وقد بيّنا أنّ المصطفى المختار عليه أزكى السّلام، قد سبق  ً مندل ً MENDEL ، أول من وضع القوانين لعلم الوراثة، في الحديث عن تشابه و اختلاف المخلوقات، ثم عن توارث الصّفات .
 
 
    (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدّين كلّه،ولو كره المُشركون)
 
                         علم الوراثة في السّنّة الشّريفة
 
الموضوع :
 
        جاء في باب اللّعان من كتاب الطّلاق في صحيح البخاري، الحديث الشّريف،إذ عرض بنفي الولد ً ، قال :
 
 
        حدّثنا ابن قزعة قال حدّثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيّب ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أنّ رجلا أتى النّبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: يا رسول اللّه، ولد لي غلام أسود، فقال:هل لك  من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟( فيه بياض وسواد فقط)، قال: نعم، قال: فأنّى ذلك؟ قال: لعلّه نزعهُ عرق، قال: فلعلّ ابنك هذا نزعه ( وفي رواية أخرى،
 
 
 صورة لجمل أورق
 
 
قال: وهذا عسى أن يكون نزعهُ عرق).
 
 
         من هذا الحديث الشّريف، يبدو لنا واضحاً أنّ الموضوع هو الوراثة أو توارث الصّفات في السّنّة العطرة، وبالضّبط ما قد يشوب قانون الوراثةً المندلي genetics من طفرات، فيضطرب التّشابه البيولوجي الأفقي (أو تشابه أفراد نفس الجيل كالإخوة)، والعمودي (كتشابه أفراد نفس النّسل، أي من الآباء إلى الأبناء ثم الأحفاد)؛ والمثال السّائد أكاديميّا لشرح ظاهرة الطّفرات، هو ما يحدث لإحدى البكتيريات  ذات الصبغيّة الواحدة، وتدعى :E. Coli، وهي معروفة بحساسيّتها لأحد المضادّات الحيويّة، وهو : icyneLa Stréptom، فللحصول على مستعمرات بكتيريّة غنيّة، تُّربّى البكتيريات في وسط مغذّي كامل (ملائم)، لا يحتوي على أي أثر للمضاد الحيوي، ثمّ إذا أخذنا في نقل المستعمرات البكتيريّة إلى أوساط مختلفة، نُحدّد تركيبتها في المختبر، فإنّه قد تظهر لنا مستعمرة بكتيريّة قادرة على التّكاثر في وسط يحتوي على المضاد الحيوي، فيُقال إنّ إحدى البكتيريات قد أصابتها طفرة غيّرت المورّثة الّتي كانت تُعطيها صفة: الحساسيّة للمُضاد الحيوي، إلى مورّثة مُختلفة أُخرى أعطتها صفة: مقاومة المضاد الحيوي ، فصارت جميع المستعمرات المتناسلة منها تحمل صفة
 
 
مستعمرات بكتيرية
 
 
   ً المقاومة للمضاد الحيوي، وممّا لاشك فيه، أنّ المُورّثتين هما في الواقع حليلتين للمورّثة الأصلية (الحساسيّة للمضاد الحيوي )، إذ أنّ الرّجوع إلى الصّفة الأولى يبقى قائماً ولو بعد أجيال، ممّا يعني أنّ المُورّثة لم تختفي أو تُستأصل، بل أُصيبت بطفرة.
 
 
         هذا بالنّسبة لمورّثة واحدة،  موجودة فوق صبغيّة واحدة لتلك البكتيريا، فإذا علمنا أنّ كل المخلوقات، من نبات وحيوان و إنسان، يحملون أعداد عالية من الصّبغيات في جميع خلاياهم،  (من8 لدى ذبابة الخل إلى 64 لدى الحصان، مرورا ب46 لدى الإنسان ) (صورة4)، وكلّ صبغي يحتمل مئات المورّثات، فلنتصوّر عدد الطّفرات (وبالتّالي  الصّفات ) الّتي قد تصيب - عبر أجيال كثيرة - الموروث الجينومي  لأيّ مخلوق متعدّد الخلايا، ويُترجم ذلك باختلاف التّشابه بين الإخوة وبين أبناء الأسرة الواحدة، ثمّ بين الآباء والأبناء، أو الأجداد والأحفاد ( التّشابه الأفقي والعمودي )، و هذا هو السّبب في إثراء أوصاف المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات، وهذا الاختلاف تكلّم عنه ربّ العزّة في آيات كريمة عديدة، أذكر منها:( ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ) (فاطر:27 )، و (ألم تر أنّ اللّه أنزل منالسّماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ،ثمّ يُخرج به زرعا مُختلفا ألوانُه)(الزّمر :20 )،و( ومن النّخل من طلعها قنوان دانية، و حبّات من أعناب  والزّيتون مشتبها وغير متشابه )(الأنعام :100).
 
        فإذا كان عدد الصّبغيات هو الّذي يحدّد وحدة الصّنف (نفس عدد الصّبغيّات يعني نفس الصّنف الحيواني أو النّباتي )، فالطّفرات الّتي أصابت هذا الموروث الجينومي - عبر عصور لا يعلم مداها إلاّ اللّه سُبحانه و تعالى - هي السّبب في اختلاف أشكال وألوان ومساكن وتصرّفات أفراد نفس الصّنف من إنسان و حيوان و نبات.
 
 
        و هذه الطّفرات تتميّز بالعشوائيّة، أي أنّها تظهر بدون أي تخطيط أو برمجة، والتّلقائية، إذ قد تظهر بدون أيّ سبب أو مُحفّز، وإن كانت بعض العوامل الكيماويّة والإشعاعيّة( أشعّة س  أو  أشعّة ً  ألفا  و  بيتاً المّتخلّفة عن القنابل النّوويّة ) تُساعد على ظهورها، وهي كذلك نادرة، إذ قد تظهر واحدة في كلّ مستعمرة مُكوّنة من مائة ألف أو مائة مليون من البكتيريات .
 
 
قانون الوراثة عند الإنسان :
 
       و قبل المرور لدراسة هذه الطّفرات - وقانون الوراثة عموماً- عند الإنسان، لا بأس من أن أبدأ بحاشية لشرح الفرق بين الخلايا الأحاديّة الصّبغيّات كالبكتيريا، و الخلايا المزدوجة الصّبغيّات، كخلايا الإنسان والحيوان و النّبات، فالإنسان يتوفّر - في جميع خلاياه- على 46 صبغيّ أوChromosomeمُنظّمة في 23 زوج (23 فرد صبغي موروث من الأم و 23 فرد صبغي موروث من الأب ) ، وكلّ زوج من الصّبغيّات  يحمل نفس المورّثات على شكل زوج من الحلائل، أي حليلة على كلّ صبغي، والحليلتين معا يتحكّمان في صفة واحدة مُعيّنة (كلون البشرة أو لون قزحية العين أو طول القامة )، و هاتين الحليلتين واحد من اثنين، إمّا مُتطابقتين (مُتشابهتين )،
 
 
الموروث الجينومي للإنسان مكون  46 صبغيّة، مُنظمة في 23 زوج ،وتظهر الخلايا الجنسيّة
 
فيدعى حاملهما:  ً عنصر صافي ً بالنّسبة للصّفة الّتي تحكمُها المورّثة، أو تكونا مُختلفتين، فيكون حاملهما: عنصر مُركّب ، فهو خارجيّا يُظهرُ بطبيعة الحال صفة واحدة، ولكنّه في الواقع حامل لصفتين، والحليلة الّتي تُظهر صفتها تُسمّى: سائدة، بينما تُسمّى الأُخرى الّتي لا تستطيع الظُّهور: مُتنحّية، وتقع تفرقة أزواج الصّبغيّات  لدى تكوّن الخلايا الجنسيّة من حيوان منوي للذّكر وبويضة للأُنثى، الّذين يحتويان على 23 فرد صبغي، ويكونا بذلك الخلايا الوحيدة في جسم الإنسان الّتي تحمل نصف الموروث الجينومي، خلاف سائر الخلايا الأخرى، وذلك حتّى يُسفر التقائهما عن تكوين  ً بيضة بشريّة  ً تحتوي على 46 صبغي (23 من الحوين و23 من البُويضة )، و بمُجرّد بدئ الحياة في البيضة، تشرع في تنظيم صبغيّاتها زوجا زوجا ، لتسهّل  عمليّة الانقسام ،وتكوين النُّطفة فالمُضغة فالعلقة، فتُألّف بذلك بين مُورّثات الأب من جهة، ومُورّثات الأم من جهة أُخرى .
 
 
         فالطّفرة الّتي تُصيب إحدى المُورّثات الموجودة على صبغيّات الإنسان، تبقى في غالب الأحيان مُتنحية، و تظلّ المورّثة الأصلية  الموجودة على الصّبغي المُقابل والّذي لم يُصب بالطّفرة، سائدة، فلا تتغيّر الصفة الّتي تتحكّم فيها تلك المورّثات  ً شكلاً، و لكن يتغيّر الموروث الجينومي، إذ يُصبح يحتوي على مُورّثة سائدة وأُخرى مّتنحّية بالنّسبة للصّفة المدروسة، ولا يُكتب لتلك المورّثة الّتي أُصيبت بالطّفرة الظُّهور في الشّكل الخارجي إلاّ إذا حصل زواج شخصين يحملان نفس المورثّة المتنحية ذات الطّفرة، أي زواج  ً عنصرين مُركّبين ً ،فتكون نسبة ظهورها 25 % .
 
 
      و لشرح هذه النّسبة، وكذا لشرح امتداد الصّفات عبر الأجيال، أسوق مثال صفة: لون قُزحيّة العين ، فنرمُز للمورّثة الّتي تُعطي اللّون الأزرق للقُزحيّة بحرف b  ( blue) , وهي حليلة مُتنحية، وللمُورّثة الّتي تُعطي للقُزحيّة اللّون البُنيّ ب B ( Brown )، وهي حليلة سائدة،
 
 
 
مثال لامتداد الصفات عبر الأجيال ، هنا  الصفة المدروسة هي لون زغب القط
 
 
فيكون الموروث الجينومي لشخص أزرق العينين بالضّرورة bb (للازدواجيّة الصّبغيّات )، أمّا الشّخص ذو العينين البُنّيتين، فموروثه الجينومي إمّا BB  إذا كان  ً عُنصر صافي ً ، أو Bb  إذا كان   ً عُنصر مُركّب ً ، فإذا حصل زواج بين رجُل Bb ذو عينين بُنّيتين، ولكن يحمل في موروثه الحليلة المُتنحية لزُرقة العين، ورثها عن أحد والديه أو أجداده، مع امرأة من نفس الموروث الجينومي،  أي Bb ،فيكون الحاصل هو :
 
 
                                                          Bb         مع        Bb
 
                                        B    و b      و      B  و  b    الخلايا الجنسية 
 
 
 
                                               BB       Bb         bB         bb       ناتج الاتقاء الخلايا
 
 
                                                25%    25%     25%       25%    الجنسيّة،أي الموروث                                                                                                           الجينومي للأجنّة.
 
 
 
                                               25%                   75%
 
 
                                        ذوي عيون زرق           ذوي عيون بنّية 
 
 
النتيجة إذن :
 
 
-   Bbبنسبة 50%  ، وهم أطفال بعيون بنّية ولكن عناصر مُركّبة .
 
 
-   BB  25% ،وهم أطفال بعيون بُنّية، وهم عناصر صافية .
 
 
-   bb   25 %، وهم أطفال بعيون زرق، وهم بالطّبع عناصر صافية.
 
 
إذن فالأطفال ذوي العيون الزّرق، أظهروا الحلائل المُتنحية (القُزحيّة الزّرقاء ) الموروثة من أجدادهم.(الصورة6)
 
 
     فإذا كانت صفة شكليّة حميدة كلون قُزحية العين، يرثُها مولود عن أجداده، لا يُسبّبُ أي مُشكل، فالحال يختلف إذا كانت المورّثة المُتنحية هي لمرض خُلقي أو فيزيولوجي، فإذا كان الوالدين يحملان في موروثهم الجينومي، حليلة مُتنحية مُسبّبة لمرض وراثي( أي تتحكّم فيه المُورّثات)كفقر الدّم المنجلي
 
 
 صورة لكريات الفقر الدم المنجي
 
 
 Anémie Falciformeفإنّ احتمال إصابة أبنائهما بمرض أجداده هو 25%، على نفس سياق لون قُزحيّة العين .
 
 
      و هنا نتوقّف مع الحديث الشّريف تخيّروا لنُطفكم فإنّ العرق دسّاس، والّذي يُقال إنّه مُركّب من حديثين ،أحدُهما لعائشة رضي اللّه عنها (مرفوعا )،وهو : تخيّروا لنُطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم  ً (أخرجه ابن ماجة والحاكم )، و الثّاني هو : انظُر في أيّ نصاب تضع ولدك، فإنّ العرق دسّاس (أخرجه بن عديّ والقُضاعي وابن الجوزي في العلل المُتناهيّة)،
 
 ف" دسّ " في اللّغة تعني إدخال شيء في تُراب أو غيره، قصد إخفاءه مع المُحافظة عليه، وليس قصد رميه، وهو بالضّبط ما يحصُل مع الحليلة المتنحية، إذ أنّها تظلّ مُختفية من جيل إلى جيل، ثمّ، وبأمر من حكيم قدير، يجمع بين شخصين يحملانها في موروثهم الجينومي، يُكتب لها الظُّهور ولو بعد أجيال عديدة، أمّا إذا كان أحد الزّوجين لا يحمل في موروثه أيّة حليلة مُتنحية لمرض مُعيّن، فلن يُكتب لذلك المرض - بإذن اللّه - أبدا الظُّهور أبدا في تلك السُّلالة، وهذا هو بالضبط ما يحثُّ عليه الحديث الشّريف: تخيّروا لنُطفكم.
 
شجرة عائلية تحمل إحدى الجدّات فيها المرض ،وكيف تمرّره للأجيال المتنسلة منها
 
 
           وقد يُلفت انتباهنا في هذا الحديث، كونه مُوجّه للرّجال فقط (فالنّساء لا يضعن النُّطف بل يحملنهنّ )، وقد يجد بعض مرضى النُّفوس في هذا مرتعا لتُرّهاتهم، وهنا يأتي دورُنا لنُبيّن لهؤلاء وللعالم أجمع صلة نبيّنا المُصطفى المُختار بالوحي الربّاني لخالق الأكوان جلّ في عُلاه، فالحكمة في توجيه الخطاب للرجال لها شرح علميّ بحت، فالرّجل - لكي يصير رجلا- يحمل في موروثه الصّبغيّات الجنسيّةXY ، أمّا المرأة فلها XX ، فإذا علمنا أنّ الحلائل المُتنحية، المحمولة في الصّبغيّ X ، قد لا تظهر في المرأة إذا كانت عنصرا مُركّبا، إذ تُخفيها الحليلة السّائدة المحمولة على الصّبغي X  الثّاني (ازدواجيّة الصّبغيّات)، أمّا الرّجل فلا يستطيع إخفاءها لأنّ  Y لا يحمل - واللّه أعلم-  حلائل، و المثال  الّذي أسوقه في هذا الباب هو مرض الهيموفيليا (أي عدم تخثّر الدّم)،إذ لم تُسجّل حالة واحدة لأنثى مصابة به، والسّبب هو أنّ المورّثة المُتحكّمة في هذا المرض محمولة على X،  والإناث الحاملات لها هنّ في الغالب عناصر مُركّبة، أي يحملن حليلة للمرض مُتنحية وحليلة سليمة سائدة (يُظنّ إنّ الإناث الحاملات لحليلتين مريضتين لا يولدن أحياء)، ولهذا لا يمكن التّكهن بالموروث  الجينومي للمرأة،خاصة بالنّسبة للإمراض المحمولة على X،فلذلك حثّ الحديث على النّظر في سُلالة المرأة ،من الذُّكور(الأب و الأجداد )، لمعرفة مدى ما تُخفيه مورّثاتها من حلائل مُتنحية.صدق رسول اللّه.
 
 
            وقبل الختام، أودّ أن أُضيف حاشية تُوضحُ لنا أنّه،إذا كان التقاء شخصين كان جدّيهما يحملان نفس المرض الوراثي المُتنحّي، هو نوعا ما احتمال ضعيف، فإنّ هذا الاحتمال يكبر في حالة جدّ مريض مُشترك بين الزّوجين، أي في حالة زواج الأقارب (زواج أبناء العمومة والخؤولة)، فنسبة ظهور مرض الجد في الأحفاد تكون 25%، وهي نسبة عالية إذا كانت احتمال لظهور مرض خطير أو تشوُّه خُلقي مثلا، وقد كنت أودّ الاستشهاد بحديث شريف هو  ً خوّلوا لأبنائكم ً أي تصاهروا مع غير سّلالتكم، وذلك تفاديا لظهور مرض وراثي ربّما يكُون في سُلالتكم، ولكنّ الحديث صُنّف من النُوع الضّعيف جدّا (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة لمحمّد ناصر الألباني )، ولهذا نتوقّف فقط مع ضرورة اختيار السُّلالة السّليمة للمُصاهرة ، اقتداء بهدي نبيّنا الصّادق المصدوق :  ً تخيّروا لنُطفكم  ًً، ولا يهمّ أن تكُون نفس السُّلالة - أي زواج الأقارب  مادام الجدّ (و الجدّة ) المُشترك بخير وعافية
 
      و أختم هذا البحث، وقد رأينا أنّ الرّسول الكريم عليه الصّلاة والسّلام، الّذي لا ينطق عن الهوى، كان أول من تطرّق لقوانين الوراثة.
 
يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالي:sa.dahrouch@hotmail.com
 
المراجع:
 
-        فتح الباري في صحيح البُخاري .
 
-        الأربعون النّوويّة للإمام النّووي .
 
-        زواج الأقارب والمحارم-د.محمد علي البار .
 
-        Biologie cellulaire et moléculaire –DEBOEK
-        La recherche, génétique et hérédité N°155