يا بخت الرجال!.

الناقل : elmasry | المصدر : www.ecoworld-mag.com

يا بخت الرجال!.
 

تشير الإحصاءات، والعهدة علي الراوى، إلي أن نحو 70% من الحسابات الجارية فى البنوك التجارية السعودية تمتلكها سيدات سعوديات. هذه النسبة تعكس أرقاماً "فلكية" من الريالات السعودية. وهى، بالمفهوم الاقتصادى، أموال لم تتمكن من خوض مضمار الإنتاج المباشر. وهنا يقفز سؤال كبير تتراقص فى نهايته أكثر من علامة استفهام، وتتزاحم خلفه علامات تعجب كثيرة! لماذا لم تستثمر هذه الأموال فى مشاريع إنتاجية مباشرة؟ دعونا فى البداية نتفق علي أن فرص الاستثمار فى الاقتصاد السعودى متاحة.. وهناك مجالات كثيرة لاستثمارات مجدية اقتصادياً، بدليل أن الهيئة العامة للاستثمار تستقبل وترخص للعديد منها سواء لمستثمرين سعوديين أو أجانب. وهذا ما تعلنه الهيئة شهرياً. وعلي سبيل المثال لا الحصر، أعلنت الهيئة أنها رخصت لاستثمارات أجنبية خلال شهر صفر الماضى بلغت جملتها 24،1 مليار ريال. فما بال هؤلاء النسوة؟ قد لا تكون الإجابة علي هذا التساؤل بنفس درجة السهولة التى يتكون فيها التساؤل، وإن كانت هناك مؤشرات عامة قد تفيد فى أن تكون مدخلاً للوصول إلي إجابة مقنعة، أو لمجرد توسيع دائرة التساؤل علي طريقة التفكير بصوت مسموع لعلها تستطيع أن تعلق الجرس وتترك رنينه يحفّز الآخرين علي تلمس أسباب المسألة. وتلك بداية تستحق الاهتمام، أو هى المتاح عملياً علي أقل تقدير. عندما نتحدث عن المرأة، فنحن نتحدث فى الغالب عن نصف المجتمع السعودى. ولابد وانطلاقاً من هذه الحقيقة أن نشخص ونواجه الأسباب الموضوعية التى تؤدى إلي عزوف، أو بكلمة أدق تغييب المرأة عن مضمار الإنتاج المباشر. ولعلّى فى هذا السياق أشدد علي موضوعية الأسباب حتي لا نلقى بها علي شماعة الدين أو التقاليد الاجتماعية، لأنه ليس فيهما ما يمنع المرأة من ذلك وقد كفل لها الدين استقلاليتها المالية وشهد التاريخ نماذج تحتذي دون أن تمس مكانتها أو تمرغ سمعتها. ولهذا فقد تكون الأسباب فى أصلها واهية ولكنها تراكمت وتأصّلت عبر سنوات من الإهمال والإغفال خلقت قناعات فكرية سلبية أخذنا نرددها بلا وعى أو بلا إدراك، بل وربما بلا وازع من ضمير. وقد لا يكون من الصعب تجسيد هذه الأسباب الواهية التى أوصدت الأبواب أمام المرأة وحجبت عنها وسائل ممارسة حقها فى استثمار أموالها وتوظيفها بشكل مباشر، وهو الحق الذى لا يجب أن يقل عن ذلك الذى يعطى للرجل. ومعظم هذه الأسباب الواهية تنشأ فى ظل قصور آليات المجتمع المدنى فى تمكين المرأة من ممارسة حقها المشروع فى استثمار أموالها بشكل مباشر وبنفس المستوي ودرجة الشفافية التى توفرها للنصف الآخر من المجتمع.


هذه الأسباب الواهية هى التى جمّدت هذه الأموال فى البنوك التجارية ولم تتح لها الفرصة العادلة لأن تخوض مضمار الإنتاج المباشر، وحرمت بالتالى الاقتصاد الوطنى من العائد الاستثمارى لهذه الأموال وجهد مالكاتها. وكلاهما عنصر من عناصر الإنتاج الأساسية يؤدى غيابهما أو عدم توظيفهما التوظيف الأمثل إلي تأثير سلبى علي وتيرة التنمية ومعدل النمو الاقتصادى. وبقدر ما ينحسر الاقتصاد بسبب هذا الخلل الوضعى، بقدر ما تنحاز المكاسب لمعشر الرجال فى وضع قلّ أن يتمتع به غيرهم من سكان الأرض. حقاً.. يا بخت الرجال!