رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة العربية السعودية

الناقل : elmasry | المصدر : www.ecoworld-mag.com

رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة العربية السعودية
 

صدر مؤخراً للدكتور محمد بن أحمد الرشيد، وزير المعارف السعودى، كتاب بعنوان "رؤية مستقبلية للتربية والتعليم فى المملكة العربية السعودية". وقال الوزير فى مقدمته؛ إن ما نحن بصدده الآن هو رؤية مستقبلية للتربية والتعليم فى المملكة العربية السعودية، والتربية -بحكم طبيعتها- عملية مستقبلية. وفى إطار هذه المقولة ينبغى أن نتوقف للإشارة بجدية إلي ضرورة مراجعة المفاهيم المألوفة، والعمليات التقليدية، والأحكام السابقة المتخذة دون نقد أو تمحيص، وضرورة مراجعتها فى إطار العصر ومتغيراته، والمستقبل ومتطلباته، خاصة ونحن علي أعتاب مرحلة جديدة، ينتقل فيها المجتمع السعودى مع غيره من المجتمعات، ليواجه ما يُعرف بمجتمع الموجة الثالثة، أو مجتمع ما بعد الصناعة؛ مجتمع المعلومات واقتصاد المعلومات وقوة المعلومات. وأضاف؛ العامل المشترك فى هذا كله، الذى يعد من أهم سمات العصر القادم، هو أن الفكر والعلم والابتكار هى مقومات الإنتاج الحقيقية، وأن الفرق الرئيسى بين أكثر الدول تقدماً وأكثرها تخلفاً هو نوعية إنتاجها؛ يصدق هذا علي حاضرنا، وهو أكثر صدقاً علي المرحلة القادمة من حياتنا.
وأشار الوزير إلي أن ثورة المعلومات التى بدأت تتعاظم نذرها كفيلة بإحداث تغييرات واسعة النطاق، ليس فى منظومة العلاقات السياسية والاقتصادية فحسب، بل وفى حياة المجتمعات وثقافاتها أيضاً. وهذه الثورة سوف تفتح أمام العقل البشرى آفاقاً بعيدة التحكم فى البيئة، والمضى فى تطويرها فى دروب استقرت معالمها ردحاً من الزمن، وأخري لم تكن معروفة من قبل. وهذا يتطلب -دون شك- محاولة لرؤية المستقبل، حتي لا نصدم بمفاجآته.
وقال الوزير؛ قد يقول قائل، إن كلمة رؤية مستقبلية تشير تصريحاً أو تلميحاً إلي الذاتية، والعلم يسعي إلي الموضوعية والبعد عن الذاتية والانطباعية. ومع احترامى وتقديرى لهذه المقولة، فإننى أستطيع أن أجزم مع الجازمين، وبكل اليقين، أن الرؤية ليست بالضرورة ضد المنهجية العلمية؛ فقد تنطلق الرؤية من واقع معاش، وتستند إلي منطق سليم، وتحليل دقيق، فتصل إلي تنظير يستوفى كل شروط العلمية. وفضلاً عن هذا وذاك، فإن جُلّ فقهاء المنهجية العلمية متفقون علي أن الموضوعية سبيلها الذات، وأن الذات الواعية المدركة لشروط العملية هى سبيل الموضوعية وشروطها. وقال الوزير مؤلف الكتاب؛ إن رؤيته لمستقبل التربية والتعليم فى المملكة العربية السعودية ليست تنجيماً أو رجماً بالغيب، أو قفواً لما ليس لنا به علم، وتجاوزاً لحدودنا مع الخالق العظيم، كما أنها ليست من قبيل رؤي الحالمين، أو تصورات المغرقين فى المثالية؛ بل إنها رؤية تنطلق من معايشة للواقع بأبعاده المتعددة، وتستند إلي محاولة لفهم الماضى القريب والبعيد فى علاقته بالتربية لإدراك العوامل التى رسمت حدود واقعنا التربوى، وعملت علي تحديد قسماته، ومن ثم محاولة الإحاطة بإنجازاتنا ومشكلاتنا التربوية، لفهم ما يمكن أن يكون عليه المستقبل، انطلاقاً من يقيننا بأن "اليوم هو بداية المستقبل" وأن "مستقبل المستقبل" يكمن فى الحاضر، وأننا بحركتنا وإنجازاتنا الحالية نصنع قاعدة مستقبلنا. وأضاف؛ تستند هذه الرؤية أيضاً إلي معايشة الواقع التعليمى فى المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خاصة، وفى عديد من البلاد العربية والإسلامية وغيرها من بلدان العالم عامة، وحضور ندوات فى الداخل والخارج، ومشاركة فى أعمال الكثير من المنظمات التربوية، ومراجعة التقارير والتوصيات علي المستوي المحلى والإقليمى والعالمى. وفضلاً عن هذا وذاك، فهى رؤية مستقبل يدرك الباحث أنه يمكن التعرف علي أهم ملامحه وقسماته من خلال دراسة الأوضاع المحلية والعالمية، بالإضافة إلي تقدير عزم المسؤولين وتخطيط المخططين وتنفيذ العاملين، وتقويمهم. وليس الغرض من هذه الرؤية أن نستمتع بها علي أنها تمرين عقلى، بل لنصوب من خلالها حركة واقعنا التربوى، وما نريد أن نكون عليه فى المستقبل، أو بعبارة أخري؛ تسعي هذه الرؤية إلي فهم ماضينا، وإعادة قراءته لاستخلاص عبره ودروسه، لتوظيفها فى حياتنا، والانتفاع بها فى تجديد حاضرنا، وإدراك كيف تحرك هذا الماضى مع الزمان، وشق طريقه عبر ضغوط وآليات غاية فى الثراء والتعقيد والتشابك ليصنع حاضرنا؛ فنحن نعلم أن الحاضر حصاد الماضى، وأن المستقبل ثمرة نوعية العمل فى الحاضر. والمستقبل كل متصل متفاعل، يقود بعضه إلي بعض. كما تسعي هذه الرؤية إلي وزن هذا الحاضر، ورصد إيجابياته والتعرف علي سلبياته، وإلي تقدير متغيرات عصرنا فى تفاعلها مع حاجات مجتمعنا. كل ذلك بقصد استشراف البدائل المتاحة أمامنا فى المستقبل، واختيار ما يتفق منها وغايتنا وأهدافنا، من منظور ثقافتنا، حفاظاً علي هويتنا وذاتيتنا، ومن ثم نعود بعد هذا كله لحاضرنا؛ لتصويبه فى ضوء تلك المؤشرات المستقبلية، وصولاً إلي ما اخترنا أن نكون عليه فى المستقبل، فى إطار إدراكنا أن المستقبل ينبغى أن يحكم الحاضر ويوجهه.
وتحقيقاً لهذه الغاية واستكمالاً لشروط الرؤية العلمية، يسعي الوزير فى هذا الكتاب إلي الإجابة عن الأسئلة الآتية:
$ ما أصول الرؤية المستقبلية وقواعدها؟ (منظور منهجى).
$ أين كنا من التربية والتعليم؟ (منظور تاريخى).
$ المستقبل يبدأ اليوم، فأين نحن الآن؟ أو بعبارة أخري ما أهم إنجازات الحاضر؟ (منظور واقعى يرصد أبعاد العملية التربوية، يجلى الإنجازات والمشكلات جميعاً).
$ العالم من حولنا يؤثر فينا، وعلينا أن نعايشه ونعيش معه، ونؤثر فيه، فكيف نعد أبناء الغد فى إطار متغيرات العصر، وفى إطار أهدافنا؟ (منظور تحليلى).
$ الرؤية المستقبلية لأهم جوانب التربية والتعليم فى المملكة العربية السعودية: (منظور مستقبلى) للموضوعات الآتية؛ فلسفة التعليم وغايته وأهدافه، بنية التعليم ومراحله، مناهج التعليم، الوسائل وتقنيات التعليم، إعداد المعلمين وتدريبهم، الإشراف التربوى، الهيكل الإدارى، طلابنا (النشاط الطلابى، التوجيه والإرشاد، النقل المدرسى، تقويم الطالب)، التقويم المستمر للمدرسة، التربية الخاصة، الكشف عن الموهوبين ورعايتهم، البحث العلمى التربوى، التعليم الأهلى، التعليم الأجنبى، والإعلام التربوى.
وختم الوزير المؤلف كتابه بقوله؛ يقدر بعض علماء الاقتصاد والإحصاء أن ما يحتاج إليه الإنفاق التعليمى فى عام 1450ه لا يقل عن 71 مليار ريال سعودى. وكل مشروع من مشروعاتنا التربوية -التعليمية يحتاج، إلي دعم مالى؛ فالشعب المؤمن بربه الأمين علي مكاسبه لابد أن يبذل. وفى عصرنا هذا كانت هناك دولة توصف بأنها لا تغيب الشمس عن أملاكها، ولم تكن فيها وزارة معارف أو وزارة للتربية والتعليم. فهل كانت هذه الدولة تعيش فى فقر علمى وتخلف ثقافى أو قصور تقنى؟ الجواب لا. إذاً كيف كانت المسيرة التعليمية فيها؟ إنها كانت مزدهرة. فمن ذا الذى كان يمولها إذاً؟ كان الشعب -بوعيه وماله- يقودها ويمولها؛ بل يمكن أن نقول "كان الشعب فيها -من بعض الوجوه- كما كان الشعب المسلم أيام عمله بالإسلام، هو الذى يقوم بعبء التعليم". وأضاف؛ نحن الآن فى حاجة إلي إيقاظ روح البذل والعطاء السخى فى شعبنا المؤمن، ليشارك فى هذه المسيرة التى تدعمها الدولة. ولئن كان هذا الكلام موجهاً إلي ذوى القدرة والغني من أفراد شعبنا المؤمن، لهو أيضاً موجه إلي وزارتى المعارف والإعلام لتقوم كل منهما بدورها، لإيجاد الفرد المؤمن والجيل المؤمن الذى يبذل للتعليم بسخاء ليستمر ويزدهر. إننا فى حاجة إلي جيل بذول معطاء يحقق فى عصرنا ما حققه الأسلاف يوم كانت بلاد الإسلام -هى وحدها- قبلة العالم كله فى العلم والتقدم والحضارة.