دعوات المسلمين ونهاية الاتحاد السوفيتي وللكافرين أمثالها

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ياسر برهامي | المصدر : www.salafvoice.com

دعوات المسلمين ونهاية الاتحاد السوفيتي

وللكافرين أمثالها

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

(هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) رواه البخاري، قالها النبي -صلى الله عليه وسلم-، لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- لما رأى لنفسه فضلاً في القتال على غيره؛ ليبين للأمة كلها فضل الدعاء وأهميته، فحصر النصر بدعوات الضعفاء وتضرعهم إلى الله -عز وجل-.

وكيف لا يكون الدعاء من الضعيف والمظلوم هو أعظم أسباب النصر وهزيمة الأعداء، والله أقسم بعزته بنصره؛ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن دعوة المظلوم: (تحمل على الغمام يقول الله جل جلاله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) رواه الطبراني، وصححه الألباني.

وكم تعرض المسلمون عبر التاريخ لأنواع الظلم والعدوان والطغيان، ويزداد الأمر إذا كانوا يُظلمون وتـُنتهك حرماتهم لمجرد إسلامهم (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(البروج:8)، ويزداد الأمر حين لا يوجد لهم من ينصرهم ويدافع عنهم ويتولى أمرهم غير ربهم ومولاهم -عز وجل- وهو نعم المولى ونعم النصير!!

وكم قـُتل من المسلمين وسفكت دماؤهم بغير حق ثم انتصر الله لهم وأهلك أعداءهم ودمر عليهم، وللكافرين أمثالها!! (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ)(محمد:11).

أَتـَذَكرُ كيف كانت دولة الاتحاد السوفيتي ونحن صغار أكبرَ دولة في العالم مساحة، وكانت إحدى القوتين العظميين -كما كانوا يسمونهما- في ذلك الوقت، والمعتاد في انهيار الأمم والدول أن يأخذ ذلك عقودا طويلة، وربما قرونا من الزمان؛ فالفراعنة أبقاهم الله -عز وجل- رغم كفرهم وعنادهم مئات السنين، ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

والإمبراطورية البريطانية التي كانوا يقولون عنها: "لا تغرب عنها الشمس"، يعنون لاتساع رقعتها ومستعمراتها في المشارق والمغارب، ويشيرون إلى أن قوتها لا تهزم وأن شمسها لن تغيب، ثم أذِنَ الله بزوالها وغروب شمسها، ولكن في عقود من الزمن، ولم نر دولة تنهار بسرعة انهيار الاتحاد السوفيتي، من قمة العالم إلى دويلات صغيرة متحاربة لا تجد أكبرها وهي "روسيا" ما تسد به مرتبات موظفيها إلا "بورق التواليت" و"زجاجات الفودكا"، وهي بعد لا زالت تملك الأسلحة النووية والصواريخ الفضائية والأقمار الصناعية، فيا عجبا لتقلب الدول ومداولة الأيام.

وما كان يخطر ببالنا في الصغر أن نرى هذه الدولة البوليسية الرهيبة التي قامت على جماجم ملايين البشر أكثرهم من المسلمين في الجمهوريات الإسلامية التي ضمتها بقوة البطش والجبروت، وسفك دماء الملايين، وحرمانهم من أبسط حقوقهم حتى مجرد التسمي بأسماء المسلمين، وحتى من وجود المصاحف في البيوت، فضلا عن الصلاة أو حتى الصيام أو حتى وجود المساجد، بل قد حُرِم ذلك كله؛ لأن الدين- زعموا- أفيون الشعوب، ثم آل الحال أن يوجد من يجاهد في سبيل الله داخل أرض روسيا ذاتها، يقض مضاجعها ويسعى لتحرير المسلمين من نير استعبادها، وكل ذلك خلال أقل من عشرين سنة من عنفوان القمة إلى حضيض المهانة، وإن كان باستمرار الظلم والعدوان على المسلمين المستضعفين.

وتنظر في أسباب ذلك ومقدماته فلا تجد أكثر من احتلال الروس لأفغانستان فأيقظوا أسدا كان نائما، وأحيوا قضية كانت في نفوس الكثير من المسلمين ميتة، فقام المسلمون في أفغانستان وعاونهم إخوانهم في كل مكان يدافعون عن دينهم وبلادهم وعرضهم، وانطلقت أسهم الدعاء في كل مكان من بلاد المسلمين، على الروس بالتدمير والإهلاك والزلزلة.

واستجاب الله لدعوات المستضعفين العاجزين عن تقديم يد العون لإخوانهم إلا بالدعاء، واستجاب لدعوات الأسرى والأرامل واليتامى والثكالى، الذين أضرهم الاحتلال الكافر الغاشم، وتزلزلت أركان هذه الإمبراطورية، وآلت إلى ما آلت إليه.

وفي الطريق المزيد.. كلما استمر ظلمهم وعدوانهم على المسلمين، مع ما يستخفون من العقوبة على الكفر والشرك بالله -سبحانه وتعالى-.

ثم كانت الدولة لغيرهم، وتجبرت أمريكا وحلفاؤها، وكان المسلمون كالعادة أصحاب النصيب الأوفر من الظلم والعدوان وانتهاك الحرمات، فعاونت اليهود في فلسطين على مذابحهم ضد المسلمين، ثم خاضت أمريكا -بنفسها دون إنابة- حرباً ظالمة جائرة في أفغانستان، ثم في العراق، قتلت فيها الملايين من المسلمين، وارتفعت دعوات المسلمين المستضعفين الذين نالهم في أرجاء العالم كله من ظلم الاضطهاد والمطاردة والحبس والسجن والتعذيب، إرضاءً وتنفيذا لخطط حرب الإرهاب التي هي الإرهاب الظالم بعينه.

ارتفعت دعوات المسلمين إلى الحكمِ العدلِ العزيزِ المقتدرِ، أن ينزل بأسه بالكافرين الظالمين المعتدين وحلفائهم، وأعوانهم من سائر الكفار والمنافقين الذين تحزبوا على الإسلام وأهله حتى هموا بأهل الإسلام في كل مكان ليأخذوهم.

واستفتح أهل الإسلام ربهم وعند الاستفتاح يخيب كل جبار عنيد (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ . وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)(إبراهيم:13-15)، وقال -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)(غافر:5)، ولا يزال هؤلاء الكفار يحاولون أخذ دعوة الرسل جميعا، ولا يزالون يجادلون بالباطل من التكذيب، والاستهزاء بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبالقرآن، وبعقائد وعبادات وأخلاق الإسلام، ليدحضوا به الحق.

فـَأخـْذُ الله لهم سنة ماضية، لا تجد لها تحويلاً ولا تبديلاً، ونحن على يقين من ذلك؛ لأنه وعد الله والله لا يخلف الميعاد، وها هي بوادر فشلهم وزعزعة نظامهم العالمي في سياساتهم وحروبهم واقتصادهم تظهر في الأفق، فشعوب العالم تبغضهم، وتبغض من يحالفهم أو يدور في فلكهم، حتى احتاجوا إلى إنفاق الأموال، ووضع الخطط؛ لتحسين صورة أمريكا في العالم، وها هي قواتهم في أفغانستان، ثم في العراق تعاني الويلات حتى قبلوا أن يتفاوض عملاؤهم مع قادة طالبان الذين طالما قالوا: "لا نقبل إلا رؤوسهم أحياءً أو أمواتاً".

وها هو اقتصادهم في لحظات يهتز بزلزلة عنيفة تفقدهم آلاف المليارات، أضعاف ما سرقوه واغتصبوه من أموال المسلمين في العراق وغيره، جزاء على حربهم على الله ورسوله، وفضيحة لهم على نظامهم الربوي الجائر، الذي هو جزء من ظلمهم وعدوانهم، فهذه الأزمة الاقتصادية الحالية جزء من حرب الله لهم، وهل لهم بها من طاقة؟!

ويا ليت من يغنون ليل نهار بضرورة الربا للاقتصاد العالمي والمحلي، وأنه لا بد منه حتى قالوا فيه: "الضرورات تبيح المحظورات"!! وحتى تحايلوا عليه بأنواع الحيل والفتاوى الباطلة!!

يا ليتهم يدركون كيف تفرض عليهم الأزمة الحالية أن ينزلوا بسعر الفائدة إلى قريب من الصفر للتخلص من الانهيار التام، أي أنهم يصارعون للنفس الأخير الذي هو إلغاء الفائدة بالكلية؛ لأن "النقود لا تلد النقود" -كما يقول خبراؤهم-!!

ويا ليت من وضعوا أموالهم في مصارف الغرب الربوية من أفراد أو دول يدركون مدى ضرر محاربة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، بأكل الربا وتدعيم اقتصاد الدول الكافرة، ومؤسساتها الربوية التي تسبح في دماء الشعوب -خسائر الشعوب وحدها إلى الأسبوع الماضي فقط 144 مليار دولار-.

فهل من توبة صادقة ونزع عن المعاصي، واستغلال أموال المسلمين التي حباهم الله بها في بلاد المسلمين، وبأنواع الأنشطة الحلال من تجارة وصناعة وزراعة وغيرها؟ وإلا فسوف يغرقون مع الغارقين!

وإن كان لا بد لنا ألا نكثر من التوقعات بانهيار الغرب كاملا في لحظات كما يحلم به كثير من الشباب، بل نعلم أن الأمر يستغرق زمنا، ولكن علينا أن نأخذ بالأسباب التي يقدر الله بها تدميرهم ومن أعظمها الدعاء، ومن أعظمها تحقيق الإيمان والعمل الصالح، وتحقيق العبودية لله -تعالى- أفرادا وجماعات وشعوبا (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ)(الأنبياء:105-106)، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)(النور:55).

فاللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، هازم الأحزاب، سريع الحساب، اهزم الكافرين والمنافقين، وزلزلهم، وانصرنا عليهم.

اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم وألقِ الرعب في قلوبهم، وأنزل عليهم رجزك وعذابك إلهَ الحق... آمين.