مرض نقص الاصاله

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : مسفر بن على القحطانى | المصدر : www.lahaonline.com

 

سبعة أعوام قضتها تلك الفتاة في البحث عن التميز والحضور اللافت بين الصديقات والقريبات وحصدت الكثير من عبارات الإطراء والإعجاب من الطيور الساقطة على شكلها المرقع بكل الماركات العالمية، فلا يكاد أن تظهر موضات الكريستيان ديور أو الدفينشي  أو الباريس غاليري..على صفحات المجلات حتى تتقمص شخصية تلك العارضة بكل ما تحويه من جنون أو غباء، فلم يعد الجينز الممزق مآله صناديق التبرعات،

 أو حذاء الإصبع من خصوصيات الخلاء، أو قلائد الخشب النافر اللون والشكل من لبس الفقراء، أو حلق الآذان الدائرية بجلاجلها التي لا ترى إلا على خادمات المنازل في الماضي، كل ذلك أصبح وغيره من أحدث ما وصلت له الموضات وعلينا أن نقتنع بذلك الجديد مهما كان مضحكا عند الآخرين خصوصا الكائنات البدوية الرجعية..؟!.

كل ذلك كان بالنسبة لتلك الفتاة يهون ويُعوّض بالشراء، ولكن هل يمنحها أن تكون فتاة عصرية أوروبية المظهر في حين لا يزال شعرها الأسود وجلدها القمحي وقسماتها المشرقية ترمز لذلك البقاء وتشدها لذلك العرق الغائر في الصحراء وإن تكلمت بالإنجليزية وروت قصصها الكاذبة في الماسنجر والشات؟

كل محاولاتها المضنية للعصرنة تنجح أحيانا ولكنها تخفق أخرى في كسب ذلك الجسد جلدا ليس له وشخصية مميزة حسبت أنها ستسمو بها كبطلات الهوليود ونجمات الروتانا!..

إن النتيجة لهذه المسيرة لم تكن للأمام بل تخلّفت كثيرا من حيث لا تشعر، بأنها لم تكن تسعى نحو هدف تعلو به للسماء والطهر والنقاء بل إلى أهواء الأرض في جرف هارٍ منحدرٍ لا يُعلم قاعه ومصيره إلا من ذاقت مرارات الحرمان في تلك السجون المظلمة التي لا تظهر منها إلا كخفافيش الليل الآخر الراتع في كهوف الإنترنت والفضائيات، بل وانخدعت لأحلام الطيش الطفولي وانساقت نحو ذئاب النساء المتخندقين في معركة الغواية وراء كواليسهم المعتمة.

لقد جاءت صحوة العقل والمنطق لهذه الفتاة - وربما مثلها كثير- بعد ألم وعناء طويل؛ لتردها نحو أسمى القيم وأنبل الأحوال، نحو خضوع يفك كل قيود الأرض ويشدها نحو السماء، يرفع عنها سلاسل الأهواء لتكون حرة في عبودية الكريم المنان الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى.

إن طبيعة الفتاة النفسية والاجتماعية تجعلها ميالة نحو البروز والظهور والبحث عن الأناقة والجمال، وهذا الطبع الجبلي لا يمنعها أن تتحلى بما شاءت من اللباس والزينة في حدود الشرع الحنيف والذوق الرفيع، ولكن أجمل ما تتحلى به المرأة في نفسها وعند غيرها سمو النفس وجمال الروح وجلال العلم وحسن الأدب، حتى تصبح في ذاتها نجمة تدور في أفلاكها الأقمار وتحاكيها الأقران.

وأنقل كلاما أعجبني – في هذا المقام – لعالم الاجتماع الدكتور علي شريعتي يقول فيه: "الاغتراب الثقافي أشد وطأة من كل أنواع الاغتراب، وأصعب علاجا، والمتشبه هو من دُفع إلى الاغتراب بواسطة ثقافة قوم آخرين وشخصيتهم، والذي دفع إلى الاغتراب عن طريق شيء ما نظراً للتباين الواضح بين الذات الإنسانية وذات الشيء سرعان ما يحس أنه مريض،

ويستطيع طبيب نفسي مجرب أن يعالجه بالدواء والوسائل النفسية ويعيد إليه شخصيته المفقودة ويعيده إلى وعيه، لكن ذلك الذي يصير (مرآة) في مواجهة شخصية أخرى وثقافة أخرى وقيم معنوية أخرى لا يحس هو بنفسه ولا يحس الآخرون أنه مجنون أو مريض أو شخصية مبتلاة فقدت ذاتها".

لهذا أجد أن هذه الأنماط من الناس لم تفهم بعد حقيقة الحياة ومعنى الكيان الإنساني.. وما أجدهم يتهافتون عليه عند غيرهم من متاع وثقافة أجد على العكس من عقلاء الغرب من يذمه ويمقته ويراه سبيلاً للانهيار القيمي والمجتمعي.