ما لم يراعه واطسن مشاركة

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د مصطفى السعدني | المصدر : www.maganin.com

أرسلت أمل (20 سنة، طالبة، السعودية) تقول:

استفسار

السلام عليكم،
في موضوع تأكيد الذات للدكتور
مصطفى السعدني, تم طرح تجربة واطسن الذي علم الطفل الخوف, وكانت هناك أخلاقية لم يراعِها الباحث في التجربة.. فما هي؟

ألف شكر على هذا الموقع الرائع.

أرجو الرد على سؤالي في أسرع وقت ممكن

24/10/2008


هناك قصة معروفة لتجربة هامة قام بها عالمان من علماء النفس.. ومن رواد العلاج النفسي السلوكي.. هما "واطسون ومساعدته "راينر". فقد قام هذان العالمان بوضع فأر أبيض على مقربة من طفل صغير يدعى "ألبرت"، كان قد أدخل المستشفى للعلاج من مرض غير نفسي. وببراءة وتلقائية مد الصغير يده يتحسس ذلك الحيوان الصغير الناصع البياض.. عندئذ أصدر "واطسون" تعليماته بإصدار صوت مزعج من خلف الطفل، جعله يصرخ فزعاً ورهبة.

وتكررت التجربة عدة مرات.. وفى كل مرة يوضع الفأر الأبيض قريبا من "ألبرت" يصدر الصوت المزعج المفاجئ فيؤدى إلى فزع الطفل وصراخه. ثم جاءت الخطوة الثانية من التجربة وذلك بوضع الفأر الأبيض قريباً من الطفل ولكن بدون إحداث ذلك الصوت المزعج.. فماذا كانت النتيجة؟

لقد ظل الطفل يصرخ بشدة في كل مرة يرى فيها الفأر الأبيض حتى من على بعد أمتار..!
وبعد أن كان يتحسسه بأنامله.. أصبح في حالة خوف وهلع شديد لمجرد رؤيته من بعيد!

والشيء الغريب أنه قد حدث للطفل بعد ما ذلك يسمى "بظاهرة التعميم" فقد أصبح الطفل يخاف ويفزع من أي شيء يشبه –من قريب أو بعيد– ذلك الفأر الأبيض. لقد أصبح "ألبرت" يخاف بشدة من القطط والأرانب، بل ومن الكلاب ذات الفراء الأبيض، بل وأكثر من ذلك.. فقد كانت تنتابه نفس النوبة من المخاوف والفزع إذا رأى حتى ولو من قطعة فراء أبيض..!

ونلاحظ أن "ظاهرة التعميم" تلك تحدث في الكثير من الحالات.. فالأب القاسي المتشدد الذي يضرب ابنه باستمرار، ويعاقبه على كل صغيرة وكبيرة، تتسبب معاملته هذه في خوف الابن الشديد، ليس من الأب فقط، وإنما من رئيسه، ومن كل رجل في موقع سلطة أو نفوذ.

إن التجربة البسيطة التي شرحناها تثبت أن المخاوف المرضية والقلق النفسي الشديد هما عادات أو سلوكيات خاطئة متعلمة نتيجة تكرار التعرض لموقف مفزع أو مؤلم. فتعرض الطفل "ألبرت" للفأر الأبيض (المثير الطبيعي) لم تسبب له أي انفعالات مزعجة في بداية الأمر. ولكن اقتران ظهور الفأر الأبيض (المثير الطبيعي) بإحداث صوت مخيف مزعج (المثير الشرطي) أدى إلى إثارة مخاوف الطفل وصراخه (الاستجابة). وأدى تكرار مثل هذه التجربة إلى ظهور سلوك غير صحي.. وظهور أعراض مخاوف مرضية.

فلقد أصبح الطفل "ألبرت" يعانى من خوف مرضى (فوبيا) يمكن أن يستمر معه طوال العمر
!!
إن هذه التجربة تعنى إمكان إحداث مرض أو خلل نفسي بصورة تجريبية!.. وبالتالى بإمكانية علاجه وإزالة أعراضه طبقاً لقواعد علم النفس والعلاج النفسي السلوكي أيضاً. أي أن المرض النفسي سلوك متعلم.. وأننا نتعلم الخوف والوساوس والقلق بل ونتعلم تكوين ارتباطات شرطية خاطئة يمكن أن تؤدى إلى اختلال التفكير أو اضطراب الوجدان.

من هنا.. تؤكد نظريات التعلم وعلم النفس السلوكي أن المرض النفسي هو سلوك خاطئ مُتعلم. بل إن المرض العقلي أيضاً كالفصام -من وجهة نظر سلوكية– ليس إلا تعلماً متواصلاً لسلوك مضطرب (وهذا الموضوع محل جدال واختلاف).. فالفصامي يتعلم منذ طفولته التناقض الفكري والوجداني، وذلك عندما يتلقى من أبويه أوامر ورسائل (لفظية وغير لفظية) وتقول له أفعل (س) ولا تفعل (س)؛ أي افعل ولا تفعل نفس الشيء..! عندئذ يفشل الطفل في تكوين مفاهيم وتصورات واقعية وثابتة ومحددة. وكما أننا استطعنا بالتجربة أن نحدث أعراضا مرضية.. فإننا نستطيع غرس سلوكيات وعادات صحية مرغوبة أيضاً.

ولكي نعالج حالة مثل حالة الطفل "ألبرت" فإن علينا أن نحدث اقترانا وارتباطا جديداً بين ظهور الفأر الأبيض (المثير الطبيعي) وبين (مثير شرطي) آخر يثير السعادة والسرور في نفس "ألبرت" بدلا من ذلك الصوت المزعج المخيف، كأن نقرن بين ظهور الفأر الأبيض وتقديم قطعة من الحلوى أو لعبة يحبها الطفل. أي أن نخلق ارتباطاً جديد بين ظهور الفأر الأبيض وإحداث حالة من السرور والابتهاج –مصحوبة بالاطمئنان وعدم الخوف– للطفل "ألبرت" كما يشترط أن يتم تقريب الفأر أو أي بديل آخر ذي فراء أبيض بالتدريج، فنبدأ بإظهاره من بعيد مع تقديم الحلوى أو اللعب التي تشيع في نفس الطفل مشاعر السرور والطمأنينة، وتتكرر التجربة وفى كل مرة يتم تقريب الفأر تدريجياً مصحوباً بمشاعر البهجة والاسترخاء، وهكذا نلاحظ أننا قدمنا للطفل نفس المثير الذي كان يسبب له الهلع والخوف والذعر (الفأر الأبيض) ولكن مع كل مرة يظهر فيها كان المجربان يقدمان للطفل ما يثير في نفسه السرور والبهجة، فارتبط ظهور الفأر الأبيض في ذهن الطفل بمشاعر السرور والبهجة والطمأنينة.. فلم يعد يخشاه أو يفزع من رؤيته!

وهكذا تم استبدال استجابة الخوف والقلق عند الطفل "ألبرت" باستجابة السرور والطمأنينة. ويوضح لنا ذلك أثر التكرار المتدرج في تقديم المثير بدرجات بسيطة تزداد حتى تصل إلى تقديم المثير عن قرب وبحجمه الطبيعي. المهم والغريب في الموضوع أن واطسون بعد أن تسبب في إحداث الخوف لألبرت من أي فراء، أو من أي حيوان له فراء، لم يهتم بعلاج هذا الطفل مما سببه له من مخاوف!!!؛ بل ترك واطسون مجال علم النفس التجريبي، وعمل في مجال الدعاية، وهذا ما قصدت به عدم احترامه للجانب الأخلاقي في تجربته