قوة الاهتمام الإيجابي

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د مصطفى السعدني | المصدر : www.maganin.com

لقد تعاملنا مع كثير من الآباء والمدرسين الذين يفهمون مدى قوة الاهتمام الإيجابي ويدعون أنهم يقدمونه بالفعل ويقول أحدهم "لقد أعطيته كثيرا من الاهتمام، إنني استخدم المديح والثناء عليه ولكنه لم ينفع أبدا"، ولكن الاهتمام الإيجابي يختلف عن مجرد ملاحظة الطفل ومديحه، عليك أن تفكر –على سبيل المثال– في كل المشرفين والرؤساء الذين عملت معهم فأسوأهم الذين يقللون من شأن الآخرين وينتقدونهم ويتشددون معهم ولا يساعدونهم، وقد يستحوذون على التقدير نتيجة لأفكار موظفيهم، ولكن أفضل هؤلاء المشرفين والرؤساء هم الذين يقدرون عملك وإنجازاتك ويساندونك دائما ويعطونك كثيرا من المسئولية، ويسمحون لك في الوقوع في بعض الأخطاء العرضية، ويمزحون دائما، ويقدمون النقد البناء، وهؤلاء يستخدمون النقد الإيجابي لكي يحفزوك، وهذا الأسلوب كان ومازال ناجحا أكثر من المتوقع، إن غايتهم هو ذلك العامل الحفاز الذي يجعل كثيرا من الناس يشبون عن الطوق ويقومون بحل المشاكل ويعملون بلا كلل من أجل تلك المكافأة المحتملة؛ ألا وهي الاهتمام!، وعلى الجانب الآخر لن يعمل الأفراد من أجل اهتمامك إذا لم يكنوا لك الاحترام والتقدير.

لنفكر معا في أحد المرضى "وائل" الذي يبلغ من العمر 12 سنة وكان يسئ السلوك في المدرسة والمنزل، لقد كان وائل يعيش مع أمه وزوجها الذي كان دائما يعاقبه ويوبخه لأي سلوك سيئ، وكانت علاقة زوج الأم بالصغير علاقة سيئة للغاية لقد قال المعالج النفسي لزوج الأم: "إنك في مسيس الحاجة إلى تقوية العلاقة مع وائل إذا كنت تريد منه طاعة أفضل".

لقد كان عمل زوج الأم مهندسا خاصا للديكور، ولذلك طلب منه "المعالج النفسي" أن يفكر في الأعمال التي قام بها، وأي نوع من الزبائن هم الذين يفضلهم هذا المهندس، ويرد المهندس وزوج الأم أنه يفضل الزبائن التي تطلق له العنان والحرية كي يعمل ما يراه مناسبا وبعد انتهاء العمل يظهرون له الاهتمام ويثنون عليه.

ولكن "المعالج النفسي" سأله إذا ما كان قد سبق له العمل مع أصحاب بيوت سيئين ومزعجين لا يحبهم وتذكر زوج الأم على وجه السرعة تلك السيدة التي كانت دائما تنتقد عمله وتتدخل فيما لا يعنيها، وتقوم بالإفتاء فيما تعلم وفيما لا تعلم، وقال أنه لم ينتظر حتى يتم مهمته، وترك العمل في المبنى برمته قبل أن يتم عمله نتيجة لتدخلات تلك السيدة وتسلطها.
وقاطعه "المعالج النفسي" متسائلا عن أي الطريقتين يجب أن يعامل بها ابن زوجته فلمع الضوء في عينيه ورفع رأسه
وقال: "الآن فهمت".
ولم يمض وقت طويل عليه حتى عرف أن المشكلة هي التركيز فقط على الجوانب السلبية في ابن زوجته، وتساءل زوج الأم: "ماذا أفعل في كل المرات التي يسيء فيها "وائل" السلوك؟ هل سيمتنع عن التمادي في السلوك إذا لم أعاقبه؟!.
واقترح المعالج النفسي حلا: أن يترك زوج الأم مسألة تهذيب "وائل" لأمه لأن لها علاقة قوية به وما عليه إلا أن يتصرف مثل العم الرحيم وأن يمزح مع ابن زوجته لمدة أربع أسابيع فإذا أساء الطفل السلوك فعليه أن يخبر أمه بالمشكلة وأن يتركها تتخذ ما تراه مناسبا وبعد أربعة أسابيع قال زوج الأم أنه والطفل أصبحا أكثر قرباً، وقد قلت معارضة "وائل" وتحديه بصورة كبيرة ولم تختف كل المشاكل، ولكن يمكن علاجها بعد أن ظل زوج الأب لمدة أربعة أسابيع يهتم به بطريقة إيجابية!!!.

لماذا يجب عليك أن تقضي وقتا مع طفلك؟

بينما كنا نقوم بتأليف هذا الكتاب كان القلق يصيبنا عندما نسمع من خلال الراديو أو التلفاز أو الصحف الأخبار الكئيبة عن إطلاق نار بإحدى المدارس وفي كل مرة تبدو الصور على التلفاز مألوفة: طلاب يغادرون المدرسة وهم ملطخون بالدماء والدموع تملأ عيونهم والخوف على وجوههم وزميل الدراسة يؤخذ مكبلا إلى المحكمة المحلية والمواطنون يتحدثون عما أصابهم من دهشة وذهول بسبب حدوث تلك الفاجعة والمأساة في مدينتهم الصغيرة الهادئة يسأل عائلة وأصدقاء المتهم الذين صدموا.
 
خصص وقتا أكثر لطفلك:
إننا لا نتحدث عن قضاء وقت أثناء نشاط محدد مثل حدث رياضي حيث يوجد فرصة للحديث نحن نريد أن تبقى مع الطفل في حالة ود دائم ربما تكون قد سمعت عن أهمية وقيمة الوقت ولكننا لا نتحدث عن ذلك إننا نتحدث عن كمية الوقت التي تقضيها مع الطفل.

لقد كان لدى "سوزان" - زوجة "خالد"- هذا المفهوم فلقد علمت "خالد" عشرات الدروس في تربية الأطفال كانت سوزان وابنتها –تقريبا كل يوم– تشتركان في بعض المرح والنشاط التلقائي مثل الرسم أو مشاهدة فيلم لعشرات المرات.

في البداية كان "خالد" يستغل كل وقته في العمل، وحتى كلما يأخذ "رضوى" ابنته إلى الحديقة كان يتحدث في تليفون السيارة أو يستمع إلى الأخبار في الراديو أو يقرأ كتابا أو صحيفة وكان نادرا جدا ما يتوقف عن العمل ويسترخي مع ابنته في لعب لعبة ما معها.

لماذا يتصرف خالد هكذا؟؛ لأنه عندما كان يسترخي بالفعل كان مبرمجا على الشعور بالذنب لأنه يعمل باستمرار وكد ليعول أسرته، وما كان يفتقده هو أنه لم يوفر لابنته ما كانت في أشد الحاجة إليه.

أما هذه الأيام فإن "خالد" يقود سيارته بدون الهاتف أو الراديو وعندما يأخذ "رضوى" إلى الحديقة يجلس معها ويراقبها وهي تلعب على الأرجوحة وأصبح مندمجا في الأنشطة أكثر من ذي قبل مثل المشي مع ابنته إلى المدرسة ومغادرة عمله مبكرا مرة في الأسبوع كي يحضرها من المدرسة ويبقى معها.

لم يكن ذلك سهلا على الدوام فقد كان "خالد" يستطيع أن يبرر بقاءه في العمل معظم الوقت ولكنه رأى أثناء ممارسته نتائج ترك الأطفال دون اهتمام أو رعاية بسبب قلة الوقت الذي يقضونه معهم ولم يكن"خالد" يريد أن ينتهي الأمر بابنته بهذه الطريقة.

الاستماع إلى طفلك:
وثمة وسيلة أخرى لاكتساب احترام الطفل وذلك عن طريق قضاء بعض الوقت مستمعا له الأطفال يحبون أن يستمع لهم ولقد أدركت ذلك زوجة "خالد" منذ وقت طويل وكانت دائما ما تثير دهشته بارتباطها بالابنة إن كلتيهما تجلسان تلونان الصور وتناقشان موضوعات يعتبرها "خالد" موضوعات فارغة تماما لكنها بالنسبة للطفلة هامة جدا إن زوجة "خالد" تعرف كيف تستجيب بطريقة مناسبة وهذا يعتبر إضافة للعلاقة.

ويتساوى مع هذا في الأهمية أن يدرك الأطفال أنك قريب منهم فهم يريدون الاقتراب منك والتحدث معك عما يدور في عقولهم إنهم يختارون الفرص التي لا تتوقعها مثل الوقت الذي تعد فيه العشاء أو تنظف فيه المطبخ.

يتحدث الأطفال في الوقت المناسب لهم وليس المناسب لوالديهم، ولكن عندما تستمع إلى طفلك وتقضي وقتا معه وتهتم به، فستتحسن العلاقة بينكما، وهذا هو الشيء الذي يتطلع إليه جميع الأطراف ويأملون فيه