المرحلة الأوديبية عند البنت

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د عبد الرحمن إبراهيم | المصدر : www.maganin.com

لقد مرّت البنت في عمر الثالثة عبر المرحلة التي اكتشفت فيها أنها مختلفة عن الصبي وكانت لها ارتكاسات مختلفة. ويمكن لبعض البنات أن تتجاوز هذه المرحلة بشكل هادئ، ومثل هذه البنت تستمر في التمثل بأمها ويكون الحافز المسيطر في اهتمامها المتزايد لوالدها هو جزء من رغبتها في أن تكون شبيهة لوالدتها وأن تملك ما تملكه والدتها. وهناك بنات أخريات لديهن الشعور بأنهن محرومات تشريحياً. ومثل هؤلاء البنات يستنتجن أن النقص الموجود عندهن هو خطأ الأم لأنها هي التي تنجب الأطفال.

إن الأطفال في هذا العمر لا يعرفون تماماً كيف ينجب الأطفال ولكن لديهم فكرة جيدة إلى حد ما هي أن الأم لها علاقة كبيرة بالإنجاب. هكذا فإن الأب وحسب تفكير الأطفال ليس له دور في هذه العملية. وكنتيجة فإن الأم هي الملامة لأنها هي التي أنجبت البنت بشكل غير كامل وهذا ما نشاهده خصوصاً إذا كان في العائلة أخوة صبيان. فإذا كانت الأم قادرة على صنع أولادها فلماذا صنعت البنات بشكل مختلف؟ وربما تكون هذه الفكرة المغلوطة هي أحد أهم أسباب ابتعاد البنت عن أمها.

مثل هذه البنت تقترب كثيراً من والدها لكي تعوض عن شعورها بالحرمان وهكذا نجد أن معظم البنات يتوجهن نحو آبائهن باهتمام متزايد. كما يمتلك بعضهن بنفس الوقت المشاعر الإيجابية نحو أمهاتهن بينما يمتلك بعضهن الآخر غضباً واستياءً من أمهاتهن. يلعب كل هذا دوراً هاماً في الرغبات والصراعات الأوديبية وفي طبيعة حلولها. إن قدرة البنت أثناء حياتها المستقبلية على إنشاء علاقة مع الرجال يحددها هذا التحول نحو الأب. لأن طبيعة ارتكاس الأب لاهتمام ابنته له أهمية كبيرة. يجد الآباء سهولة في إظهار محبتهم لبناتهم أكثر منها لأولادهم الصبية، وتستطيع كثير من البنات أن يكن فعالات في إثارة هذا النوع من الاستجابة لدى آبائهن.

وترغب البنت أثناء هذه المرحلة أن تمتلك والدها بشكل كامل. فهي تريد أن تمتلك كل اهتمامه (عنايته) وتحاول بدون دراية منها وبشكل ظريف حذف أمها بقوة من مخطط العائلة. فمثلاً تسأل البنت أمها: ماما كم عمرك الآن؟ وعندما تسأل الأم ابنتها لماذا تريد أن تعرف عندها تجيب البنت أنها تتساءل متى تموت الأم، وعندها تستطيع هي أن تتزوج أباها وتعتني بالبيت لأجله. وحسب المسافة التي قطعتها في هذه المرحلة فإنها يمكن أن تقرر أن هذه الفكرة ليست جيدة لأنها لا تستطيع عندها أن تذهب إلى المدرسة أو أن تلعب مع صديقاتها ولكنها تعبر عن رغبتها في أن تحل محل أمها، فإذا ما استمع أحدنا إلى الأطفال يمكن أن نسمعهم وهم يعبرون عن مثل تلك الرغبات.

ماذا تريد البنت من والدها؟ هذا التساؤل يطرحه الناس. هذا واحد من الأمكنة حيث يقع الناس في صعوبة، متخيلين أن طرق التفكير الذهني للطفل معقدة بقدر ما هي عليه عند الراشدين. إن الطفلة الصغيرة تريد والدها لأمور كثيرة ولا يمكن لها أن تعبر عنها إلا ضمن عبارات عامة. فمن السهل عليها أن تقول أنها تريد أن تتزوجه ولكن ماذا تعني هذه الرغبة بالنسبة طفلة صغيرة؟. إنها تريد من ذلك الحب الذي تمتلكه أمها فهي تعرف أنه يوجد في العائلة أب وأم وهناك حياة خاصة بينهما وتريد أن تصبح جزءاً من هذه الحياة وأن تمتلك والدها كله لها. ربما تريد من والدها أن يحدثها بلطف ويضمها ويقبل يدها ووجنتها. ومن الشائع أن نسمع البنت تقول أنها تريد أن تنجب طفلاً وهذه العبارة لا تعني أنها تفهم أي شيء من المتطلبات الضرورية لإنجاب الطفل، ولكنها تريد شيئاً ينسجم مع تخيلاتها معتمدة كثيراً على خبراتها وعلى المعلومات التي تلقتها. فالطفلة كل ما تريده هو أن تمتلك اهتمام ومحبة ورضى والدها، وهذه الرغبة ستؤدي إلى صراع مع أمها.

ويمكن أن يؤدي هذا الصراع إلى تمزقها. ذلك أن التملك الكلي بالنسبة للأطفال في سن 4-3 سنوات يحمل دائماً شعوراً متناقضاً. إن السنوات الثلاثة أو الأربعة الأولى من الحياة للبنت تكون قد أمضته بشكل كامل على التعلق مع أمها وسوف تستمر في هذا التعلق، إذاً تريد البنت أن تمتلك أباها كلياً وتريد في لحظات أخرى أن تمتلك أمها كلياً. لذلك فهي تشعر أن أباها متطفل في مثل هذه اللحظات. ولكن الصورة المسيطرة على هذه المرحلة هو اتجاه الفتاة من أمها نحو أبيها. ولكي تكون على مستوى التنافس مع أمها وترضي أباها فإن الطفلة ستزيد من تمثلها مع أمها. إن كلاً من البنات والصبية يتوحدون مع أمهاتهم أثناء سنوات حياتهم الأولى. وكحل للمرحلة الأوديبية فإن تطور قدرة الاستعراف عند البنت تجعلها تدرك أنه من الصعوبة عليها بمكان أن تحقق التملك الكلي لوالدها وتدرك أيضاً أنه من خلال محاولتها التملكية فإنها تواجه خطر غضب الأم ونفورها وبالتالي فهي تستنتج أن أفضل شيء لها هو أن تصبح شبيهة لها، وبذلك تسعى إن استطاعت في يوم من الأيام أن تتزوج إنساناً شبيهاً له.

ويرى الباحثون أن حل الصبي للمرحلة الأوديبية يترافق مع قلق هائل. ولا يوجد مثل هذه الدرجة من القلق عند التعلق الأوديبي للبنت بأبيها، كذلك لا يكون الحل في النهاية فجائياً عند البنت كما هو الحال عند الصبي. إن الشيء الوحيد المزعج للبنت هو المشاعر المزدوجة نحو أمها. فالفتاة لا تريد أن تخاطر بفقدان حب أمها ولكنها تريد أن تستمر بأن يكون لديها علاقة قوية وتربية رومانسية مع والدها خلال مرحلة الطفولة وحتى خلال المراهقة. فمن المقبول لدى البنت في أن تعبث مع والدها، تجلس على حجره وأن تلفت انتباهه لها وأن تظن أنها خاصة بالنسبة له. وتعلقها بوالدها قد لا يتوقف عند عمر السادسة إذ يمكن أن يبقى حتى المراهقة وأحياناً يستمر إلى الرشد.

ونجد في مجتمعنا أن المرأة قد نتزوج من رجل أكبر منها بـ15-10 عام، ولا يثير هذا الزواج التساؤل أو الاستغراب فهذا شائع ومقبول اجتماعياً، ولكن إذا حدث العكس واختار رجل الزواج بامرأة أكبر منه بـ15-10 عام، فجميعنا يتساءل وهو على قناعة أن ذاك الرجل ليس على ما يرام، ونسخر بفكاهة أنه سيتزوج أمه!. منطقياً يرى الباحثون من الناحية النفسية أنه لا فرق بين الحالتين إلا بالموقف الذي تشكل كنتيجة لحل عقدة أوديب حيث تكون البنت قادرة على الاستمرار في تعلقها مع أبيها ويجبر الصبي على إلغاء تعلقه مع أمه، أما من نواح أخرى فقطعاً الأمر مختلف كلياً فعلى سبيل المثال المرأة عندها فترة زمنية محددة للقدرة على الإنجاب والأمومة في حين يبقى الرجل قادراً على الإنجاب زمناً أطول بكثير من المرأة وقيل أن الرجل يبقى قادراً على الإنجاب حتى يشيب شعر رأسه وجسده كاملاً ولا يبقى فيه شعرة إلا وكساها البياض وفي هذه المقولة العربية الكثير من الدقة.

من أهم الأمور التي تحدث كحل جزئي لعقدة أوديب هي تقوية التمثل مع أحد الوالدين الذي له نفس الجنس وكذلك يحدث استدخال Internalization لبعض القيم والمحرمات Prohibitions . وقد قيل أن عقدة أوديب هي التي تمنح الأنا العليا Superego صفتها المميزة، والمقصود بالأنا العليا بشكل عام مجموعة القيم أو الضمير عند الفرد، وبنفس وقت حل عقدة أوديب سيكون لنظام القيم هذا صفة أو خاصة طفلية Childish Quality . ففي ذهن البنت مجموعة من الأمور التي تستطيع بواسطتها أن تفرح الأهل أو تزعجهم، فالأنا العليا فيها مجموعة من المحظورات مثل "إن ماما لا تحبك عندما تستعملين كلمات كهذه" ومجموعة من الأفعال الجيدة مثل "بابا يحبك عندما تتكلمين برقة مثل أمك" والتي تشكل الأنا المثالي Ideal Ego ولكن هذه الأفكار في السنة السادسة من العمر ستبقى مرشداً غير متطوراً أبداً للسلوك المستقبلي لذلك ستعدل هذه الأفكار عندما يواصل التطور.

لقد اعتقد Freud أن الفتاة لم تطور الأنا عندها بشكل قوي ومستقل كما يفعل الصبية وذلك لأن نهاية مرحلة التطور الأوديبية عند البنت لا تكون قاطعة وشديدة وحاسمة كما هي عند الصبي لذلك اعتقد أن النساء ليس لديهن جهاز قِيَم قوي كما لدى الرجال ولا تستطيع البنت أن توجه صراعاتها نحو مكاسب أعلى وبشكل ناجح كما يفعل الصبي. وأفكار Freud ليست صحيحة وناشئة من سوء فهمه لكثير من مظاهر التطور الأنثوي. والحقيقة التي لم ينتبه إليها Freud أن هناك تمثلاً مبكراً وآخر متأخراً يبنيان ويعدلان ويساهمان في تنظيم الأنا الأعلى النهائي عند كل من الرجال والنساء على حدٍ سواء. وكلاهما (النساء والرجال) قادران بشكل متساوٍ على تطوير وعي قوي مرن ومستقل.

عرضت حتى الآن نموذجاً بسيطاً جداً للعملية الطبيعية للمرحلة الأوديبية عند البنت الصغيرة. وطبيعي أن هناك اختلافات كثيرة بطريقة الحل. فمثلاً الفتاة في هذا السن ستقرر أنها عندما تكبر ستتزوج وتنجب أطفالاً، تماماً كأمها. لكن، لاحقاً في الحياة ربما تغير الفتاة من هذه الفكرة فليست كل فتاة تختار البقاء في المنزل وإنجاب الأطفال. إن هذا التغير في الموقف يحدث بسبب إعادة صياغة وبناء التمثل الأولي مع الأم وهذا التمثل سيتغير ويتبدل مع نمو الفتاة، فالفتاة لا تحتفظ بصورة التمثل الأولي كما هي بل أثناء تطورها فإن الكثير من التغيرات تحصل كتبدل المواقف الاجتماعية أو ظهور بعض الصفات في شخصية الفتاة تتعارض مع صورة التمثل الأولي مما يدفع الفتاة إلى تعديل هذه الصورة. وهذه التعديلات تمنح الفتاة خيارات أخرى لإتمام حياتها كامرأة بطريقة مختلفة عن الخيار البدائي الذي ذكرت، والسؤال الذي يطرح نفسه حول الدرجة التي تؤثر بها هذه الصورة المبكرة التي اكتسبتها الفتاة من حيث كونها ستزوج وتنجب أطفالاً- هذه الصورة التي تشكل الأنا المثالية للفتاة - على تطور الفتاة المستقبلي وعلى اختيارها شريك الحياة والزواج به لاحقاً؟

حقيقة نحن خبراء الصحة النفسية لا نعرف الإجابة الدقيقة على هذا السؤال ولكننا نقول أن هذا يعتمد على أمور كثيرة. فمن الواضح أن هناك اختلافات لا تعد ولا تحصى في الطرق التي يمكن للبنت تمر بها عبر المرحلة الأوديبية والتي تؤدي إلى تكامل في بنية شخصية البنت. وهناك كثير من سبل وطرق التطور والتي يمكن من خلالها للطفل أن يحقق تطوره وهذه الطرق تختلف بين الأشخاص ولذلك يجب علينا ألا نتسرع بالقول أن هذا النموذج في التطور هو الطبيعي فقط وجميع الباقي مرضي.

بعض البنات لديهن بعض الصعوبات في تجاوز المرحلة الأوديبية بنجاح وذلك بسبب بعض الحوادث التي تحدث خلال التطور المبكر أو بسبب بنية عائلاتهن. فمثلاً إذا مات الأب أو هجر العائلة وكانت الطفلة بعمر السنتين سيخيب أمل البنت الصغيرة من خلال تجربتها كأنثى ويمكن أن تشعر بالفشل كامرأة. بنت أخرى تسير بطريقة حسنة خلال المرحلة الأوديبية فإذا ولد لها أخ صغير في هذه المرحلة ستشعر بغيرة من أخيها وهذا ما ينشط مشاعرها المبكرة التي كانت لديها كشعور بالحرمان عندما كانت صغيرة. وبنفس الوقت فإنها ستشعر بخيبة أمل من والدها لأنه هو الذي أعطى الطفل لوالدتها.. إن هذه الفتاة تعود للوراء في تطورها هاجرة كل تعلق مع أبيها وتشعر بعدم تمكنها من أسر انتباه (عناية- رعاية) أبيها إلا إذا كانت صبياً. وهذه التغيرات تعتمد على العائلة وعلى نظرة العائلة للذكور والإناث وعلى نمط العلاقة التي لاحظتها الطفلة بين أمها وأبيها.

هناك بعض الإناث لا يتجاوزن المرحلة الأوديبية، كالتي تصل إلى سن الرشد ولا تزال تشعر بأنها صغيرة وتريد والدها كما كانت أثناء طفولتها، والمشكلة في أنها تريد الرجل تماماً كما تريد البنت أباها وهذا يعني أنها تريد من الرجل أن يحملها وأن تكون مرتاحة معه وأن يقدم لها كل العواطف والمشاعر ولكنها توقف نمط العلاقة الجنسية. تخاف مثل هذه الأنثى من الجنس معتقدة أن العلاقة الجنسية مجرد فعالية تؤدي إلى الأذى والإصابة والتمزق إلى أجزاء صغيرة تماماً كاعتقادها عندما كانت طفلة صغيرة. فهي تنظر إلى الرجل على أنه كبير ومخيف لا يمكن أن تتوقع أن يكون هناك أي نوع من الرابطة الزوجية أو العلاقة الجنسية مع الرجل ويشاهد خبراء الصحة النفسية مثل هذه الأنثى تكراراً، فالمرأة من هؤلاء النساء قادرة على اختيار الرجل لتبقى معه وتبدو مغرية تماماً ولكنها غير قادرة نهائياً على التفكير بأي شيء يمت للعلاقة الجنسية عند الراشدين بصلة. فهي تماماً كالبنت الصغيرة التي توقفت عند مرحلة التطور النفسية حيث اتجهت نحو الرجل ولكنها لم تتجاوز تعلقها مع والدها.

هناك اختلافات أخرى شائعة في الاختيار الجنسي والنابع من حل المرحلة الأوديبية، فهناك بعض النساء يخترن رجالاً يشبهون آباءهن بشكل كبير بالشكل أو بالمركز أو السلوك، وأخريات واللواتي خابت آمالهن بسبب آبائهن سيكبرن دون أن يتوقعن أي شيء من الرجال ولديهن الحاجة والرغبة لانتقاص قدرهم أو منافستهم بشكل لا نهائي.

يجب أن أؤكد حقيقة أن المرحلة التي وصفتها بالنسبة للبنت أو للصبي حاولت تبسيطها كثيراً كما أنني افترضت أن العائلة سليمة وهذا افتراض مثالي وغير واقعي. إضافة إلى افتراضي أن الوالد ضمن المنزل والطفل مع أهله يخدمونه ويهتمون به وبدون أي تأثير خاص من قبل الأقرباء. وهناك عدد لا نهائي من الاختلافات في بنية العائلة والتي لا تزال تنتج طفلاً سلوكه الجنسي ضمن الحدود والمعدل الطبيعي. فمثلاً هناك الكثير من الأهالي المطلقين عندها يصبح تأثير الأب على حياة البنت أقل مما هي عليه في حالة أخرى.

إن ما سيحدث للطفل في هذه الحالة مختلف وذلك بالاعتماد جزئياً على وجود الجد أو العم أو الأخ الأكبر.. بجانبها ليقدموا لها ما تحتاجه من عواطف. ويعتمد جزئياً على عدم زواج الأم مرة ثانية، كما يعتمد كثيراً على استمرار الأب باهتمامه، وكذلك على قدرة الأم على تجاهل استيائها وغيظها من زوجها... الخ، وإنني لا أستطيع أن أدخل في تفاصيل كل الاختلافات الممكنة ولكن من المهم أن ندرك أن هذه المرحلة ليست سهلة أبداً. فالصورة التي عرضتها لهذه المرحلة كانت مجرد صورة تخطيطية وببعد واحد. ولكن الحياة نادراً ما تكون سهلة