إشكالية الحكم الجيّد و النمو الاقتصادي

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : أحمد الوليد | المصدر : www.startimes2.com

 

إشكالية الحكم الجيّد و النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا

        لقد تبنّت بعض دوّل العالم الثالث استراتيجيات و نماذج تنمية مختلفة، و رغم كلّ الإصلاحات الاقتصادية المتتالية التي قامت بها معظم هذه الدّول إلا أن النتائج جاءت مغايرة و لم يتمّ التوصّل إلى أداء اقتصادي يحدث تنمية حقيقية، باستثناء بعض الدّول. لهذا أصبح من الضروري القيام بدراسة شاملة و دقيقة قوامها الصّرامة و الجدّ من أجل معرفة أسباب الفشل، إلا أنه لا يجب البحث عن هذه الأسباب في تقنيات تحضير مخططات التنمية أو في عجزها وإنما يتطلب الأمر البحث عنها في طبيعة النظام الاقتصادي، الاجتماعي و السياسي وكيفية عمله، فأصبحت إذا طريقة وأسلوب الحكم في قفص الاتهام نظرا لما آلت إليه نتائج سياسات التنمية الاقتصادية في معظم الدول النامية.                                              

          لقد تمّ إعداد هذا المقال العلمي من خلال قراءات مختلفة للبحوث التي تمّ إجراءها من قبل الخبراء و الباحثين في القضايا الحديثة للتنميّة الاقتصادية، و في ما يخص المنهج المتبع في هذا البحث فهو منهج قائم على الوصف و التحليل و ذلك من خلال التطرق لمفهوم الحكم الجيد و موقع دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا (MENA)منه وعلاقته بالنمو في المنطقة، و كذا منهج قائم على المقارنة من خلال المقارنة بين بعض الدول العربية من حيث  نوعية و جودة الحكم في المنطقة استفحال آفة الفساد. أما حالة الجزائر فتستدعي منّا الوقوف عند آخر المطاف لتقييم الأداء الاقتصادي. أن السؤال الأزلي و الأهم في هذه المداخلة هو: هل الحكم الجيد ضروري و كافي لتحقيق نمو مستدام في المنطقة؟

         فإن مفهوم " الحكم الجيد " في حد ذاته لا يزال مفهوماً غامضاً ومسألة محل نقاش  و من خلال البحوث المقدمة في هذا المجال قد تبين لنا أن هناك اختلاف و تباين واضح فيما يخص أصل المصطلح إلا أنه يوجد تقارب كبير فيما يخصّ مفهومه.

- فالاقتصادية Saika Coulibalyترى أن كلمة الحكم الجيّد أصلها إنجليزي قديم أعيد استعماله من قبل البنك العالمي في منتصف الثمانينات حيث أصبح من الاهتمامات الكبرى في الخطابات الاقتصادية و السياسية و يمكن تعريفه بأنه "طريقة تسيير سياسة أعمال و شؤون الدولة" [1].  

- و حسب الأستاذ محمد الشريف بلميهوب يقصد بالحكم الجيّد: أسلوب و طريقة الحكم و القيادة، تسيير و إدارة أعمال منظمة، هذه الأخيرة يمكن أن تكون دولة، مجموعة من الدول، منطقة، مؤسسات عمومية أو خاصة،. فالحكم الراشد يرتكز إذن على أشكال التناسق، التشاور، المشاركة، و الشفافية في اتخاذ القرار... [2]

- أما بالنسبة لخبراء FMIفهم يعرفون الحكم الراشد (الحاكميّة): كنمط خاص للتسيير، ومباشرة السلطة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية من أجل الإدارة الجيدة لأعمال المؤسسات، المنظمات، الحكومات، الأفراد... كذلك البنك العالمي (WB)يرى في الحكم الجيّد أنه قضية تسيير، مسألة إصلاح مؤسساتي، اختيار سياسي، تحسين التناسق و توفير الخدمات العمومية بطريقة فعالة. [3]

إذن الحكم الجيّد هو ذلك الحكم الذي يعزز و يصون رفاه الإنسان و يقوم على توسيع قدرات البشر و خياراتهم (مساهمات البروفيسور Amartya SEN  في تطوير مفهوم الاستحقاقات كمعيار لقياس رفاهية البشر عوضا عن المقاربة التقليدية التي تعرف الرفاهية على أساس المنفعة) و يقصد بالاستحقاقات هي تلك الحقوق الجوهرية التي ينبغي أن يتمتع بها البشر و تشمل في مفهومها الواسع الحريات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الفرص و لاسيما لأفراد المجتمع الأكثر تهميشا. أيضا هو ذلك الحكم الذي يحمل في طياته الكثير من المبادئ و القيم السامية مثل المشاركة، الشفافية، المسائلة، الديموقراطية و يكون هذا الحكم فعالا و منصفا و يعزز صيانة القانون، و قد توسع هذا     المفهوم ليشمل الإدارة، المؤسسات و المجتمع المدني.

والحكم الجيّد يتحقق بالمشاركة والشفافية(تساعد على جود قنوات وآليات لضمان وصول الأفراد إلى صانع القرار) والمساءلة(تعني ممارسة النفوذ والتأثير على المحكومية)، وكذلك من خلال القانون. أما من حيث المجالات التي يغطيها فهو يغطي الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ولكل من هؤلاء الفاعلين الثلاثة وظائفه [4]:

- فالدولة: توفر الإطار السياسي والقانوني الملائم.

- القطاع الخاص فهو ينتج الأرباح ويخلق الوظائف.  

- في حين يعمل المجتمع المدني على تسهيل التفاعل السياسي والاجتماعي.

 ومفهوم الحكم الجيّد لا يعمل في فراغ، ولكنه مفهوم مصاحب لمفهوم العولمة، وسوف يتم التركيز على البعد الاقتصادي في ظل ما يطلق عليه اسم النظام العالمي الجديد، والذي يدفع من خلال التطور التكنولوجي السريع إلى الانتقال من اقتصاد موجه إلى اقتصاد السوق ومن تم الاندماج في الاقتصاد العالمي.

 

 

- إدارة الحكم في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا:

إن الحكومات في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا قد حاولت باستمرار أن تؤمن كمّا كبيرا من الخدمات العامة لجميع مواطنيها، و قد تم تحقيق بعض النتائج المذهلة على مستوى التغطية.

و لكن، تحت هذه المكاسب يكمن ضعف في مستويات التضمينية. إن ضغوط النمو الديموغرافي و التمدن المتسارع، إضافة إلى التعقيد المتزايد للخدمات العامة الحديثة تعيق تغطية هذه الخدمات، حين يتم تناول مسألة ضعف التضمينية في المنطقة. و غالبا ما يكون التركيز على مشكلة التمييز بين الجنسين، إذ أن فئات متعددة تعاني من آثار انعدام التضمينية. إن مبدأ التضمينية ينتهك مثلا لما يقدّم لسكان الريف خدمات عامة أقل، مما يولّد في المنطقة أحد أعلى معدلات الأمية لفئة الدول متوسطة الدخل....هكذا، فإن الفجوة في مستوى إدارة الحكم تنعكس في فجوة إجتماعية آخذة بالاتساع بين دول المنطقة و الدول التي عليها أن تتنافس معها. إن معدّل وفيات الأطفال في مصر تجاوز 69 بالألف عام 1999، و هو معدل أعلى بكثير مما نجد في إندونيسيا (42 بالألف) و هي دولة لا يتجاوز معدل دخل الفرد فيها نصف معدل دخل الفرد المصري. في الإمارات العربية المتحدة فقط، إحدى أغنى دول المنطقة، يوازي معدل وفيات الأطفال المعدل الهنغاري و الماليزي (8 بالألف). إن اثنين من كل خمسة راشدين تقريبا يعانيان من الأمية في المغرب و أكثر من ثلاثة من كل خمس نساء، وهي نسبة تقارب دول أشد فقرا بكثير كموزنبيق [5].

و ماذا بشأن المساءلة (الشفافية و التنافسية التي تشكل مرتكزاتها)؟ بشكل عام منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا تشكو من مستوى شفافية يشوبه الضعف و التردد، و خير دليل على ذلك ندرة البيانات و المعلومات الإحصائية المتوافرة حول نوعية إدارة الحكم في المنطقة و تشديد الخناق على حرية الصحافة....


[1] Saika Coulibaly, participation citoyenne, bonne gouvernance et développement durable, colloque international, Ouagadougou, 2004.

[2]Mohamed Chérif BELMIHOB, Gouvernance et rôle économique et social de l’état : entre exigences et résistances,   revue de ENA, Nº1, 2001.

[3] Mohamed Chérif BELMIHOB, op, cite.

[4]   د. أوسرير منور، زرقوق رتيبة، الحكم الرشيد: بين حقوق الإنسان والمشروطية، الملتقى العلمي الدولي بجامعة معسكر، 2005.

 

[5]   البنك الدولي، الحكم الجيّد لأجل التنمية في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، تقرير عن التنمية في منطقة MENA، 2003.