العرب.. تجارة حرة أم مقيدة؟

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : صاعقة 1 | المصدر : www.startimes2.com

 

العرب.. تجارة حرة أم مقيدة؟




على خلاف الإحباطات السياسية والاقتصادية التي مرت بها المنطقة العربية عام 2004، بدأ عام 2005 بأنباء تبدو متفائلة، أبرزها التطبيق الفعلي الكامل لاتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والتي تنص على التخفيض الجمركي بنسبة 100% بين 17 دولة عربية وهي: السعودية وقطر والبحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والمغرب وسلطنة عمان وفلسطين والسودان وسوريا وتونس واليمن.

وتكمن مساحة التفاؤل في إحساس المواطن العربي بأن هذه الاتفاقية قد تكون إحدى الطرق لاستعادة قوة الأمة العربية اقتصاديا بالنسبة لمجمل الاقتصاد العالمي، كما يأمل أغلب رجال الأعمال العرب بأن تسهم هذه الاتفاقية في زيادة التجارة البينية بين الدول العربية والتي لا تتجاوز 9%.

إلا أن هذا التفاؤل قد لا يصمد أمام واقع تجذرت فيه العوائق، وأصبح من الصعب نسيانها خلف تفاؤل أوراق الاتفاقات العربية، لا سيما في ظل الارتباطات الاقتصادية بين الدول العربية ومناطق أخرى بعضها يقع في أفريقيا مثل السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا) أو في أوربا (الشراكة مع الاتحاد الأوربي) أو الولايات المتحدة (اتفاقات المناطق الحرة). ولا يمكن معرفة العوائق التي تواجه اتفاقية التجارة الحرة العربية، دون إدراك لحجم الالتزامات التي تفرضها الاتفاقية، وهو ما سنحاول أن نعرضه في السطور التالية.

لماذا التجارة الحرة؟

بأبسط العبارات تعرف منطقة التجارة الحرة بأنها صورة من صور التكتل بين دولتين أو أكثر، وتهدف إلى إزالة كافة القيود الجمركية وغير الجمركية على التجارة في السلع والخدمات فيما بينها؛ لزيادة حجم التبادل التجاري، ورفع معدلات النمو الاقتصادي، والتمهيد لعمليات التكامل الإنتاجي، وعادة ما يتم تحديد فترة زمنية لتنفيذ منطقة التجارة، يتم خلالها إزالة العقبات.

وثمة اختلاف بين منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي، فالأولى تتوحد فيها المعاملة الجمركية بين الدول الأعضاء فقط، بينما الثانية تتوحد فيها المعاملة للدول الأعضاء عند تعاملها مع الدول الأخرى غير الأعضاء؛ ولأن التعاون الاقتصادي العربي بات ضرورة ملحة تمليها تحديات النظام العالمي الجديد المبني على تحرير المبادلات التجارية والتكتلات الإقليمية. فقد أصبح من اللازم تقليص ثم إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية لا سيما أنها فشلت أساسا في تحقيق أغراضها، فلم تنجح هذه الرسوم في حماية الصناعات المحلية، حيث فرضت على سلع مستوردة لم يكن لها نظير محلي، وأصبحت بالتالي الرسوم مجرد مورد مالي يفيد الدول العربية في سد عجز ميزانيتها، كما كانت معرقلا للاستثمارات الأجنبية.

في الوقت نفسه، فإن المنطقة العربية بها بعض الأسس التي تسمح بإقامة مناطق تجارة حرة، فهي تمتلك قواعد إنتاجية متنوعة زراعية وصناعية تنتج كميات كبيرة من السلع تفوق حاجات الطلب المحلي لكل دولة الأمر الذي يجعل تنفيذ برنامج منطقة التجارة الحرة أكثر سهولة من الماضي.

يضاف إلى ذلك فإن الدول العربية متقاربة فيما بينها من حيث التطور الاقتصادي بسبب التقارب في مستويات البحث العلمي والتكنولوجي، ومستويات تراكم رأس المال، وهو ما يسهل عملية التخصص الإنتاجي، وإعادة توزيع الموارد بين الدول العربية داخل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عند قيامها.
اتفاق التجارة العربي

استنادا لهذه الأسس بدأت مسيرة إقامة منطقة تجارة حرة عربية في عام 1981، غير أن البداية الفعلية جاءت مع موافقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية في فبراير 1997 على البرنامج التنفيذي لإقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى خلال 10 سنوات، اعتبارا من أول يناير 1998.

وتضمن هذا البرنامج تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم ذات الأثر المماثل بنسبة 10% سنويا لمدة 10 سنوات تبدأ من يناير 1998، وتنتهي في عام 2007، غير أنه تم تخفيض هذا التاريخ ليصبح يناير 2005. ووفقا للاتفاقية تم التدرج في عملية إزالة الحواجز الجمركية منذ عام 1998 بنسب تبدأ من‏ 10%‏ سنويا ثم ترتفع إلى ‏20%‏ كل سنة لتصل في يناير ‏2005‏ إلى صفر‏.‏

وتفترض المنطقة الحرة سريان إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية على تجارة جميع أنواع السلع ذات المنشأ العربي دون استثناء. وقد وافقت أقطار الخليج الستة على هذا المبدأ. أما البلدان الأخرى فقد قدمت كل منها قائمة بالسلع التي لا ترغب بتحريرها. وحسب تقارير لجنة التنفيذ والمتابعة يتضح أن عدد السلع المستثناة بلغ 832 سلعة. وبطبيعة الحال كلما كثر عدد الاستثناءات تضررت مصداقية المنطقة، وتراجع دورها في تنمية التجارة البينية. كما أن استثناء سلعة معينة من قبل دولة ما يعطي الحق لدول أخرى في استثناء سلع مماثلة.

وحتى لا تنقلب الاستثناءات إلى قاعدة عامة تفضي إلى فشل المنطقة الحرة وضع برنامج للضوابط التي تحكم الاستثناءات، واشتراط أن تقدم الدولة المعنية المبررات المقنعة من الناحية الاقتصادية وألا تتجاوز مدة الاستثناء 4 سنوات، وألا تزيد قيمة السلع المستثناة عن 15% من قيمة الصادرات إلى البلدان الأعضاء في المنطقة.

أما شهادات المنشأ، فبمقتضى اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري لعام 1981 تعتبر السلعة ذات منشأ عربي عندما تضيف إليها دولة عربية قيمة جديدة لا تقل عن 40% من قيمتها النهائية، وتهبط النسبة إلى 20% في حالة الصناعات التجميعية.
تشابه الهياكل

رغم التدرج في تطبيق الاتفاقية على مدى‏ السنوات الماضية فإن هناك تخوفات من المنافسة بين دول المنطقة، خاصة أن هياكل الإنتاج في معظم الدول العربية متشابهة؛ وهو ما يوجد منافسة شديدة في حالة دخول هذه السلع الأسواق المحلية بدون أي رسوم جمركية‏.‏

ويرى الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية في مقابلة مع صحيفة الأهرام المصرية الصادرة يوم الأحد 2-1-2005 أن التجارة العربية البينية ما تزال نسبتها منخفضة‏،‏ حيث تتراوح بين‏ 7%‏ و‏9%‏ من إجمالي التجارة العربية الخارجية‏، ‏وهي في حدود ‏30‏ مليار دولار، ويشكل البترول نسبة ‏70%‏ من هذه التجارة؛ وبالتالي لا يتبقى سوى ‏30%‏ فقط من إجمالي التجارة العربية البينية للسلع والمنتجات المتبادلة،,‏ وهذه النسبة البسيطة هي التي سيتم تطبيق اتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة عليها‏.‏ ويقول د‏. ‏جويلي: إن نسبة الخفض المتبقية في يناير ‏2005‏ هي ‏20%‏ فقط بينما ‏80%‏ من الخفض الجمركي تم إنجازه بالفعل خلال السنوات الماضية‏
معوقات تحتاج لمواجهة

غير أنه حتى في إطار الـ30 % المتبقين للتجارة العربية، فإن عددا من الخبراء ومنهم صباح نعوش الباحث الاقتصادي العربي في باريس رصدوا عدة تحديات تحتاج إلى مواجهة حقيقية حتى تحقق منطقة التجارة الحرة العربية أهدافها، ومنها:

1- تضارب الالتزامات، فمعظم الدول الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة عقدوا اتفاقات مع دول أو مناطق أخرى، أو حتى فيما بينها، فعلى سبيل المثال مصر دخلت في أكثر من اتفاق تجارة حرة مع الكوميسا والمنطقة العربية والشراكة مع الاتحاد الأوربي واتفاقية الكويز، وتسعى لاتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة.. هذه الاتفاقات قد تؤدي لتضارب الالتزامات إذا لم يكن هناك تنسيق. وتصعب بالتالي التزامات أعضاء منطقة التجارة الحرة العربية، ففي خلال السنوات الثلاث الأولى 1998 و1999 و2000 التزمت جميع الدول الأعضاء التزاما كاملا بالخفض التدريجي للرسوم الجمركية. أما تنفيذ الالتزام بتقليص الضرائب ذات الأثر المماثل فلا يتجاوز 58%، واقتصر التنفيذ على بلدان مجلس التعاون الخليجي التي لا تعرف أصلا مثل هذه الضرائب، كما اتضح أن ضعف التنفيذ ارتكز على القيود الكمية، إذ لم تقم أي دولة بإلغائها. وتتراوح نسبة التنفيذ بين 39% و56% فقط.

2- أهمية معالجة الآثار المالية السيئة الناجمة عن تقليص الرسوم الجمركية، إذ تعتمد البلدان العربية غير الخليجية على هذه الرسوم في إيراداتها العامة وتمويل نفقاتها، فعلى الرغم من الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى تحرير التجارة الخارجية ما تزال حصيلة الرسوم الجمركية تشكل مصدرا أساسيا من مصادر الإيرادات العامة في مصر والأردن وتونس والمغرب.

3- معالجة مشكلة ضعف هياكل الإنتاج. فمن ناحية ينتج العالم العربي مواد لا يحتاجها بكاملها في أسواقه المحلية، وأوضح مثال على ذلك النفط، حيث ما يزيد الاستهلاك على 17% من الإنتاج. ويحتاج العالم العربي لأنواع عديدة من السلع لا تنتجها أجهزته بصورة كافية على المستويين الكمي والنوعي. ففي الميدان الزراعي تبلغ قيمة الفجوة أكثر من 19 مليار دولار سنويا وتنصب على منتجات لا تقبل الاستغناء أو الاستعاضة كالحبوب. أما المواد المصنعة فهي تستحوذ على 67% من مجموع الواردات العربية، وهي تقريبا النسبة نفسها التي تحتلها منتجات الطاقة في الصادرات. ولما كانت المواد المصنعة تنتج في الولايات المتحدة وأوربا وبعض البلدان الآسيوية، ولما كانت هذه المجموعات أكبر سوق لتصريف منتجات الطاقة فإن الجزء الأكبر من التجارة العربية يجري معها؛ وبالتالي تنتفي الحاجة إلى المبادلات البينية فتصبح ضعيفة. وعلى هذا الأساس يلعب تحرير التجارة دورا ثانويا قياسا بدرجة مرونة هياكل الإنتاج. فإن استمر وضع الإنتاج العربي على هذا النحو فلن تؤثر المنطقة الحرة في التجارة البينية تأثيرا يستحق الذكر. لذا فإنه ينبغي العمل على تنويع القاعدة الإنتاجية وتحسين كميات الإنتاج ورفع الكفاءة النوعية للمنتجات.

4- ضرورة التنسيق بين البلدان العربية بشأن التخصص في الإنتاج حسب الأحوال الاقتصادية لكل دولة، إذ إن وجود منطقة حرة مع إنتاج سلع قليلة ومتشابهة في عدة أقطار عربية يقود إلى منافسة حادة دون الحصول على نتائج إيجابية. لا شك في أن المنافسة ضرورية للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، ولكن الاندماج التجاري العربي وهو الهدف من المنطقة الحرة لا يتحقق إلا عبر التخصص المنظم الذي يكفل تحسين المقدرة الإنتاجية. هذا الأسلوب يشجع الاستثمارات العربية البينية ويوفر المناخ المناسب للاستثمارات الأجنبية ويطور القدرة التنافسية للسلع العربية المصدرة إلى خارج المنطقة، كما يسمح بالاستخدام الأمثل للعمالة والأطر العلمية والفنية. عندئذ تنمو الصناعة والزراعة وتزدهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

تلك هي بعض العراقيل والتحديات المطروحة أمام منطقة التجارة الحرة العربية التي تحتاج إرادة جادة لتخطيها وحتى يتحقق حلم السوق العربية المشتركة الذي يرى الكثيرون أنه ليس مستحيلا إذا توفرت له الإرادة السياسية