هل صحيح أن عدم ذهاب الرجل للصلاة مع الجماعة سبب في نزع البركة من حاله وماله

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : ابن باز | المصدر : www.binbaz.org.sa

هل صحيح أن عدم ذهاب الرجل للصلاة مع الجماعة سبب في نزع البركة من حاله وماله، وما الدليل على ذلك؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله, وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما. بعد: فلا ريب أن الصلاة هي عمود الإسلام, وهي أعظم الواجبات والفرائض بعد الشهادتين, وقد دل على ذلك آيات كثيرات وأحاديث صحيحة عن رسول الله- عليه الصلاة والسلام-, فمن ذلك قوله- عز وجل-: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (البقرة:238), وقوله- سبحانه-: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (البقرة:43), وقوله- سبحانه-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ(العنكبوت: من الآية45), وقال- سبحانه-: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون:1-2) ) إلى أن قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(المؤمنون(11)), وقال- تعالى-: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ(البينة(5)), فجعلها قرينة التوحيد (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) هذا هو التوحيد هذا هو معنى لا إله إلا اله, ثم قال بعدها: (وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ), وقال سبحانه: (فَإِن تَابُواْ) يعني من الشرك وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ(التوبة(5)), فدل على عظمتها وأنها قرينة التوحيد, وقال- سبحانه-: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ(التوبة رقم(11)), وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, ويقيموا الصلاة, ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام), ومن أهم واجباتها وأعظم واجباتها أداؤها في جماعة في حق الرجل حتى أوجبها الرب- سبحانه- في حال الخوف قال -جل وعلا-: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ... الآية (النساء102)، فأوجب صلاة الجماع في حال الخوف, وفي حال مصافات المسلمين لعدوهم الكافر, فأمرهم أن يصلوا جماعة وأن يحملوا السلاح لئلا يحمل عليهم العدو, وقال- عليه الصلاة والسلام-: (من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر), وأتاه -صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى, فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال المصطفى- عليه الصلاة والسلام-: هل تسمع النداء في الصلاة؟ قال: نعم ، قال: فأجب) خرجه الإمام مسلم في صحيحه, فهذا رجل أعمى لم يأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - في التخلف عن الجماعة, وفي اللفظ الآخر قال: (لا أجد لك رخصة), فصرح أنه ليس له رخصة وهو أعمى ليس له قائد يلائمه يعني يحافظ على الذهاب معه, فإذا كان الرجل الأعمى الذي ليس له قائد يعتني به ويحافظ عليه ليس له رخصة بل عليه أن يذهب ويتحرى ويجتهد حتى يصلي في المسجد, فكيف بحال القوي المعافى فالأمر في حقه أعظم وأكبر, ثم التخلف عن صلاة الجماعة من أعظم الوسائل في التهاون بها وتركها بعد ذلك, فإنه اليوم يتخلف وغداً يترك ويضيع الوقت؛ لأن قلة اهتمامه بها جعلته يتخلف عن أدائها في الجماعة وفي المساجد التي هي بيوت الله التي قال فيها- سبحانه-:فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ(النور36) وهي المساجد, وهذا أمر مجرب فإن الذين يتخلفون عن الجماعة يسهل عليهم ترك الصلاة بأدنى عذر وبأقل سبب, ثم بعد ذلك يتركونها بالكلية لقلة وقعها في صدورهم, ولقلة عظمتها في قلوبهم فيتركونها بعد ذلك, فترك الصلاة في الجماعة وسيلة غريبة وذريعة معلومة لتركها بالكلية, وقد قال- عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد في المسند, وأبو داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجه بسند صحيح عن بريدة بن حصين - رضي الله عنه - وخرج مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة), وهذا يدل على أنه كفر أكبر الكفر والشرك, فأتى بكفر معرف, وشرك معرف, وهذا دليل على أن المراد به الكفر الأكبر وإن كان بعض أهل العلم رأى أنه كفر دون كفر إذا كان غير جاحد لوجوبها ويعلم أنها واجبة ولكن تساهل فقد ذهب جمع كبير من أهل العلم, حكى بعضهم قول الأكثرين أنه كفر دون كفر, وأنه لا يكفر به الكفر الأكبر لكن الصحيح الذي قامت عليه الأدلة أنه كفر أكبر, وهو ظاهر إجماع الصحابة قبل من خالفهم بعد ذلك, وقد حكى عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل الثقة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة, فإن الصلاة تركها كفر, ومراده الكفر الأكبر؛ لأن هناك أشياء عملها كفر لكن ليس بالكفر الأكبر, مثل الطعن في الأنساب, والنياحة على الأموات سماها النبي كفر, والصحابة يسمونه كفر لكنه كفر أصغر, فلما أخبر عنهم أنهم لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة علم أنه أراد بذلك الكفر الأكبر كما جاء في الحديث, وأما كون هذه المعصية تسبب محق البركة, وتسبب أيضاً شراً كثيراً عليه في بدنه, وفي تصرفاته فهذا لا يستغرب فإن المعاصي لها شؤم كثير, ولها عواقب وخيمة في نفس الإنسان, وفي قلبه, وفي تصرفاته, وفي رزقه فلا يستغرب هذا وقد دلت الأدلة على أن المعاصي لها عواقب وخيمة, وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه), ومعلوم أن المعاصي تسبب الجدب في الأرض, ومنع المطر, وحصول الشدة, وهذا كله بأسباب المعاصي كما قال- عز وجل-: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(الشورى30) وقال-سبحانه-: مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ(النساء79) هذا أمر معلوم بالنصوص وبالواقع, فجدير بالمؤمن أن يحذر مغبة المعاصي وشرها, وأن يتباعد عنها, وأن يحرص على أداء ما أوجب الله عليه, وعلى المسارعة إلى الطاعات فهي خير في الدنيا والآخرة الطاعات كلها خير في الدنيا والآخرة, والمعاصي شرٌ في الدنيا والآخرة رزق الله الجميع للعافية والسلامة. جزاكم الله خيراً