تربية الأولاد في الإسلام التربية الاجتماعية

الناقل : heba | المصدر : cmadp.com

سم الله الرحمن الرحيم

                                                                      

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهمَّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنَّك أنت العليم الحكيم ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الإخوة الكرام ... مع الدرس الثامن والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، وقبل أن نتابع الآداب التي أدّب بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه ، والآداب اليوم هي أدب العطاس والتثاؤب .

أريد أن أبيّن هذه الحقيقة وقد ذكرتها من قبل ولكن في إعادتها فائدةً كبرى .. الأدب له طريقان ، طريقٌ تعلُّمي ، وطريقٌ ذوقي ، فكلّ إنسان اتصل بالله عزَّ وجلَّ ومن خلال هذه الصلة يكافئه ربنا بأن يمنحه خلقاً حسناً ، فالأخلاق الأصيلة الحقيقيّة التي يمكن أن تكون سبباً في سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة هي أخلاقٌ مكتسبة من الله عزَّ وجلَّ ، هذه الأخلاق لا علاقة لها إطلاقاً بالأخلاق التجاريّة .

الأذكياء دائماً وبحكم ذكائهم يسلكون سلوكاً مقبولاً محموداً لينتزعوا إعجاب الناس وليحققوا مصالحهم .

أي أنّ الشيء الذي تسمعونه أحياناً : فلان يفعل هذا من أجل الانتخابات ، ليس عنده رغبة في الإصلاح ، ولا في السلام مثلاً ، ولكن من أجل الانتخابات يفعل هذا ، معنى ذلك أنّ الأفعال البشريّة من الأشخاص الذين لا يعرفون الله سبحانه وتعالى أفعال معلولة بالمصالح ، وهذه الأخلاق تتفوق أوروبا بها كثيراً .. تتحدّث عن حقوق الإنسان وهي أكبر جهة في الأرض تنتهك حقوق الإنسان ، تراعي حقوق الحيوان وهي تهضم حقوق الشعوب .

فالإنسان أحياناً بذكائه يتصرَّف تصرُّفاً محموداً ومقبولاً ، هذا التصرُّف أيها الأخوة لا علاقة له بالدين إطلاقاً ، هذا التصرُّف أساسه الذكاء ، وهدفه المصلحة ، إما الإعجاب المعنوي كانتزاع إعجاب الآخرين ، وإما المصالح الماديّة ، وهذا خارج نطاق دروسنا كلّها ، فالأذكياء دائماً لهم تصرُّفات مقبولة في انتزاع إعجاب الآخرين وهي ليست عبادة وليس هذا من الدين ، الأخلاق الأصيلة التي تسعد صاحبها إلى الأبد أخلاقٌ اشتُقَّت من اتصال العبد بربّه .. هذه واحدة.

فهناك اسلوب ذوقي أساسه الصلاة ، وإذا كان الذوق العام ضعيفاً، والاتصال ضعيف تأتي هذه الدروس لنذكر فيها ما فعله النبي وما لم يفعله ، وهذا أسلوب تعليمي ، أساسه التبيين ، كان النبي إذا عطس مثلاً فعل كذا  ، أو إذا رأى من أصحابه شيئاً قال : "كذا ".. هذا اسلوب تعليمي بياني .. وهناك أسلوب إشراقي .

يمكن لك أن تتأدّب بآداب الإسلام مرّتين .. مرّةً باتصالك بالله عزَّ وجلَّ ، وعندي في ذلك شواهد كثيرة .. فأحياناً تجد إنساناً موصولاً بالله يوضع في ظرف معيّن فيتصرّف وفق الحكم الشرعي وهو لا يعلم الحكم الشرعي .. ذوقاً ، وأنا أعلم علم اليقين أنّه لا يعلم الحكم الشرعي لكنّ الكمال الذي اشتقّه من الله عزَّ وجلَّ أملى عليه أن يفعل كذا وكذا ، ولا مجال لذكر كثير من الشواهد في ذلك .

فالآداب .. إما انضباط ذاتي ، أو انضباط خارجي . فالإنسان بوعيه يقول : هذه لا يجوز فعلها ولا أفعلها ، وهذه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، وهذا شيء جيّد أيضاً ، فقد تلقيت دروساً في العلم وعرفت سلوك النبيّ الكريم ، والأسلوب الصحيح الكامل ، وبوعيك انضبطت ، لكن لو اتصلت بالله عزَّ وجلَّ تشتقُّ من الله الكمال ، وهذا الكمال هو الكمال الإشراقي .

وهناك كمال بياني أساسه التعلُّم والتعليم والتذكُّر والوعي ، والسيطرة على الذات ، وهناك كما ذكرنا كمال إشراقي ، لكن المواقف التي تعجب الناس أحياناً من الأجانب والكفّار ، وهذه بالتأكيد لا علاقة لها إطلاقاً بالدين ، قضيّة ماديّة إما لهدف انتزاع إعجاب الآخرين ، أو لهدف آخر هو تحقيق مصالح معيَّنة ، والدليل على ذلك هذا الذي يتخلّق بأخلاق أساسُها الذكاء ، وحينما تضرب مصالحه ينقلب إلى وحش ، فكلّ نعومته تختفي ، وقد ذكرت هذا في خطبة الجمعة الماضية .

فقد بدأت الخطبة هكذا ... الإنسان له حاجات أساسيّة ، فعنده حاجةٌ إلى الحب وهي حاجة أساسيّة أن تُحِب وأن تُحَب ويستوي في ذلك كلّ الناس ولو كانوا غير مؤمنين ، وعندك حاجة إلى التقدير ، أن يقدِّرك الناس ، وعندك حاجة إلى الأُنس .. تأنس بالمجتمع ، وعندك حاجة إلى التقوّي بالآخرين والاحتماء بهم ، وعندك حاجة إلى الأمن ، فهذه كلّها حاجات اجتماعيّة ، وعند حاجة إلى اقتباس أفكار الآخرين ومنجزاتهم ومعارفهم .

مجموع هذه الحاجات .. الحب ، والتقدير ، والأُنس ، والأمن ، والتقوّي ، والاستنصار ، واقتباس المعارف والعلوم والمكتسبات ، كل هذه الحاجات وبمجموعها تولّد الدافع الاجتماعي .

فالإنسان بفطرته يميل إلى المجتمع ويميل لأن ينخرط فيه ، وأن يندمج مع المجتمع ، ويميل إلى الالتقاء مع الناس وفي الوقت نفسه هناك دافعٌ فرديّ ، ونزعةٌ انعزاليّة .

لو أنّ هناك دافعاً اجتماعياً وآخر فردياً ، واصطدم الدافع الاجتماعي بالمصالح الشخصيّة فتجد الإنسان المقطوع عن الله الذي لا يعرف الله يركل بقدمه كل دوافعه الاجتماعيّة ويغتصب هذا الشيء ليحقق مصلحته ، فيأخذ بيتاً ليس له ، فأين سمعته ؟!! فقد أعارك البيت يوما أو يومين أو شهراً أو شهرين ومن غير أن تدفع له إيجاره فسكنت فيه ثماني سنوات ، وقلت لصاحبه بعد ذلك: هذه المحاكم أمامك . فأين هي سمعتك وخوفك على مكانتك ؟؟! فعندما تحققت المصلحة الماديّة ركل سمعته الاجتماعيّة بقدمه ، فهذا هو الإنسان قبل أن يعرف الله .

ولكن ماذا فعل الإسلام ؟ الإسلام غذّى الدافع الاجتماعي .. غذّاه.. ولكنّه صعّده وسما به ، فقد جعل الإسلام الدافع الاجتماعي أساسه العبادة ، أساسه التقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ ، وأساس الدافع الاجتماعي في الإسلام التقرُّب إلى الله بخدمة خلقه ، فكل ما لدى المؤمن من اجتماعيّات وميول اجتماعيّة هدفها التقرُّب إلى الله بخدمة خلقه ، إذاً الدافع الاجتماعي عند المؤمن هو الله فقد سما به وصعّده فأصبح دافعاً نبيلاً قال تعالى :

( سورة الإنسان : آية " 9 " )

أصبح دافعه دافعاً سامياً هدفه أن تأخذ بيده إلى الله ، فتلتقي مع أخيك وتقوم بدعوته وتأخذه لنزهة وتخدمه وتعاونه ، من أجل هدفٍ واحد وهو أن تأخذ بيده إلى الله ، فأين الثرى من الثُريا، أين الدافع الاجتماعي عند الكافر وأين الدافع الاجتماعي عند المؤمن .

وشيءٌ آخر .. النشاط الاجتماعي عند المؤمن وفق قنوات نظيفة ، فلا يوجد اختلاط ، ولا تبادل أو تجاوز للحدود ، فالنشاط الاجتماعي أساسه القنوات النظيفة التي شرعها الله عزَّ وجلَّ ، ولا يوجد كذب أو مجلس يسفك فيه دمٌ ، أو يُنتهك فيه عِرضٌ ، أو يُغتصبُ مالٌ فهذه المجالس محرَّمة أن تجلس فيها ، فقد جعل لك كلّ النشاط الاجتماعي نظيفاً وضمن قنوات نظيفة .

وشيء آخر .. حينما يفسد المجتمع وتنحلُّ فيه القيم وتداس فيه المبادئ عندئذٍ يأمرك الإسلام أن تعتزل هذا المجتمع ، قال عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه : الوحدة خيرٌ من جليس السوء.

إذاً قضيّة الآداب قضيّة مهمة جداً ، أي أنّ الآداب هي المظهر الصارخ للمؤمن ، فالمؤمن أديب في حركاته ، وسكناته ، وجلوسه ، وطعامه ، وشرابه ، وسائر تصرُّفاته .

الآن ندخل في آداب العُطاس ...

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَإِذَا قَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . فَلْيَقُلْ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ *

(صحيح البخاري)

وفي رواية أبي داوود والترمذيّ :" فليقُل يغفر الله لنا ولكم ".

كلمات :" الحمد لله ".. "يهديكم الله ويصلح بالكم ".. "غفر الله لنا ولكم ". كلمات طيّبة جداً تبعث الأُنس والمودّة .

العاطس يقول :" الحمد لله " أو الحمد لله ربِّ العالمين ، أو الحمد لله على كلِّ حال .. أي أنّ العاطس عليه أن يحمد ، ويقول صاحبه : "يرحمك الله ". فيجيب العاطس :" يهديكم الله ويصلح بالكم "، أو" يغفر الله لنا ولكم ".

وهنا سنذكر نقطة هامة جداً .. فقال : "لا يشمّت العاطس إذا لم يحمد الله ". أي يوجد شيء اسمه تأديب ، فيوجد أدب وهناك تأديب . فالإسلام يوجد فيه تصرُّفات واقية .

  ...عَنْ أَبِي مُوسَى قال : ... سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ *

(صحيح مسلم )

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِي اللَّهم عَنْهم يَقُولُ : عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الأخَرَ فَقَالَ الرَّجـُلُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي . قَالَ : إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ * 

                  (صحيح البخاري)

فالأب أحياناً يعمل مكافأة لمن أدّى صلاة الفجر ، أو لمن قرأ القرآن  ، أو يعمل المكافآت لمن حضر معه مجلس العلم ، فيقدِّم له هديّة صغيرة فإذا اعترض الآخر قال له : لقد حضر معي الدرس ، أو حفظ جزءاً من القرآن . فالعطاءات ينبغي أن تكون مربوطة بالإنجازات ، على حين الأب الجاهل يعطي ويمنع بلا سبب أي العطاء مِزاجي والمنع مِزاجي ، فلا يوجد قيم للعطاء والمنع ، أو يعطي لسبب يكتمــه ، فلم نستفد من هذا العطاء ، ولكن ينبغي أن يربط العطاء والإكرام والهديّة بسبب ديني .

وقد سمعت عن سلفنا الصالح كانوا إذا حفظ الطالب القرآن أقاموا له احتفالاً ضخماً وقدّموا له الهدايا ، فيقدم له أثمن الأشياء ، والآن يوجد شيء من هذا القبيل .

فالإبن يأتي بالمرغِّبات والمكافآت والتشجيع ، ودائماً أيُّها الإخوة أسلوب التشجيع أعظم بكثير من أسلوب التقريع ، فمثلاً الأب مع ابنه .. يمكن للابن أن يغلط آلاف الأغلاط ولكن إذا رأى الأب من ابنه موقفاً جيّداً فقال له : والله لقد سررت منك يابني وقد كبرت في عيني كثيراً ، فخذ الموقف الجيِّد وقم بالثناء عليه ، فتجد الطفل تشجّع وبادر إلى عمل موقف جيّد ثانٍ وموقفٍ ثالث ، فأسلوب الترغيب أفضل بكثير من أسلوب الترهيب ، أسلوب الثناء والمديح أفضل من أسلوب التقريع ، أسلوب الهديّة والمكافأة أفضل من أسلوب العقاب والتأنيب ، فدائماً كن إيجابياً .

وقد ذكرت في إحدى المرّات أتمنّى أن أُعيده عليكم .. فالدعوى إلى الله أرقى أسلوب لها هذا الأسلوب : فلو فرضنا لدينا عشرة محلاّت تجاريّة ، وهذه المحلاّت فيها بضائع ممنوعة ، وبضائع مغشوشة ، وأسعار غير معقولة ، وأنت وزيراً للتموين فأرسلت الموظفين لكتابة الضبوط ولقمع هذه المخالفات ، فقاموا بإغلاق المحلاّت وبختمها بالشمع الأحمر وأرسلوا أصحابها إلى السجون .. هذا الأسلوب اسمه أسلوب القمع.

وهناك أسلوب آخر راقٍ جــداً اسمه التدخُّل الإيجابي في السوق ، فقم بفتح محلٍ بجوار المحلاّت العشرة المخالفة وقم ببيع أحسن البضاعة ومن أجود الأنواع وبأرخص الأسعار ، وبأطيب المعاملة ، فستجد كلّ هؤلاء الزبائن جاؤوا إلى هذا المحل للشراء منه ، وباقي المحلاَّت إذا لم يقلِّدوك سيخسروا ويفلّسوا ، هذا الأسلوب اسمه أسلوب التدخُّل الإيجابي فطبقّوه على الدعوى إلى الله .

لا تنتقد أحداً .. ولا تطعن بأحد ، دع الناس وقدِّم أنت الإسلام بشكل إيجابي فقط ، كن مثالياً وطبِّق الدين تطبيقاً حقيقياً ، وادعُ إلى الله بشكل إيجابي من دون مهاترات ومن دون طعن، ومن دون تقريع ، ومن دون تحجيم ، ومن دون غمز أو لمز ، ومن دون عدوانيّة فكل هذه الأساليب في الدعوى لا تُجدي ، قدِّم الإسلام بشكل الإيجابي وفي أبهى صورة ، قدِّم أجمل ما في الدين ، وانتقِ أجمل حديث واشرحه ، إشرح آية ، وكن مثالياً وبذلك ينتهي الأمر .

فتوجد أساليب كثيرة أساسها العطاء ، لا أساسها النقد .. فكذلك الأب أو المربّي يفلح كثيراً مع أولاده لو آثر الترغيب على الترهيب ، والمكافأة على العقوبة ، والثناء على التقريع ، فاليكن المربّي إيجابياً .  حتى الرجل مع زوجته .. أليست لها ميزة واحدة؟!!

فأحد ملوك الأندلس وهو ابن عبّاد له قصّة بالغة الشهرة فقد أحبّ جارية وتزوّجها وأصبحت ملكة ، وبعدما صارت حروب الطوائف وجاء ابن تاشفين من شمال إفريقيا ، وردَّ الأعداء ووحّد الدويلات الأندلُسيّة ، وضع ابن عبّاد في السجن وكان ملكاً فافتقر ، وكانت زوجته التي كانت جارية من قبل أن يتزوّجها وتصبح ملكة قد حنّت لحياتها الفقيرة ، فطلبت منه طيناً لتمشي عليه وتخوض فيه ، فعجن لها المسك والكافور وقت أن كان في عزّه وقال لها : دوسي في هذا الطين، هذا هو الطين. ولما افتقر أعرضت عنه وأهملت شأنه ، فتألّم .. وفي ذات مرّة قالت له: لم أر منك خيراً قط . فقال لها : ولا يوم الطين ؟!!

أحياناً تقول الزوجة لزوجها : لم أر منك يوماً طيباً أو أبيضاً . فيقول لها : ولا يوم ؟!! هذا كلام فيه مبالغة ، فيجب أن يكون الإنسان واقعياً ، فأساساً التعامل مع الآخرين يحتاج إلى صفة الموضوعيّة ، فلا تلغي ميزات الآخرين فتكون غير واقعي وتكون ملحفاً وظالماً ، فالعوام وحدهم ليست عندهم حالة وسط ، فليس عندهم سوى لونان الأبيض والأسود ، فإذا أحبّوا بالغوا ، وإذا كرهوا عادوا ، أما المؤمن فوسطيّ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .

ويطلق الناس على ذلـك :" شعرة معاوية ".. فقد كان شديد الذكاء ، فقد وردته رسالة من عبد الله ابن الزبير يقول له فيها : أما بعد فيا معاوية .. إنّ رجالك قد دخلوا أرضي فانههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شأنٌ والسلام . فمن يخاطب ؟ يخاطب أمير المؤمنين دون ألقاب وهو أحد أفراد الرعية .

وكان ابنه يزيد بجواره فقال له : اقرأ . فلما قرأ غضب . فقال له سيّدنا معاوية : ما ترى يا يزيد ؟ فقال : أرى أن ترسل له جيشاً أوّله عنده وآخره عندك يأتوك برأسه . فقال له : غيرُ ذلك أفضل يا بني .. وقد كتب  أما بعد .. لقد وقفت على كتاب ولد حواريِّ رسول الله ، ولقد ساءني ما ساءه ، والدنيا كُلُّها هيِّنة جنب رضاه ، لقد نزلت له عن الأرض وما فيها .

فيأتي الجواب : أما بعد .. فيا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك ، ولا أعدمك الرأي الذي أحلَّك من قومك هذا المحل . فقال لابنه يزيد : يا بني .. من عفى ساد ، ومن حَلُم عظُم ، ومن تجاوز استمال إليه القلوب.

فأنت أحبب حبيبك هوناً ما .. فمثلاً تجد أحد الأشخاص يأتي لخطبة فتاة فأسمع عنه مديحاً من أسرة الفتاة عن صفاته وكأنّه ولي وعارف بالله ، وشديد الفهم وورع وبهذا المديح أصبح قطباً للأقطاب ، وبعد ذلك يترك ابنتهم فيقولوا عنه إنّه لا يصلّي ، وماله من حرام ، وأهله ليسوا على ما يرام ، وهو مصروع ويصاب بالإغماء - يقع بالساعة - أصبحت كل العيوب فيه مرّة واحدة، فلا تجد حلاً وسطاً بالمرّة ، فهل إذا أحببت انكببت عليه بكلياتك ، وإذا أبغضت عاديته عداءاً شديداً نعوذ بالله من ذلك .

لذلك : أحبب حبيبـك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما .

وكن موضوعياً .. أيها الإخوة الكرام يقع بين اللونين الأبيض والأسود أكثر من مائة لون رمادي ، فالنبي الكريم رأى صهره زوج ابنته أسيراً في صفوف المشركين جاء ليحاربه ، فكان يجب أن يقتله ، فما تعنى كلمة محارب ؟ أي جاء ليقتل ، فماذا قال النبي عن صهره ؟

قَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ قَالَ وَعَدَنِي فَوَفَى لِي*

(صحيح البخاري)

أي كان صهراً ممتازاً ، وهو مشرك وجاء ليحارب ، ووقع أسيراً .. فيمكن كلمة : ما ذممناه صهراً أمالت له قلبه ، ويمكن أن تكون هذه الكلمة سبب إسلامه . وقد أسلم بعد ذلك . فهل الإنصاف قليل؟ فهذا مشرك جالس مـع الأسرى وجاء ليقتل ولم ينسَ النبي فضائله .. أنّه كان صهراً ممتازاً ، وكان زوجاً رائعاً .

فكن منصفاً .. فقد تجد موظفاً تحت إمرة رئيس دائرة من الدوائر وتأخر قليلاً . فينهره قائلاً: اليوم تأخرت عن العمل . أليس لهذا الموظّف ميزة . فقط يتكلّم عن نواقصه ، فهذا المدير العام الذي يتتبع نواقص الموظفين ويتغافل عن ميّزاتهم من أسوأ المديرين .

   عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ رَاكِعٌ ، فَرَكَــعَ دُونَ الصَّفِّ ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْــهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ : أَيُّكُمِ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَـى الصَّفِّ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ : أَنَا . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ *                           

                                      (سنن أبي داوود )

هذا هو الأدب النبوي . فلماذا ركض ؟ لحرصه على الصلاة خلف رسول الله ولحرصه على العبادة . إذاً يثنى عليه .

فإذا كنت ربَّ أسرة ، أو مدير مدرسة أو مديراً لدائرة ، أو مديراً لمشفى أو معمل ، وترأس عدداً من الموظّفين ، فإيّاك أن تتغافل عن مميّزاتهم ، فإذا أردت أن تحاسب إنساناً أو تلفت نظره لشيء أو توجّهه فقد يأتي كلّ يوم متأخّراً . فقل له : أنا معجب بأمانتك وإخلاصك ولكن هناك تأخر منك . أصبح هناك توازُن فقد عرِفت مميّزاته وحاولت أن تصلح له عيوبه .

كذلك الأب مع أولاده .. فيكون الابن له عدّة مميزات وله عدّة نقائص . فيظلّ الأب دائماً مركّزاً على النقائص ، فبعد ذلك تجد الابن ضجراً ويقول : أليست لي ولو ميزة واحدة؟!! فدائماً ذكِّر أولادك بمميّزاتهم فقل لابنك : أنا معجب يا بني باستقامتك ، أو معجب باجتهادك أو أنا مسرور لطاعتك لوالدتك ، فدائماً ذكِّر ابنك بميزاته حتى يميل لك، فلا تحاول انتقاده إلا بعد أن تذكِّره بميزاته .. فهذه من أروع وسائل التربية ، وستجد هذا الابن قد لان .. ويقول في نفسه : معنى ذلك أن أبي يعرف مميّزاتي ، ولم يضع تعبي معه ، فيعرف محبّتي وإخلاصي ولكن هناك تقصير .. فهذه يا بني يجب أن لا تفعلها .

هكذا المعلِّم والطبيب مع من حوله إذا كان مديراً لمشفى أو كان مسؤولاً عن من حوله .. فقد قال النبيّ الكريم : زادك الله حرصاً .. ولا تَعُد .

وقد ذكرت لكم عن كتاب أُلِّف في أمريكا عنوانه " كيف تؤثِّر في الآخرين وتكسب الأصدقاء " ، للمؤلِّف دايل كارينجـي ، وطبع منه خمسة ملايين نسخة وهو من أوسع الكتب انتشاراً فقام عالم كبيرمن الأزهر من مصر وأخذ كل القواعد المذكورة في الكتاب وقام بتخريجها على آيات وأحاديث ، أي أنّ كلّ هذه القواعد الذي استنبطها المؤلِّف بذكائه وتجربته هي أصول إسلاميّة .

وأذكر هذا المثل لكم والمذكور في الكتاب .. أنَّه لا يحقَّ للمدير العام أن ينتقد موظّفاً قبل أن يثني على فضائله ، فجاء العالم الأزهري بالحديث الشريف :" زادك الله حرصاً ولا تَعُد ".

فالحقيقة أيها الإخوة الكرام إنّ إدارة الناس فن ، فقد تكون مديراً لمعمل وناجحاً في إدارتك ولكنّك غير ناجح في أسرتك ، فالنجاح في الأسرة شيء هام جداً ، فإدارة الأسرة فن ، وإدارة مؤسسة فن ، وإدارة الدوائر الحكوميّة فن ، وأن تكون مديراً عاماً محبوباً ومرغوباً في نفس الوقت لا بدَّ لها من الجهد ، والخبرات ، ومن الأساليب التربوية .

نحن تحدثنا عن تربية الأولاد .. فيجب أن تعرف ميزات ابنك وأن تنمّيها له وبعد ذلك قم بمحاسبته ، ويوجد بعض الآباء يقولون : هذا شيء طبيعي أن يكون الابن أمينا .. لا ليس طبيعياً أن يكون أميناً ، فابنك أمين لم يأخذ قرشاً واحداً من دون إذنك فأثني على أمانته وأشعره بأنّك تعرف أنّه أمين ، وامنحه الثقة بنفسه ، فدائماً العظماء يمنحون الثقة للناس .

ولكن من لديهم قيادة مركزيّة ليس لديهم ثقة بأحد فلا ينجحون في إدارتهم ، فكل شيء بداخله ، فإذا قلت لابنك : أوصل هذا المبلغ لـفلان من الناس وقد يكون مبلغاً كبيراً ، وأنت قد غامرت بذلك لكن عندما يوصله يشعر بنشوة لوثوقك به ، وأنّك واثق من أمانته وحرصه ومن حكمته ، فاليلهمنا الله سبحانه وتعالى الصواب .

فإذا نجحنا في تربية أولادنا فهذا شيء عظيم جداً ، فقد كنت منذ يومين مع بعض الإخوة وتكلّمت بكلمة دقيقة فقلت : لو وصل الإنسان إلى أعلى درجات النجاح المادي .

 سمعت عن شاب في مصر عمره دون الأربعين عاماً يملك مبلغاً من المال يحتفظ به في المصرف ويبلغ أربعة آلاف مليون دولاراً ، وهو أغنى واحد في مصر ، ولكــن حتى لو وصل إنساناً إلى هذا المستوى من الثروة ، أو في المرتبة الثانية  حصل على أعلى شهادة في العالم كالبورد في الطب بأمريكا ، والأكريجيه بفرنسا ، أف . آر . إس ، بانكلترا وهي أعلى الشهادات، أو في المرتبة الثالثة حققت كلّ أهدافك الماديّة وكان ابنك شقياً فوالله تشقى أنت بشقائه.. فلا تسعد .. ولن تسعد إلا إذا رأيــت ابنك كما تريد ، فانظر ما أعظم القرآن الكريم عندما ذكر دعاء المؤمنين :

( سورة الفرقان )

أي إذا كان ابنك منضبطاً بالشرع ، يصلّي ، ولا يكذب مثلاً وكان باراً بك فهذا شيء جميل جداً ، فتنام قرير العين ، وتعرف كلّ رفاقه ، فليس له رفيق سيء الخلق ، أو معصية ارتكبها ، فهذا من نعم الله العظمى.

فأيُها الإخوة الكرام ... اجتهدوا في تربية أولادكم فالمكسب معكم كمن يصمِّد ماله في خزانة - مكمورة - ، فلا تقل لم يتبقَ لي شيء ، ففي أي لحظة تجد مالك محفوظاً ، أو من عنده خزانة من الحديد ووضع فيها رزماً من المال ، ويقول لك لا يوجد معنا شيء من المال فقد افتقرنا.. لا لم تفتقر فخزانتك مليئة ومعك مفتاحها ، وهذا كلّه ملكك ، وكل إنسان يربّي ابنه فهذه التربية استثمار له ، فأحيانــاً أقوم بزيارة أحد إخواننا في محله التجاري فأجد ابنه ملء السمع والبصر ، وهذا الأخ يذهب للمحل في الساعة الثانية عشرة ويعود للبيت الساعة الثانية ظهراً ، وابنه في المحل من الساعة الثامنة صباحاً حتى آخر الدوام .

أعرف أخاً عنده محل للأقمشة ، وفقه الله بابن أمين إلى أقصى درجة ومنضبط ويدرس الحقوق في الجامعة وله ميول أدبيّة وقائم بأعمال المحل .. فبنهاية الأمر لن تجد مثل ابنك ليحل محلّك وهذا الكلام لكل أصحاب المصالح .. فمن يملك عملاً تجارياً عليه بتربية ابنه ويعلّمه ويأتي به للعمل عنده ، فالعلم لا يطعم خبزاً الآن ولكنّه ضروري .

كان عندي طالب حصل على مائتين وأربعين علامة في البكالوريا فسألته : هل دخلت كليّة الطب ؟ فقال لي : لا بل زراعة . ولماذا ؟ فقال: لا أريد الطب فأبي يملك أراضي زراعيّة فمن يقوم بها غيري .. وأنا أولى الناس في رعايتها وأستثمارها وزارعتها . فلم أجد أعقل منه ، فهو حاصل على مجموع كبير يؤهِّله لدخول الطب ، والطب طريقه طويل جداً .. ولكنّه رأى أن عمله مع والده بالأرض أفضل .

فيجب أيها الأخوة الكرام أن تخططوا لأبنائكم ، فيعاونك في مشروعاتك وعملك فالإنسان يجب أن يأخذ ابنه جزءاً كبيراً من اهتماماته وأن تفكر بتزويجه ولو في بيت صغير ، وأن تعاونه، لأنّ الأولاد أمانة في رقبة آبائهم .

فلي كلمة أقولها دائماً فلو ربى الإنسان أولاده تربية عالية وقام بتزويجهم واطمأنَّ عليهم ووضع رأسه ثمَّ مات فيدخل بهذا العمل الجنّة ، أحياناً تجد أماً صالحة ربّت خمسة بنات على الحياء والأدب والخلق والصلاة وزوّجتهم من أصهار ممتازين واعتنت بهم وكلّما ولدت بنت منهنّ مكثت عندها اسبوعاً لخدمتها ولمعاونتها ولتوجيهها ، وبعد ذلك توفاها الله فهذه تذهب للجنة فقد قامت بمهمتها أعلى قيام ، حتى لو كان للإنسان أي عمل صالح فأسرته عمل صالح ، إذا رعى أولاده وربّاهم تربيةً صحيحة وأنشأهم تربيةً إسلاميّة وزوّج أولاده ذكوراً وإناثاً فقد أدّى رسالته ، وكأنّ الجنّة أصبحت مفتّحةً له ، فهذا ليس كلامي أيّها الأخوة بل كلام رسول اللهصلى الله عليه وسلم  فقد قال :

من جاءته بنتان فأحسن تربيتهما حتى يزوجهما أو يموت عنهما فأنا كفيله في الجنّة . فقال له أحدهم : ومن كان عنده بنت واحدة ؟ فقال له : وبنتاً .

ومن السنّة عند العطاس .. وضع منديل على الفم والتخفيض من الصوت ما أمكن .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ *

(سنن الترمذي )

الثوب : لخروج رذاذٍ من الفم ، أو إذا كان بالفم أكلاً فيقرف الناس من ذلك ، أو كان هناك إبريقاً من الماء أو صحناً من الطعام ، أو صحناً من الفواكه ، فيضع الإنسان يده والأولى يضع ثوبه أو منديلاً على فمه أثناء العطاس هكذا النبيّ صلى الله عليه وسلم علّمنا .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنــْه ، عَـنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ *

(صحيح البخاري)

فالتثاؤب مع صوت شيء لا يحتمل إطلاقاً ، فيكون في الصلاة ويفتح فمه ويتثاءب بصوت عالٍ لا يحتمل إطلاقاً وهو أمر قبيح للغاية  وكما قال تعالى في كتابه العزيز :

( سورة لقمان )

 التثاؤب يجـب أن يكون من دون صوت ، صورة من غير صوت ويداً من فوقها ، أما أن تحدث صوتاً عالياً فهذه مشكلة في التثاؤب .

وكذلك مشكلة من عنده زكام ويعطس كثيراً ...

   عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيــهِ أَنَّ رَجُلا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . ثُمَّ عَطَسَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الرَّجُلُ مَزْكُومٌ *

(سنن أبي داوود )

فأحياناً يحرج الأخ .. فإذا عطس عطسة يقولون له : يرحمك الله . ويعطس ثانيةً وثالثة ويقولون له يرحمك الله فليتمهلوا قليلاً عليه فهو مزكوم ومتضايق منها كثيراً .

مثل من يشرب كأساً من الماء ويكون معه أشخاص كثيرين والكل يقولون له : هنيئاً .. هنيئاً .. هنيئاً . فأراد أن يشرب مرّة أخرى فخرج بعيداً عنهم ورجع فقالوا له : شفيتم .. شفيتم .. شفيتم .

فهذه البروتوكولات إذا زادت عن الحد أصبحت مشكلة .. فإذا لاحظت أنّ أخاك مزكوم فقل له مرّة واحد وانتهى الأمر بذلك أما أن تشمِّته في كلَّ مرّة فهذا غير معقول .

 عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمـَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلاثًا فَمَا زَادَ فَهُوَ مَزْكُومٌ *

(سنن ابن ماجه)

فلو كان أخوك مصاب بالزكام وعطس ففي المرة الثالثة قل له : يرحمك الله ثم اسكت ، أو إذا كان بينهم فاصلاً زمنياً فليُشمَّت مرَّةً واحدة فقط .

عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ : يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ فَيَقُولُ : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ  *

(سنن الترمذي)

كان صلّى الله عليه وسلّم فطناً فهذه ليست بعطسة ولكنها تعاطس من أجل أن يقول لهم يرحمكم الله وهو نبيُّ هذه الأمّة ، فيقول لهم : يهديكم الله .

اخواننا الكرام ... المرأةُ الشّابة الأجنبيّة لا تُشمّت .

فإذا كنت في دائرة حكوميّة وعطست امرأة فلا تقل لها يرحمك الله فهذا غير وارد على الإطلاق ، فهذا جهل بالفقه .

فقد قال ابن الجوزي .. روي عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنّه كان عنده رجل من العُبّاد ، فعطست امرأة ، فقال لها العابد : يرحمك الله . فقال الإمام أحمد : عابدٌ جاهل . يقصد بأنّه جاهل بكراهية تشميت المرأة الأجنبيّة كراهة تحريميّة ، فامرأة شابّة وعطست فليس لك أيّة علاقة بها على الإطلاق .. هذا عن العُطاس .

أما التثاؤب ...

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْــه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْـرَهُ التَّثـَاؤُبَ ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ *

(صحيح البخاري)

التثاؤب دليل تعب ودليل ملل ، أما العطاس فينشِّط الإنسان ، فيصحى من نعاسه وتعبه ، أنت تقول له : يرحمك الله أما العوام فيقولون : صحّة . فما هذه الكلمة ليس لها أيّ معنى فالأم الجاهلة تقولها لولدها ، ولكن لو قالت له يرحمك الله فهذا شيء جميل جداً أن نتكلّم بكلمات المسلمين .

أحدهم عمل أُحجية فقال : عندما كان النبي الكريم يتثاءب يضع يده اليمنى أم اليُسرى ؟ فأجابه الآخر : لم يمر علي ذلك ، أي اليدين يضع . فقال له : النبيّ لم يتثاءب قط ، اللهمّ صلّي عليه .. ما تثاءب النبيّ قط . وقد قال العلماء : إذا غلب على الإنسان التثاؤب فليذكر أنّ النبي ما تثاءب ، وإذا ذكرذلك يذهب عنه التثاؤب .

قال العلماء : لو تثاءبت في الصلاة ضع يدك على فمك ، أثناء الصلاة .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكــُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ ، وَلا يَقُلْ : هَاهْ هَاهْ فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ *

(سنن أبي داوود )

الفائدة التي قلتها قبل قليل : مما يروى عن السلف أنّه من ملكه  التثاؤب وتخيّل بذاكرته أنّه عليه الصلاة والسلام لم يتثاءب قط يذهب عنه التثاؤب بإذن الله . وهذا هو علاج التثاؤب .

وبإنهاء موضوع العُطاس والتثاؤب تنتهي الآداب التي ينبغي أن تُلقِنها أبنائك وطلاَّبك إن كنت معلِّماً وهي أساسيّةً جداً في تربية الأولاد ، وننهي هذا الدرس بحديثٍ سريعٍ عن آفات اللسان. كما وردت في كتاب "منهج القاصدين " وهو ملخَّص " إحياء علوم الدين " ، فقد شعرت أنّ هذا الموضوع لا يكفي لدرس فقمت بترميمه بموضوع آخر واخترته لكم من هذا الكتاب :

الإمام الغزالي يقول :" آفاتُ اللسان كثيرة متنوِّعة ولها في القلب حلاوة ، ولها بواعث من الطبع ، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت ".

فالآفات لها حلاوة ، وأقولا لكم دائماً أنّ التكليف مخالف للطبع ، فمن الأشياء الممتعة أن تتحدَّثوا عن أشخاص وعن أعمالهم ومشاكلهم وفضائحهم، ولماذا طلّق زوجته ولماذا لم يطلِّقها وكيف ضبطها ، فالإنسان لديه رغبة في أن يستمع إلى القصص ، فعندما يجلس الإنسان في المجلس ويكون فيه غيبة أو نميمة فهي ممتعة جداً .

ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت .. فلنذكر أولاً فضيلة الصمت: تجد المؤمن صامتاً ليس صمت ينمَّ عن البلاهة ، تجد شخصاً صامتاً لأنّه لم يفهم شيئاً من الحديث ، ولكن صمت المؤمن صمت انضباط ، وسكوت عبادة ، فإذا كان هناك موضوعاً فيه غيبة فلا يتكلَّم بكلمة واحدة وهذا الصمت يربك المجلس ، فألاحظ عندما يتكلَّم شخص على أحد الأشخاص و سكتّ ولم تتجاوب معه ولم تقل له أكمل الكلام أو معقول فعل ذلك فلان ؟ ولكن إذا ظللت صامتاً ، فهذا السكوت من دون أي تعبير إطلاقاً يحرجه ، ومعنى ذلك أنّه قد عرف ذنبه فيقوم بتغيير الحديث أو يسكت ، فالصمت في مثل تلك الموضوعات فضيلة .. والحديث النبوي الشريف :

"من يضمن لي ما بين لحييه - أي لسانه - ، وما بين رجليه أضمن له الجنّة ".

ومعنى ذلك أنّ الإنسان يؤتى من آفات اللسان ، ومن آفات الفرج.

والحديث الآخر أرويه لكم كثيراً :" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ".

وهذا حديث أساسي .. وعندما سأل سيِّدنا معاذ سؤال غريب

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ .... ثُمَّ قَالَ النبي :أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ . فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِم إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ *

(سنن الترمذي)

فاللسان وحده يكفي لدخول النار .

والحديث الآخر :" من كفَّ لسانه ستر الله عورته ، وما من شيءٍ أحوج إلى طول سجنٍ من لسانٍ ".

وابو الدرداء يقول :" أنصت أُذُنيك من فيك ، فإنّما جُعُلت لك أُذنان وفمٌ واحد ، لتستمع أكثر مما تتكلّم ".

فتعوّد النفس أن تأخذ ولا تعطي ، فالأذكياء يستمعون ولا يتكلّمون، ومن كثُر كلامه كثُر خطأه .

أول آفة أيّها الإخوة ... الكلام فيما لا يعنيك .

"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".

الآفة الثانية .. الخوض في الباطل ، فإذا كان الحديث عن المعاصي والمقاصف والحفلات والأفلام ، والسهرات والأعراس ، وعن الموبقات ، فإذا تكلَّمت عن هؤلاء فهذه آفة كبيرة للسان.. وسأذكر لكم الآفات باختصار شديد ففي الأصل حول كل آفة عدد كبير من الصفحات .

فالآفة الأولى : أن تخوض فيما لايعنيك .. والآفة الثانية : أن تخوض في الباطل .

عَنْ أَبِي هُرَيــْرَةَ ، عـَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللـَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ *

(صحيح البخاري)

أي كلمة واحدة .

والآفة الثالثة : التقَعُّر في الكلام والتشدُّق وتكلُّف السجع .. وقد تكلمنا سابقاً عن التقعُّر ، فليس من الآداب النبويّة التكلُّف والتقعُّر والفيهقة.

الآفة الرابعة : الفحش والسبُّ والبذاءة .

فإيّاكم والفُحش فإنَّ الله لا يُحبُّ الفُحش ولا التفحُّش .

فلا يمكن أن يكون مؤمناً فاحشاً ، يقول لك : عشت معه ثلاثين سنة ولم أسمع كلمة تجرح الشعور أو تُخجل أبداً ، فممكن أن تعبِّر عن كل المعاني المشكلة بعبارات لطيفة ومهذّبة فالله تعالى أعاننا على البيان فالقرآن يعلّمك ، فهل ذكر القرآن وتكلَّم عن اللواط ؟ نعم فقد قال تعالى :

( سورة المعارج )

وهذا هو الدليل .

أو كما قال :

( سورة النساء)

كلام لا يجرح ولا يحرج ، وفي بعض كتب الفقه تجد فيها الكثير من الألفاظ المحرجة ، وعندما تُدرَّس لطلاَّب صغار أو لبنات ، فيحدث إحراج كبير ففيها المسميات بأسمائها ، ولكن القرآن الكريم والنبي كنّى والكناية من علامات الذوق الرفيع وكذلك البلاغة .

عــَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ*

(سنن الترمذي)

الآفة الخامسة : الغناء .. وهي من آفات اللسان ، فالغناء والقرآن لا يجتمعان أبداً ، والغناء ينبت النفاق .

الآفة السادسة : المزاح .. أما اليسير منه إذا كان صادقاً فلا شيء عليه ، وهو بعكس ذلك ضرورياً ، فالنبي كان يمزح ، كن مرحاً وكن متفائلاً ، ولطيفاً ، واجعل الجو جواً ممتعاً ، فيوجد جو كهنوت وآخر رحموت ، الرحموت مليئاً بالرحمة والأُنس ، والكهنوت فيه قسوة.

والآفة السابعة : السخرية والاستهزاء .. فالسخرية والاحتقار الاستهانة ، والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك ، قالت للنبي الكريم : قصيرة ، فقال لها : قُلتِ كلمةً لو مزجت في مياه البحر لأفسدته .

فإيّاك أن تعير مخلوقاً .. من عيّرَ أخاه ابتلاه الله .

الآفة الثامنة إفشاء السّر ، والكذب في القول واليمين .

الآفة التاسعة : الغيبة ..

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ :... فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ...*

(صحيح البخاري)

الأعراض : يعتقد بعض الناس أنّها النساء .. ولكنّها هي موضع المدح والذّم من الإنسان أي سمعتك ، فهذا هو عرضك ، فكلمة عرض لا تعني امرأة ، الإنسان له جانب اجتماعي ، وجانب معنوي ، فإذا اعتديت على سمعته واتهمته بعدم الفهم مثلاً أو بعدم النظافة ، أو قلت عنه إنّه حرامي ودون أن تتأكّد من ذلك ، فماذا فعلت بقولك ؟ فقد اعتديت على عرضه ، أي على سمعته.

عــَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ولا تُعَيِّرُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنـَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ*

(سنن الترمذي)

هذا الحديـث يقصم الظهر .. فضحه الله في بيته ، فالله ستّار ، فقد ذكرت لكم قصّة عن رجل تزوّج وبعد خمسة أشهر وجد امرأته حاملاً ، ومعنى ذلك أن الحمل ليس من صلبه .. وكان خطيب المسجد الذي يصلّي فيه هذا الرجل قد رأى رسول الله في المنام وهو يقول له : قل لجارك فلان أنّه رفيقي في الجنّة . فما هذي البشارة ؟ فطرق باب جاره وكان سمّاناً ، فقال له عندي لك بشارة من رسول الله واستحلفه بالله فماذا فعلت ؟ فقال له : والله لقد تزوّجت امرأة وكانت في الشهر الخامس من حملها ، وكان بإمكاني فضحها أو سحقها أو أن أطلقها أو أركلها برجلي إلى الطريق ، ولكنني شعرت بأنني يمكنني أن أجعلها تتوب فأحضر لها قابلة في البيت لتوليدها ، وحمل الطفل وذهب به إلى جامع الورد وعندما كان الإمام يصلّي وضعه خلف الباب ، وبعد ما انتهت الصلاة بكى الولد وتجمّع من حوله الناس وكأنّه ليس له علاقة به فقال : خيراً ماذا هناك ؟ فقالوا له : أنظر هذا طفل . فقال لهم : أعطوه لي فسأكفله ، وكفله أمام الحي ، وسترها وربّاها وحفظها وتركها عنده ، فالله ستير كثير الستر .

فسيّدنا عمر سئل ذات مرّة . وقال السائل : لي أخت قد زنت مع شخصٍ وأُقيم عليها الحد وهو الجلد ، وتابت توبة نصوحة وحسن إسلامها ، وقد جاءها الآن خاطب .. أأذكر له ما كان منها ؟ فقال له : والله لو ذكرتَ له ما كان منها لقتلتك .

على قدر ما تأثّر سيّدنا عمر .. فالإنسان إذا تاب وتعرف عنه أنّ له قصّة سيّئة فلا تذكِّره بها أليس هناك أدباً عنك فقد تغيَّر وتبدَّل وتاب وارتقى ونسي ذلك العمل ، وما زال يذكِّره بها ، فتعلّموا من سيِّدنا يوسف عليه السلام عندما قال :

( سورة يوسف )

وإخوته أمامه ، فأي شيء أخطر السجن أم البئر ؟ البئر أخطر ، إذاً لماذا لم يقل : الجب - أي البئر - ؟ أليست نعمة الله عليه هي التي أنقذته من البئر ؟ قال : لئلا يُذكِّر إخوته بجريمتهم ، فتجاوز البئر ولم يذكره وقال :

لئلا يحرج أخوته ولئلا يُحمِّر وجوههم . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تُحمِّروا الوجوه .

هذه هي الغيبة .. وفي حديث آخر : "إيّاكم والغيبة فإنّ الغيبة أَشدُّ من الزنا ، إنّ الرجُل قد يزني ويشرب ثمَّ يتوبُ ويتوب اللهُ عليه ، وإنّ صاحب الغيبة لا يغفر الله له حتى يغفر له صاحبه".

فانتبهوا يا أيها الإخوة ... فإذا كنت قد اغتبت أحداً فاستسمح منه وقل له أنا اغتبتك وقد تبت، فإذا لم يسامحك ، يجـب في المجلس نفسه الذي اغتبته فيه أن تعترف بخطئك ، وتقول : لقد تكلّمت عن فلان بكذا وكان كلامي غلطاً .

فإذا كنتم تصدّقون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذكر عن يوم القيامة .. ففي يوم القيامة يؤخذ من المغتاب لمن اغتابه كلّ حسناته ، فإذا فنيت حسناته ولم يستوفي حقّه أعطاه كُلّ سيّئآته .

رجل اغتابه أحد الأشخاص فذهب إلى السوق واشترى رطباً من أغلى وأفخم الأنواع - بعض الأنواع ثمنه يربو عن ألف ليرة - وقدّمه لمن اغتابه . فقال له : لماذا هذا ؟! فقال له : لأنني سوف آخذ منك يوم القيامة أجمل ما عندك من حسنات ، وأنا أحببت أن أعطيك أحسن ما عندي ، فخذ طبق التمر .

فموضوع الغيبة موضوع خطير فقبل أن تغتاب عدّ للمليون ، فإذا اغتبت سُجِّلت عليك ولن يسمح الله عنك إلا إذا غفر لك صاحب الغيبة .

يقول علي بن الحسين : إيّاك والغيبة فإنّها إدام كلاب الناس .

والحمد لله ربِّ العالمين ..

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضى عنا ، وصلّى الله على سيّدنا محمد النبيّ الأميّ وعلى آله وصحبه وسلّم والحمد لله ربِّ العالمين .. الفاتحة .                      

*  *  *