أثر الديون الخارجية على الدول النامية

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ayooooh4 | المصدر : www.arabs2day.ws

بسم الله الرحمن الرحيم




بحث بعنوان
أثر الديون الخارجية على الدول النامية
الباحث : الفايدي


مقدمة :

مرت الدول النامية خلال القرن الماضي إلى العديد من الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها كانت السبب الرئيسي في التخلف التنموي لهذه الدول ودخولها في دوامة من الضغوطات الخارجية ، وفي خضم بحث هذه الدول عن الحلول التي يمكن أن تنقذها من هذه المشاكل ، كانت الدول الرأسمالية في أوج نشاطها الاقتصادي واستطاعت أن تحقق في السبعينات فائض ضخم في الموارد المالية ، وبعد أن كان العالم يعيش في ظل ندرة العملات الأجنبية أصبحت الدول الرأسمالية تعيش فوق موجات عاتية من الإفراط في السيولة . وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي قامت هذه الدول بنقل الفائض من دول الوفرة المالية إلى دول العجز المالي ، وأصبحت البنوك التجارية الدولية تتسابق في إمداد الدول الفقيرة بالأموال اللازمة لتخطي مشاكلها المختلفة ، وانتشر الإيمان العميق من هذه الدول النامية بأن هذا هو الحل الفعال الذي كانت تبحث عنه ، واعتقدت بأن هذت الوضع الجديد هو العصا السحرية التي سوف تعينها على الاستمرار على درب التنمية ، ومع مرور الوقت وجدت الدول النامية نفسها تتخبط في لعبة القروض الدولية ، حتى الدول النفطية الغنية لم تسلم من هذه القروض .
لقد استمرت الدول الرأسمالية في لعب دور الدائن المنقذ دون أن تراعي مدى قدرة هذه البلاد على السداد في المستقبل ، ولعبت حكومات هذه الدول دوراً كبيراً في تشجيع البنوك التجارية الدولية لما كانت تحدثه هذه القروض التي كانت هذه البنوك تقدمها من تنشيط حركة التصدير والإنتاج والعمالة والاستثمار .
وفي عام 1982 م بدأت أزمة الديون الخارجية بالظهور عندما بدأت بعض الدول كالمكسيك والأرجنتين بالتوقف عن دفع أعباء ديونها الخارجية ، وزاد بعد ذلك عدد الدول التي تطلب إعادة جدولة ديونها الخارجية ، وزاد من حدة هذه الأزمة أثر الكساد والركود الاقتصادي على اقتصاديات الدول الرأسمالية الصناعية ، ووجدت نفسها غير قادرة على استرداد تلك المبالغ التي أقرضتها للدول المتخلفة ، ومن هذا المنطلق حرصت الدول الدائنة والهيئات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البحث عن الحلول التي تمكنها من استعادة أموالها ، وبدأت الدول المدينة في البحث عن الطرق التي يمكن أن تخرجها من هذه الأزمة
وفي هذا البحث سوف أحاول بإذن الله استعراض بعض جوانب أزمة الديون الخارجية وأسبابها ومدى تأثيرها على الدول النامية سلبيا ً، مع ذكر مثال على هذه الدول وهو جمهورية مصر العربية .

ماهية الديون الخارجية :
يعتبر الدين العام تاريخياً محل جدل مستمر على مدى قرنين من الزمان فمن ناحية عارضته المدرسة الكلاسيكية بشدة ونادت بتوازن الميزانية العامة للدولة ، ومن ناحية أخرى أيد كثير من الاقتصاديين وعلى رأسهم كينز القروض ونادوا بمبدأ التمويل بالعجز أي أنه لم يعد هناك أي ضرورة لتوازن الموازنة وأن العجز الذي قد يحدث جراء ذلك يمكن تمويله بالقروض .
ورغم وجود من يحبذ الديون الداخلية على الديون الخارجية لما للديون الخارجية من أعباء وسلبيات كثيرة سوف أذكرها لاحقاً إلا أن ذلك لا يعني أن القروض الداخلية ليس لها أي سلبيات لأن من يقدم هذه الديون سواءً شركات أو بنوك أو أطراف أخرى داخلية تحصل أيضاً على فوائد وبالتالي فإن هناك من يدفع ضرائب لتمويل عبء الدين وذلك حتماً سوف يؤثر على توزيع الدخل بين مواطني المجتمع الواحد .
وفي المقابل يوجد أيضاً من الاقتصاديين من يحبذ الديون الخارجية ويهون من سلبياتها ويرى أنها الحل الوحيد للتخلص من المشاكل الاقتصادية ، والحقيقة أنها كذلك ظاهرياً فقط أي أنها – أي الديون الخــارجية – ذات فائدة آنية لا تلبث أن تكشف عن جوانب أخرى سلبية ، وأقل ما يمكن أن نصف به الديون الخارجية بأنها تّفقر الدول المقترضة وتّغني الدول المقرضة ، إضافة إلى أن خدمة هذه الديون تصبح نزفاً حقيقياً لثروتها وعبئاً ثقيلاً على الأجيال القادمة .
إن الاستدانة من الخارج تعتبر سياسة مالية قديمة قدم نشوء الدول والحكومات ، تلجأ إليها الدول ذات الدخول الضعيفة والفقيرة من أجل استمرار وجودها وبقائها – أو هكذا تعتقد - ولقد بدأت أزمة ديون دول العالم الثالث منذ القرن التاسع عشر حتى بداية الألفية الجديدة ، عبر مراحل زمنية متعددة يكتنفها العديد من مشكلات الدفع التي تتعرض لها الدول المدينة ، والمخاطر التي تتعرض لها الدول الدائنة .
إن العديد من الاقتصاديين يرون أن الديون شر لا بد منه للدول النامية ، وأن الديون ذات فائدة متبادلة بين الطرف الدائن والطرف المدين ، إلى غير ذلك من الآراء الاقتصادية إزاء الديون الخارجية من حيث أنها المصدر الأهم للصعوبات الاقتصادية في الدول النامية ، أدى كثرة تناول هذا الموضوع بالبحث والتحليل إلى خفوت الاهتمام به في السنوات الأخيرة ويعود ذلك إلى ظاهرة الملل من الدين ومرور ما يقارب عقدين من انفجــــــــــــــــار الأزمة ( 1982 م ) .

إن الدين العام بالمعنى الدقيق : هو الذي يمنح من قبل السلطات الحكومية لبلد معين والمعيار الأساسي لهذا الدين هو الوضع القانوني للمدين ، ويفتقر هذا التعريف إلى ضم الهيئات الدولية كالبنك الدولي ومؤسسة النقد وغيرها إلى الجهات الحكومية المقدمة للديون في الدول النامية .

ديون العالم الثالث وصعوبة تقديرها :
نظراً لضخامة ديون الدول النامية فإنه لا تتوفر المعلومات الكافية والإحصاءات الموثوقة حول ديون هذه الدول ، وإن كانت الدول الدائنة تعلم مبدئياً موقفها حيال الدول المدينة إلا أن ذلك لا يعني أنها تعلم وضع هذه الدول المدينة والمخاطر التي تتعرض لها وأوضاعها الاقتصادية المستقبلية ولم تفكر في الصعوبات التي قد تعترض السداد مستقبلاً أو أنها تجاهلت ذلك عمداً .
إن هناك العديد من المصادر الإحصائية الرئيسية لمعطيات الديون الخارجية لبلدان العالم الثالث هي النشرات الدورية التي يصدرها البنك الدولي ومصرف التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ، ويعتبر البنك الدولي المصدر الرئيسي الإعلامي الذي يتبنى سياسة إخطار البلدان المدينة وهذا النظام أنشئ عام 1951م وهو يقوم على معلومات إحصائية مقدمة من 116 دولة مقترضة ، ولكن الدين العام لهذه الدول لم تجمع معطياته إلا منذ عام 1970م ، ومن بين الدول الـ 116 المدينة تعتبر عشرين دولة منها فقط قادرة على إعطاء معلومات حول الدين الخاص بها .

التعريف المركزي للديون الخارجية :
لقد وضعت كل من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومصرف التسويات الدولية تعريفاً للديون الخارجية ينص على أن " الدين الإجمالي في تاريخ معين يعادل مبالغ الالتزامات التعاقدية الجارية والمؤدية إلى دفع المقيمين في بلد إلى غير المقيمين سندات وفاء الدين الأساسي مع الفوائد أو بدونها ، أو دفع الفائدة مع سداد المبلغ أو بدونه "
إن قياس الديون الخارجية للدول النامية تكتنفه العديد من الصعوبات منها :
1. تعدد أشكال الديون الخارجية .
2. غياب التعريف البسيط وغير القابل للنقاش لهذه الديون .
إن الديون الخارجية تقيم علاقات بين دولة وأخرى ، وبين منظمة دولية والنظام المالي الخاص ، ويمكن قياس هذه العلاقة إما على أساس المعلومات المتوفرة من المدينين أو الدائنين .

تطور حجم الديون الخارجية للدول النامية :
لقد سارت الدول النامية في طريق الاستدانة الوعر حين ظنت أنها قادرة من خلال الحصول على هذه الديون على استغلالها في برامج التنمية المختلفة ، ولكن بعد سنوات طويلة من السير على هذا الأسلوب وجدت نفسها في مفترق الطرق فلا هي حققت التنمية ولا هي قادرة على الوفاء بديونها الخارجية أو الداخلية ،بل أن هذه الديون وقفت حجر عثرة في طريق التنمية الاقتصادية لهذه الدول ، وأمام العجز عن سداد هذه الديون واستجابة لضغوط المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد لجأت الدول النامية لمزيد من الاستدانة أو إعادة جدولة ديونها وتقديم العديد من التنازلات والتضحيات التي قد تمس بسيادتها أحياناً ، واستمر الصعود في حجم ديون الدول النامية حيث تضاعفت الديون الخارجية للدول النامية العربية فقط خلال العقدين الماضيين سبع مرات إذ زاد حجمها من 49 مليار دولار في عام 1980م إلى 325 مليار دولار في عام 2000م ولم يصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي .

وبالنسبة للتوزيع الجغرافي لهذه الديون في الدول النامية حتى عام 1974م ، نجد أن دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تستحوذ بالنصيب الأكبر من هذه الديون حيث وصل نصيبها إلى 30% من جملة الديون الخارجية المستحقة على الدول النامية ، يلي ذلك مجموعة الدول في شرق آسيا ومنطقة بحر الباسفيك 16% ، ثم منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومنطقة جنوب آسيا لكل منهما 15.2% ، ثم مجموعة الدول الواقعة على البحر المتوسط 13.1% ، ثم مجموعة دول أفريقيا الجنوبية 10.5% .

إن هناك العديد من الأسباب التي دفعت الدول النامية في بداية الأمر إلى الاستدانة بعضها داخلية كالعجز في الموازنات العامة والتضخم الذي أثر في قيمة العملات الوطنية والركود الاقتصادي المحلي والعالمي ، وبعضها خارجية كالركود العالمي الحالي وانخفاض أسعار المواد الخام الأولية وارتفاع قيمة الفائدة وغير ذلك .


وفيما يلي بيان لأهم الأسباب الداخلية والخارجية لتفاقم أزمة الديون الخارجية للدول النامية :
أولاً: الأسباب الداخلية :
1- الميل إلى الاستثمار من أجل التنمية :
ويتطلب كثافة رأس مالية وتكنولوجيا متقدمة وهو ما تفتقر إليه تلك الدول, مما اضطرها إلى الاقتراض الخارجي لشراء الآلات والمعدات والتعاقد مع الخبراء الأجانب وشراء براءات الاختراع وحقوق الصنع.
2- سوء توظيف القروض
لقد كانت المبالغة الملحوظة في اللجوء إلى الاقتراض الخارجي هي سمة السبعينيات وذلك على أمل السداد من مشروعات طموحة تم الاقتراض من أجلها, لكن سوء التخطيط وتغير السياسات الاقتصادية وتخبطها من فلسفة اشتراكية إلى ليبرالية ومن ليبرالية إلى اشتراكية أدى إلى فشل الكثير من المشروعات. وقد اقترنت عملية الاقتراض في العديد من الأحيان بزيادة كبيرة في الاستهلاك الترفي وفساد الحكومات التي تقترض كثيرا للرفع من مستوى معيشة شعوبها بشكل مصطنع كرشوة لشراء ولاء الشعب وسكوته.
فإذا ما قمنا بمقارنة بين توظيف الأموال الأجنبية في الدول الرأسمالية وبين توظيفها في الدول النامية سنلاحظ أن الأولى ركزت على استيراد المواد الخام الأولية ذات الأسعار المنخفضة اللازمة للتنمية الصناعية وأخذت بتصدير السلع ذات الأسعار المرتفعة, لتنتقل في مرحلة لاحقة إلى تصدير رأس المال الأجنبي إلى الدول النامية، فقد أدركت أن الدول النامية تعتبر أرضية خصبة لاستثماراتها. أما الدول النامية فقد ركزت على استيراد السلع الاستهلاكية والرأسمالية ذات الأسعار المرتفعة وأخذت بتصدير الكثير من مواردها الطبيعية على شكل مواد خام وبأسعار زهيدة. هذا التخصص في إنتاج المواد الأولية أدى إلى تعريضها إلى آثار الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها أسواق هذه المواد والتناقضات التي شهدتها الأنظمة الاقتصادية.
3- تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج :
في الوقت الذي كانت فيه سياسة الإقراض على قدم وساق لسد الفجوة التمويلية للمشروعات التنموية, كان الفساد الإداري والمالي والسياسي يعم أجهزة الدولة ومؤسساتها في معظم الدول النامية. وقد نجم عن هذا الفساد نهب جانب كبير من القروض الخارجية وتهريبها إلى الخارج وتم إيداعها في البنوك الأجنبية لحساب أصحاب النفوذ والسلطة ورجال الأعمال القريبين منهم, وأدت هذه الظاهرة إلى تراكم الديون وفشل التنمية.
4- الاهتمام بالصناعة على حساب الزراعة :
أدى هذا التوجه إلى تزايد الحاجة إلى الواردات الغذائية وإهمال الزراعة كدعامة هامة لاقتصاديات تلك الدول, والاهتمام بالصناعة التي تتطلب بطبيعتها كثافة رأسمالية تفوق طاقات أغلب الدول النامية مما أدى للجوء إلى الاقتراض الخارجي لتمويل هذه الصناعات.
5- العجز المتزايد في ميزان المدفوعات :
أدى العجز المستمر لموازين المدفوعات في معظم الأقطار العربية الناجم عن تزايد الواردات السلعية على حساب الصادرات إلى اختلال تجاري واضح تسبب باللجوء إلى الاقتراض الخارجي وتفاقم المديونية.
ثانياً: الأسباب الخارجية :
1- ارتفاع أسعار الفائدة :
كان للارتفاع الشديد الذي طرأ على أسعار الفائدة في أسواق المال الدولية دورا حاسما في استفحال أزمة المديونية, إذ تجاوزت في العديد من البلدان الفوائد الزائدة المدفوعة قيمة التمويل الإضافي الصافي وتكبدت البلدان المدينة مبالغ متزايدة عبر السنين وأصبح بند خدمة الدين يمثل نصيبا هاما من صافي الديون ويستحوذ على مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي.
2- انخفاض الأسعار العالمية للمواد الخام :
أدى انخفاض أسعار المواد الأولية المصدرة إلى الأسواق العالمية (كالبترول والمواد الخام الأخرى) إلى تدهور شروط التبادل التجارية للبلدان المصدرة لهذه المواد، مما أدى إلى تفاقم عجز ميزان المدفوعات الذي يزيد من الميل إلى الاستدانة الخارجية.

3- آثار الركود التضخمي السائد في معظم الدول الرأسمالية :
نظرا لاندماج معظم الدول النامية -ومنها الدول العربية- في النظام الاقتصادي العالمي وتبعيتها له تجاريا وغذائيا ونقديا وتكنولوجيا فضلا عن التبعية العسكرية والسياسية, فإن ما يحدث في هذا النظام من تقلبات وأزمات يؤثر تلقائيا في الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان.


ومنذ بداية الثمانينيات أفرزت السياسات الانكماشية التي طبقتها معظم الدول الرأسمالية الصناعية حالة من الركود الاقتصادي مصحوبة بالتضخم أصبحت تعرف بالتضخم الركودي الذي أثر كثيرا في الأوضاع المالية وانخفض حجم العملات الأجنبية فيها, في الوقت الذي تزايدت فيه مدفوعات خدمة الدين وتفاقمت صعوبات الاقتراض الخارجي وخاصة بعد انفجار أزمة الديون الخارجية عام 1982.
إن إسهام الدول الرأسمالية والدول الغنية في إمداد الدول النامية الفقيرة بالأموال يكون في صور مختلفة ، فهي إما أن تكون في صورة استثمارات أو في صورة معونات أو في صورة قروض ، وفي الغالب لا تقدم هذه الأموال بدون مقابل أو بدون ضمانات ، فهنا يفرض الطرف الأقوى المقدم لهذه الأموال شروطه على الطرف الأضعف المتلقي لهذه الأموال ، وقد تطورت آلية هذه الشروط منذ عام 1982م حينما وصلت مديونية الدول النامية في ذلك العام إلى 575 مليار دولار ، حيث توضع الشروط من خلال طبيعة العلاقة بين الدولة الدائنة والدولة المدينة ، ومن خلال طبيعة المصالح الاقتصادية والسياسية بينهما ، حيث تدور الشروط في الغالب حول سعر الفائدة وفترات السماح وآجال السداد والضمانات وقد تمتد لتشمل ربط القروض باستيراد مواد معينة من الدولة الدائنة ، ومن أمثلة هذه الشروط ذلك الشرط الذي وضعه البنك الدولي عندما طلبت الأردن قرضاً لبناء سد على نهر الأردن فقد اشترط هذا البنك موافقة إسرائيل على بناء السد وتعهدها بعدم تدميره وهو بالطبع الأمر الذي منع إتمام هذا القرض ، وحدث نفس الأمر عندما اشترط موافقة الولايات المتحدة الأمريكية عندما طلبت مصر تمويل بناء السد العالي في الستينات من البنك الدولي وهذا الشرط لم يتوفر بالطبع .

آليات تنفيذ شروط الصندوق والبنك الدوليين :
1. تحرير الأسعار:
ويتضمن التزام الدولة المدينة بتحرير أسعار السلع والخدمات ومستلزمات الإنتاج، والحد من تدخل الدولة في تحديد الأسعار أو التسليم الإجباري للمحاصيل، وكذلك تحرير أسعار الفائدة حتى يكون سعر الفائدة الحقيقي موجب وتحرير وتوحيد أسعار الصرف، وكذلك إلغاء وجود حد أدنى للأجور، وهذا التحرير للأسعار يؤدي في الغالب إلى ارتفاع الأسعار والإضرار ببعض فئات المجتمع وخاصة محدودي الدخل.
2. سياسة الخصخصة:
وهو المحور الذي يسعى إلى زيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي على حساب تراجع دور الدولة والتخلص من الاحتكارات العامة، وذلك عن طريق تصفية المشروعات العامة الخاسرة وبيعها للقطاع الخاص لتشغيلها على أساس تجاري يهدف إلى الربح، وهو الأمر الذي يكون على حساب تسريح العمالة ورفع أسعار السلع والخدمات التي يقدمها القطاع العام.
3. تحرير التجارة الخارجية:
فالبنك الدولي يطالب الدول المدينة بتخفيض سعر الصرف للعملة المحلية، وإلغاء القيود على المدفوعات الخارجية، وإلغاء اتفاقيات التجارة والدفع، والسماح بعمل الوكالات التجارية الأجنبية في الأسواق المحلية، وخفض الرسوم الجمركية، وإلغاء القيود الكمية على الواردات، والعمل على تشجيع التصدير، وعدم اتباع سياسة تقوم على إحلال الواردات عن طريق الحماية للصناعات المحلية.
إن هذه الآليات كان لها العديد من الآثار السلبية يمكن إجمالها فيما يلي :

الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية للديون الخارجية :
أولاً : الآثار السياسية :
إن من أهم الآثار السلبية السياسية للديون الخارجية في الدول النامية أنها تزيد من حدة التدخل الأجنبي في تلك الدول وتؤثر سلبياً على حرية صناعة القرار السياسي وتعرضه للمزيد من الضغوطات .
وفي ظل تيار العولمة المتنامي في العصر الحالي تزيد هيمنة الدول الدائنة خلف ستار مؤسساتها الدولية المالية المختلفة من بنك النقد الدولي إلى صندوق النقد إلى الشركات المتعددة الجنسية وفي كل ذلك مساس بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي ، فمن المعروف تورط العديد من الشركات وبتشجيع من حكومات الدول الدائنة في تمويل الأحزاب الموالية لها والتدخل في الانتخابات في الدول النامية والتشكيك في نزاهتها وشراء ذمم العديد من القائمين عليها ، وظهر بوضوح ما يعرف بسياسة ازدواجية المعايير كأبرز سمات العولمة والنظام العالمي الجديد ، وأصبح هذا النظام يبيح لدولة معينة ما يحرمه على غيرها حسب ما تمليه المصالح الاستراتيجية للدول المهيمنة .

ثانياً :الآثار الاقتصادية :
الوضع الاقتصادي للدول النامية والتبعية الاقتصادية :
إن من أهم المظاهر المشتركة للدول النامية هو التخلف الاقتصادي ، وإن كانت تختلف حدته وسماته من دولة إلى أخرى ، وهناك العديد من التعريفات والمفاهيم لمصطلح التخلف الاقتصادي ومن هذه التعريفات :
- عدم الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية ، مما يؤدي إلى انخفاض المستوى المعيشي للسكان .
- ويعتبر البنك الدولي معيار التخلف هو متوسط دخل الفرد الحقيقي في السنة بالدولار الأمريكي .
- كما يعرفه البعض بأنه نشاط اقتصادي متعثر يتمثل في انخفاض معدل الاستهلاك والرخاء مع توافر القوى الكافية القادرة على التحسين .
- لقد جرى العرف في السنوات الأخيرة على استخدام مصطلح الدول النامية بمعنى الدول المتخلفة وقد درجت الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها على استخدام هذا المصطلح ، والسبب الرئيسي في استبدال كلمة متخلفة بنامية هو تخفيف الأثر النفسي الذي تسببه هذه الكلمة فقط ليس غير .
سمات الاقتصاد المتخلف :
- انخفاض مستوى الدخل القومي للدولة الأمر الذي ينعكس سلبياً على المستـــــــوى المعيشي فيها .
- تدني مستوى البنى التحتية في شتى القطاعات التي لا يستثمر القطاع الخاص فيها عادة كالطرق والموانئ والكهرباء ، والتي لا غنى للاقتصاد القومي عنها .
- انخفاض القوة الشرائية للنقد وضعف حوافز الاستثمار .
- القصور الشديد في الموارد المادية والبشرية المؤهلة .
- انخفاض المستوى الصحي والتعليمي وانتشار الأوبئة والأمية والفقر .
- تبعية الاقتصاد المتخلف للدول الصناعية في سبيل إيجاد أسواق للمواد الأولية التي تنتجها الدول النامية .

الدول النامية ومشكلة التبعية الاقتصادية :
لقد تعرضت معضم الدول النامية في فترة من الفترات للعديد من الهجمات الاستعمارية التي ألقت بظلالها القاتمة على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتلك الدول ، وإن كانت هذه الدول قد اعتقدت أنها تخلصت من المستعمر الأجنبي فإن هذا الاعتقاد صحيح من الناحية العسكرية فقط ، وإن كان المستعمر الأجنبي قد خرج من هذه الدول إلا أنه ترك وراءه العديد من المساوئ والمشاكل ولم يخرج إلا بعد أن استنزف ثروات هذه الدول وتركها تعيش في أوضاع مزرية ومدقعة في الفقر والتخلف .
ومن أبرز نتائج الاستعمار الأجنبي التي بقيت ولا زالت ظاهرة للعيان مشكلة التبعية الاقتصادية ، وتظهر هذه الظاهرة بوضوح في الأزمات الاقتصادية والسياسية وخاصة من خلال تزايد أعباء الديون الخارجية التي أدت إلى استنزاف الاحتياطات النقدية للدول الفقيرة .
وتعرف التبعية الاقتصادية عند بعض الاقتصاديين " بأنها حالة يرتبط اقتصاد الدولة بموجبها بنمو وتوسع اقتصاد آخر ، وتأخذ علاقات التشابك بين اقتصاد دولتين أو أكثر شكل التبعية إذا استطاعت إحدى الدول المسيطرة أن تتوسع وتنمو ذاتياً ، في حين أن الدول الأخرى لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا كانعكاس لتوسع ونمو الاقتصاد المهيمن ."
ومن المظاهر التي تبرز من خلالها التبعية الاقتصادية بوضوح الاستثمار الأجنبي ، حيث تلعب الشركات المتعددة الجنسيات دوراً بارزاً في الاقتصاد العالمي حيث تتحكم في ثلث الإنتاج العالمي ، ومهما يكن للاستثمار الأجنبي من إيجابيات وفوائد جمة ينادي بها دعاة العولمة والاقتصاد الحر كالاستفادة من الخبرات الفنية إلى إعادة التوازن بين العرض والطلب في السوق المحلية وانتهاءً بزيادة التكوين الرأسمالي إلا أن لها العديد من السلبيات على الاقتصاد القومي للدول النامية ، ومن هذه الآثار السلبية ما يلي :
- إن الأرباح المالية التي يجنيها المستثمر الأجنبي تصدر للبلد الأم وفي هذا تأثير على ميزان المدفوعات في الدولة المستضيفة .
- تعميق تخصص الدول النامية في انتاج المواد الأولية وتصديرها ـ وتفرغ الدول الصناعية لإنتاج المواد المصنعة مما يحرم الدول النامية من التقدم في مجال التصنيع وما يتبع ذلك من رفع المستوى المعيشي .
- تركيز المستثمر الأجنبي على القطاعات التي يستفيد هو منها في المقام الأول مثل استخراج المواد الأولية والخام من الدول النامية التي يتواجد فيها مما ينعكس سلبياً على القطاعات الأخرى .

ثالثاً : الآثار الاجتماعية للديون الخارجية :

إن من أهم المشاكل التي تعاني منها الدول النامية هي مشاكل التمويل الإنمائي ، حيث يلاحظ أن التمويل في الدول النامية يعتمد بشكل كبير جداً على القروض والمساعدات الخارجية وبالتالي الوقوع في شراك الديون للدول الرأسمالية والاستمرار في التبعية الاقتصادية لهذه الدول ، فقد ذكرت بعض التقارير إلى أن ديون بعض الدول النامية تصل إلى 200% من ناتجها القومي .
ومن هذا المنطلق وكما ذكرنا من قبل في أن توقف بعض الدول المدينة عن سداد ديونها أدى إلى البحث من قبل الدول الدائنة عن الحلول التي تضمن لها استرداد تلك الأموال والحد من الاستدانة الخارجية ، ومن هنا جاء تدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لحل هذه المشكلة ، حيث يرى الصندوق أن الحل يكون من خلال القضاء على فائض الطلب لاستعادة التوازن الداخلي والخارجي وهذا يتطلب الحد من سرعة نمو الإنفاق العام الجاري والاستثماري عن طريق تحجيم نمو القطاع العام وتجميد الأجور والحد من الخدمات العامة الاجتماعية ورفع القيود عن المعاملات الخارجية وتحرير التجارة الخارجية وإلغاء تدخل الدول في مجال الاستيراد والتصدير وغير ذلك من الإجراءات التي يرى الصندوق أن من شأنها استعادة التوازن الداخلي وبالتالي التوازن الخارجي .
ويزعم الصندوق أنه من خلال تلك الإجراءات سيتجه العجز الخارجي نحو الانخفاض ، و يتجاهل الصندوق أن الجانب الأكبر من مشكلات الديون يرجع أساساً إلى تأثير العوامل الخارجية التي لا تستطيع الدول المدينة التحكم بها أو التنبؤ بحدوثها مثل ارتفاع أسعار الفائدة على القروض وتقلب أسعار العملات الأجنبية وارتفاع قيمة الدولار وعدم استقرار حصيلة صادراتها .... الخ وهي عوامل تشير بشكل كبير إلى خطورة التبعية للاقتصاد العالمي .

ومن هنا نجد أن صندوق النقد الدولي لم يعر كل هذه الأمور أي أهمية لأنه ينطلق من اعتبار أن الدول النامية مجرد توابع عليها أن تتكيف مع معطيات الاقتصاد الرأسمالي العالمي ومصالحه ، دون أن يكون من حقها أن تكيف هذا الاقتصاد لمصالحها أو أمانيها .
إن تطبيق الإجراءات التي وضعها صندوق النقد الدولي في بعض الدول المدينة لم يزد الأمور إلا تعقيداً بالنسبة للأوضاع المعيشية للسكان كارتفاع الأسعار وزيادة البطالة وارتفاع أسعار الخدمات الاجتــــماعية ..

وقد لجأت معظم الدول النامية إلى تطبيق هذه الإجراءات تحت وطأة ضغوط الديون الخارجية فعمدت إلى خصخصة المنشآت العامة وتقليص العمالة والضغط على الإنفاق العام وكل هذه الأمور انعكس سلبياً على مستويات المعيشة لغالبية الدول المدينة مما أدى إلى تفاقم الفقر وارتفاع معدلات البطالة .... وبالطبع استمرار مشكلة الديون الخارجية !

الديون الخارجية ...... حلول ومقترحات :

إن مسألة الحد من الديون الخارجية للدول النامية مسألة متشعبة وذات جذور عميقة ، لا يمكن التخلص منها بسهولة ولكن لا يعني ذلك تجاهلها وعدم البحث عن الحلول التي على أقل تقدير يمكن أن تخفف من وطأتها وتحد من آثارها السلبية ومن هذه الحلول ما يلي :

- تفعيل المسؤولية المشتركة بين الدول الدائنة والمنظمات الدولية المختلفة والدول المدينة لأن مشكلة تفاقم الديون نبعت أصلاً من أن الإطار الذي تحركت فيه الموارد الأجنبية للدول الدائنة والبنك الدولي إلى الدول المدينة كان إطاراً من شروط وخصائص معينة ومتعسفة ساهمت في تفجير أزمة الديون الخارجية .

وفي المقابل تعتبر الدول المدينة مسؤولة أيضاً مسؤولية مباشرة في استمرار هذه الأزمة حيث أن مبرر الدول النامية للاستدانة كان موضوعياً إلى حد ما في فترة معينة من الزمن ألا وهو التنمية



الاقتصادية ولكن في ظل الاتجاه السائد آنذاك من أن زيادة الاستهلاك المحلي لا تؤثر في عملية التنمية كان سبباً في تزايد الاعتماد على التمويل الخارجي لتعويض النقص الذي يحدث في معدلات الادخار والاستثمار المحلية .
- تسهيل وتخفيف عمليات إعادة جدولة الديون وجعل خدمة الدين العام في حدود معقولة نسبياً .
- تحسين شروط التجارة الخارجية وفتح المجال أمام صادرات الدول المدينة في أسواق الدول الدائنة .
- يجب على الدول النامية أن تتوقف عن البحث عن حلول مسألة الدين العام من الخارج ولابد من أن تبدأ ذاتياً في وضع نموذج للتخلص من هذه الديون يكفل لها الحفاظ على مصالحها وتطلعاتها بعيداً عن التبعية والتدخل الخارجي ، واستغلال عناصر القوة الكامنة في هذه الدول واكتشافها .
- إنشاء نادي خاص يعني بحقوق المدينين لتكوين جبهة قوية ومتماسكة على غرار نادي باريس للدائنين ، ويقوم هذا النادي بوضع الحلول ومناقشة مشاكل الدول المدينة وتبادل الخبرات والمعلومات بين الدول النامية ووضع سياسة فعالة ورشيدة للاقتراض الخارجي تستهدف وضع حد لنمو الديون يكون المعيار فيها هو أفضل الشروط المقدمة وتنويع مصادر الإقراض وعدم الاقتصار على دول معينة .

- تشجيع التعاون الاقتصادي بين الدول النامية ، والعمل على تشجيع التبادل التجاري ودعم إنتاج المواد الأولية وتبادل التكنولوجيا والمعارف والخبرات العلمية لهذه الدول وتشجيع الصناعة المحلية وحمايتها .
- الحد من تهريب رؤوس الأموال للخارج للتخفيف من تأثير تهريب هذه الأموال السلبي على ميزان المدفوعات للدول التي خرجت منها هذه الأموال ، وإيجاد حلول للتخفيف من
-
-


هذه الظاهرة كتخفيض الضرائب المرتفعة على الدخول وتخفيف القيود المفروضة على القطاع الخاص ...الخ .
- ترشيد الإنفاق العسكري ، فالدول النامية تعتمد في المجال العسكري والتسليح على استيراد هذه الأسلحة من الدول الدائنة ، فقد ذكرت إحدى الإحصائيات أن الدول العربية فقط استوردت ما بين عام 1978 و 1988 م أسلحة بمبلغ يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي مُوّل نصفه عن طريق القروض الخارجية .

- الحد من مسألة التهرب الضريبي ، وهو أمر شائع في الدول النامية وله العديد من الآثار السلبية ، مثل تقليص الإيرادات العامة للدولة مما يؤدي إلى العجز وبالتالي تمويل هذا العجز عن طريق الاقتراض أو الإصدار النقدي ، ولحل هذه المشكلة لا بد أن يشعر المواطن بأن أموال الضرائب لا تتجه نحو التبذير في مشاريع لا جدوى منها ولا تذهب للنفقات الخاصة للنخبة الحاكمة ، وإنما تصرف في المقام الأول بما يعود عليه بالنفع .

وبعد كانت هذه نظرة سريعة وموجزة عن ديون الدول النامية وأسبابها ومراحل تطورها وأثارها السلبية على الدول المدينة .
وفيما يلي عرض لمثال على هذه الدول النامية المدينة ألا وهي جمهورية مصر العربية وأثر الدين العام على الاقتصاد والسياسة المالية للدولة .









جمهورية مصر العربية وأثر الدين العام على الاقتصاد المصري :
تعتبر الموازنة العامة للدول ذات أهمية بالغة ليس من الناحية الحسابية فقط ، وإنما لأنها برنامج عمل الدولة من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الذي تعمل الدولة على تنفيذه ، وتعتبر الموازنة العامة الأداة التي تستطيع من خلالها الدولة وضع تقديرات دقيقة للإيرادات والنفقات وعن طريقها أيضاً يمكن للدولة أن تعرف مقدار العجز في الموازنة ، ويعتبر عجز الموازنة العامة للدول عموماً النامية منها والمتقدمة عقبة تقف أمام سير الدولة في برنامجها في التنمية .
ومصر من الدول الكثيرة التي عانت من تطور العجز واستمراره في موازناتها لسنوات طويلة ، ولم تعرف مصر الديون الخارجية حتى عهد محمد علي نظراً لاحتكاره التجارة الخارجية الداخلية ، وقد كان محمد علي يخشى الاقتراض من الخارج خوفاً من التدخل الأجنبي وحتى القروض التي كانت آنذاك لم تكن إلا قروض للإنفاق الشخصي وليست قروضاً للإنتاج وفي عهد الخديوي إسماعيل اتسعت حركة القروض من الداخل والخارج رغم زيادة الإيرادات ولكن كان هناك إساءة في استخدام هذه الإيرادات حتى أعلن عام 1886م عن إفلاس الدولة وبدأت بعدها مصر تدخل منعطفاً خطيراً من سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية وبدأت الدولة في التوسع في الاقتراض لسداد بعض التزاماتها ، والجمهورية المصرية كونها دولة فقيرة فإن العبء الأكبر لقروضها يقع على الفرد المصري ، فقد كان عبء القروض في الماضي يتركز على الطبقة المحدودة الدخل بينما تخف الأعباء المالية على الأقلية الرأسمالية المسيطرة .
ولكن بعد دخول الاقتصاد المصري مرحلة التخطيط والتوجيه الاقتصادي بدأت الدولة خطة جديدة لتنظيم الأعباء المالية للقروض بهدفين رئيسيين هما :
- ألا تؤدي أعباء القروض العامة إلى عرقلة الخطة القومية للإنتاج وأن تتناسب هذه الأعباء مع الموارد الاقتصادية فلا تثقل موارد الموازنة .
- ألا يكون في تحميل أعباء القروض أي مساس بمستوى معيشة محدودي الدخل والحذر في الالتجاء إلى سياسة الضرائب وغيرها .
ويمكن إجمال تطور عجز الموازنة المصرية في أربع مراحل كما يلي :
عجز الموازنة المصرية خلال السبعينات :
في هذه المرحلة كان هناك زيادة واضحة في النفقات الحربية ، والإعلان عن بدء تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار العربي والأجنبي في مصر ، مما أدى إلى تفاوت في الموازنة العامة في مصر بين النفقات والإيرادات ، فقد وصل العجز في عام 1978م إلى 2399 مليون جنية ،وتم تمويل 40% من هذا العجز الناتج في هذه الفترة عن طريق الاقتراض من البنوك المحلية ، بالإضافة إلى الاعتماد على المعونات الخارجية والديون .

عجز الموازنة خلال الثمانينات :
وتتميز هذه الفترة بالإصلاح الاقتصادي والتخطيط لإصلاح النظام الاقتصادي ، والاستمرار في تشجيع الاستثمار ، وفي نفس الوقت زادت حدة البطالة وارتفاع الدين الخارجي واستمرار ارتفاع العجز ، واستمر كذلك تمويل هذا العجز عن طريق الجهاز المصرفي الــــمحلي ( البنك المركزي ، والبنوك التجارية ) .

عجز الموازنة خلال فترة النصف الأول من التسعينات :
شهدت هذه المرحلة العديد من التطورات الاقتصادية في مصر ، والتوجه حثيثاً نحو الخصخصة بهدف التخلص من الأعباء المالية للديون الخارجية والداخلية ، ففي عام 1991م بدأ إصدار أذون الخزانة للاكتتاب العام بهدف تمويل عجز الموازنة ، وكذلك صدر قانون الضريبة الموحدة على دخول الأفراد عام 1993م ،وانخفض العجز جراء هذه السياسة من 4.9 مليار جنيه عام 89/1990م إلى 2.7 مليار جنيه عام 94/ 1995م .

تطور عجز الموازنة من النصف الثاني من التسعينات إلى بداية الألفية الجديدة :
رغم أن مصر أعلنت في عام 1996 م أن لا عودة للاقتراض من الخارج ولا عودة للاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلا أنها وتحت وطأة الظروف الاقتصادية السيئة التي عمت الاقتصاد العالمي في هذه الفترة إلا أنها عادت للاقتراض الخارجي بسبب انخفاض معدلات الاستثمار وبالتالي زيادة الضرائب العامة وبعض الرسوم وارتفاع معدلات البطالة ، فوصل عجز الموازنة لعام 98/ 1999 م إلى 12.7 مليار جنيه ، بينما وصل العجز في عام 99 /2000م إلى 14 مليار جنيه ، وبلغ إجمالي الدين العام الخارجي عام 2001 م إلى 106 مليار جنيه ، وبلغ إجمالي الدين المحلي 215 مليار جنية في نفس الــعام ، وبهذا يمثل حجم الدين العام 103% من إجمالي الناتج المحلي .


وبين الجدول التالي أهم المؤشرات الاقتصادية في مصر خلال السنوات من 1995 –2000 م :

94/95 95/96 96/97 97/98 98/99 99/2000
إجمالي الناتج القومي (بليون جنيه) 204 229 256 280 302 339
معدل نمو الناتج القومي 4.7 5 5.3 5.7 6.1 6.5
معدل البطالة 9.6 9.2 8.8 8.3 7.9 7.4
متوسط التضخم السنوي 9.4 7.3 6.2 3.8 3.8 2.8
إجمالي المدخرات المحلية (بليون جنيه) 30.6 29.1 37 44 47 55.7
إجمالي الاستثمارات المحلية (بليون جنيه) 33.1 36.8 45.2 54.6 60 67
الميزان التجاري ( مليون دولار) -7854 -9498 -10219 -11771 -12562 -11474
رصيد الحساب الجاري (مليون دولار) 386 185 119 -2497 (-1724 -1171
إجمالي الديون الخارجية (مليون دولار) 32965 31043 28774 28076 28224 27783
إجمالي الديون الحكومية المتوسطة وطويلة الأجل 31668 29768 27226 26226 26010 25774
إجمالي الدين الحكومي 120747 132257 148470 159919 182071 201927
إجمالي عدد المشروعات الموافق عليها 1416 1835 3027 4156 3893 3063


ملامح السياسة المالية في ج .م . ع . :
تعتبر جمهورية مصر العربية من أهم الدول النامية التي تعاني من آثار الدين العام السلبية سواءً الخارجية منها أو الداخلية ومن أهم أسباب تزايد الدين العام في مصر تكرار العجز السنوي في الموازنة العامة ، واستمرار العجز في الموازنة العامة سمة للسياسات المالية في الدول النامية ويعود في الأساس إلى العديد من الأسباب المتشابهة نسبياً في مختلف الدول النامية ، وفيما يلي أهم ملامح السياسة المالية المصرية :
- التزايد الطردي في حجم الدين الداخلي حيث بلغ 204 مليار جنيه أي ما يعادل 60% من إجمالي الناتج القومي وترتب على ذلك تزايد مدفوعات خدمة الدين الداخلي حيث استحوذت على نسبة عالية من حجم الإنفاق العام الحكومي .
- تزايد الديون الخارجية لمصر حيث بلغت 26.7 مليار دولار أو ما يعادل 27% من إجمالي الناتج القومي .
- استمرار العجز في الموازنة العامة للحكومة والذي بلغ 4% من إجمالي الناتج القومي أو ما يعادل 14 مليار جنيه عام 2000م .
- وجود فجوة حادة بين الاستثمارات والمدخرات المحلية أي وجود فجوة بين الحاجة لتمويل استثمارات جديدة ومصادر التمويل من المدخرات المحلية .
- ندرة وجود موارد حقيقية لتمويل الإنفاق الحكومي ، فلا يوجد في مصر ثروات طبيعية يمكن أن تعتمد عليها في زيادة وارداتها .
- الازدياد المطرد في عدد السكان ، مع انخفاض الناتج المحلي ، وبالتالي ازدياد نسبة البطالة حيث وصلت نسبة البطالة إلى 7.9% .
- تواجه مصر أزمة حادة في مستويات أسعار الصرف للدولار الأمريكي ناتجة أساساً عن تزايد العجز المستمر في الميزان التجاري والذي بلغ 11.5 مليار دولار عام 2000 م .
- استمرار انفتاح السوق المصري للسلع والخدمات الأجنبية وما يترتب على ذلك من نتائج عكسية على الشركات الوطنية .


أسباب عجز الموازنة في جمهورية مصر العربية :
- النمو المتواصل في النفقات العامة خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية ، فقد كان حجم النفقات 1.6 مليار عام 70/1971م ، ووصل إلى 58.2 مليار جنية عام 94/1995 م .
- الاختلال الحاد بين الإصدار النقدي ( كمية النقود ) ونمو الناتج القومي الحقيقي فقد بلغ الناتج القومي حتى عام 1990م إلى 7.4% ، وبلغ معدل النمو للإصدار النقدي إلى 22.5% .
-

- قلة الإيرادات العامة بالمقارنة مع ارتفاع النفقات لعامة وعدم وجود سياسات مالية قادرة على مسايرة التطور الاقتصادي والتحولات العالمية ، ومن أمثلة ذلك عدم تطور النظام الضريبي بالشكل الذي يسهم في ارتفاع الإيرادات العامة .
ونتيجة لهذه الظروف المختلفة واستمرار العجز وارتفاع خدمة الدين العام الداخلية والخارجية استمرت مشكلة الديون تلقي بظلالها على الاقتصاد المصري إضافة إلى ارتباط هذه الديون بشكل كبير على مواقف الدولة السياسية من القضايا المختلفة .

خلاصة القول إن الديون الخارجية تعتبر من أخطر القضايا التي تواجهها الدول النامية والتي تقف في طريق سعيها نحو تحقيق التنمية والخروج من بوتقة التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي واللحاق بركب الدول المتقدمة ، وتعتبر هذه المشكلة المالية سبباً في تغيير العلاقات وتوجيهها وفق ما تملية المصلحة العامة للدول الدائنة ، وأن الدول النامية مالم تنجح في الوصول إلى الحلول التي إن طبقتها تمكنت من التحرر من أسر هذه الديون ، فإنها ستضل في موقف التابع والخادم لأعباء هذا الدين وفوائده التي تقدم للدول النامية ، حيث تقول إحدى الباحثات ( سوزان جورج ) في الشؤون الاقتصادية أنه منذ بداية أزمة الديون عام 1982 م وحتى عام 1990 م أحيل مبلغ 6.5 مليار دولار من دول أمريكا الجنوبية الفقيرة إلى دول أمريكا الشمالية الدائنة وهذا المبلغ هو فقط إجمالي الفوائد ، وتقول نفس الباحثة أن الفوائد المدفوعة من دول العالم الثالث كافية لتقديم 1000 دولار لكل رجل وامرأة وطفل في الشمال وفي دول أوروبا خلال فترة 9 سنوات وتقول أيضاً أن عدم اتحاد الدول المدينة سيؤدي بالتأكيد إلى استنزاف الدول الدائنة لاقتصادها وإلى استمرار تدفق ثرواتها إلى الدول الغنية .
وإذا كان هذا رأي باحثة اقتصادية من الدول الدائنة فإنه يؤكد استغلال الدول الدائنة لهذه الديون لمصلحتها الخاصة وأنها تجني فوائد جمة من فوائد الديون إلى جانب الديون الرسمية ، فإنه كان أجدر بالباحثين الاقتصاديين في الدول النامية أن يصلوا بأنفسهم إلى هذه النتيجة وأن يعملوا جاهدين بإقناع حكوماتهم من مغبة الاستمرار في الاستدانة الخارجية ، ووضع الطرق والسبل وإيجاد الحلول التي يمكن أن تسهم ولو تدريجياً للخروج من هذه الأزمة والتعاون المستمر وتبادل الخبرات والتجارب والمعلومات فيما بين الدول النامية وتكوين جبهة قوية من أجل تحقيق هذا الهدف .
أهم المراجع :
أولاً الكتب :
1. الشنقيطي ، محمد الأمين التعاون ، الاقتصادي بين الدول الإسلامية ( مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، بدون تاريخ)
2. محمود ، أحمد عبده ، مبادئ المالية العامة دراسة في الاقتصاد العام ( دار المعارف بمصر ، 1971م ) .
3. محمد ، إبراهيم قطب ، الموازنة العامة للدولة ( الهيئة المصرية العــــــــامة للكتاب 1978م )
4. زكي ، رمزي ، أزمة الديون الخارجية ، رؤية من العالم الثالث ( الهيئة المصرية العامة للكتاب 1978 م )
5. جان ، كلود برتيليمي ، ديون دول العالم الثالث ( منشورات عويدات ، بيروت – لبنان 1996م )
6. زهران ، حمدية ، مشكلات تمويل التنمية الاقتصادية في البلاد المتخلفة ( دار النهضة العربية ، 1971 م )
ثانياً الدوريات :
1. الخروج من مأزق المديونية الخارجية بين الأفكار الرومانسية والتصور الموضوعي ، رمزي زكي – مجلة النفط والتعاون العربي – المجلد 13- العدد 2 –1987م
2. الاتجاهات الحديثة للدين العام المحلي في مصر – آفاق اقتصادية – المجلد 19 – العدد 75/76 – 1998 م
3. العجز المالي والسياسة النقدية في مصر – مجلة العلوم الاجتماعية – المجلد 17-العدد الرابع – شتاء 1989
4. الدول النامية وبعض مشاكل التمويل الإنمائي –مجلة لاعلوم الاجتماعية – العدد الرابع –يناير 1977م
5. عجز الموازنة العامة في الكويت ومصر ، الأسباب وطرق العلاج – مجلة العلوم الاجتماعية –المجلد 24 – العدد الأول – ربيع 1996م .