وجوب وقاية النفس والأهل من النار

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : ابن باز | المصدر : www.binbaz.org.sa

وجوب وقاية النفس والأهل من النار

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[1]، يأمر الله سبحانه عباده المؤمنين بأن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب الله وذلك بتقوى الله وإلزام الأهل بها؛ فالوقاية من النار تكون بتقوى الله، والاستقامة على دينه، وهكذا مع أهلك توصيهم بتقوى الله والاستقامة على دينه من والدين وأولاد وإخوة وسائر الأقارب، وذلك بالتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، وبالتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - هكذا المؤمن مع أهله ومع إخوانه المؤمنين ومع غيرهم - بالدعوة إلى الله عز وجل، يسعى في وقاية نفسه، وفي وقاية غيره من عذاب الله، وهذا الأمر يحتاج إلى صبر، وإخلاص لله وصدق، ومداومة، فأحق الناس ببرك وإحسانك أهلك وقراباتك؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته))[2]، وأعظم الرعاية العناية بما يتعلق بنجاتهم من عذاب الله، بأن توصيهم بتقوى الله وأن تلزمهم بأمر الله وأن تحذرهم من محارم الله، وأن تستمر في هذا الخير العظيم حتى تلقى ربك كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا[3]، ثم قال سبحانه: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ[4]، فأمر سبحانه بعد حقه وهو توحيده والإخلاص له وترك الإشراك به، أمر بعد ذلك بالإحسان إلى الوالدين والأقارب وهم أهل بيتك، فالواجب على كل مسلم أن يهتم بهذا الموضوع، وأن يحرص أن يكون سببا لنجاتهم يوم القيامة بسبب نصيحته لهم وقيامه عليهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهكذا يجب على المسلم أن يكون كذلك مع إخوانه المسلمين، وأن يكون ناصحاً مبصراً موجهاً إلى الخير يرجو ثواب الله ويخشى عقابه؛ كما قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[5].

هكذا المؤمنون فيما بينهم ومع أهليهم، يقومون بالواجب مع أهليهم ويقومون بالواجب مع إخوانهم المسلمين يرجون ثواب الله ويخشون عقاب الله، وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا[6]، وذكر سبحانه عن نبيه ورسوله إسماعيل عليه الصلاة والسلام أنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا، وذلك في قوله تعالى في سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا[7]؛ فأهلك وأولادك وقراباتك أحق الناس ببرك وإحسانك، وبالسعي لخلاصهم من النار، فهذا من أعظم الإحسان إليهم عملا بالآية السابقة وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا[8]، فهذا الأمر العظيم أهم من أن تعطيهم الدراهم والدنانير وما يحتاجون إليه في الدنيا، فالسعي في خلاصهم من عذاب الله ونجاتهم من غضب الله يوم القيامة أمر مهم وعظيم، والإحسان إليهم بالصدقات وبالنفقة من جملة الخير الذي أنت مأمور به، ولكن الأهم من ذلك أن توصيهم بطاعة الله، وأن تلزمهم بما أوجب الله عليهم حسب طاقتك، وأن تمنعهم مما حرم الله عليهم، وأن تستقيم في ذلك، وأن تكون أسوة حسنة، وقدوة طيبة في كل خير، فتبدأ بنفسك، حتى يتأسوا بك في كل خير، ومن ذلك المسارعة إلى الصلاة والمحافظة عليها في الجماعة، وفي حفظ لسانك عما لا ينبغي، وفي إكرام الأقارب والجيران، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الدعوة إلى الله، وفي غير ذلك من وجوه الخير. تكون قدوة حسنة لأهل بيتك ولجلسائك ولزملائك وجيرانك، وهذا المقام يحتاج إلى صبر وإلى إخلاص لله وصدق فهو مقام عظيم: مقام دعوة، لرشاد ونصح، مقام سعي في خلاصك وأهلك من النار عملا بقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[9] الآية، ناداهم الله سبحانه بوصف الإيمان لأن الإيمان يأمرهم بهذا الأمر ويدعوهم إليه وإن كان الأمر واجبا على الجميع.

فكل المكلفين واجب عليهم أن يتقوا الله وأن يجتهدوا في خلاصهم وخلاص أهليهم وكل الناس من عذاب الله، فكل مكلف مأمور بذلك، لكن أهل الإيمان أخص بهذا الأمر، والواجب عليهم أعظم؛ لأنهم آمنوا بالله وعرفوا ما يجب عليهم، فالواجب عليهم أعظم، ولهذا خاطبهم سبحانه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[10] فاحذروا أن تكونوا من وقودها، ثم قال سبحانه: عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[11] المعنى أنهم ينفذون ما أمروا به ليسوا مثل أهل الدنيا قد يخونون وقد تنفع فيهم الرشوة، أما هؤلاء الملائكة فلا يمكن أن يتركوا ما أمروا به بل ينفذون ما أمروا به من إدخالك النار أنت وغيرك، فاحذر أن تلقى ربك وأنت على حال تغضب الله سبحانه عليك وتوجب دخولك النار، ولا بد من عناية مستمرة بهذا الأمر، وصدق وإخلاص، وسؤال لله جل وعلا بأن يعينك، وأن يمنحك التوفيق، ويجب أن تكون قدوة صالحة لأهلك، ليروا منك المسارعة والمسابقة إلى الخيرات حتى يتأسوا بك في الخير، ولا بد أن يروا منك أيضاً الحذر من السيئات والبعد عنها حتى يتأسوا بك في ترك الشر، وهذه الدار دار مجاهدة، ودار صبر وتعاون على البر والتقوى وتواص بالحق والصبر عليه، أما الدار الأخرى فهي دار الجزاء عما عملت من خير أو شر، وهذه الدار أعني دار الدنيا هي دار العمل، ودار الإعداد، ولهذا يقول سبحانه: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[12]، ويقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[13]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قيل لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))[14].

فلا بد من التواصي بالحق، والتناصح والصدق، والصبر حتى تلقى ربك وأنت صابر محتسب مجاهد، ولهذا يقول جل وعلا: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[15]؛ فالمجاهد في الله الصادق يهديه الله ويعينه ويسدده، فقوله سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا يعني جاهدوا أنفسهم، وجاهدوا أعداء الله، وجاهدوا الشيطان، وجاهدوا الشهوات ولهذا أطلق سبحانه الجهاد في الآية المذكورة ليعم أنواع الجهاد، فقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا أي في الله لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.

فاجتهد في طاعة ربك وجاهد نفسك حتى تستقيم، وجاهد من تحت يدك حتى يستقيم والله معك: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ..

نسأل الله أن يجعلنا وجميع المسلمين من المجاهدين في سبيله، ونسأل الله أن يجعلنا جميعاً من دعاة الهدى وأنصار الحق، وأن يمنحنا التوفيق والمسارعة إلى كل خير، والحذر من كل شر، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.


[1] سورة التحريم الآية 6.

[2] رواه البخاري في باب الجمعة برقم 844، ومسلم في باب الإمارة برقم 3408.

[3] سورة النساء من الآية 36.

[4] سورة النساء من الآية 36.

[5] سورة التوبة الآية 71.

[6] سورة طه من الآية 132.

[7] سورة مريم الآيتان 54 – 55.

[8] سورة التحريم من الآية 6.

[9] سورة التحريم الآية 6.

[10] سورة التحريم الآية 6.

[11] سورة التحريم الآية 6.

[12] سورة العصر كاملة.

[13] سورة المائدة من الآية 2.

[14] رواه الترمذي في البر والصلة برقم 1849، والنسائي في البيعة برقم 4128.

[15] سورة العنكبوت الآية 69.