هل التكبير مأخوذ من أصول جاهلية؟

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

هل التكبير مأخوذ من أصول جاهلية؟
الشبهة

التكبير -هذه العادة الإسلامية- مأخوذ من أصل جاهلي، فقد كان عرب الجاهلية يكبرون، ثم نقله منهم الإسلام في نحو ما ورد في القرآن: {وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء :111] و في نحو ما ورد فيه أيضا: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام :78]، وقد نقل الإسلام هذه العادة من العرب في حين أن العرب كانوا يكبرون الله في بعض الأحوال قائلين: "الله أكبر" بناء على اعتقادهم بوجود إله في السماء، أو أن الله بين كل الآلهة هو إلهها وربها والآلهة الأخرى أعوانه وعماله في أرضه.

 
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
معني التكبير مخالف للوثنية :
أولا: على عكس هذه الدعوى –تمامًا- فإن هذا الذكر الذي يردده المسلمون في صباحهم و مسائهم: "الله أكبر" و في أعيادهم و أذانهم  ليس إلا واحدًا من الأذكار التي تدل على رفض الإسلام لمعاني الوثنية و إثبات التوحيد المطلق لرب العالمين جل في علاه.
يقول الآلوسي رحمه الله: "قال بعضهم تكبيره تعالى أن تعلم أنك لا تطيق أن تكبره إلا به، وقال ابن عطاء تكبيره عز وجل بتعظيم منته وإحسانه في القلب بالعلم بالتقصير في الشكر وكيف يوفي أحد شكره تعالى ونعمه جل وعلا لا تحصى وآلاؤه لا تستقصى".(1)
وقال الإمام الرازي رحمه الله: "إن تكبير الله تعالى يحتمل أنواعا من المعاني:
أولها: تكبيره في ذاته وهو أن يعتقد العبد أنه واجب الوجوب لذاته.
ثانيها: تكبيره في صفاته باعتقاد وصفه بكل كمال وتنزيه عن كل نقص، واعتقاد أن كل واحد من تلك الصفات متعلق بما لا نهاية له من المعلومات وقدرته متعلقة بما لا نهاية له من المقدورات والممكنات، واعتقاد أن صفاته أزلية قديمة سرمدية منزهة عن التغير والزوال والتحول والانتقال
ثالثها: تكبيره في أفعاله بأن يعتقد العبد أنه لا يجري في الكون أمر إلا على وفق حكمه وإرادته وبقضائه وقدرته.
رابعها: تكبيره في أحكامه وهو أن يعتقد العبد أنه مَلِك مطاع وله الأمر والنهى والرفع والخفض.
خامسها: تكبيره في أسمائه وهو ألا يذكر إلا بأسمائه الحسنى ولا يوصف إلا بصفاته المقدسة العالية المنزَّهة.
سادسها: أن يدرك العبد بعد بلوغ هذا الحد من التكبير أنه مقدار عقله وفهمه، وأن كل ذلك لا يفي بتكبير الله عز وجل، وأن الله تعالى أكبر من ذلك بكثير، وهذا أقصى ما يقدر عليه العبد الضعيف من التكبير والتعظيم" اهـ (2) فأي معنى للوثنية أو الشرك بعد أن عرفت هذا المعنى في هذا الذكر البديع .

معنى قوله تعالى
:{و كبره تكبيرًا}أوسع من قول:"الله أكبر"
ثانيًا: لا يراد بقوله تعالى في الآية الأولى: {وكبره تكبيراً} كما قد يفهم  قولوا: "الله أكبر" فقط؛ إذ المراد به تعظيم الله عز وجل على وجه العموم .
    يقول الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله: "ومعنى {كبره} اعتقد أنه كبير، أي عظيم العِظم المعنوي الشامل لوجوب الوجود والغِنى المطلق، وصفات الكمال كلها الكاملة التعلقات؛ لأن الاتصاف بذلك كله كمال، والاتصاف بأضداد ذلك نقص وصغار معنوي".(3)

الإسلام يعلمنا إقرار الحق مهما كان قائله:
     ثالثًا: إذا فرضنا -جدلا- أن هذا الذكر كان موجودًا في العرب قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو على ما عرفت من احتوائه على التنزيه و التوحيد للباري –جل شأنه- فلا يلزم إذن أن يُحَرَّم ذلك أو يمنع في شريعة الإسلام طالما أن هذا يتفق مع ما جاءت به هذه الشريعة من توحيد الباري عز وجل وتنزيهه وتعظيمه.

تعميم ذلك على العرب غير مقبول:
رابعًا:كان العرب قبل الإسلام فيما يتعلق بقضية الديانة متفاوتين تفاوتاً كبيراً لا يمكن حصره؛ فعلى حين كان منهم الحنفاء الذين عرفوا الله عز وجل وأمرهم في ذلك مشهور،كان منهم كذلك من يصنع إلهًا من العجوة أول النهار ثم يأكله آخر النهار؛ فلا يسهل تحديد ديـانة العرب كل العرب بعمق وتصوراتهم عن الإله، وإن كان الظاهر أن معظمهم كان يعبد الأوثان ومن ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصلح هذه العقيدة الفاسدة، كما يصلح ما فسد من عقائد غيرهم.

 
 
 
 
الهوامش:
-------------------------
(1)
روح المعاني 15/ 286. 
(2)  مفاتيح الغيب بتصرف كبير 21 / 720.
(3)  التحرير والتنوير 15 / 2390.