تقنية المعلومات تُعيـد صياغة الاقتصاد الأوروبي

الناقل : elmasry | المصدر : www.bab.com

تستضيف برشلونة جيلاً جديداً من شركات التقنية المبتدئة السريعة النمو. هلسنكي هي السوق المتفوقة على مستوى العالم لصيرفة الإنترنت اللاسلكي. تأتي ايرلندا في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في صادرات البرامج العالمية. أصبحت ميونخ مستنبت استثمار رأس مال المشاريع، مع 10 بلايين دولار من الأموال تحت الإدارة. بدأت تظهر علامات مدهشة لحيوية اقتصادية في أوروبا، المعروفة لمدة طويلة بنموها البطيء وممارسات العمل المقيدة وميزانيات الحكومات غير العملية بعد الركود لسنوات يتوقع أن يبلغ النمو في منطقة اليورو التي تضم إحدى عشرة دولة، 3% هذا العام. وانخفضت البطالة - البلاء الاجتماعي الرئيس في القارة- أخيراً إلى أدنى من 10%. وإن عملية توفير وظائف للقطاع الخاص في فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، هي الآن في أفضل حالاتها منذ 30 عاماً. وتصرف الشركات من هلسنكي إلى لشبونة مبالغ كبيرة على تقنية المعلومات الجديدة. لا غرو أن يتقد النقاش عبر القارة وتثار الأسئلة التالية: ü هل يستطيع العالم القديم فعلياً تطوير اقتصاد جديد على النمو الأمريكي؟ ü هل تتجه أوروبا لفترة مطولة من النمو العالي وغير التضخمي المدفوع بالإنتاجية المرتفعة وصرف التقنية الثقيل؟ انقسم الاقتصاديون ورجال الأعمال والسياسيون حول ذلك. يعلن توماس مير، الاقتصادي الرئيس في جولدمان، ساشز آند كبوني في فرانكفورت: (بلاشك أن ذلك الاقتصاد الجديد متطور) في منطقة اليورو. وينوه بالنمو السريع للأعمال المبنية على المعرفة والإزالة الكاسحة للوائح السوق مثل الاتصالات من بعد كمؤشرات واضحة. تساور الشكوك بعض الاقتصاديين المحنكين الآخرين فهم يعتقدون أن التحسن الواضح الحالي يعزى إلى حد كبير إلى ظاهرة دائرية، مدفوعة أساساً بالاسترخاء الأخير للخطط المالية الصارمة في معظم دول منطقة اليورو، وضعف اليورو المفرز للتصدير. ولا يزال آخرون يعتقدون بأن أسواق أوروبا مجزأة إلى درجة كبيرة، وأن أسواق عملها غير مرنة إلى درجة كبيرة، وأن لوائحها مقيدة جداً لتسمح بنمو متصاعد بدون تضخم. موجة اندماجات لم تؤكد حتى الآن إحصاءات الاتحاد الأوروبي ولا الدول المستقلة أن أوروبا مستفيدة من مكاسب الإنتاجية التي ساقتها التقنية والتي حفزت مثل هذا النمو في الولايات المتحدة، إذ تبين البيانات الحديثة على نطاق الاتحاد الأوروبي أن معدل النمو لإنتاجية العمل في الساعة قد ركدت خلال الأربع سنوات الماضية. ارتفعت إنتاجية العمل في عام 1999م بقدر 1.9% في إحدى عشرة دولة من الدول التي تكوّن منطقة أو حزام اليورو، من 2% زيادة في عام 1995م. مع ذلك ربما أن اقتصاداً جديداً تحت السطح قد بدأ يتبلور في العالم القديم. يقول المنتجون وشركات الخدمة على السواء بأن الإنتاجية تتصاعد أسرع مما تبين الأرقام الرسمية. يقول ديفيد كوتريل، الاستراتيجي الرئيس لأوروبا في كمبريدج تكنولوجي بارتينز: (وجدت الشركات طريقها إلى الاقتصاد الجديد. إنه يحدث رغم الجمود وعدم المرونة). بالتأكيد تستمع أوروبا ببعض العناصر الرئيسة اللازمة لبدء اقتصاد جديد. حتى عهد قريب كان سوق رأس المال في القارة صغيراً ومجزءاً. ولكن دخول اليورو قد دمجه في كيان واحد ديناميكي. أسهل كثيراً الآن للشركات أن تتجنب الصيارفة التجاريين الحذرين وتذهب مباشرة إلى المستثمرين. جمعت الشركات، ككل، في منطقة اليورو 222 بليون دولار بإصدار أسهم عادية جديدة وسندات العام الماضي، وهو أكثر عشر مرات مما جمع في عام 1995م. بلغ إجمالي العروض العامة المبدئية في سوق نيور في فرانكفورت وأسواق أوروبا الأخرى من أجل الحصص النامية بسرعة 55 بليون دولار العام الماضي، أكثر ثلاث مرات مما كان في عام 1998م، وارتفع مبلغ رأس مال المشاريع في أوروبا في عام 1999م وبلغ 20 بليون دولار. وبالقدر نفسه من الأهمية، أطلق وصول العملة الواحدة موجة كبيرة من نشاط الاندماج والشراء وإعادة الهيكلة. وقد شحذ ذلك بدوره شهية القارة التي كانت يوماً ما فاترة لتدمير خلاق على النمط الأنجلو -ساكسوني. وتلعب المؤسسات المالية الأمريكية دورها: فهي تملك الآن حصصاً كبيرة في شركات أوروبية كثيرة وتضغط التنفيذيين الرئيسين على رفع قيمة المساهم إلى أقصى درجة. هوس الإنفاق على التقنية هناك علاقة أخرى للاقتصاد الجديد لا تزال تتبلور هي القفزة في الإنفاق على التقنية. صرفت الشركات الأوروبية 200 بليون دولار في تقنية المعلومات الجديدة في عام 1999، ويتوقع أن تصرف نسبة أخرى تصل إلى 30% هذا العام. يعتقد الاقتصاديون في سلمون سميث بارني بأن مكاسب الإنتاجية كنتيجة لاستثمارات تقنية المعلومات في أوروبا مشاهدة على الأرض: يجب أن تضيف مقدار نصف نقطة إلى النمو السنوي لاقتصاد الاتحاد الأوروبي (EU) بحلول عام 2003م. هناك الكثير من أمثلة مكاسب الإنتاجية من قبل تقنية المعلومات وضعت فاليو الممونة الفرنسية لقطع غيار السيارات 300 مليون دولار أو 3.5% من المبيعات في تحسينات الحصول على الإنتاجية السنة الماضية، وتتحرك الشركة بسرعة لتصنع مناقصة ممون على الإنترنت. ذلك النوع من الإنفاق هو واجب للتنفيذي الرئيس تويل قوتارد، الذي كان عليه أن يخفض 10% من أسعار قطع الغيار سنوياً للإبقاء على عملائه العنيدين مثل شركة جنرال موتورز وشركة فورد موتور. وقد تتسلل مكاسب الإنتاجية إلى قطاع الخدمات، حيث يصعب بشكل سيئ قياسها. يقول ميرتا نورد بانكين، وهو بنك تجاري اسكندنافي، إن استثمارات التقنية في الآونة الأخيرة تحسن الدخل بشكل واضح لكل مستخدم، وهي علامة على أن الإنتاجية متزايدة. توجد الآن 62% من تجارة الأسهم العادية التي تمت من قبل عملاء ميرتال نورد بانكين على الإنترنت. يحسب محللون بأن إنتاجية عمل سمسرة بورصة البنك ترتفع بحوالي 50% في السنة. في أثناء ذلك، وبعد سنوات من التأخر، يبدو أن أوروبا تطور قطاعها الفني الذي يوجد الوظائف. تنشأ شركات التقنية في أماكن مدهشة. في كاتالونيا، حيث تستخدم شركات التقنية العالية 51.000 عامل، فإن البطالة تبلغ 6.5%. أقل من نصف معدل البطالة البالغ 15.4% في أسبانيا. وبإغراء من الخريجين المهرة من تسع جامعات محلية، أنشأت شركة هيولت باكارد ونوكيا مراكز للبحوث والتطوير بالقرب من برشلونة. ظلت أصغر الدول الأوروبية أكثر الدول نجاحاً في صنع اقتصاديات نمو عال. يتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في فنلندا وهولندا إلى أكثر من 3.5% هذا العام. حظي الاقتصاد الايرلندي بأكثر من 9% من النمو العام الماضي. كل من هذه الدول توفر وظائف بأرقام قياسية، جزئياً بسبب أنها قد سارت في طريق إصلاحات اقتصادية هيكلية. من أجل استمرار الاقتصاد الجديد في أوروبا، فإن الدول تحتاج إلى الدخول في العمل. لا تزال فرنسا وألمانيا منزعجتين بتكاليف العمل المرتفعة جداً، في حين أن الكثيرين لا يزالون يريدون حلولاً حكومية للبطالة التي تؤذي السوق: في ألمانيا يتحدث المخدمون والاتحادات والحكومة عن تخفيض سن التقاعد من 65 إلى 60 سنة. تنازلات العمل مع أنه لا تزال الحكومات الأوروبية التي يهيمن عليها اليسار تتحدث بالبلاغة الاشتراكية، من خلف الكواليس، فإن ألمانيا وفرنسا قد أصبحتا صديقتين في العمل. أدخلت فرنسا لتوها 35 ساعة في أسبوع العمل، لكن الشركات ظلت قادرة على الحصول على مرونة أكبر من الاتحادات العمالية كشرط لتطبيق زمن عمل أقصر، وبدأت أنظمة الضرائب تصبح أقل كبحاً. في فرنسا ستخفض 7 بلايين دولار من فواتير ضرائب الشركات- وهو ما يساوي 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP). في ألمانيا، ستخفض ضرائب الشركات من 40% في الوقت الحاضر إلى 25% في يناير عام 2001. ستعزز هذه الإجراءات رأس المال المتوفر للاستثمار. لا تزال الاختناقات المحتملة موجودة، بالطبع. قد تعجز الحكومات الأوروبية والاتحادات العمالية في جعل الاقتصاد أكثر مرونة. ويعتمد الكثير أيضاً على كيفية تفاعل البنك المركزي الأوروبي للنمو المتزايد. إن القلق في أوروبا هو أن البنك المركزي الأوروبي (ECB)، والذي لا يزال تقليدياً في مظهره، يمكن أن يخنق النشاط الاقتصادي برفع أسعار الفائدة في أول علامة يتجه فيها التضخم إلى 2%. وصل التضخم في منطقة اليورو إلى 1.8% الشهر الماضي. سواء في ممرات البنك المركزي الأوروبي أو داخل الشركة الأوروبية، فإن الاقتصاد الجديد من المحتمل أن يبقى موضوعاً لنقاش ساخن. لا يزال كريستيان سينت-إيتين استشاري مقره باريس والمتشكك لمدة طويلة بشأن الفرص من أجل إصلاح هيكلي حقيقي في أوروبا، قد بدأ يتحول ليكون أكثر تفاؤلاً. يقول (سينت إيتين) إن أوروبا لديها فرصة جيدة للحاق بالولايات المتحدة إذا نما اقتصاد القارة إلى 3% في السنة لمدة سنتين أو ثلاث. يقول: (إن السؤال الأساس هو ليس فيما إذا كان الاقتصاد الجديد قد رسخ في أوروبا أم لا، لكن فيما إذا كان النمو يمكن أن يكون قوياً بدرجة كافية ليحدث هذا النوع من ازدهار الاستثمار الذي خبرته الولايات المتحدة) إذا تبلور ازدهار الاستثمار، وفقاً لأرقام (سينت إيتين)، فإن الاقتصاد الجديد سيتوسع بسرعة ليخلف القديم.. وربما لم يحن عصر ازدهار أوروبا بعد. نشر في مجلة ( التدريب والتقنية ) العدد (13) بتاريخ ( المحرم 1421م)