متاهات في الزّمن الضائع

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : محمد بروحو | المصدر : www.arabicstory.net

أوراق تتساقط .. تتمايل على نغمات ريح الغرب.. تهتزّ على إيقاع مزمار يسمع من وراء تل يبعد بقليل عن الطريق الذي نسلكه كل صباح الى هناك..بين أشجار العرعار، يتقدم قافلة الجماعة.. يتمشى وهويتحسّس نتوءها..نسمات صباحية، تتدافع فوق غابة الصّنوبر.. أعشاب تطل برؤوسها من تحت التربة النّدية بقطرات ندى ليل، خلع عنه ضوء الصّباح معطف الضّلام.

 

هبوب رياح البوغاز، مبلّلة بماء البحر، الذي يغسل وجوهنا كل صباح.. في وقت مبكر من أيام الربيع الأخيرة من هذا العام.. في موكب إتجهنا نحو (المجهول) نحو مقرات عملنا ..بين أشجار العرعار توسّط الطريق الذي نسلكه يوصلنا الى هناك.. بعضنا يسير ساعة زمن، والآخرون يسيرون أكثر من ذلك.. أستغل اللّحظة بدوري، أبدأ سيري نحو الجهة الجنوبية مسرعا وخائفاً.. أخاف نزول مطر بطوفان.. ولمعان برق في وحشة الخلاء.. متردّدا وخائفاً، أتابع سيري في الوحل توحل رجلي من كثرة تساقطات الليلة الماضية.. قطيع أغنام  يؤنسني بين الغابة الكثيفة غير العالية يتّجه نحو المرعى.. خراف تسرع لإناثها وأخرى لأمهاتها.. أما أنا فأسرع نحو الجهة الجنوبية.. أريد الوصول قبل هطول المطر..قرب النهر أتأمل مشهد الجريان.. أرفع رأسي.. سحب تتدافع، تسابقني.. أفكر في وسيلة أعبر بها النّهر..يكثر جريانه.. يتغير لون مائه.. أمطار غزيرة في الجهة الشّمالية..يحاول رجل عبور النّهر.. ناديته لم يجبني.. يمدّ رجله يتثبت بشجرة دفلى، تتدلى على ضفة النهر.. يسقط فجأة.. يستغيث.. يغيب ثم يضهر.. يلوح بيده ينادي دقات تسمع من بعيد.. صورة حيطان متهرئة تساقط جيرها.. أبواب مشقوقة.. غالب الزمان كل هذه الأشياء.. يريد أن يغالبني انا الآخر.. أعانده.. أسمع صدى أصوات مبحوحة هزمها برد الشّتاء.

 

أخاطب الزّمن الضائع.. يجيبني بصمت.. صور يومية.. تفزع العين.. جوابه يحرجني.. أتقوقع في مكاني.. يشد  أوتار عودي.. غدت أنغامه غير مسموعة ولا منغومة.. أظل حائرا أجر ذيل الخيبة في ذهول.. أتفحص الوجوه الكاذبة مني ومن عنادي.. لم أستطع أداء أغنيتي.. إمتنع عودي عن العزف كما امتنعت حنجرتي عن الغناء.. أصبحت مثلهم، عاندني الزّمان، عاندته، فغلبني.. لم يبق لي سوى الزّمن الآتي، وهذه البسمات البريئة التي أستدير نحوها كل مرة، وأنا أنقل على السبورة.. حروف الهجاء