حكم سعد بن معاذ في بني قريظة

الناقل : mahmoud | المصدر : www.rasoulallah.net

حكم سعد بن معاذ في بني قريظة


    * عن عائشة قالت : خرجت يوم الخندق أقفو الناس فسمعت وئيد الأرض ورائي ، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه . قالت فجلست إلى الأرض فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه ،فأنا أتخوف على أطراف سعد ، قالت :وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، فمر وهو يرتجز ويقول :


        لبث قليلاً يدرك الهيجا حمل              ما أحسن الموت إذا حان الأجل


    قال : فقمت فاقتحمت حديقة فإذا نفر من المسلمين ، فإذا فيها عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سبغة له ، تعني المغفر ، فقال عمر : ما جاء بك والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز . فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض فتحت ساعتئذ فدخلت فيها فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا هو طلحة بن عبيد الله فقال :يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله عز وجل .


    قالت : ويرمي سعداً رجل من قريش يقال له ابن العرقة وقال : خذها وأنا ابن العرقة .فأصاب أكحله فقطعه ، فدعا الله سعد فقال : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة .قالت : وكانوا حلفاءه ومواليه في  الجاهلية . قالت فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين كفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً . فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد .


ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم [ ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة  من أدم ، فضربت على سعد في المسجد . قالت : فجاء جبريل وإن على ثناياه لنقع الغبارفقال : أقد وضعت السلاح ! والله ما وضعت الملائكة السلاح بعد ، أخرج إلى بني قريضة فقاتلهم ] .


    قالت : فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا [ فمر على بني غنم ، وهم جيران المسجد حوله فقال : "من مر بكم " ؟ قالوا : مر بنا دحية الكلبي ، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام ] .


[ فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة ، فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء قيل لهم : أنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ]


[ فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح] قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ . فقال  رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنزلوا على حكم سعد بن معاذ " .


فأتي به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه وحف به قومه ،فقالوا : يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك واهل النكاية ، ومن قد علمت . قالت : ولا يرجع إليهم شيئاً ولا يلتفت إليهم ، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال : قد آن لي ألا أبالي في الله لومة لائم ! .


قالت : قال أبو سعيد : [ فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه " . قال عمر : سيدنا الله . قال :  أنزلوه " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . " أحكم فيهم" . فقال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ " لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله ] [ ثم دعا سعد فقال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها ، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني  إليك قالت : فانفجر كلمه وكان قد برئ حتى لا يرى منه إلا مثل الخرص ] .


ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .


    قالت عائشة : فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، قالت : فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله ، {رحماء بينهم } [ الفتح : 29] .


    قال علقمة : فقلت : يا أمة فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ؟ قلت : كانت عينه لا تدمع على أحد . ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته .


·   عن جابر بن عبدالله أنه قال : رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله ، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالنار فانتفخت يده فنزفت ، فلما رأى ذلك قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة . فاستمسك عرقة فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد ، فأرسل إليه فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم يستعين بهم المسلمون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أصبت حكم الله فيهم " . وكانوا أربعمائة . فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات .


درجة الحديث عند أهل العلم :


حديث عائشة : صححه ابن حبان وحسنه الحافظ ابن حجر والهيثمي والألباني .


وقال ابن كثير : إسناده جيد .


 غريب القصة :


-       أقفو : أي اتتبع .


-       وئيد :صوت الأرض .


-       مجنة : الترس .


-       مغفر : ما يلبسه الدارع على رأس من الزرد .


-       أطرافه : أي يديه ورجليه .


-       حوزا : التحوزالضم والجمع  .


-   أكحله : الأكحل عرق في الذراع يفصد ( المصباح ) قال ابن حجر : ( 7/415) : " وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الروم إلى صدره فانفجر من ثم " .


-       كلمه : أي جرحه .


-       تهامة: بالكسر موضع مشهور في الجزيرة مما تساير البحر .


-       صياصيهم : حصونهم .


-       لأمته : آلة الحرب وقيل الدرع .


-       إكاف :الإكاف هو ما يشد على ظهر الحمار .


-       الكناية : بالكسر إذا قتلت وأثخنت ( المصباح ) .


-       الخرص : الحلقة الصغيرة من الحلي .


-       وجد :حزن .

 


الفوائد والعبر :


1-   حياء أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .


2-   إنشاء الشعر في القتال يبعث على الحماس في نفوس الجيش .


3-   جواز تمني الشهادة وهي مخصوص من عموم النهي عن تمني الموت ( الفتح )


4-   قتال الملائكة مع المؤمنين دليل تأييد الله سبحانه لعبادة المؤمنين .


5-   تشبه جبريل عليه السلام بدحية الكلبي دليل على فضل دحية رضي الله عنه 


6-   جواز حصار العدو .


7- افشاء سر المسلمين خيانة ، ولهذا لما أدرك ابو لبابة ما فعل ندم وتوجه إلى  مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فارتبط فيه حتى تاب الله عليه رضي الله عنه .


8-   لزوم حكم المحكم برضا الخصمين ( قال ابن المنير ، الفتح 6/165) .


9-   تحكيم الأفضل من هو مفضول . ( الفتح ) .


10- جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي خلافية في أصول الفقة ، والمختار الجواز سواء كان بحضور النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ، وإنما استبعد المانع وقوع الاعتماد على الظن مع إمكان القطع ولا يضير ذلك . لأنه بالتقرير يصير قطعيا ، وقد ثبت وقوع ذلك بحضرته صلى الله عليه وسلم كما في هذه القصة ، وقصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتيل أبي قتادة " ( الفتح 7/416 ) 


11-   قال شيخنا العلامة الألباني في الصحيحة فائدتان :


(1) ـ أشتهر رواية هذا الحديث بلفظ : " لسيدكم " ،والرواية في الحديثين كما رأيت : " إلى سيدكم " ، ولا أعلم للفظ الأول أصلا ، وقد نتج منه خطأ فقهي ، وهو الاستدلال به على استحباب القيام للقيام كما فعل أبن بطال وغيره .


 قال الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل في "التنبيه على الألفاظ التي وقع في نقلها وضبطها تصحيف وخطاً في تفسيرها ومعانيها وتحريف في كتاب الغريبين عن أبي عبيد الهوري
" (ق 17/2) . : " ومن ذلك ما ذكره في هذا الباب من ذكر السيد ، وقال كقوله لسعد حين قال : " قوموا لسيدكم " : أراد أفضلكم رجلاً . قلت : والمعروف أنه قال : " قوموا إلى سيدكم : ، قاله صلى الله عليه وسلم لجماعة من الأنصار لما جاء سعد بن معاذ محمولا على حمار ، وهو جريح .. أي : أنزلوه واحملوه ، لا قوموا له من القيام له ؛ فإنه أراد بالسيد : الرئيس المتقدم عليهم ، وإن كان غيره أفضل منه " .


(2) ـ اشتهر الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية القيام للداخل ، وأنت إذا تأملت في سياق القصة ؛ يتبين لك أنه استدلال ساقط من وجوه كثيرة : أقواها قوله صلى الله عليه وسلم : " فأنزلوه " ؛ فهو نص قاطع على أن الأمر بالقيام إلى سعد إنما كان لانزاله من أجل كونه مريضا ، ولذلك قال الحافظ : "وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه ، وقد احتج به النووي في (كتاب القيام ) ... " أ . هـ .


قلت : وانظر أجوبه ابن الحاج القوية في الرد على النووي فيما ذهب إليه في كتاب المذكور ، انظر الفتح لابن حجر ( 11/50-54 )