بين يدى رمضان

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدَّم | المصدر : www.islammemo.cc

مفكرة الإسلام: الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة، بما دفع عنهم من كيد الشيطان ؛ إذ جعل الصوم حصناً لأوليائه وجُنَّة، وفتح لهم به أبواب الجنة، وصلى الله على عبده ورسوله محمد قائد الغُرِّ المُحجَّلين ومُمَهِّد السُّنَّة، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:



 فإن حكمة الله اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعةً للآخرة، وميداناً للتنافس، ومن فضله وكرمه أن يجزي على القليل كثيراً، ويضاعفَ الحساب، ويجعلَ لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة, فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما أمكنه من وظائف الطاعات، عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات، قال الحسن رحمه الله في قول الله عز وجل: [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[62]] [سورة الفرقان]، قال: ' من عجز بالليل كان له من أول النهار مُسْتَعْتَبٌ، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مُسْتَعْتَبٌ '؟.


ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلِّها شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن المجيد، ولذا كان حريًا بالمؤمن أن يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم، ويتفقه في شروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا الموسم الحافل؛ لئلا يفوته الخير العظيم, ولا ينشغل بمفضول عن فاضل، ولا بفاضل عما هو أفضل منه.  

                              

 

التأهب والاستبشار بقدوم رمضان


إن أول الآداب الشرعية بين يدي رمضان: أن تتأهب لقدومه قبل الاستهلال، وأن تكون النفس بقدومه مستبشرة، وأن تستشرف لنظره استشرافها لقدوم حبيب غائب من سفره؛ إذ أن التأهب لشهر رمضان والاستعداد لقدومه من تعظيم شعائر الله القائل: [ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ[32]] [سورة الحـج ].

 

يفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان ويسبشرون، ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه، ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات، وزيادة الحسنات، وهجر السيئات، وأولئك يبشَّرون بقول الله: [قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[58]] [سورة يونس ]. وذلك لأن محبة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله عز وجل، فترى المؤمنين متلهفين مشتاقين إلى رمضان، تحن قلوبهم إلى صوم نهاره، ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بين يدي مولاهم، وتراهم يمهدون لاستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة في شعبان .  

 

باع قوم من السلف جارية لهم لأحد الناس ، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان – كما يصنع كثير من الناس اليوم – فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: ' لمـاذا تصنعون ذلك؟ ' ، قالوا: ' لاستقبال شهر رمضان ' ، فقالت: ' وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ والله لقد جئت من عند قوم السَّنَةُ عندهم كأنها كلَّها رمضان ، لا حاجة لي فيكم ، رُدُّوني إليهم ' ، ورجعت إلى سيدها الأول .

من فضائل الصوم


سمع المؤمنون قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي] رواه البخاري ومسلم ؛ فعلموا أن الامتناع عن الشهوات لله عز وجل في هذه الدنيا سبب لنيلها في الآخرة، كما أشار إلى ذلك مفهوم قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ] رواه البخاري ومسلم.

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبو موسى على سرية في البحر، فبينما هم كذلك ، قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة ، إذا هاتف فوقهم يهتف :'يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه' فقال أبو موسى :' أخبرنا إن كنت مخبراً ' ، قال:'إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف ، سقاه الله يوم العطش' رواه البزار ، وحسنه المنذري، وفي رواية:' فكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه'رواه ابن أبي الدنيا.


وعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ]رواه البخاري ومسلم .

وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ: [ آمِينَ آمِينَ آمِينَ ] ، قَالَ: [ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ ، فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ: آمِينَ ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَمَاتَ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأُدْخِلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ] رواه الطبراني في ' الكبير'، وصححه الألباني.                                                  

 

فهل تعجب أخي المؤمن أن جبريل ملك الوحي يدعو في هذا الحديث، ثم يؤمِّن الصادق صلى الله عليه وسلم على دعائه؟! وأي عجب ورمضان فرصة نادرة ثمينة فيها الرحمة والمغفرة، ودواعيها متيسرة، والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة، ومردة الشياطين مصفَّدون، ولله عتقاء في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة ، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن ؟! ، ولا يهلك على الله إلا هالك، ومن لم يكن أهلاً للمغفرة في هذا الموسم ففي أي وقت يتأهل لها؟! ومن خاض البحر اللجاج ولم يَطَّهَّرْ فماذا يطهره ؟! .                                                                           

 ماذا يحدث في أول ليلة من رمضان؟


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ] رواه الترمذي وابن ماجه.

 

إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هديه في هذا الموضع المبادرة إلى تذكير الناس ببركات هذا الموسم العظيم، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أول ليلة من رمضان:             [أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ] رواه النسائي وحسنه الألباني.                     

كيف يستقبل باغي الخير رمضان ؟

 

أولاً: بالمبادرة إلى التوبة الصادقة، المستوفية لشروطها، وكثرة الاستغفار، قال الله : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ][سورة التحريم: من الآية8] .

 

 ثانياً: بتعلم ما لابد منه من فقه الصيام، أحكامه وآدابه، والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فِطر، وغيرها، قال رسول صلى الله عليه وسلم: [ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ] .


ثالثاً: عقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، قال تعالى:[فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ] [ سورة محمد: من الآية 21]، وقال جلا وعلا:[وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً َ] [سورة التوبة: من الآية 46 ].، وتحري أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً .                                                                                       

 

رابعاً: استحضار أن رمضان- كما وصفه الله عزَّ وجلَّ- أيام معدودات ، سرعان ما يولي ، فهو موسم فاضل ، ولكنه سريع الرحيل ، واستحضار أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة تذهب أيضاً، ويبقى الأجر، وشَرْحُ الصدر، فإن فرط الإنسان ذهبت ساعات لهوه وغفلته، وبقيت تبعاتها وأوزارها . 

 

خامساً: الاجتهاد في حفظ الأذكار والأدعية المطلقة منها والموظفة ، خصوصاً الوظائف المتعلقة برمضان؛ استدعاءً للخشوع وحضور القلب، واغتناماً لأوقات إجابة الدعاء في رمضان، والاستعانة على ذلك بدعاء: [ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ]رواه أبودلود والنسائي وأحمد.

 

وهاك الأذكار الثابتة المتعلقة بوظائف رمضان:  

 

ما يقول إذا رأى الهلال- هلال أيِّ شهر ، ولا يختص برمضان-: [ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ]رواه الترمذي وأحمد والدارمي .  

 

- وإذا صام ، فلا يرفث ، ولا يجهل ، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: [إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ]رواه البخاري ومسلم . 

 

ماذا يقول عند الإفطار؟

 

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ ]رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني .                                        

 

- وأفضل الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقول إذا أفطر: [ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ] رواه أبوداود وحسنه الألباني.  

 

سادساً: الاستكثار من الأعمال الصالحات ، فإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن ذلك :

 

[1] صيام شعبان: استعداداً لرمضان ، فعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: ' مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ'رواه البخاري ومسلم.  

                                  


 

[2] تلاوة القرآن الكريم: فإن رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه ، وتدبره ، وعرضه على من هو أقرأ منه . كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان ، وعارضه في عام وفاته مرتين ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن الكريم كل يوم مرة ، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل سبع ، وبعضهم في كل عشر ، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها ، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة ، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ، ويُقبل على تلاوة المصحف . وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة ، وأقبل على قراءة القرآن ، قال الزهري: ' إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن ، وإطعام الطعام ' .


 

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ' وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من ثلاث على المدوامة على ذلك ، فأما الأوقات المفضلة – كشهر رمضان – خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر – أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها ، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان ، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة ، وعليه يدل عمل غيرهم ' .

                      


 

[3] قيام رمضان: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: [مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] رواه البخاري ومسلم.

 

وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من قضاعة ، فقال: يا رسول الله ! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة ؟ ' فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مِنْ الصِّدّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ] قال الهيثمي في مجمع الزوائد:'رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا شيخي البزار ، وأرجو إسناده أنه إسناد حسن أو صحيح' . 

 

[4] الصدقة: فقد ' كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ' رواه البخاري ومسلم.


ومن صور الصدقة: إطعام الطعام ، وتفطير الصوام ، قال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا]رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي.

 

فإن عجز عن عَشائه فطَّره على تمرة أو شربة ماء أو لبن ، وقال صلى الله عليه وسلم: [اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ] رواه البخاري ومسلم.  

 

وقال بعض السلف: 'لأن أدعو عشرة من أصحابي ، فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إليَّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل ' . وكان كثير من السلف يُؤثِر بفطوره وهو صائم ، منهم عبد الله بن عمر ، وداود الطائي ، ومالك بن دينار ، وأحمد بن حنبل ، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين ، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه ، فلم يفطر في تلك الليلة .                             

 

وكان من السلف من يطعهم إخوانه الطعام وهو صائم ، ويجلس يخدمهم، منهم الحسن وابن المبارك ، وقال أبو السوار العدوي:' كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ، إن وجد من يأكل معه أكل ، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد ، فأكله مع الناس وأكل الناس معه' ، قال الإمام الماوردي رحمه الله: ' ويستحب للرجل أن يوسع على عياله في شهر رمضان ، وأن يحسن إلى أرحامه وجيرانه ، لا سيما في العشر الأواخر منه ' .          

           


 

[5] المكث في المسجد بعد صلاة الفجر: فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس ، وقال صلى الله عليه وسلم: [مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ]رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني.

 

فعلى المرء أن يجمع همته ليغتنم هذا الزمان الشريف ، ولا يضيره انصراف أكثر الناس عن هذه السُّنَّة ، بل الحازم ينظر في أمر الدين إلى من هو فوقه ، ومن هو أنشط منه: [وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ][سورة المطففين: من الآية 26 ]. وقد يُحرم المرء من هذه السُّنَّة الجليلة لإفراطه في السهر أو السمر بعد العشاء .           


 [6] الاعتكاف: فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً .                                                           

 

[7] العمرة: فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: [ مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟] قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قَالَ: [ فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً] وفي رواية: [ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي]رواه البخاري ومسلم .

 

 [8] تحري ليلة القدر: التي قال تعالى في شأنها: [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[1]وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ[2]لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ[3]] [سورة القدر] . وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] رواه البخاري ومسلم . وكان صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ، ويأمر أصحابه بتحريها ، وكان يعتكف لذلك ، وكان يوقظ أهله في  ليالي العشر رجاء أن يدركوها .

 

[9] الإكثار من النوافل بعد الفرائض: كالسُّنن القبلية والبعدية ، وصلاة التسبيح ، والضحى ، والذكر والاستغفار ، والدعاء خصوصاً في أوقات الإجابة ، وعند الإفطار ، وفي ثلث الليل الآخر ، وفي الأسحار ، وساعة الإجابة يوم الجمعة .                      

 

[10] المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد: والاجتهاد في تطبيق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ] رواه الترمذي وحسنه الألباني.  قال سعيد بن المسيب: ' من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة ؛ فقد ملأ البر والبحر عبادةً ' .                                                                          

 

فهذه إلمامة عجلى ببعض مظاهر الخير الذي ينادي من يقصده وينويه في أول ليلة من رمضان: [يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ] .

 

 

 

من محاضرة:'بين يدي رمضان' للشيخ/ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدَّم .