الانفاق على التعليم

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : أ.عزيزة شرير | المصدر : www.tarbya.net

 

يعد التعليم في كل المجتمعات قيمة نادرة في أهميتها للفرد وللمجتمع على السواء، وتبذل الحكومات كل ما في وسعها لنشر التعليم على كافة المستويات بين الأهالي، فالتعليم أعظم استثمار للمجتمع في أفراده وفى شبابه وأسره، حتى وان كان استثماراً مؤجلاً يضاف إلى كيان الأسرة المالي عندما ترسل صغارها إلى المدرسة بدلاً من العمل.
 
ولقد أحرزت فكرة تأمين تكافؤ فرص التعليم للجميع ذكوراً وإناثاً، تقدماً عظيماً فلم تعد هناك أي دولة تجادل في صحتها بل يسعى المسئولون الوطنيون إلى تحقيقها عن طريق تعبئة الموارد المتاحة. وتعبئة الموارد المتاحة تعنى توفير القوى البشرية والأموال اللازمة للتوسع في التعليم وما يتطلبه من مشروعات المباني والمعدات والمعلمين وغيرها وكلها تحتاج إلى تكاليف كبيرة.
 
ونتيجة لتقدير دور التربية في تقدم الأمم ورقيها ارتفعت الأصوات عالية مخلصة في النداء تدعو إلى زيادة المخصصات المالية في الإنفاق على التعليم وطالبت بتحديد نسبة معينة من ميزانية الدولة أو من الدخل القومي بحيث تتلائم مع مقتضيات الحاجة بما يؤدى إلى النهوض لمستويات الكمية والنوعية للتعليم سواء على الصعيد العالمي أو العربي.
 
ونرى هنا أن النظرة الإنسانية لمفهوم الإنفاق على التعليم قد تباينت وتعددت جوانبها باختلاف البيئة الاجتماعية والاقتصادية، فرأى الأمريكي يختلف عن الياباني وكذلك المواطن العربي من حيث أولوية الإنفاق على التعليم وأهميته وأهدافه وجوانبه والعوامل المؤثرة فيه.
 
ولقد تعددت مفاهيم الإنفاق باختلاف من تناولها من العلماء واللغويين والتربويين ورجال الاقتصاد والمحاسبة المالية وصناع القرار وكذلك الآباء والمعلمين ورجال التعليم. ويترادف مفهوم الإنفاق مع تكلفة التعليم وبالتالي فإن المعجم الوسيط يضيف بعداً مهماً في تعريف الكلفة حيث يعرفها بأنها" ما ينفق على الشئ لتحصيله من مال وجهد لبذل المال ونحوه في وجه من وجوه الخير" وهو بالتالي يضيف بعد الجهد في التعامل مع الكلفة بالإضافة إلى المال.
 
من خلال ذلك يمكن القول بأن الإنفاق على التعليم عبارة عن النفقات التي تصرف على العملية التعليمية بجوانبها المختلفة وبذلك فإن الإنفاق التعليمي بمعناه البسيط والمجرد هو التضحية اللازمة لإنتاج السلع والخدمات على أنه يمكن نسبياً قياس مقدار الجهد والتضحية بوحدات كمية. كما وتبين أن هناك نظرة شمولية إلى مفهوم الإنفاق على التعليم فهي شملت جميع مصارف الإنفاق المادية وكذلك كل ما يتعلق بالنواحي البشرية وما تبذله من جهد تعليمي حيث انه من المعروف كلما زادت نسبة الإنفاق وتم توجيهها بشكل مناسب انعكس ذلك في تجويد العمل التعليمي. وهنا نتحدث عن الإنفاق كونه "الإنفاق من جانب الحكومة على التعليم العام دون الأخذ بعين الاعتبار ما تنفقه الأسرة على أبنائها، ويشتمل على جانبين: أحدهما إنفاق جارى متكرر يلزم المؤسسة تأمين الموارد المالية للإيفاء به، والأخر رأسمالي غير متكرر ترصد له المؤسسة الموارد المالية لتحقيق هدف معين وينتهي الإنفاق عليه بتحقيق ذلك الهدف".
 
 
أهمية الإنفاق التعليمي:
إن زيادة الإقبال على التعليم تتطلب زيادة الإنفاق عليه لما يتطلب ذلك من توفير أبنية مدرسية ومعلمين وأجهزة وغير ذلك من متطلبات المؤسسات التعليمية، ونظراً لارتفاع الأسعار أيضاً فالدول وحكوماتها مكلفة بضرورة توفير الإنفاق على التعليم للمحافظة على مستواه والارتفاع بكفاءته الداخلية والخارجية.
 
وغالباً ما تقاس أهمية الإنفاق على التعليم بقدر ما يرصد له كنسبة من ميزانية الدولة أو من الدخل القومي العام ويقصد بالدخل القومي الإجمالي " قيمة ما أنتجه أفراد المجتمع الوطنيون من السلع والخدمات خلال عام واحد، حيث يستثنى من ذلك الأجانب المقيمون في داخل الدولة، ويضاف إليه أفراد المجتمع المقيمون في الخارج "، وكلما ارتفعت هذه النسبة دل ذلك على اهتمام الدولة بالتعليم، وفى المقابل ليس من الضروري أن تكون زيادة هذه النسبة مؤشراً لجودة التعليم في هذا البلد أو ذاك فقد لا تستغل هذه الأموال بالطرق الملائمة.
 
وترجع أهمية الحديث عن نفقات التعليم إلى أنها تمكن القائمين على أمر التربية والتعليم، عن طريق دراسة الخدمات التعليمية، من تحقيق الأهداف الآتية:
  1. إيجاد نوع من التناسق بين الخدمة التعليمية وغيرها من الخدمات التي تتنافس على الموارد المتاحة للدولة.
  2. تعتبر دراسة الإنفاق التعليمي بمثابة نوع من أنواع الرقابة، سواء كانت داخلية أم خارجية عن طريق التعرف على نواحي الإسراف والخلل فيها بهدف تطويرها وتصحيح مسارها.
  3. تعتبر دراسة الإنفاق التعليمي بمثابة تقويم له، فيمكن التعرف على مواطن القوى والضعف في المشروع التعليمي والعمل على وضع البدائل المناسبة للإنفاق بحيث تتحقق الأهداف المرجوة منه، كما أن ميزانية التعليم تعتبر أداة رقابة لأنها تحدد الأنشطة التي تمولها بشرط أن تكون مرنة.
  4. التأكد من أن الأجهزة التعليمية تحسن استغلال الموارد المتاحة التي تخصص لها، وذلك لمساعدة المسئولين عن التعليم في استخدام أمثل للموارد والوصول إلى أقصى كفاءة ممكنة لهدف إيجاد توازن بين تكلفة العملية التعليمية وإنتاجيتها.
  5. تساعد دراسة نفقات التعليم في التنبؤ بالنفقات المستقبلية للتربية وتقدم لواضعي سياسة التعليم البيانات اللازمة لاتخاذ القرارات المناسبة في ضوء أهداف واضحة.
  6. كما أن دراسة التكلفة والتي تعتبر مؤشراً هاماً لمقدار الكم الذي ينفق على التعليم تمكن المخطط التربوي من تحقيق عدة أهداف منها:
·        التعرف على الأموال المنفقة فعلاً في قطاع التعليم. - التعرف على الموارد الحقيقية الموظفة في قطاع التعليم.
·    التعرف على البدائل المختلفة التي ترفع كفاءة قطاع التعليم في تحقيق أهداف المجتمع أو على الأقل حصر الأعباء المالية الجديدة في حدود التكاليف المعقولة.
 
 
العوامل التي تؤثر في الإنفاق على التعليم:
عندما نقوم بدراسة الإنفاق على التعليم نجد أن هناك مجموعتان من العوامل التي تؤثر في حجم الإنفاق التعليمي وهما:
 
أولاً: مجموعة العوامل الخارجية:
وهى التي لا دخل للمؤسسة التعليمية فيها وتشمل:
  1. المستوى العام للدخل القومي.
  2. مستوى نفقة المعيشة الذي يدخل في تحديد أسعار السلع والخدمات.
  3. مستوى التكنولوجيا العامة في المجتمع الذي يؤثر في المستوى التكنولوجي التعليمي وبالتالي في نفقات التعليم. 4- التوزيع العمري للسكان بين فئات العمر المختلفة.
 
ثانياً:- مجموعة العوامل الداخلية:
وهذه ترتبط ارتباطا وثيقاً بالمؤسسات التعليمية ومن هذه العوامل:
  1. مستوى أجور العاملين بالمؤسسات التعليمية.
  2. التوزيع العمري لهيئات التدريس حيث يؤثر في مستوى الأجور.
  3. مستوى التكنولوجيا التعليمية.
  4. نصاب المدرس من ساعات التدريس.
  5. حجم الإهدار التربوي الذي يرجع في أغلب الأحيان إلى عامل الرسوب والتسرب.
 
يتبين مما سبق أن الإنفاق على التعليم يرتبط ارتباطا وثيقاً بالدخل القومي، ومستوى المعيشة وكذلك أسعار السلع والخدمات والمستوى التكنولوجي العام في المجتمع حيث يزداد معدل الإنفاق كلما زاد الدخل القومي للبلد بينما يؤثر سلباً في ارتفاع مستوى المعيشة وكذلك أسعار السلع والخدمات على مستوى الإنفاق فيؤدى إلى تذبذب نسب الإنفاق ما بين الزيادة والنقصان والتي لا دخل للمؤسسة التعليمية فيها مما يؤدى إلى اختلاف مخرجات التعليم من سنة إلى أخرى حسبما يقتضيه الوضع. بينما يتضح أن مجموعة العوامل الداخلية وخاصةً مستوى أجور العاملين بالمؤسسات التعليمية يؤدى إلى زيادة معدلات الإنفاق على التعليم وكذلك مستوى التكنولوجيا التعليمية لما تتكلفه من توفير أجهزة ومعدات لتسيير العملية التعليمية وكذلك ما يتمخض عن الهدر التربوي الناتج عن عاملي الرسوب والتسرب فكل تلك العوامل تؤثر بشكل مباشر وملموس وواضح في زيادة النفقات التعليمية سواء كانت الدورية أو الرأسمالية.