التربية الذوقيّة والجماليّة

الناقل : mahmoud | المصدر : www.alkadhum.org

قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المبين : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ الكهف : 7 ]

 

وقال رسول الله ( صلى الله عليه واله ) : ( إن الله جميل يحب الجمال ، ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده ، ويبغض البؤس والتباؤس ) .

 

 

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( التجمّل مروءة ظاهرة ) .

 

 

إنّ الشريعة الإسلاميّة الغرّاء قد اعتنت بمسألة الجمال والتجمّل والذوق الجميل والحسّ الجميل عناية فائقة ، ولقد تحدّث القرآن الكريم عن الجمال والزينة والطيب ، وبيّن للإنسان ما في عالم الموجودات من جمال وزينة ولطافة وبداعة ، وأنّ له الحقّ في التجمّل والتطيّب والتزيّن والاستمتاع .

 

 

وكان الرسول الأكرم وخلفاؤه وأوصياؤه الأئمّة الإثنا عشر ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ) المثل الرائع والقدوة اللطيفة في الأناقة والتجمّل وسمّو الذوق والتطيّب .

 

كما وإنّ التربية الذوقيّة والجماليّة والحسّية تربّي لدى الإنسان ـ سيّما الشباب ـ سمّو الذوق الجميل ، وتجسّد الحسّ السليم ، ولها تأثير عظيم في أنماط السلوك الإنسانيّ والروابط الاجتماعيّة .

 

وهي أيضاً تفتح الأفق النفسيّ والعقليّ والوجدانيّ لدى الإنسان ، وتشدّه إلى مبدع خلائقه ومصوّر جمالها في هذا الوجود ، الله عزَّ وجلَّ، الخالق المبدع المصوّر الخبير العليم .

 

فالجمال والتربية الجماليّة والخيال الخصب والذوق الجميل والحسّ الرقيق يعتبر طريقاً إلى معرفة الخالق جلّت قدرته؛ لأنّ ذلك دليل على عظمته سبحانه ، وعلى الارتباط العقليّ والوجدانيّ به تعالى .

 

فهذا الكون من سماء وأرض كلّ ما فيهما من تناسق وجمال وروعة ونظام وترتيب ما هو إلاّ لوحة فنيّة خلاّبة ، ومصدر إلهام فنّي وذوقي وجماليّ .

 

وقد أكّدت بحوث الفلاسفة الإسلاميّين القيم الإنسانيّة والمثل العليا ( الحقّ والخير والجمال ) ، وجعلتها هدفاً أسمى في هذا الوجود ، يسعى المرء لبلوغها ، وتحقيق مصاديقها ، وبناء الحياة على أساسها .

 

كما تناول علماء الكلام ـ علماء العقيدة الإسلاميّة ـ وعلماء أصول الفقه والمنطق مسألة الحسن والقبح في الأفعال والأشياء بالبحث والتدقيق العلميّ تفصيلاً ، فنفوا عن الله عزَّ وجلَّ القبح وفعل القبيح ، وأثبتوا له الحسن والفعل الحسن .

 

وأقاموا على هذه المبادئ قيماً وأسساً ومفاهيم تشريعيّة لتنظيم السلوك الفرديّ والعلاقات الاجتماعيّة والروابط الإنسانيّة ، فجعلوا الحسن والجمال والبداعة واللطف أساساً لبناء الحياة .

 

ومن نظرة الإسلام العظيم إلى الحسن والجمال يتعيّن على الآباء والمعلّمين والمربّين تأصيل وتعميق هذا الشعور الإنسانيّ اللطيف في نفس الأولاد منذ طفولتهم ، وتحبيب الجمال والتجمّل إليهم .

 

فإنّ تربيتهم على هذه القيم تعني تنمية الذوق اللطيف والحسّ الجماليّ لديهم ، وتعمل على تهذيب سلوكهم وأخلاقهم ، وإرهاف حسّهم الذوقيّ ، وتجذير قدرتهم على التمييز بين الشيء الحسن والآخر القبيح ، والتفاعل مع الجمال الماديّ والمعنويّ .

 

إن تعويد الإنسان منذ نعومة أظفاره على الأناقة والجمال والزينة ، والذوق الأدبي والأخلاقيّ ، ولمسه للعناية الأسريّة لهذه المظاهر اللطيفة ، ومشاهدته آثار الجمال على البيت ، من هندسة بنائه وترتيب حديقته ، وتنظيم أثاثه ، وترتيب الطعام على المائدة ، وكذلك استصحابه في التجوال والسفر ، وتمتّعه بمشاهدة الطبيعة الجميلة ، وانتباهه إلى مواطن الجمال والفتنة ، وكذلك غرس الأبوين في نفسه روح التأثر بالمظاهر الجماليّة ، كلّ هذه تخلق فيه حساً ذوقيّاً وجماليّاً لطيفاً .

 

كما وأنّ الإطراء والمدح على اهتمامه بمظهره وقيافته ، وعنايته بترتيب لوازمه وأدواته ، وتنظيم وتصفيف لعبه ، وكذلك تشجيعه على إنتاجاته الفنيّة المرهفـة والذوقيّة مهما كانت بسيطة ، كلّ ذلك يعدّ من المحفّزات الضروريّة لتنمية الذوق الجميل والحسّ الفنّي والقدرة الإبداعيّة والأداء الفنيّ الجميل .

 

كما أنّ نقد وتقبيح مظاهر القبح ، وإشعاره بالنفور والتقزّز من المظاهر والمناظر القبيحة والفاقدة للجمال ، يكوّن لديه حسّاً نقديّاً وتمييزيّاً ، وذوقا سليماً .

 

ويركّز في نفسه الإقبال على الحسن والجمال من الفعل والقول والسلوك والأشياء ، والنفور من أشكال مظاهر القبح والفساد ومعانيهما .

 

وينبغي أن نربّي أولادنا على أنّ الجمال كما يتجسّد في الموضوعات الحسيّة كالمظهر في اللباس والعطر والحدائق وطراز بناء البيوت وهندسة الشوارع وتخطيط المدن ، واللوحات والواجهات الفنيّة .

 

كذلك فإنّ الجمال يتجسّد في القيم الأخلاقيّة العليا ، والمثل الأدبيّة السامية الرفيعة ، وكذا في الكلمة الطيبّة والمنطق الحسن والكلام المؤدبّ والأسلوب المهذّب والمعاملة الحسنة والمعاشرة الجميلة ، وفي فعل الخير واحترام حقوق الآخرين .

 

وذلك حتى ينشأوا ويكبروا على القيم الأخلاقيّة النبيلة ، والتحسّس بالجمال ، وتوظيفه في تهذيب السلوك وتسامي الذوق ورفعة الأدب والأخلاق الكريمة .

 

ولاهتمام الإسلام بالجمال ، وطبع شخصيّة الطفل بطابعه ، وتوفير العناصر الجماليّة في حياته ، تراه قد دعا الناس إلى انتقاء المرضعة الحسنة الوضيئة ، وكرّه أن ترضعهم المرأة القبيحة .

 

فلو أعددنا شبابنا الإعداد الفنيّ والذوقيّ والجماليّ الحسن ، فإنّنا في الحقيقة نكون قد أعددنا مجتمعاً إسلاميّاً ذوّاقاً سامياً مرتّباً منظّماً قوّياً ، وذلك من مظاهر القدرة والمنعة ومن عناصر الحضارة ومعالم رقيّها .