المضاعفات والآثار السلبية للانحرافات ......

الناقل : heba | المصدر : www.tarbya.net

المضاعفات والآثار السلبية للانحرافات الجنسية 
 
نادر الملاح 
31/08/2003
 
 
ورقة مقدمة لمنتدى التوعية حول الانحرافات الجنسية المحور الخامس الأربعاء 27 أغسطس 2003 - 29 جمادى الآخرة 1424هج
الغرائز هي قوى داخلية مجهولة تدفع الإنسان نحو سلوك معين. وتعتمد قوة هذه الغرائز على عدة عوامل منها ما هو مرتبط بعامل الوراثة وتركيبة الجسم كالهرمونات وإفرازات الغدد على سبيل المثال، ومنها ما يرتبط بالمحيط الاجتماعي بما في ذلك الأساليب التربوية ومستوى الوعي والثقافة والالتزام الديني وما إلى ذلك من أمور. وتعتبر الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز لدى الإنسان حيث أنها إما أن تحمل على الصحة النفسية والفكرية والجسدية، أو تبعث على خلق حالة من الاختلال في معادلة التوازن النفسي، وما يتبع ذلك من تأثيرات جسيمة وفكرية وغيرها. يقول دوجلاس توم: "إن كثيرا من أنواع الصراعات العقلية والشذوذ النفسي التي نشاهدها اليوم لدى الكبار والصغار على حد سواء ترجع بصورة مباشرة إلى المواقف والخبرات السيئة في الأمور الجنسية. وليس هناك قوة في الدنيا وفي الحياة الفعلية بأجمعها أكثر من تلك القوة إلحاحا في سبيل الظهور في أي شكل من الأشكال، كما أنه ليست هناك أية قوة غيرها تلقى من عنت الجماعة والفرد والأسرة في التضييق على حريتها وإحاطتها بالقيود قدر ما تلقى الميول الجنسية من عنت وتقييد" (علم نفس النمو: حامد عبدالسلام زهران – 1997). ما هو الانحراف؟ الانحراف عن الشيء في اللغة هو العدول أو الابتعاد أو الميلان عنه، فيقال (انحرف فلان عن الشارع) أي ابتعد أو خرج عنه، فكل ابتعاد عن الخط المعروف أو المُعرَّف يمسى انحرافا. أما اصطلاحا، فتطلق كلمة (الانحراف) على كل ابتعاد عن خط القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تعارف عليها المجتمع أو نص عليها التشريع أو القانون. وعليه فإن المنحرف هو كل إنسان يخرج عن هذا الخط بإتيانه بما يتناقض أو لا يتفق مع تلك المفاهيم. مسار القيم الأخلاقية: مسار القيم الأخلاقية أو الاجتماعية هو المسار أو الخط الذي يرسمه المجتمع لحالة السواء من خلال ما يقرُّه من تشريعات وقوانين وأعراف بحيث يعتبر كل ما هو خارج عن هذا الخط انحرافا. ولما كانت المجتمعات الإنسانية متفاوتة في ثقافاتها ومعتقداتها وأعرافها، فقد تباينت القيم والمبادئ السلوكية والأخلاقية والاجتماعية التي تتبناها تلك المجتمعات تبعا لذلك التباين الفكري والثقافي والعقائدي. ومن هذا المنطلق، تباين مفهوم الاستقامة والانحراف من مجتمع لآخر. ولهذا السبب فإننا نرى أن بعض المجتمعات تقر سلوكيات وأخلاقيات وقيم معينة ترفضها مجتمعات أخرى بل وتعاقب عليها. فعلى سبيل المثال ترى أغلب المجتمعات الغربية أن شرب الكحول يعتبر حرية شخصية لا سيما إذا ما تناوله الشخص في منزله أو في معزل عن الآخرين فلم يسبب لهم الضرر بسبب خروجه من حالة الوعي والإدراك إلى حالة اللا وعي أو اللا شعور، في حين أن المجتمعات الإسلامية ترى أن هذه الممارسة – شرب الكحول – هي ممارسة مرفوضة رفضا قاطعا حتى وإن تمت في معزل عن الآخرين، وعليه فإن من يقوم بهذه الممارسة يعتبر منحرفا. كذلك هو الحال بالنسبة لتعاطي القات على سبيل المثال، ففي الوقت الذي يُعتبر (تخزين القات) عادة اجتماعية مقبولة وواسعة الانتشار في مجتمعات كالمجتمع اليمني، ترى المجتمعات الغربية أن هذه الممارسة هي ممارسة انحرافية وغير مقبولة على اعتبار أن القات مصنف طبيا ضمن المواد المخدرة. فمعيار الانحراف إذن يختلف من مجتمع لآخر تبعا للمنطلقات الفكرية والثقافية والعقائدية التي ينطلق منها كل مجتمع. ما هو الانحراف الجنسي؟ وفقاً للتعريف السابق للانحرافات السلوكية، يمكن أن نعرف الانحرافات الجنسية على أنها الإتيان بسلوك جنسي يستهجنه أو يرفضه المجتمع كالاستمناء واللواط والاستعراء والاستعراض الجنسي والاغتصاب وما إلى ذلك من أمور. ويتضمن هذا التعريف بطبيعة الحال جميع أنواع الانحرافات السلوكية التي تبدو لدى الأسوياء من الناس مع أن بعضها قد لا يعود بالضرر المباشر على المجتمع كالتلذذ من فستان أو صورة أو ما شابه ذلك. كما إنه يبيِّن أن الانحراف الجنسي عبارة عن اضطراب نسبي يختلف من مجتمع لآخر. الآثار السلبية للانحرافات الجنسية ومضاعفاتها: يعتقد البعض بأن أضرار الانحرافات الجنسية تتمثل في الضرر الصحي والاجتماعي فقط، وربما يذهب البعض إلى أبعد من ذلك. ولعل ذلك يكون أكثر وضوحا عند النظر إلى العديد من المحاولات العلاجية التي تقوم بها بعض المجموعات أو الأفراد، وكذلك العديد من الدراسات حيث يتم التركيز على ظاهر المشكلة دون التعمق في الأسباب الحقيقية المؤدية إلى ظهورها. إن لمشكلة الانحرافات الجنسية أبعادا وآثارا متشعبة ومتعددة، وليست محصورة في مجال دون الآخر. وسنتناول فيما يلي – نظرا لمحدودية المساحة - أبرز هذه الأضرار والمضاعفات، والتي تتمثل في التالي: 1. الأضرار الصحية 2. الأضرار النفسية 3. الأضرار الاجتماعية 4. الأضرار الفكرية والعقائدية أولا: الأضرار الصحية: تترك الأمراض الجنسية أو تلك المتناقلة عن طريق الجنس بصمات وآثار ليست بالهينة على الجانبين الصحي والاجتماعي. فهي من جهة تفقد المجتمع طاقات بشرية ووحدات منتجة، ومن جهة أخرى تؤدي إلى تهديد عملية التوازن البيئي وبقاء الكائن الإنساني لما تتسبب به من الموت المحتوم الذي لا تنجو منه حتى الأجنة والأطفال الرضع، أو في أخف حالاتها تتسبب في حدوث عاهات وأمراض مزمنة وخطيرة. 1. مرض نقص المناعة المكتسبة (الأيدز): الأيدز، أو مرض نقص المناعة المكتسبة هو وباء اكتشف للمرة الأولى في أوائل الثمانينات في أوساط الشاذين جنسيا في الولايات المتحدة الأمريكية. وكلمة (الأيدز) هي اختصار للاسم الكامل باللغة الإنجليزية (Acquired Immuno-Deficiency Syndrome)، كما يعرف نفس المرض في الأوساط الفرنسية باسم سيدا (SIDA) اختصارا للتسمية الفرنسية للمرض (Syndrome Immuno-Deficiency Acquise). أما المسبب لهذا المرض فهو جرثومة فيروسية تعرف بفيروس نقص المناعة البشرية (Human Immuno-Deficiency Virus – HIV)، التي تغزو الجسم بالعدوى وتحرره من جهاز مناعته المكتسبة لتجعله عرضة للأمراض التي لا يقوى على مقاومتها، وتكون النتيجة الحتمية بالتالي هي الموت المحتوم. ويعود تاريخ اكتشاف الأيدز – كما أسلفنا – إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضي، وبالتحديد في عام 1981م عندما شُخص المرض على أنه حالة تصيب المواطنين في كليفورنيا ونيويورك. وفي عام 1983م تمكن علماء فرنسيون من تحديد الفيروس المسبب لهذا المرض وأطلقوا عليه اسم (LAV) في حين أطلق عليه الأمريكيون اسم (HTCV III)، ثم تحول إلى (HIV)، أي فيروس نقس المناعة المكتسبة عند الإنسان، وهي التسمية الرسمية المستخدمة في الأوساط الطبية اليوم. وبالرغم من تكثيف الأبحاث لم يتمكن العلماء بعد من تحديد المصدر الحقيقي لهذا الفيروس، إلا أن ما أمكن تأكيده هو أنه جرثومة فيروسية بدأت تصيب الإنسان بأعراضها المعروفة في السبعينات أو ربما قبل ذلك. وقد أظهرت أول الإحصائيات أنه منذ عام 1981م وحتى 1985م قد تم تسجيل 70 ألف حالة مرضية، إلا أن هذا العدد أخذ في التزايد ليصبح 300 ألف حالة ما بين العام 1986م و 1988م وكان قرابة المليون ونصف حالة بنهاية 1990م. وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 70% من حالات الأيدز تنتشر بين متعاطي الجنس المثلي (اللوطيين) يليهم متعاطو المخدرات ثم نقل الدم، وأقلها على الإطلاق ممارسة الجنس الطبيعي المشروع. وتكمن خطورة هذا المرض في أنه يصيب جميع فئات الناس بدون تمييز ابتداءً من الجنين وانتهاءً بالكهل. وتعتبر المعاشرة الجنسية والملامسات الدموية التي من بينها نقل الدم حتى تحت الإشراف الطبي من أبرز وسائط انتشار هذا المرض. 2. التهاب الكبد الوبائي – اليرقان التناسلي: التهاب الكبد الوبائي (Viral Hepatitis) هو عبارة عن اصفرار لون الجلد والعينين نتيجة تعطل وظيفة الكبد بسبب الالتهاب الذي يحدث في أليافه وخلاياه على أثر دخول الجرثومة الفيروسية المسببة للمرض إلى الكبد. وتسبب هذا المرض ثلاثة أنواع من الفيروسات تصنف المرض في ثلاث فئات هي: ‌أ. التهاب الكبد الوبائي (أ): والذي ينتقل عن طريق الفم واللعاب وبنسب ضئيلة جدا عن طريق الدم والجنس. ‌ب. التهاب الكبد الوبائي (ب): وهو أكثر أنواع هذا المرض انتشارا. وتلعب المعاشرة الجنسية دورا هاما في نقله وانتشاره. كذلك يمكن لهذا الفيروس أن ينتقل عن طريق الاتصال بالدم الملوث عند استعمال الإبر والحقن بصورة غير سليمة كما هو الحال بين متعاطي المخدرات أو حتى عن طريق نقل الدم تحت الإشراف الطبي. أي أنه يماثل مرض الأيدز في وسائط الانتقال. ‌ج. التهاب الكبد الوبائي (ج): ويعرف أيضا بالتهاب الكبد غير (أ) أو (ب)، وقد حصل هذا النوع من الالتهابات أول مرة عند المرضى الذين أجريت لهم عمليات نقل دم. وفي هذه الحالة تكون الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي دون وجود أي من الفيروسات السابقة الذكر( أ/ب). ولا تزال الأبحاث جارية والمعلومات قيد الجمع والترتيب حول طبيعة هذا المرض. والظاهر لحد الآن أن هذا النوع ينتشر من خلال المعاشرة الجنسية وملامسة الدم الملوث تماما كما يحدث في حالات التهاب الكبد (أ) و (ب). 3. داء الزهري / السفلس: يعود اكتشاف داء الزهري (Syphilis) إلى القرن الخامس عشر الميلادي عندما لاحظ كريستوفر كولمبوس انتشاره بين بحارته، ثم ما لبث هذا الوباء أن انتشر في جميع أنحاء أوربا لدرجة أنه لم يترك حتى ملوك فرنسا كشارل السابع وفرانسو الأول وفيليب الثاني. وأول من حاول سبر أغوار هذا (السر العجيب) كان العالم الألماني شودين وزميله هوفمان، حيث تمكنا من اكتشاف المسبب الرئيسي للزهري والذي هو عبارة عن جرثومة متناهية الصغر لولبية الشكل يمكنها العيش لأكثر من خمسين سنة في الدم. وقد أطلقا على هذه الجرثومة اسم اللولبيات الشاحبة (Treponema Pallidum). وتدخل الجراثيم المسببة للزهري من خلال الخدوش التي تحدث في البشرة أو في مناطق الأعضاء التناسلية مهما كانت هذه الخدوش صغيرة. وقد أظهرت الإحصاءات أنه في 90% من الحالات كان عامل الانتقال هو المعاشرة الجنسية في حين كان 8% بسبب التقبيل و2% بسبب استخدام الفناجين والأكواب والشوك وأدوات الحلاقة ..الخ. وحسب الإحصائيات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، يصاب في بريطانيا وحدها في كل عام شخص واحد بهذا المرض بين كل 12 ألف شخص، 90% منهم من اللوطيين. ويشكل الزهري خطرا كبيرا على المرأة الحامل وعلى الجنين في نفس الوقت. ففي فترة الحمل تنتقل اللولبيات الغازية من دم الأم إلى دم الجنين عبر المشيمة فتتسبب في إحدى الحالات التالية: ‌أ. الإجهاض الزهري (Syhilitic Abortion). ‌ب. حدوث الولادة قبل موعدها المحدد بشهرين أو ثلاثة بصورة غير طبيعية. ‌ج. موت الجنين في رحم أمه في الشهر السابع أو أكثر وبالتالي ولادته متعفنا، هذا إذا لم يسبب حالة من التسمم لأمه. ‌د. ولادة الطفل حاملا لمرض الزهري، وهنا قد ينجح العلاج الفوري المكثف كما أنه قد يفشل فيموت الطفل في أسابيعه أو أشهره الأولى. وإذا قدر له أن يبقى على قيد الحياة فإنه سيعاني من الضعف الجسمي والعقلي ويكون حاملا لعاهات أو أمراض مختلفة كالطرش أو انخراط الحاجز الأنفي أو ما إلى ذلك. 4. السيلان الزهري (التعقيبة): السيلان الزهري أو التعقيبة (Neiserria Gonorroeae) أو ما يعرف في المجتمع البحريني باللهجة الدارجة (الغرر)، هو مرض تناسلي معروف منذ قديم الزمان تسببه جرثومة الغونوكوكاي (Gonococci) الشهيرة. ويحتل هذا المرض في الوقت الحالي من حيث الانتشار مكان الصدارة في لائحة الأمراض المتناقلة عبر المعاشرة الجنسية. ويعود تاريخ السيلان الزهري إلى ما قبل القرن الخامس قبل الميلاد. وقد تعرض لذكره ووصفه شيخ الأطباء أبقراط ووصف أعراضه وعواقبه وذلك في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. كما تعرض إلى ذكره أطباء روما القديمة على أثر انتشار الإباحية الجنسية والشذوذ الجنسي في تلك الحقبة الزمنية قبيل سقوط الإمبراطورية الرومانية وانحلالها. ولا يزال هذا المرض يحتل قائمة الصدارة في عصرنا الحالي ليتقدم على غيره من الأمراض الزهرية من حيث الانتشار. جدير بالذكر أن أغلب المصابين بهذا المرض هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-28 سنة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتراوح عدد الحالات المسجلة رسميا ما بين أربعة وخمسة ملايين حالة، أما في البرازيل فتسجل يوميا حوالي 20 ألف حالة جديدة، وفي فرنسا يقدر عدد المصابين سنويا بحوالي 500 ألف رجل وامرأة وطفل، أما في بريطانيا فيصاب شخص واحد بين كل ألف شخص بهذا المرض الذي يحدث بانتشار أكبر بين الأشخاص الذين يمارسون المعاشرة الجنسية مع أطراف متعددة، كما أن ثلثي المصابين هم من الذكور. ورغم عدم وجود إحصائيات لهذا المرض في العالم العربي إلا أن المقالات الطبية المنفردة تؤكد تضاعف حالات الإصابة وبالأخص في الربع الأخير من القرن الماضي نتيجة دخول الفكر الإباحي إلى المجتمعات العربية تأثرا بالحضارة الغربية. 5. مرض العشاق – داء القبلة (المونونيوكليوز) قد يكون في هذه التسمية لمرض المونونيوكليوز بعض الظلم للعشاق ولكن ليست هذه هي الفكرة في التسمية، فلقد أطلق على هذا المرض (مرض العشاق) أو (داء القبلة) لأنه ثبت علميا أن الجرثومة الفيروسية المسببة له والمعروفة باسم (إبتساين بار Epstein-Bar) تنتقل بالعدوى من شخص لآخر عن طريق الفم واللعاب والقبلة الطويلة، إلا أن هذا لا يعني أن القبلة وحدها هي الناقل لهذه الجرثومة. وتصاب نسبة كبيرة من المصابين بهذا المرض تصل إلى 85% بالالتهابات في الكبد والمخ والجهاز العصبي بشكل عام. كما يلاحظ من خلال التحاليل المختبرية ارتفاع عدد كريات الدم البيضاء بصورة حادة حيث يصل عددها حوالي الخمسين ألفا في حين أن تعدادها الطبيعي في حدود العشرة آلاف. وقد يتأثر القلب والمفاصل في بعض الحالات بسبب السموم المتواجدة في الدم فيشعر المريض بآلام مختلفة في هذه المناطق. وتبقى الجرثومة عالقة في الفم إلى سنتين أو ثلاث حتى بعد الشفاء الظاهري لهذا المرض. أي أن المصاب يلعب في هذه المرحلة دور الناقل النشط إلى الآخرين إذا ما مارسوا عادة التقبيل معه. ثانيا: الأضرار النفسية والذهنية والعصابية: تصاحب المشكلات الصحية التي يتعرض لها المنحرفون جنسيا مجموعة من المشكلات النفسية والعصابية والتي يأتي على رأسها الهوس والجنون والوسواس المرضي. ويمكن تلخيص أبرز المشكلات النفسية التي يتعرض لها هؤلاء الأشخاص في ما يلي: 1. تنشأ في نفس المنحرف حالة من الصراع النفسي بين المرغوب والمحظور نتيجة إدراكه التام لكون ممارسته ممارسة غير مقبولة دينيا واجتماعيا وأخلاقيا، فتبعث في نفسه حالة من عدم الاستقرار النفسي. 2. تؤدي حالة عدم الاستقرار النفسي إلى خلق حالة من الاضطراب فتعطل قدرة الشخص عن اتخاذ القرارات السليمة، ما يعود بالضرر المباشر عليه وعلى المجتمع المحيط. 3. تنشأ في نفس الشخص حالة من عدم التوازن ما يؤدي إلى حدوث حالة من القلق المستمر. 4. تتطبع شخصية المنحرف بضعف الثقة بالنفس وبالآخرين، الأمر الذي يعيق عملية الاندماج والتكيف الاجتماعي السليم. 5. تؤدي حالة انعدام الثقة في النفس وفي الآخرين إلى ظهور وتعزز الغيرة المرضية التي تنعكس سلبا على قدرة المنحرف على إقامة علاقة زوجية طبيعية، وكذلك هو الحال بالنسبة للعلاقات الاجتماعية الأخرى. 6. من بين الأمراض النفسية التي تظهر على المنحرف الوسواس المرضي والخوف المستمر وغيرها من الحالات التي تعتبر مظهرا من مظاهر عدم الاستقرار أو الاختلال النفسي. ثالثا: الأضرار الاجتماعية: كما هو واضح من الأضرار النفسية الآنفة الذكر، نلاحظ أن الشخص المنحرف ونتيجة حالة عدم الاستقرار النفسي وما ينتج عن هذه الحالة من آثار ومضاعفات، يكون عاجزا عن العيش بصورة طبيعية في محيطه الاجتماعي. لذا فإننا نرى أن المنحرفين في الغالب يشكلون تجمعات وتكتلات تعاني من حالة الإقصاء من قبل المحيط الاجتماعي. وتبعث حالة الإقصاء هذه في الغالب على الاستمرار في حالة الانحراف انتقاما من المجتمع، ما يزيد من حالة عدم القبول أو الرفض الاجتماعي لهذه الفئة.. وهكذا تدور الحلقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الإنساني يخسر كنتيجة لهذه الممارسات المنحرفة طاقات بشرية في الغالب تكون طاقات شابة بمعنى أنها في أوج قدرتها على البذل والعطاء، في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع إلى كل جزء من جزئيات هذه الطاقة. مظهر آخر من مظاهر الضرر الاجتماعي يتمثل في حالة انعدام الأمن الاجتماعي التي تكون متبوعة بحالة من انعدام الثقة في المحيط الاجتماعي بشكل عام، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على حالة الاستقرار في المجتمع ليؤدي بذلك إلى حالة من التفكك الاجتماعي، وخلق حالة من العزلة رغم وجود المظهر الاجتماعي على السطح. أي أنه يجب أن ندرك بأن سلوك المنحرف لا ينعكس سلبا عليه فقط أو على المجموعة التي يمارس انحرافه معها أو من خلالها، وإنما يكون المجتمع بأكمله بصالحه وفاسده عرضة للتأثر بسلبيات هذا الانحراف. ومن هنا تبرز أهمية النهوض والمبادرة لعلاج مثل هذه الانحرافات السلوكية لحفظ حالة الطهر الاجتماعي، وللحفاظ على الروابط الاجتماعية التي تعتبر المحرك الرئيسي لعجلة التنمية الاجتماعية. رابعا: الأضرار الفكرية والعقائدية: رغم أن الأضرار الفكرية والعقائدية تحتل موقعا بارزا من الأهمية بالنسبة للإنسان على اعتبار أنها أساس بناء المجتمع الإنساني السليم وبناء الحضارة والهوية الثقافية، إلا أنه قليل ما يتناولها الباحثون في مجال الانحرافات السلوكية. ولعل أكبر ضرر في هذا الجانب يتمثل في فقدان الهوية الاجتماعية والثفافية، حيث أن فكر الانحلال الخلقي وما يتبعه من تبريرات تتستر في الغالب وراء شعارات رنانة وحضارية كالحرية الشخصية وتحرير الفكر والتحضر وحرية المرأة وما إلى ذلك من الشعارات، يبدأ في أخذ حيز من المساحة الفكرية والثقافية للمجتمع، ليتحول مع مرور الزمن ومع تعاقب الأجيال إلى جزء أساسي من الثقافة التي يتبناها هذا المجتمع. ولعلنا نشاهد اليوم كيف أن ثقافة التحرر والإباحية الجنسية قد أصبحت جزءا بارزا من الثقافة الغربية لدرجة أن نشاهد على الملأ خروج عدد من العراة في الشارع للمطالبة بحق السير في حال التعري انطلاقا من الحرية الشخصية، ومظاهرة عارمة تطالب بالاعتراف بحقوق الشواذ جنسيا. بل إنه وصل الحد لأن تكون الإباحية مكافأة على الحس الوطني، كما يحدث هذه الأيام في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعيش أجواء انتخاب رئيس للولاية. فمن بين المترشحين للوصول لهذا المنصب الممثلة الإباحية الشهيرة في أمريكا (ماري كاري) والتي قادت حملتها لجمع السلاح وتنظيف الساحة الأمريكية من الأسلحة الخفيفة للحفاظ على المجتمع على حد زعمها، تحت شعار (هات قطعة سلاح وخذ فيلما إباحيا)، كما اشتملت الحملة على عدد من الوعود الانتخابية التي كان من بينها (تناول العشاء الرومانسي مع أي شخص يقدم أكثر من خمسة آلاف دولار لحملتها الانتخابية). وتقول كاري (ليس ورائي حزب سياسي يدعمني لذا فإنني أبتكر أساليب غير تقليدية لجمع النقود). وفي الأمس القريب فقط، طالعتنا الصحافة الكويتية بشعار (إباحة الخمور) لمترشح لمجلس الأمة الكويتي، بدعوى أنه في هذا الإجراء حل للمشكلات الاجتماعية والأخلاقية المتفشية في المجتمع الكويتي. إن تغلغل مثل هذا الفكر في المجتمع يعتبر على المدى البعيد أكثر خطورة وأشد وطأة من أية تأثيرات أخرى، ذلك أن جميع تلك التأثيرات يمكن التعامل معها وعلاجها، إلا أن يرتبط ذلك التأثير بالفكر والعقيدة والحالة الثقافية.