كيف نحمي أطفالنا من العنف المتلفز؟!

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : محمود النشيط | المصدر : www.tarbya.net

كيف نحمي أطفالنا من العنف المتلفز؟! 
محمود النشيط 
جريدة أخبار الخليج - البحرين 
23/02/2008
 تشير دراسة علمية أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) على معدلات مشاهدة الأطفال العرب للتلفزيون الى أن الطفل وقبل أن يبلغ الـ18 من عمره يقضي أمام شاشة التلفاز 22 ألف ساعة مقابل 14 ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال المرحلة نفسها مشيرة إلى انه مع بدء القرن الـ21 زاد المعدل العالمي لمشاهدة الطفل للتلفزيون من ثلاث ساعات و20 دقيقة يوميا إلى خمس ساعات و50 دقيقة نتيجة الانتشار الواسع للفضائيات التلفزيونية.  

 

  

تشير دراسة علمية أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) على معدلات مشاهدة الأطفال العرب للتلفزيون الى أن الطفل وقبل أن يبلغ الـ18 من عمره يقضي أمام شاشة التلفاز 22 ألف ساعة مقابل 14 ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال المرحلة نفسها مشيرة إلى انه مع بدء القرن الـ21 زاد المعدل العالمي لمشاهدة الطفل للتلفزيون من ثلاث ساعات و20 دقيقة يوميا إلى خمس ساعات و50 دقيقة نتيجة الانتشار الواسع للفضائيات التلفزيونية.

 

وتؤكد الدراسة أن مشاهدة الأطفال لبرامج التلفزيون لفترات غير محددة ومن دون رقابة وانتقائية "تفرز سلوكيات أبرزها السلبية والأنانية وعدم التعاون مع الآخرين وعدم الإحساس بمشاعرهم بل والسخرية منهم إلى جانب التقليد الأعمى للآخرين في الملبس والمأكل والمشرب والسلوك الاجتماعي وتطوير نمط حياة استهلاكي".

 

وبين كل هذا وذاك تبرز لنا قنوات الأطفال التي تحمل حزمة من الأهداف النبيلة التي تخاطب أصحاب البراءة عبر برامجها المتنوعة، بعد أن كانت إلى زمن قريب أسيرة بعض البرامج التي أكل عليها الدهر وشرب والتي كانت في الغالب مستوحاة أو مترجمة من مسلسلات كارتونية غربية لا تمت بصلة لا من قريب أو بعيد إلى مجتمعاتنا الشرقية الإسلامية ذات الطابع الخاص الذي يحرص الكثير من أولياء الأمور على أن يورثوه لأجيالهم كما تعلموه من سلفهم الصالح، جيلا بعد جيل.

 

الأطفال المعنيون بهذه القنوات، وأولياء الأمور الذين يوفرون هذه القنوات يطرحون آراءهم حول ما تقدمه من برامج، ويبينون ما يعجبهم منها، وأي القنوات التي تستقطبهم دون أخرى، بينما يبين لنا أهل الاختصاص والمتابعون كل تبعات هذه الآراء وما تحتويه برامج هذه القنوات وخطابها من إيجابيات وسلبيات على الفئة المستهدفة. وكيف يمكن أن نجعل منها عسلاً نقيا يفيد الجميع، لا سماً تنشره ورود ظاهرها جميل خلاب.

 

قنوات معينة..

ومن الأطفال الذين شاركونا في هذا التحقيق التلميذة ياسمين جمال التي قالت: أتابع قنوات الأطفال كلها وتعجبني بعضها، لأنني أجد فيها متعة المشاهدة، وهناك قنوات معينة تقدم التسلية الكرتونية بأسلوب علمي يفيد جميع الأطفال الذين يتابعون برامجها، مثل قناة سبيس تون والجزيرة للأطفال وتينس. التسلية والمعلومة بينما يرى التلميذ ميثم محمود أن مشاهدته لقنوات الأطفال الفضائية تنقسم إلى قسمين أحدهما للتسلية في الغالب مثل مشاهد الكارتون، إلا أن البحث عن المعلومة الجديدة هو القاسم الأهم، وهذا الأمر لا يكون إلا في قنوات قليلة مثل قناة الجزيرة للأطفال، من خلال عدة برامج متنوعة، والكثير منها يلامس الذي ندرسه في المدارس، مثل بعض المواد العلمية في درس العلوم.

 

البعض مفيد..

أما التلميذ محمود البهري فقال: ليس كل قنوات الأطفال الفضائية تقدم أشياء أستفيد منها، والكثير منها يقدم الكرتون الأجنبي المترجم إلى العربية، والبعض من القنوات مفيد لأن فيها قصصا كرتونية من الواقع العربي، مع وجود قنوات من الوطن العربي تقدم أشياء مفيدة مثل قناة أم بي سي 3 للأطفال والجزيرة، التي بها برامج كثيرة ومتنوعة.

 

قناتان فقط..

من جانبها قالت وبكل ثقة التلميذة جمانة حسين الطويل إنها تتابع قناتين فقط، وتستفيد منهما كثيراً، وهما قناة الجزيرة للأطفال، وأم بي سي 3، وفيهما الكرتون والمعلومة المفيدة التي تساعدها كثيراً في المدرسة، وخاصة أن البرامج الموجودة، هي مخصصة للأطفال التي في سنها أو أكبر قليلاً.

 

الاختيار الأمثل..

كما أن لأولياء الأمور دور في اختيار المناسب من برامج الأطفال لأبنائهم وهو ما يبينه لنا الأستاذ جعفر الشغل أب لولد وبنت حيث يقول: تعتبر برامج الأطفال في مختلف القنوات الفضائية أحد الوسائل التي يتعلم من خلالها الأطفال المفيد من غيره، مما يعتبر وسيلة إعلامية يجب مراقبتها بشتى الوسائل واختيار الأمثل بدقة متناهية خشية الوقوع في بعض المحظورات التي لا تحمد عقباها، وخاصة أن الأطفال يقضون وقتا طويلا أمام شاشة التلفزيون بدون رقابة الوالدين. من جانبي أحرص على متابعة صغاري بين الحين والآخر وأساعدهم في اختيار القنوات المناسبة قدر المستطاع، وأميل إلى بعض القنوات المتخصصة مثل قناة الجزيرة للأطفال، وسبيس تون الإنجليزية، وهم في النهاية أصحاب ذوق ويختلفون كثيراً عن صغار الماضي الذين لم يكونوا أبداً أسرى التلفزيون، وكانت لهم ألعابهم الشعبية الخاصة التي يتسلون بها، وان وجدت برامج تخاطب الأطفال بشكل خاص فكانت محدودة جداً، والغالب منها رسوم الكارتون الغربية، والتي كان لها آثار سلبية من خلال بعض التصرفات والعنف.

 

وراء المفيد..

بينما ترى السيدة نادية أحمد أم لثلاثة أطفال أن كل الاباء يبحثون دائما وراء المفيد لأطفالهم من قنوات الأطفال المتنوعة، التي باتت اليوم تنافس قنوات الكبار، بل وتنوعت بين التي تقدم التسلية فقط، وبين المشتركة ببرامجها التعليمية والتثقيفية المتنوعة، إلا أنني أرى أن اختيار الأطفال هو الغالب في النهاية، والذي يتعلمونه من أقرانهم في المدرسة. عني شخصياً أحرص على أن يتابع صغاري كل ما هو مفيد لهم وأحثهم على متابعة بعض البرامج الكرتونية الهادفة التي أعتقد بأنها أنتجت خصيصا لهم بعيدة كل البعد عن العنف أو الخيال المبالغ فيه، والذي يخلف مضار اجتماعية كبيرة، تؤثر بشكل سلبي على سلوكهم داخل البيت وخارجه، وبالتالي فإن تأثير القنوات الفضائية الموجهة إلى الأطفال كما تحمله من عناوين عريضة ساهمت في مشكلة لم نكن نريدها أبداً، وأعتقد أن عالم الفضاء الواسع يحتوي على بعض القنوات الفضائية العربية الهادفة التي نتمنى أن يكون لها المثيل الأفضل الذي يساعد في الارتقاء بالطفل العربي أكثر فأكثر عبر بث القصص العربية والإسلامية له.

 

الجانب العلمي..

 وبعد كل هذه النماذج نتعرف على الرأي العلمي والذي تبينه لنا الدكتورة منال محمد رضا حسان، الأستاذ المساعد بقسم علم النفس بجامعة البحرين قائلة: كثيرا ما يتردد أن السيطرة على علاقة الطفل بالتليفزيون أمر صعب بل بالغ الصعوبة، وان التليفزيون شأنه شان الإنترنت مليء بالمخاطر التي لا مفر منها. والحقيقة كما أراها هي أن تنظيم علاقة الطفل بهذا الجهاز أمر متاح وممكن بل وضروري وواجب علينا نحن الكبار. وهو أيضا ليس بالصعوبة التي نتصورها إذا ما بدأنا هذا التنظيم من سن مبكر وإذا ما كان الآباء والأمهات مؤمنون به إيمانا يمكنهم من المداومة على تنفيذ قواعده.. وتضيف الدكتورة: السيناريو الذي أراه متكررا أن الأم تترك الطفل يرتبط بالجهاز بل ويدمنه لأن ذلك يوفر لها وقتا تستخدمه هي وفق أولوياتها، وما لا يشعر الأم بالخطر أنها تتركه أمام قنوات متخصصة تقدم العديد من البرامج التي تراها حقا تفيد وتنمي عقل وخيال الطفل وانتمائه أيضا. ولكن إذا كان الأمر كذلك فالأم مستفيدة والطفل مستفيد فأين المشكلة؟ وما الحل؟ المشكلة في: عدد الساعات الطويلة التي يقضيها الطفل أمام الجهاز مخلفة على جسده ضعفا عضليا وبصريا وتشوها في عظامه وسمنة وزيادة في الوزن وخاصة إن صاحب المشاهدة تسال بالطعام.. انعزاله عن التفاعل الاجتماعي إذ يغرق الطفل في ما يشاهده من شخصيات تتفاعل هي مع بعضها وهو فقط يراقب، فإن قدمت البرامج نماذج جيدة من التفاعل الاجتماعي فهل نتيح الفرصة للطفل ليستخدم ما تعلمه من النماذج المقدمة عبر التليفزيون في الواقع؟

 

إن الطفل في سنوات عمره المبكرة يتعلم بالحس والحركة، وهذا مالا يقدمه له التفاعل مع التليفزيون بالشكل الذي يسمح لقدراته بالتفتح والنمو..

 

كما أشارت الدكتورة منال في حديثها إلى جزئية مهمة حول ما تحتويه البرامج من مواد قد تكون غير مناسبة إما لعنف شديد، أو لمعالجة لا أخلاقية لمشكلة القصة المقدمة كأن تحل المشكلة بالغش أو التحايل، أو بتقديم قيمة غير صحيحة مثل انفراد شخص واحد بالقمة طول حلقات المسلسل إذ يجب أن يتعلم الطفل أن القمة قد تكون مسطحة تسمح للعديد بالوقوف عليها وليس واحد فقط. أو ما تحويه من مشكلات - مستوردة - أو وافدة لا أصل لها في مجتمع الطفل وحياته. وكذلك ما تحويه من رموز ومعان وأساليب حياة تنتمي لثقافات بل ومعتقدات مختلفة يراها الطفل ضمن ما يرى ويرتبط بها وجدانيا. والأدهى والأمر ألا نقدم نحن لأطفالنا البدائل القوية المدروسة الممتعة التي تغرس وتنمي معتقداتنا وأفكارنا.. وما الحل؟ أراه في وعي الوالدين بخطورة المشكلة وامتداد أثرها على مستقبل الأبناء، ثم ممارسة كامل دورهم كمسئولين أمام أنفسهن ومجتمعهم وقبل لها أمام الله عن تنمية هؤلاء الأطفال في تحديد ما نوع ومدة المشاهدة..ممارسة الوالدين الحازمة من دون قهر أو قسر بل بالاتفاق على قواعد المشاهدة وما يترتب على خرقها من عقوبات وما يتبع احترامها من مكافآت.. المشاهدة الواعية..

 

كذلك تطرقت الأستاذ المساعد بجامعة البحرين الى حماية الطفل من العنف المتلفز، فقالت: هو في رأيي ليس أكبر الأخطار بل أكبرها كما أراه هو التغريب وتهميش الهوية العربية والإسلامية- فهو بتنمية ما يسمى بمهارات المشاهدة الواعية وفيها يرافق أحد الوالدين الطفل أثناء المشاهدة يوميا لفترة وإن كانت بسيطة ويبدأ في التعليق المقتضب البسيط على الأحداث زارعا بذلك فكرا يؤيد الصحيح ويناهض ما هو غير ذلك من وجهة نظر الأب، وهذا أيضا يوفر للوالدين مادة للحديث عنها والتواصل من خلالها مع الأبناء حتى في غير أوقات المشاهدة.. إذ يناقش الوالدين فكر الشخصيات وطريقة تفاعلها مع بعضها بعضا والبدائل التي كانت متاحة أمام كل منها. وتناقش أفكارا مثل القيادة والعمل الجماعي والانتماء الى الوطن ومعني البطولة وغير ذلك مما تقدمه البرامج التليفزيونية، وقد يتيح هذا للوالدين إكمال الصورة بتقديم ما له علاقة بالفكرة الأساسية للبرنامج أو المسلسل من التاريخ والفكر العربي الإسلامي، وجدير بالذكر أن كل هذا لن يؤتي ثماره المرجوة ما لم يعرف الوالدان مهارات التواصل مع الأطفال وكيف يأتي حديثهما تلقائيا مناسبا وليس كمحاضرة جافة عندئذ لن يسمع الطفل شيئا..

 

نعم ليس أمام الوالدين وقت متسع لمشاهدة برامج الأطفال وانتقاء المناسب وغير المناسب. ولكن قد تقدم متابعة صفحات الجرائد النقدية حول هذه البرامج خدمة جليلة في هذا الصدد، كما أن التواصل بين أولياء الأمور حول ما يشاهده الأطفال قد يفيد أيضا.. إن مشاهدة الطفل لمادة غير مناسبة قد يتحول تأثيرها من سلبي إلى ايجابي إذا ما تم مناقشتها وتحديد السلبي والايجابي بها بلغة يفهما الطفل ومن شخص يحبه الطفل ويثق به.

 

والأمر الأكثر أهمية هنا أن هذا يعلم الطفل مهارات الرؤية الناقدة القادرة على الفصل بين الصالح والطالح مما يقدم له ومع الوقت لن يحتاج الى راشد يحدد له ما يرى وما لا يرى إذ سيكون هو صاحب السلطة الضابطة على نفسه..

 

 

 

الجانب التربوي..

وللتعرف أكثر على أثر البرامج على الأطفال الذين يتصلبون ساعات طوال أمام شاشات التلفزيون وهو ما يبينه لنا الكاتب والباحث التربوي الدكتور نادر الملاح، حيث يقول في تبيان أهمية التلفزيون: بالنسبة الى الطفل، وعلاقة الطفل بالتلفزيون: يعتبر مجال الأطفال والإعلام بشتى وسائله أحد المجالات التي تحظى باهتمام خاص من قبل الباحثين والمختصين التربويين والاجتماعيين، وذلك نظرا لإدراك مدى قوة التأثير المباشر وغير المباشر الذي تمارسه وسائل الاتصال على الأطفال بموازاة التأثير المباشر الذي يمارسه الأشخاص كالأبوين والمعلمين والأقران، والمؤسسات كالأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني لاسيما تلك الموجهة نحو شريحتي الأطفال والشباب..

 

ويضيف الملاح: فوسائل الاتصال الجماهيري كالصحافة والإذاعة والتلفزيون والكتب، من أقوى الأدوات المؤثرة في بناء وصياغة الشخصية الاجتماعية للطفل، التي لا تشكل هدفا فقط لهذه الأدوات وإنما أيضا موضوعا أو مادة للعلاقات الاجتماعية. لذا، فإنه من اللازم أن نرى وندرك العلاقة بين الأطفال ووسائل الاتصال الجماهيري في صورتها الكلية بالإضافة إلى إدراك العوامل المرتبطة بدرجة التطور في الذكاء ومستوى الإدراك والنضج الاجتماعي للطفل.

 

ولتحقيق ذلك، فإنه لابد من النظر إلى هذه العلاقة من ثلاث زوايا رئيسية، هي:

أولا: الطابع الخاص والمميز لوسائل الاتصال المختلفة وإمكانياتها وحدودها.

ثانيا: البنية المتباينة للمضمون، الذي يحقق ويقوم بوظائف مختلفة ومتعددة في حياة الطفل.

ثالثا: الطابع الخاص والمميز للأطفال كمستقبلين لتلك الوسائل..

 

أما في ما يتعلق بوظائف هذه الوسائل بشكل عام فأشار الباحث التربوي الى انه من الممكن تصنيفها في ثلاث وظائف أساسية أو محورية هي: الإعلام، التعليم، التثقيف. هذه الوظائف الثلاث تتحد بالنسبة الى الأطفال في وظيفة واحدة ذات طابع شمولي يعبر عنها بـ «التنشئة الاجتماعية«، والتي يقصد بها عملية دمج الفرد في المجتمع خلال عملية التطوير والتنشئة التي يتلقاها الفرد. وهذا يعني أن الوظيفة الأساسية لوسائل الاتصال الجماهيري وفي مقدمتها التلفزيون بالنسبة الى الطفل هي التربية والتعليم بمفهومها الواسع والشامل. وهذا ما يمثل مبعث القلق والاهتمام الزائد من قبل التربويين والباحثين في مجالات التربية والمجتمع بما يقدمه التلفزيون من مادة ومضمون وكيفية عرضها وإيصالها الى الطفل.

 

لقد أصبح التلفزيون اليوم بالنسبة الى شريحة كبيرة من الأطفال جزءاً رئيسياً من حياتهم وصديقا اختاروه لأنفسهم. بل إن البعض بات يعتبره أحد أفراد الأسرة، وهو ما أشار إليه الباحث السوفيتي كسينوفونتوف حيث قال: «لقد أجابت طفلة في السابعة من عمرها عن سؤال: (ممن تتألف أسرتك؟) بقولها: تتألف أسرتنا من بابا وماما وجدتي والتلفزيون«. فالتلفزيون بالنسبة الى الأطفال الصغار يعتبر شيئا قريباً منهم ومدهشاً وبسيطاً لا يحتاج إلى جهد أو مهارات خاصة لفهمه أو التعامل معه، أما بالنسبة الى الأطفال الأكبر سناً فهو صديق من نوع ما، وبالنسبة الى الأحداث والمراهقين فهو موجه ومرشد ومصدر للمعرفة في مجالات الحياة التي يجهلونها. وفي جميع الأحوال، وبغض النظر عن سن الطفل ومكانة التلفزيون بالنسبة اليه، فإنه يبقى وسيلة مدهشة ومشوقة ومثيرة وغير مملة..

 

قنوات الأطفال العربية كذلك أشـار الدكتور الملاح في مداخلته إلى بعض الأمور ومنها تقييم القنوات المتخصصة بالطفل قائلاً: سأجوز لنفسي الحكم على ما هو متوافر من قنوات عربية موجهة الى الطفل بحكم اهتمامي ومتابعتي الشخصية لها، واهتمامي بما تعرضه من مواد ومضامين وكيفية عرضها، فأقول إن القناة الوحيدة المتوفرة اليوم والتي يمكن للأبوين والمربين الاعتماد عليها والاطمئنان لها، بمعنى تمكين الأطفال من مشاهدتها بأدنى مستوى من الرقابة الأسرية هي قناة الجزيرة للأطفال.. هذه القناة منذ أن انطلقت وحتى الآن رسمت لنفسها منهجا واضحا يمكن للباحث أن يدركه يتمثل في استثمار التلفزيون كأداة تربوية وتعليمية وتثقيفية.

 

وفي تقديري فإن القناة حققت نجاحاً متميزاً وملحوظاً في الالتزام بهذه المنهجية. تلي هذه القناة من حيث الوظائف الثلاث آنفة الذكر قناة سبيس تون، مع التحفظ على بعض البرامج التي تقدمها والتي تحمل بعض التأثيرات السلبية على صعيد التنشئة الاجتماعية كتلك المرتبطة بالعنف وما شابه ذلك. أما القنوات الأخرى فهي بكل أسف أدوات تعمل في الاتجاه المناقض تماما محاولة تغريب المجتمعات العربية والإسلامية وتسطيح مستواها الفكري والثقافي والأخلاقي من خلال إحداث الخلل في التنشئة الاجتماعية بسبب ما تعمل على غرسه من قيم مغلوطة ومقلوبة. فبرامج هذه القنوات موزعة في ثلاثة أصناف الأول هو البرامج الغربية المعربة وأغلبها مبني على العنف السافر والمقصود والخيال البعيد عن الواقع، وهذه البرامج أستخدم لها المثل الشعبي (كل ساقط له لاقط)، وكأن القائمين عليها يتعمدون اختيار هذه النوعية من البرامج لحاجة في أنفسهم.. وأضـاف التربوي الدكتور الملاح: أما الصنف الثاني فيتمثل في البرامج الهابطة التي ليست فقط لا تقدم قيما إيجابية وإنما تؤسس لثقافة سلبية في ذهنية الطفل تنعكس في صورة اللباس الفاضح الذي ترتديه بطلات أو أبطال المسلسلات والأفلام وقصص الغرام والعشق وإقامة العلاقات الغرامية بين الجنسين في سن مبكرة. أما الصنف الثالث فهو مواد التسلية وهي تسلية غير هادفة في معظمها إذ أن البعد التثقيفي فيها لا يتجاوز 20-30% فقط بينما النسبة المتبقية هي أقرب إلى التهريج والعبث منها إلى التسلية ذات المضمون. هذا ناهيك عن عملية الإضعاف المتعمد للغة العربية التي تشكل أساس الثقافة والفكر الإسلامي، وذلك من خلال اعتماد اللهجات المحلية محل اللغة، فيتحول يوم الأربعاء مثلا إلى يوم (الربوع)، وتتحول أداة الملكية إلى (حقتي)!!

 

إن هذا العبث السافر في اللغة لاسيما وأن المستقبل هو الطفل الذي لا يزال يشكل مادة خاما، ليس إلا عبثا وتخريبا موجهاً غير تلقائي. ومع ذلك، فإننا نوجه رسالة إلى القنوات المحترمة مثل الجزيرة للأطفال لضرورة الالتفات الى بعد التشويق والإثارة، حيث ان الطفل بطبيعته لا يميل إلى العروض المملة التي ربما يتقبلها الكبار، وإنما هو دوما يبحث عن الإثارة والتشويق، وهذا ما يدفع العديد من الأطفال للميل الى القنوات الهابطة.

 

فما نحتاجه إذن هو حالة من الموازنة بين التربية والتعليم والتثقيف وبين عنصر التشويق والإثارة لكي نحقق الغرض الرئيسي المتمثل في التنشئة الاجتماعية للأطفال.