عم مساءً أيها الرجل الغريب

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

إلى غوغان‏

*

عم مساءً أيها الفردُ الصموتْ!‏

* * *‏

سأمٌ يملأُ قاعَ الروحِ بالوحشةِ‏

والأُفْقُ غرابٌ ناعبٌ يخفقُ‏

في العزلةِ‏

والليلُ حزينُ الملكوتْ!‏

أيَّ حزنٍ رعرعتهُ الريحُ‏

في عُهدةِ أشجاري،‏

ليغدو الحورُ في الأرضِ غريبيْ..‏

وخريفي لا يموتْ؟‏

لكأني مطرٌ يبكي على جذعِ الحواكيرِ‏

صدى أيلولهِ المرِّ..‏

وتعوي عند مشتاهُ الذئابُ.‏

لكأني جدولٌ ينحتُ في الصخرِ‏

مراياهُ؛‏

ليصغي لخرير الماءِ في أوردةِ‏

الموجِ‏

فيعروهُ اضطرابُ.‏

لكأني قمرٌ يغتالهُ‏

ليلٌ غرابُ.‏

وحداءٌ رجَّعَ الأعرابُ‏

عند الليلِ‏

مبكاهُ الإلهيَّ الحزينْ.‏

ليردّوا هاجسَ الموتِ اللعينْ.‏

كلما أغمضتُ جفنيْ سمعَ اللحنُ‏

حفيفاً‏

ولَهَتْ عن حزنهِ الأجراسُ،‏

وارتدَّ الربابُ.‏

* * *‏

عم مساءً أيها الضيفُ الغريب!‏

تعبَ الليلُ وأشجاكَ النحيبْ.‏

فوراء الأفقِ غيمٌ ضارعٌ‏

يسقطُ كالظلِّ على ليلِ المنافي،‏

ومناديلُ سوادٍ "تلطمُ الروحَ"..‏

وأسرابٌ من الغربانِ‏

تجثو فوق أخشابِ الصليبْ.‏

ووراء الأفقِ يُصْدِي‏

رَجْعُ إنجيل المغيبْ!‏

* * *‏

سأمٌ يملأُ قاعَ الروحِ‏

بالوحشةِ‏

والليلُ أناجيلُ مراثٍ،‏

ومواعيدُ قضتْ...‏

لا خمرَ كي تصحو دمائي من سباتيْ،‏

لا حساسينَ ليغري صوتُهَا‏

خلفَ الصباحاتِ صلاتيْ.‏

لكأني كالمرايا‏

هائمٌ في بحرِ ذاتي.‏

أستعيدُ الدمعَ من ثدي المناحاتِ،‏

وعن تنهيدةِ الريحِ أردُّ الروحَ...‏

لاشيءَ سوى ثعلبةِ الحزنِ،‏

ولونِ الندمِ الأسودِ‏

واليأسِ، وأصداءِ الرثاءْ!‏

فارقتْ أحبابها الأرضُ وغابتْ‏

من سيبكي في المغيب النايُ،‏

أم ركبُ الشقاءْ؟‏

... وأرى الناياتِ تبكي‏

في الصدى:‏

"مافي حدا"‏

لا ترجموا بالحزنِ قلبي!‏

إنهُ خِلُّ البكاءْ.‏

* * *‏

عم مساءً أيها الكهلُ الحزينْ..‏

ضارباً في وحشةِ البحرانِ‏

وحدكْ!‏

فارفعِ المرساةَ واضربْ بعصاكَ‏

الأرض،‏

واحفرْ في سوادِ الليلِ لحدكْ!‏

عبرَ شقِّ البابِ يبكي قمرُ الحزنِ،‏

وتنسابُ سنينْ.‏

وهناكَ امرأةٌ تجهشُ خلف السورِ‏

كالنايِ،‏

وقلب نائحٌ فوق ضريحِ الغائبين.‏

عم مساءً أيها الكهلُ الحزينْ!‏

* * *‏

وتراءى الغيمُ ليْ‏

لذعةَ حزنٍ أبديٍّ‏

فبكاني القمحُ والحورُ‏

وأفضيتُ لكأسيْ بعتابي.‏

قمرُ الليلِ حزينٌ لغيابي.‏

والمواويلُ التي غنّيتها يوماً‏

بكتني، ورَثَتْني..‏

فأنا في الأرضِ أيلولُ المساكينِ،‏

اصفرارُ العشبِ،‏

واليأسُ غُرابي.‏

* * *‏

عمْ مساءً أيها الكهلُ الكَهُوْلْ!‏

فاتحٌ كفّيكَ للريحِ‏

تنادي الشجرَ الهائلَ والشجوَ‏

وأشجانَ القفولْ!‏

فهناكَ امرأةٌ‏

ترقصُ كالعذراءِ فوقَ الصخرِ،‏

طيرٌ هائمٌ فوقَ الفيافي،‏

وأناشيدُ حدادٍ‏

وطبولْ.‏

ومواويلُ مقفَّاةٌ لحرَّاسِ الليالي،‏

ونحيبٌ هائلُ الحزنِ‏

تُصاديهِ الطلولْ!‏

عم مساءً‏

يا غريباً جالساً‏

يقرأُ توراةَ الأفولْ!