بتـــــاريخ : 12/6/2010 8:57:34 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2282 0


    عظماء الوطنية بمصر فى العصر الحديث

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : بيضاء الثلج | المصدر : alfrasha.maktoob.com

    كلمات مفتاحية  :
    عظماء الوطنية المصرية العصر الخديث


    لكى تعرف حضارة شعب ، لابد أن تعرف تاريخهم ..
    ولكى تتمكن من أدواتك فى معرفة هذه الحضارة ، لابد أن تتعرف على عظمائهم ..
    - والعظمة لله -
    هم فخر تاريخنا الحديث ، ومن كان لهم عظيم الفضل بعد الله سبحانة ، فى حاضرنا وحياتنا
    فهيا بنا نتعرف عليهم !


    مثال يحتذى به من العلماء العاملين صدق فيهم قول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]


    يقول الإمام الطبري في تفسيره: "الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر} يَقُول تَعَالَى ذِكْره {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بِاللَّهِ وَرَسُوله {رِجَال صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} يَقُول : أَوْفَوْا بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْر عَلَى الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء، وَحِين الْبَأْس {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبه} يَقُول: فَمِنْهُمْ مَنْ فَرَغَ مِنَ الْعَمَل الَّذِي كَانَ نَذَرَهُ اللَّه وَأَوْجَبَهُ لَهُ عَلَى نَفْسه، فَاسْتُشْهِدَ بَعْض يَوْم بَدْر، وَبَعْض يَوْم أُحُد، وَبَعْض فِي غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاطِن {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر} قَضَاءَهُ وَالْفَرَاغ مِنْهُ، كَمَا قَضَى مَنْ مَضَى مِنْهُمْ عَلَى الْوَفَاء لِلَّهِ بِعَهْدِهِ، وَالنَّصْر مِنَ اللَّه، وَالظَّفَر عَلَى عَدُوّه، وَالنَّحْب: النَّذْر فِي كَلَام الْعَرَب، وَلِلنَّحْبِ أَيْضًا فِي كَلَامهمْ وُجُوه غَيْر ذَلِكَ، مِنْهَا الْمَوْت،
    كَمَا قَالَ الشَّاعِر: قَضَى نَحْبه فِي مُلْتَقَى الْقَوْم".


     

    السيد محمد كريم :


    الحملة الفرنسية على مصر !

    قدمت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1798 م، بغرض جعل مصر قاعدة استراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق ، وبعد فشل أهدافهم وإنهزامهم أمام الجيوش الإنجليزية وبعد تحطيم أسطولهم في معركة أبو قير البحرية، رحلوا عن مصر عام 1801م بعد قضاء حوالي ثلاث سنوات.
    وبعد فترة قليلة من مجيئ الحملة سرعان ما رحل نابليون بونابرت عن مصر تاركاً الجنرال كليبر على رأس الحملة. وبعد مقتل كليبر على يد سليمان الحلبي تسلم الجنرال جاك فرانسوا مينو (أو عبد الله جاك مينو) بعد أن أظهر أنه أسلم ليتزوج من امرأة مسلمة كانت تسمى زبيدة ابنة أحد أعيان رشيد. وبعد هزيمة الفرنسيين وتحطيم أسطولهم وقع الفرنسيون معاهدة لتسليم مصر والعودة لفرنسا على متن السفن البريطانية، لتنتهي بذلك فترة من أهم الفترات التي شهدتها مصر.
    لقد تعرضت مصر على مر تاريخها لحملتين صليبيتين في عهد الدولة الأيوبية، وكانت الحملتان تقودهما فرنسا، أما الأولى فقد عرفت بالحملة الصليبية الخامسة، وكانت بقيادة جان دي برس. وأما الأخرى فقد عرفت بالحملة الصليبية السابعة، وكانت بقيادة الملك لويس التاسع ومنيت الحملتان بهزيمة مدوية عامي 618 هـ - 1221م و 648 هـ - 1250م وخرجتا من مصر.
    إلا أن أحتلال مصر كانت رغبة قوية لدى فرنسا، وبقيت أملا لساستها وقادتها ينتظرون الفرصة السانحة لتحقيقها متى سنحت لهم، وفي سبيل ذلك يبعثون رجالهم إلى مصر على هيئة تجار أو سياح أو طلاب ودارسين، ويسجلون دقائق حياتها في تقارير يرسلونها إلى قادتهم.
    ولما بدأ الضعف يتسرب إلى الدولة العثمانية أخذت فرنسا تتطلع إلى المشرق العربي مرة أخرى ، وكانت تقارير رجالهم تحرضهم بأن اللحظة المناسبة قد حان أوانها ولابد من انتهازها.
    وكشفت تقارير سانت بريست سفير فرنسا في الآستانة منذ سنة 1768موالبارون دي توت والمسيو (مور) قنصل فرنسا في الإسكندرية ضعف الدولة العثمانية، وأنها في سبيلها إلى الإنحلال، ودعت تلك التقارير إلى ضرورة الإسراع باحتلال مصر ، غير أن الحكومة الفرنسية ترددت ولم تأخذ بنصائحهم، احتفاظا بسياستها القائم ظاهرها على الود والصداقة للدولة العثمانية.



    معركة أبو قير






    حصار الأسطول الفرنسي













    وصول الحملة الإسكندرية


    وصلت الحملة الفرنسية إلى الإسكندرية ونجحت في احتلال المدينة في 2 يوليو1798م بعد مقاومة من جانب أهلها وحاكمها السيد محمد كريم دامت ساعات ، وراح نابليون يذيع منشورا على أهالي مصر تحدث فيه عن سبب قدومه لغزو بلادهم وهو تخليص مصر من طغيان البكوات المماليك الذين يتسلطون في البلاد المصرية ، وأكد في منشوره على احترامه للإسلام والمسلمين ، وبدأ المنشور بالشهادتين وحرص على إظهار إسلامه وإسلام جنده كذبا وزورا ، وشرع يسوق الأدلة والبراهين على صحة دعواه ، وأن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون ، فقال: "إنهم قد نزلوا روما وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائما يحث المسيحيين على محاربة المسلمين" ، وأنهم قد قصدوا مالطة وطردوا منها فرسان القديس يوحنا الذين كانوا يعتقدون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين.
    وأدرك نابليون قيمة الروابط التاريخية الدينية التي تجمع بين المصريين والعثمانيين تحت لواء الخلافة الإسلامية فحرص ألا يبدو في صورة المعتدي على حقوق السلطان العثماني فعمل على إقناع المصريين بأن الفرنسيين هم أصدقاء السلطان العثماني، غير أن هذه السياسة المخادعة التي أراد نابليون أن يخدع بها المصريين ويكرس احتلاله للبلاد لم تَنْطلِ عليهم أو ينخدعوا بها فقاوموا الاحتلال وضربوا أروع أمثلة الفداء.



    هذا ما تذكرة الكتب التاريخية عن الحملة ، تعالوا نتعرف على السيد محمد كريم نفسه :






    محمد كريم

    هو حاكم سابق لمدينة الاسكندرية وكانت من مواقفه التي يذكر بها في التاريخ هو رفضه تسليم الاسكندرية لنابليون بونابرت قائد جيش الحملة الفرنسية.
    ولد محمد كريم بحي الأنفوشي بالاسكندرية ، وبدأ في أول حياته بمنصب صغير في الحكومة ولكن مالبث أن لوحظ نشاطه ، فرقي إلى رئاسة الديوان والجمرك بمنطقة الثغر بالاسكندرية ، ثم أصبح حاكماً للمدينة.
    عندما نزلت سفن الحملة الفرنسية بالاسكندرية ، لم يسلم محمد كريم المدينة في الحال ، ولكنه قاوم مقاومة شديدة وكانت المعركة تدور في قلعة قايتباي ولكن سرعان مانفذت الذخيرة من جنوده ولم يكن هنالك مفر من التسليم للجيش الفرنسي ، وسلم المدينة للفرنسيين وأعتقله كليبر وحبسه في إحدى السفن في أبي قير ، وأعطى رئيس الجيش عهدالأمان على الأنفس. وبالرغم من عهد الأمان فان الفرنسيين قاموا بالتالي : أرسل محمد كريم إلى القاهرة بعد فترة من الحبس في أبي قير ، وأركبوه حماراً يحيط به موكب من العسكر مع دقات الطبول ومشوا به حتى ميدان الرميلة ، وأعدم بالرصاص ثم قاموا بالتمثيل به عن طريق قطع رأسه وتعليقه على نبوت ، ونادى منادي يقول هذا جزاء كل من يخالف الفرنسيين.



    السيد محمد كريم


    ولد السيد محمد كريم بحي الأنفوشي بالاسكندرية قبل منتصف القرن الثامن عشر . ونشأ يتيماً فكفله عمه وافتتح له دكاناً صغيراً في الحي..
    وكان يتردد على المساجد ليتعلم فيها وعلى الندوات الشعبية ليتحدث وعرف بين أهل الاسكندرية بوطنيته وشجاعته وأصبحت له شعبية كبيرة بين الناس
    وعندما آلت السلطة في مصر الى اثنين من زعماء المماليك في القاهرة وهما مراد بك وابراهيم بك ( فيما بين 1790 -1798م ) عين مراد بك السيد محمد كريم حاكماً للاسكندرية ومديراً لجماركها وذلك لما لاحظه من مكانة كبيرة لمحمد كريم عند أهل الاسكندرية .
    وبينما كان محمد كريم يقوم بواجبه – محافظاً للاسكندرية ومشرفاً على جماركها - إذا ببوادر الاحتلال تلوح في الأفق ..
    ففي يوم 19مايو 1798م أقلع أسطول فرنسي كبير مكون من 260 سفينة من ميناء طولون بفرنسا محملاً بالجنود والمدافع والعلماء وعلى رأسهم نابليون بونابرت قاصداً الاسكندرية ومر في طريقه بمالطة ..
    وبلغ الانجليز الخبر فعهدوا الى " نلسون " باقتفاء أثر الأسطول الفرنسي وتدميره فقصد "نلسون" الى مالطة وهناك علم أن مراكب نابليون غادرتها نحو الشرق منذ خمسة أيام متجهة نحو الشرق فرجح نلسون أنها ذهبت الى مصر فاتجه الى الاسكندرية ووصل اليها يوم 28يونية 1798 فلم يعثر هناك للفرنسيين على أثر .

    وأرسل نلسون وفداً الى حاكم المدينة "السيد محمد كريم " لكي يسمح لأسطوله بانتظار الأسطول الفرنسي خارج الميناء وأن يسمح لهم أن يشتروا من المدينة ما يحتاجونه من زاد .. لكن محمد كريم رفض طلبهم قائلاً... " ليس للفرنسيين أو سواهم شيء في هذا البلد فاذهبوا أنتم عنا .."
    ووقف أسطول نلسون منتظراً خارج الثغر أربعاً وعشرين ساعة ثم أقلع متجهاً الى شواطىء الأناضول بحثاً عن غريمه .. ولم يمضي على رحيله غير أسبوع حتى ظهر الأسطول الفرنسي أمام شواطىء الاسكندرية.. وعندئذ بعث السيد محمد كريم الى القاهرة مستنجداً بمراد بك وابراهيم بك.. واستقر الرأى على أن يسير مراد بك مع جنوده الى الاسكندرية لصد الغزاة ويبقى ابراهيم بك في القاهرة للدفاع عنها.
    وقد وصل الأسطول الفرنسي الى شواطىء الاسكندرية ( عند العجمي ) في أول يوليو1798م وبادر الى انزال قواته ليلاً الى البر ثم سير قسماً من قواته الى الاسكندرية (يوم 2 يوليو ) .. ولم يكن عدد سكان المدينة يومها يزيد على ثمانية آلاف نسمة .. ولم يكن بها من الجنود ما يكفي لصد الجيش الفرنسي الكبير المزود بالمعدات الحديثة ..وكان أن إستعد السيد محمد كريم للدفاع عن الاسكندرية بكل ما لديه من ذخيرة وعتاد .. وظل محمد كريم يقود المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين حتى بعد أن اقتحم الفرنسيون أسوار المدينة .. وظل محمد كريم يقود المعركة ، ثم اعتصم بقلعة قايتباي ومعه فريق من الجنود حتي فرغت ذخيرته فكف عن القتال وتم أسره هو ومن معه ، ودخل نابليون المدينة وأعلن بها الأمان .
    وأعجب نابليون بشجاعة محمد كريم فأطلق سراحه من الأسر ، وتظاهر باكرامه ، وأبقاه حاكماً للاسكندرية .. ولما تم لنابليون الاستيلاء على الاسكندرية رأى أن يغادرها الى القاهرة وعين كليبر حاكماً عسكرياً عليها وزحف الى القاهرة في 7 يوليو عن طريق دمنهور والرحمانية ، والتقى في شبراخيت بفرقة من المماليك على رأسها مراد بك فهزمها ووصل الى القاهرة يوم 21 يوليو ، واحنلها بعد موقعة إمبابة وإنسحاب مراد بك الى الصعيد وفرار ابراهيم بك الى الشام .

    وبقي كليبر على رأس حامية الاسكندرية ، بينما أخذت دعوة محمد كريم الى المقاومة الشعبية تلقى صداها بين المواطنين فعمت الثورة أرجاء المدينة ، فاعتقل كليبر بعض الأعيان للقضاء على الثورة دون فائدة .. ومع تزايد الثورة وارتفاع حدة المقاومة الشعبية في الاسكندرية .. أمر كليبر بالقبض على السيد محمد كريم يوم (20 يوليو 1798م) وأرسله الى أبوقير حيث كان الأسطول الفرنسي راسياً ، ثم ارسل الى رشيد ومنها الى القاهرة على سفينة أقلعت به في النيل من رشيد يوم 4 أغسطس ووصلت الى القاهرة يوم 12 أغسطس ووجهت اليه تهم التحريض على المقاومة وخيانة الجمهورية الفرنسية ، واستمرت المحاكمة حتى 5سبتمبر حين أرسل نابليون رسالة الى المحقق يأمره فيها أن يعرض على محمد كريم أن يدفع فدية قدرها ثلاثون الف ريال يدفعها الى خزينة الجيش ليفتدي نفسه .. ورفض محمد كريم أن يدفع الفدية ، ولما ألح عليه البعض في أن يفدي نفسه بهذه الغرامة رفض وقال .. " إذا كان مقدوراً علىّ أن أموت فلن يعصمني من الموت أن أدفع الفدية ، وإذا كان مقدوراً علىّ أن أعيش فعلام أدفعها ؟.

    وفي يوم 6سبتمبر 1798م أصدر نابليون بونابرت أمراً باعدام محمد كريم ظهراً في ميدان القلعة رمياً بالرصاص .. ونفذ في السيد محمد كريم حكم الاعدام بميدان الرميلة بالقلعة لتطوى بذلك صفحة من صفحات الجهاد الوطني .
    وفي عام 1953م تم تكريم السيد محمد كريم ووضعت صورته لأول مرة مع صور محافظي الاسكندرية في مبنى المحافظة تخليداً لذكراه .. كما أطلق اسمه على شارع التتويج وأصبح اسمه شارع محمد كريم (وهوالشارع الموازي لطريق الكورنيش ويبدأ من أمام الجندي المجهول وحتى ميدان المساجد ) .
    كما أطلق اسمه على احدى المدارس الخاصة بالاسكندرية ( مدرسة محمد كريم بسموحة )... وفي 27نوفمبر 1953 افتتح المسجد المجاور لقصر رأس التين وأطلق عليه " مسجد محمد كريم "... ( وكان مقدراً له أن يحمسم الملك فاروق .. وقد صنع تمثال للسيد محمد كريم تم وضعه في حديقة الخالدين بالاسكندرية .

    أحمد عرابي







    الميلاد
    1 أبريل1841
    هرية رزنة، محافظة الشرقية، مصر
    الوفاة
    21 سبتمبر1911
    القاهرة، مصر




    أحمد الحسيني عرابي(1 أبريل1841 - 21 سبتمبر1911)، قائد عسكري وزعيم مصري. قاد الثورة العرابية ضد الخديوي توفيق. شغل منصب وزير الدفاع (وزيرالجهادية في حينها) ثم رئيس وزراء مصرفي عراد


    الثورة العرابية

    كان أول ظهور حقيقي لإسم عرابى على الساحة حين تقدم مع مجموعه من زملائه مطالبين الخديوى توفيق بترقية الضباط المصريين وعزل رياض باشا رئيس الوزراء) وزيادة عدد الجيش المصري. لم يتقبل الخديوى هذه المطالب وبدأ في التخطيط للقبض على عرابى وزملائه حيث اعتبرهم من المتأمرين. تنبه عرابى للخطر وقاد المواجهة الشهيرة مع الخديوي توفيق يوم 9 سبتمبر1881 فيما يعد أول ثورة وطنيه في تاريخ مصر الحديث والتي سميت آنذاك هوجة عرابي.



    أسباب الثورة العرابية


    - التدخل الأجنبي في شئون مصر بعد صدور قانون التصفية عام 1880 - عودة نظم المراقبة الثناثية - لجوء رياض باشا إلى أساليب الشدة والعنف مع المواطنين المصريين - معارضة تشكيل مجلس شورى نواب - سياسةعثمان رفقى الشركسى وانحيازه السافر للضباط الاتراك والشراكسة واضطهاده للضباط المصريين - سوء الاحوال الاقتصادية نتيجة تخصيص مبالغ لسداد الديون للاجانب - انتشار الوعى الوطني بين المصريين
    الخديوي توفيق: كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما انتم إلا عبيد إحسان.
    عرابي: لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم.
    رضخ توفيق لمطالب الجيش حين رأى التفاف الشعب حول عرابى، وعزل رياض باشا من رئاسة الوزارة، وعهد إلى محمد شريف باشا بتشكيل الوزارة وتشكلت بذلك أول وزاره شبه وطنيه في تاريخ مصر الحديث. نقول هنا أن الوزارة كانت شبه وطنيه بسبب أن محمد شريف باشا كان من أصول شركسيه إلا أنه كان رجلا كريمًا مشهودًا له بالوطنية والاستقامة، فألف وزارته في (19 شوال1298 هـ = 14 سبتمبر1881م، وسعى لوضع دستور للبلاد، ونجح في الانتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، ثم عصف بهذا الجهد تدخل إنجلتراوفرنسا في شئون البلاد بعد أن إزدادت ضغوط الدول الأوربيه الدائنة على مصر التي باتت يتعين عليها دفع ما يقارب العشرين مليون جنيه إسترلينى أو ما يقرب من ثلث دخلها القومى سنويا لسداد الديون. أصرت بريطانيا وفرنسا على إدارة شئون الخزانة المصريه بإعتبارهما أكبر الدائنين وبسبب العقليه الاستعماريه المتغطرسة التي كانت سائده في ذلك الوقت التي روجت لفكرة أن الشعوب الشرقية لا تصلح لإدارة شئونها وخصوصا الشئون الماليه. فعلا تم فرض تعيين مفتشين ماليين على شئون الخزانة المصريه أحدهما إنجليزى والآخر فرنسى . كرد فعل لكل هذه الضغوط أصر مجلس الأعيان برئاسة محمد سلطان باشا على تغيير وزارة محمد شريف باشا التي قبلت بكل هذه التدخلات في شئون مصر الداخليه. وتأزمت الأمور، وتقدم محمد شريف باشا باستقالته في (2 ربيع الآخر1299 هـ = 2 فبراير1882 م).
    تشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، وشغل عرابي فيها منصب "وزير الجهادية" (الدفاع). كانت هذه هي المرة ألأولى في تاريخ مصر الحديث التي يتولى فيها مصري هذا المنصب. وقوبلت وزارة "البارودي" بالارتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية؛ لأنها كانت تحقيقًا لرغبة الأمة، ومعقد الآمال، وكانت عند حسن الظن، فأعلنت الدستور، وصدر المرسوم الخديوي به في (18 ربيع الأول1299 هـ = 7 فبراير1882 م).
    غير أن هذه الخطوة الوليدة إلى الحياة النيابية تعثرت بعد نشوب الخلاف بين الخديوي ووزارة البارودي حول تنفيذ بعض الأحكام العسكرية، ولم يجد هذا الخلاف مَن يحتويه من عقلاء الطرفين، فاشتدت الأزمة، وتعقد الحل، ووجدت بريطانيا وفرنسا في هذا الخلاف المستعر بين الخديوي ووزرائه فرصة للتدخل في شئون البلاد، فبعثت بأسطوليهما إلى شاطئ الإسكندرية بدعوى حماية الأجانب من الأخطار.
    تظهر هنا شخصيتان اشتهرتا بالمراوغة والتحايل, الأولى هي السلطان العثمانى عبد الحميد الثاني الذي أخذ يتصل بأحمد عرابى سرا ويشجعه على الوقوف بوجه التدخل الأوربى وبوجه الخديوى. الشخصيه الثانية هي شخصية الخديوي توفيق الذي يعد أسوأ ملوك أسرة محمد على على مدى تاريخها الطويل. كان توفيق يكره عرابى كرها شديدا ومع ذلك كان دائما ما يتظاهر بتاييد عرابى بينما هو يتصل سرا ببريطانيا وفرنسا ليؤلبهما عليه. أخذ توفيق يبالغ في تصوير الموقف للأوربيين بأنه شديد الخطورة على مصالحهم حيث أن عرابى حسب وصفه كان وطنيا متطرفا يكره كل ما هو أجنبي ويهدف إلى طرد كل الأجانب من مصر. تحمست بريطانيا بالذات لفكرة التدخل العسكرى في مصر لقلقها من ناحية فرنسا التي كانت قد إستولت لتوها على تونس . كذلك شعرت بريطانيا أن طريق مواصلاتها إلى الهند الذي يمر عبر قناة السويس قد بات مهددا وأنه أصبح يتعين عليها سرعة التحرك قبل أن تتجه فرنسا شرقا أو حتى روسيا جنوبا التي كانت تنتظر بترقب انحدار الدولة العثمانية وتحلم بالتوسع جنوبا للتحكم في مضايق البحر الأسود. في البدايه إتفقت بريطانياوفرنسا على التحرك سويا بالرغم من توجس كل منهما تجاه الأخرى وووجهت الحكومتان دعوة إلى الحكومة العثمانية لإرسال قوة إلى مصر "لحفظ الأمن" على اعتبار أنه من الناحية القانونية كانت مصر ما تزال جزءا من الدولة العثمانية المحتضرة. سرعان ما عدلت القوتان الاستعماريتان عن تلك الفكرة لعدم ثقتهما في السلطان عبد الحميد الثاني ولرغبتهما في الاحتفاظ بزمام المبادرة. تم إرسال أسطول بريطانى فرنسى مشترك إلى الإسكندرية على سبيل الإنذار للحكومة المصرية، إلا أن هذا الإنذار جاء بنتيجة عكسيه تماما حيث أنه أدى إلى ازدياد شعبية عرابى في مصر والتفاف الناس من حوله من كل الطبقات. استمر كل من السلطان عبد الحميد الثانيوالخديوى توفيق في سياستهما المعتادة في اللعب مع كل الأطراف.
    لم يكد يحضر الأسطولان الإنجليزي والفرنسي إلى مياه الإسكندرية حتى أخذت الدولتان تخاطبان الحكومة المصرية بلغة التهديد والبلاغات الرسمية، ثم تقدم قنصلا الدولتين إلى البارودي بمذكرة مشتركة في (7 رجب1299 هـ = 25 مايو1882 م) يطلبان فيها استقالة الوزارة، وإبعاد عرابي وزير الجهادية عن القطر المصري مؤقتًا مع احتفاظه برتبه ومرتباته، وإقامة "علي باشا فهمي" و"عبد العال باشا حلمي" –وهما من زملاء عرابي وكبار قادة الجيش- في الريف مع احتفاظهما برتبتيهما ومرتبيهما.
    كان رد وزارة البارودي رفض هذه المذكرة باعتبارها تدخلا مهينًا في شئون البلاد الداخلية، وطلبت من الخديوي توفيق التضامن معها في الرفض؛ إلا أنه أعلن قبوله لمطالب الدولتين، وإزاء هذا الموقف قدم البارودي استقالته من الوزارة، فقبلها الخديوي.



    بقاء عرابي في منصبه


    غير أن عرابي بقي في منصبه بعد أن أعلنت حامية الإسكندرية أنها لا تقبل بغير عرابي ناظرًا للجهادية، فاضطر الخديوي إلى إبقائه في منصبه، وتكليفه بحفظ الأمن في البلاد، غير أن الأمور في البلاد ازدادت سوءًا بعد حدوث مذبحة الإسكندرية في (24 رجب1299 هـ = 11 يونيو 1882م)، وكان سببها قيام مكاري (مرافق لحمار نقل) من مالطة من رعايا بريطانيا بقتل أحد المصريين، فشب نزاع وسرعان ما تطورت تلك المشاجرة البسيطة إلى أحداث عنف ضد الأوربيين المقيمين في الإسكندرية وقتل فيها حوالي الخمسين أوربيا وأصيب خلالها أيضا أحد ضباط الأسطول البريطاني.



    مؤتمر إستانبول


    تطورت الأحداث بسرعه في صيف عام 1882 ومع ظهور الأسطول البريطانى الفرنسى المشترك في مياه الأسكندرية إزدادت سخونة الأحداث . وجدت إنجلتراوفرنسا في أحداث الأسكندرية فرصة سانحه للتدخل وإتهمتا "عرابى" في التسبب في حدوث هذه الأحداث حيث اعتبرتاه المسئول عن تحريض المصريين ضد الأجانب.
    بلغ الصلف الإنجليزى مداه حين قررت الحكومة البريطانية دعوة القوى الكبرى (التعبير الشائع الذي كان يطلق على بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، النمسا) لمؤتمر لبحث المسالة المصريه. عقد المؤتمر في إستانبول بتركيا في 23 يونيو 1882 ولم يسمح لتركيا بالمشاركة فيه.
    افتتح المؤتمر اللورد "دوفيرين" السفير البريطانى لدى الباب العالى قائلا: " ليس من قبيل المبالغه القول أنه خلال الأشهر القليله الماضيه سقطت مصر في بحر من الفوضى الشامله". الواقع أن هذه العبارة كانت تحمل الكثير من المبالغة حيث أنه لم يكن في مصر أي نوع من الفوضى بعد أن وضعت الحكومة الجديدة التي تشكلت عقب أحداث العنف حدا لأعمال العنف بالإسكندرية. ترأس الوزارة الجديدة "إسماعيل راغب"، وشغل "عرابي" فيها نظارة الجهادية، وقامت الوزارة بتهدئة النفوس، وعملت على استتباب الأمن في الإسكندرية، وتشكيل لجنة للبحث في أسباب المذبحة، ومعاقبة المسئولين عنها. أظهر السلطان عبد الحميد الثاني تحديه للمؤتمرين في عاصمته بأن أنعم على "عرابى" برتبة الباشوية.
    بعد أن أنفض المؤتمر قادت بريطانيا حملة شرسه من الدعايه ضد "أحمد عرابى" تم من خلالها تصويره على أنه أكبر خطر يتهدد الحضارة والأمن في العالم. حققت حملة الدعايه ضد عرابى أهدافها وأتفقت القوى الكبرى على أنه يجب القضاء على عرابى. طلبت القوى الكبرى من تركيا التدخل في مصر ولفترة محدوده "لإعادة الأمن". تقرر أن تدفع الحكومة المصريه تكاليف حملة الهجوم عليها!



    قصف الإسكندرية


    تزعمت بريطانيا جهود القضاء على عرابى بينما تراجع الدور الفرنسى (المنافس التقليدى للدور البريطانى) إلى الإكتفاء بالمشاهدة وسحبت فرنسا أسطولها إلى بورسعيد. إنتظرت بريطانيا أي فرصة لبدء العدوان على مصر حيث أنها لم تكن مرتاحة لفكرة التدخل التركى لحل الأزمة. في السابع من يوليو وجدت بريطانيا الذريعة التي كانت في إنتظارها. كانت الحكومة المصريه قد نصبت بعض المدافع على قلعة الإسكندرية فاعتبرت بريطانيا أن هذا عملا عدائيا ضد حكومة صاحبة الجلالة. في (24 شعبان1299 هـ = 10 يوليو1882 م) وجه قائد الأسطول البريطانى إنذارا للحكومة المصريه إما تسليم القلعة للأسطول البريطانى وإلا سوف تضرب الإسكندرية من البحر. مارس الخديوي توفيق لعبته المعتادة حين قابل "عرابى" وشجعه على مقاومة المعتدين بينما كان قد إتصل سرا بقائد الأسطول البريطانى ودعاه إلى الهجوم على عرابى. لم يقبل "عرابى" الإنذار البريطانى وإنتظر تنفيذ البريطانيين لتهديدهم. بدأ الإنجليز في ضرب الأسكندريه يوم 12 يوليو1882 ونزلت قواتهم إليها في اليوم التالي بعد ان قرر "عرابى" أن يسحب قواته منها وأن يتحصن عند كفر الدوار.
    حين سمع الخديوي توفيق بإنسحاب "عرابى" امام الإنجليز تشجع وظهر على حقيقته حيث أعلن "عرابى" متمردا في الرابع والعشرين من يوليو . وبدلاً من أن يقاوم الخديوي المحتلين، استقبل في قصرالرمل بالإسكندرية الأميرال بوشامب سيمور قائد الأسطول البريطاني، وانحاز إلى الإنجليز، وجعل نفسه وسلطته الحكومية رهن تصرفهم حتى قبل أن يحتلوا الإسكندرية. فأثناء القتال أرسل الإنجليز ثلة من جنودهم ذوي الجاكتات الزرقاء لحماية الخديوي أثناء انتقاله من قصر الرمل إلى قصر التين عبر شوارع الإسكندرية المشتعلة. ثم أرسل الخديوي إلى "أحمد عرابي" في كفر الدوار يأمره بالكف عن الاستعدادات الحربية، ويحمّله تبعة ضرب الإسكندرية، ويأمره بالمثول لديه في قصر رأس التين؛ ليتلقى منه تعليماته. صارت المواجهة مكشوفه بين كل الأطراف منذ ذلك التاريخ .
    قررت الحكومة البريطانية أن تكون المواجهة شاملة وأن تكون الحرب كاملة فجلبت المزيد من قواتها إلى الحرب. تم تحريك 15,000 جندي من مالطه وقبرص بالإضافة إلى 5,000 من الهند باتجاه مصر مما رفع تعداد قوة الهجوم على مصر إلى 30,000 جندي وضعت تحت قيادة السيرجارنيت ولسلى (بالإنجليزية: Garnet Wolseley).



    مواجهة الخديوي ورفض قراراته


    رفض عرابي الانصياع للخديوي بعد موقفه المخزي، وبعث إلى جميع أنحاء البلاد ببرقيات يتهم فيها الخديوي بالانحياز إلى الإنجليز، ويحذر من اتباع أوامره، وأرسل إلى "يعقوب سامي باشا" وكيل نظارة الجهادية يطلب منه عقد جمعية وطنية ممثلة من أعيان البلاد وأمرائها وعلمائها للنظر في الموقف المتردي وما يجب عمله، فاجتمعت الجمعية في (غرة رمضان1299هـ= 17 يوليو1882م)، وكان عدد المجتمعين نحو أربعمائة، وأجمعوا على استمرار الاستعدادات الحربية ما دامت بوارج الإنجليز في السواحل، وجنودها يحتلون الإسكندرية.
    كان رد فعل الخديوي على هذا القرار هو عزل عرابي من منصبه، وتعيين عمر لطفي محافظ الإسكندرية بدلا منه، ولكن عرابي لم يمتثل للقرار، واستمر في عمل الاستعدادات في كفر الدوار لمقاومة الإنجليز. بعد انتصار عرابي في معركة كفر الدوار أرسل عرابي إلى يعقوب سامي يدعوه إلى عقد اجتماع للجمعية العمومية للنظر في قرار العزل.
    في (6 رمضان1299 هـ = 22 يوليو1882 م) عُقِد اجتماع في وزارة الداخلية، حضره نحو خمسمائة من الأعضاء، يتقدمهم شيخ الأزهر وقاضي قضاة مصر ومُفتيها، ونقيب الأشراف، وبطريرك الأقباط، وحاخام اليهود والنواب والقضاة والمفتشون، ومديرو المديريات، وكبار الأعيان وكثير من العمد، فضلا عن ثلاثة من أمراء الأسرة الحاكمة.
    في الاجتماع أفتى ثلاثة من كبار شيوخ الأزهر، وهم "محمد عليش" و"حسن العدوي"، و"الخلفاوي" بمروق الخديوي عن الدين؛ لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده، وبعد مداولة الرأي أصدرت الجمعية قرارها بعدم عزل عرابي عن منصبه، ووقف أوامر الخديوي ونظّاره وعدم تنفيذها؛ لخروجه عن الشرع الحنيف والقانون المنيف.
    اغلاق ترعة السويس (اسم قناة السويس آنذاك)



    معركة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية


    في 13 سبتمبر1882 (الموافق 29 شوال1299هـ) الساعة 1:30 صباحا واستغرقت أقل من 30 دقيقة. الإنجليز فاجأوا القوات المصرية المتمركزة في مواقعها منذ أيام والتي كانت نائمة وقت الهجوم. والقي القبض على أحمد عرابي قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري (حسب اعترافه أثناء رحلة نفيه إلى سيلان) (ISBN 1-85532-333-8).
    بعدالمعركة قال الجنرال جارنت ولسلي قائد القوات البريطانية أن معركة التل الكبير كانت مثال نموذجي لمناورة تم التخطيط الجيد لها مسبقا في لندن وكان التنفيذ مطابقا تماما كما لو كان الأمر كله لعبة حربKriegspiel. إلا أنه أردف أن المصريون "أبلوا بلاءاً حسناً" كما تشي خسائر الجيش البريطاني.
    اختار ولسلي الهجوم الليلي لتجنب القيظ ولمعرفته بتفشي العشى الليلي (night blindness) بشكل وبائي بين الجنود المصريين إلا أنه لاحظ أن الجنود النوبيين والسودانيين لم يعانوا من هذا المرض.



    خيانة فرديناد ديليسبس



    واصلت القوات البريطانية تقدمها السريع إلى الزقازيق حيث أعادت تجمعها ظهر ذلك اليوم ثم استقلت القطار (سكك حديد مصر) إلى القاهرة التي استسلمت حاميتها بالقلعة عصـر نفس اليوم. وكان ذلك بداية الإحتلال البريطاني لمصر الذي دام 72 عاماً.
    احتجز أحمد عرابي في ثكنات العباسية مع نائبه طلبة باشا حتى انعقدت محاكمته في 3 ديسمبر1882 والتي قضت بإعدامه. تم تخفيف الحكم بعد ذلك مباشرة (بناءا على اتفاق مسبق بين سلطة الاحتلال البريطاني والقضاة المصريين) إلى النفي مدى الحياة إلى سرنديب (سيلان). انتقل السفير البريطاني لدى الباب العالي، لورد دوفرن، إلى القاهرة كأول مندوب سامي - حيث أشرف على محاكمة أحمد عرابي وعلى عدم إعدامه.



    النفي إلى سريلانكا



    قام الأسطول البريطاني بنفيه هو وزملائه عبد الله النديم ومحمود سامي البارودي إلى سريلانكا سرنديب سابقا حيث استقروا بمدينة كولومبو لمدة 7 سنوات. بعد ذلك نقل أحمد عرابي والبارودي إلى مدينة كاندي بذريعة خلافات دبت بين رفاق الثورة.



    العودة إلى مصر


    لدى عودته من المنفى عام 1903 أحضر أحمد عرابي شجرة المانجو (المانجو) إلى مصر لأول مرة.
    توفي في القاهرة في 21 سبتمبر1911 وقاد أول ثورة مصرية في العصر الحديث.





    عبد الله النديم :












    جاهد بلسانة وقلمة


    عبد الله النديم الذي ولد بقرية الطيبة بمحافظة الشرقية سنة 1845م ونشأ وتربي بالأسكندرية بعد انتقال والده الذي كان يعمل نجاراً للعمل بترسانة الأسكندرية. وتم نفيه إلى الأستانة 1893م وتم منعه من الكتابة ولكنه اصطدم بأحد أفراد حاشية السلطان عبد الحميد ويسمى ( أبا الهدى الصيادي ) مستشار السلطان وكان يسميه ( أبا الضلال ) وكتب فيه كتاب (المسامير) , أظهر الشيطان شخصية مهزومة أمام أبو الضلال في مقدمه و9 مسامير فكان كتابه أحد نفائس فن الهجاء في التاريخ العربي .... وفي إقامته الإجبارية بتركيا تعطّلت مواهبه وتوقفت، وسكت فجأة عمّا كان يطالب به الأدباتّي الزجّال الغرّيد والمعارض، ووجد في الأفغاني عزاء له وسلوةً وفي الأمسيات كان الأستاذ والتلميذ يلتقيان تحت أشجار الحدائق التي خصصها عبد الحميد لهما، يتذكران أيّام النضال وأحداث الثورة العرابية، ويطوّفان على سيرة الرفاق في سيلان الذين قدم عهد المنفى بهم ويستعرضان دوحة الشباب وما كان فيها من وارف الأغصان، وعن طريق الأستاذ تعرّف على وزراء وأعيان... لكن النديم لم ينس مصر، وعندما زار الخديوي عبّاس الثاني الأستانة طلب منه العودة إليها فأجيب طلبه سنة 1895، وفعلاً قفز إلى الباخرة يغمر قلبه الحنين إلى وطنه، ولكن جواسيس عبد الحميد أبرقوا على الفور إليه، فأوقفت الباخرة وانتزع النديم منها وسيق إلى المنفى الذهبي من جديد... بعد أشهر مرض النديم وتراجعت صحته، ونهش السلّ الرئوي صدره وأحسّ بدنو أجله، فأخبر أمه وأخاه في مصر واستقدمهما، ولكن الموت جذبه إليه قبل أن يصلا، فتوفيّ وحيداً غريباً عام 1896 دون أن يترك زوجاً أو ولداً أو حطاماً، وكل ما تركه سيرة عطرة وحياة حافلة.



    عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع
    خطيب الثورة العرابية
    أستاذ الأدباتية وأدباتى الأساتذة ..
    برز نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية منذ تصاعد الأحداث فى صيف 1881
    حتى هزيمة العرابين فى سبتمبر 1882




    " عند الشدائد تظهر معادن الناس " و " أستاذنا " الذى نتحدث عنه اليوم امتحن بالشدة وراء الشده وظل ثابتاً على المبدأ مخلصا لـ أفكاره وقيمه إنه واحد من أبناء الشعب المصرى تجسدت فيه كل القيم الإيجابية فى هذا البلد .

    أستاذنا هو عبد الله نديم الكاتب الثائر والأديب المبدع خطيب الثورة العرابية الذى ألهب حماسة الجماهير بكلماته ، برز عبدالله نديم كأحد أهم قادة الثورة العرابية منذ تصاعد الأحداث فى صيف 1881 حتى هزيمة العرابين فى سبتمبر 1882 ورغم أنه كان عند اشتعال الثورة فى السادسة والثلاثين من عمره إلا أنه احتل مكانة مرموقة بين قادة الثورة لأنه كان قد اكتسب خبرة كبيرة وحقق شهرة ذائعة من خلال مشاركته فى العمل العام .
    ولد عبد الله نديم فى الإسكندرية فى 10 ديسمبر 1845 فى أسرة متوسطة الحال وقد لمح أبوه علامات نبوغه فألحقه بـ مسجد ابراهيم بالإسكندرية ليتلقى العلوم الدينية لكن الفتى اهتم بفنون الأدب ونبغ فيها فبرع فى الكتابة والشعر والزجل وتميز نديم فى المناظرات المرتجلة واشتهر بروحه الساخرة .
    لم يحترف عبدالله النديم الأدب فى بداية حياته العملية لكنه اتجه إلى تعلم صنعة يتعيش بها فدرس فن التلغراف وكان قد دخل مصر حديثاً واشتغل النديم فى مكتب بنها للتلغراف ثم انتقل إلى مكتب القصر العالى حيث تسكن الوالدة باشا أم الخديوى اسماعيل .
    وكان انتقاله إلى القاهرة بداية لاختلاطه بأعلام الأدب والفن والثقافة فى ذلك العصر فأخذت شهرته تذيع بينهم إلا أن إقامته لم تطل بالقاهرة فقد اصطدم بـ خليل أغا الرجل القوى صاحب النفوذ فأمر بفصله .

    رحل عبد الله نديم إلى الدقهلية وأقام بـ المنصورة حيث افتتح متجراً هناك وخلال إقامته التى لم تستمر طويلاً كان مجلسه مقصداً لرجال الأدب وطلاب العلم وبعد تجواله فى عدة مدن وقرى بالدلتا عاد إلى الأسكندرية ليستقر بها وكان ذلك سنة 1876 فى فترة صعود الحركة الوطنية وهناك اتصل بعناصر من جماعة مصر الفتاة التى كانت تطرح مشروعاً للإصلاح الوطنى والدستورى وهى غير جماعة مصرالفتاة التى أسسها أحمد حسين فى ثلاثينيات القرن الماضى متأثراً بالتنظيمات الفاشية والنازية التى ظهرت فى أوروبا فى تلك الفترة ، وتعد جماعة مصر الفتاة التى ظهرت فى سبعينات القرن التاسع عشر فى عهد الخديوى اسماعيل أقدم تشكيل حزبى عرفته مصر وفى تلك المرحلة المهمة من تاريخ مصر والتى شهدت صعوداً للدعوة لسيطرة المصريين على مقدرات بلادهم بدأ عبد الله نديم الكتابة بانتظام فى عدد من الصحف التى أصدرها أديب إسحاق وسليم نقاش وفى سنة 1879 شارك فى تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية وأصبح مديراً لمدرستها كما تولى تدريس الإنشاء وعلوم الأدب والخطابة بها وأنشأ فريقاً للمسرح بالمدرسة وقام أعضاء هذا الفريق من تلاميذ المدرسة بالاشتراك مع النديم بتمثيل بعض أعماله الأدبية الأولى التى ألفها ومنها الوطن و طالع التوفيق والعرب ونظراً للنجاح الذى حققته مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية فقد وضعت تحت رعاية الأمير عباس حلمى الذى أصبح الخديوى فيما بعد .
    لقد ظهر عبد الله النديم على الساحة الأدبية والفكرية فى مصر فى وقت كانت البلاد تموج فيه بتيارات الإصلاح والتجديد وكان الشعور الوطنى فى تصاعد مستمر خاصة فى السنوات الأخيرة من حكم اسماعيل حيث سعى الوطنيون المصريون إلى إنقاذ البلاد من عبء الديون الخارجية التى كانت قد أوشكت أن تهدر استقلال مصر وتشكلت التجمعات السياسية مثل جماعة مصر الفتاة وجماعة حلوان التى عرفت باسم الحزب الوطنى وقد التقى النديم بالمجموعة الأولى وظهرت ميوله الوطنية من خلال كتاباته الصحفية وأعماله الأدبية وخطبه التى كان يلقيها فى المنتديات العامة .
    وفى صيف سنة 1881 أصدر الرجل صحيفة أسبوعية أسماها " التتكيت والتبكيت " انتهجت خطا وطنياً واضحاً وأسلوباً أدبياً ساخراً وكان عبدالله النديم مهموماً فى صحفيته بقضية وحدة الوطن واستنهاض همة أبناءه للارتفاع بشأن البلاد وقد تواكب صدور الصحيفة مع أحداث الثورة العرابية فكان من الطبيعى أن ينضم عبدالله النديم إلى صفوف الثورة العرابية ويساند أهدافها الوطنية وقد وجد العرابيون فيه سنداً لهم بكتاباته الوطنية الحماسية وانتقل النديم إلى القاهرة ليكون فى قلب الأحداث والتقى بأحمد عرابى زعيم الثورة حيث طلب منه أن تكون صحيفته لسان حال الثورة بشرط أن يغير اسمها إلى اسم أكثر وقارا يلائم عقلية عرابى العسكرية المحافظة وأصدر عبدالله النديم صحيفة " الطائف " من القاهرة لتحل محل " التنكيب والتبكيت " ولتصبح لسان حال الثورة العرابية وخلال أسابيع قليلة أضحت الطائف أهم الصحف المصرية على الإطلاق وللحكاية بقية .





    الشيخ محمد عبده :





    الشيخ محمد عبده

    9 جمادى الأولى 1323هـ ـ 11 يوليو 1905م




    من مفكرة الإسلام

    زعيم المدرسة الإصلاحية،والرائد الأول لفكر العصرانيين، الشيخ المفتي محمد عبده، تلميذ جمال الدين الأفغاني النجيب، وحامل فكره من بعده، ولد الشيخ محمد عبده سنة 1265هـ ـ 1849م، لأب تركماني وأم مصرية بقرية محلة نصر بمحافظة البحيرة بمصر، والتحق كعادة الأطفال في هذا الوقت بكتاب القرية لحفظ القرآن ومبادئ القراءة والكتابة، فأظهر حافظة عجيبة، إذ أتم الحفظ وهو دون السابعة، فحمله والده إلى الجامع الأحمدي بطنطا لمواصلة الدراسة، ولكن حفظ المتون والشروح أرهقه ولم يرق له ففر من الدراسة لإصرار والده عليها، فر هاربًا إلى بيت خاله الشيخ «درويش خضر»، وكان شيخًا صالحًا من أتباع الطريقة السنوسية المتأثرة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، فهداه الله على يديه والتحق بالأزهر وظل يدرس به 12 سنة حتى تخرج فيه سنة 1282 هـ ـ 1865م، عالمًا من علمائه على عقيدة السلفية، وظل على ذلك وعمل بالتدريس بالأزهر ودار العلوم، وعمل صحفيًا في جريدة الوقائع وغيرها وظهر اتجاهه المحافظ الإصلاحي.

    كان التقاؤه مع الشيخ جمال الدين الأفغاني نقطة تحول كاملة في حياته، إذ أثر فيه الأفغاني بشدة وغيّر تفكيره بالكلية، ونحا بتوجهاته الإصلاحية إلى الاتجاه المعاكس، فبعدما كان يرى محمد عبده وجوب الإصلاح بالطريقة الإسلامية المحضة، اتجه ناحية الإصلاح على الطريقة الغربية وعلى منهج الأفغاني تلك الشخصية المحيرة المتقلبة، ودعوة الأفغاني من الدعوات التي يصح أن يطلق عليها دعوة باطنية، أي لها ظاهر وباطن.

    اشترك محمد عبده في الثورة العرابية ونفي بسببها إلى بيروت سنة 1300هـ فمكث بها عامًا ثم لحق بشيخه الأفغاني بباريس، ومن هناك أصدر صحيفة العروة الوثقى التي تهاجم الاحتلال وأيضًا تهاجم الخلافة الإسلامية وتنتقد الأوضاع بشكل عام وبصورة تعتمد على التهييج والثورة، فما لبثت أن توقفت، ورحل الأفغاني إلى الهند ومنها إلى تركيا وبها مات، فعاد محمد عبده إلى بيروت حزينًا منكسرًا، وبعد وفاة الأفغاني آلت زعامة المدرسة الإصلاحية للشيخ محمد عبده...







    مصطفى كامل :












    مصطفى كامل (1874 - 1908) زعيم سياسي وكاتب مصري. أسس الحزب الوطنيوجريدة المؤيد. كان من المنادين بإنشاء (إعادة إنشاء) الجامعة المصرية. وكان حزبه ينادي برابطة أوثق بالدولة العثمانية



    نشأته


    ولد مصطفى كامل في (1 رجب1291 هـ = 14 أغسطس1874م)، وكان أبوه "علي محمد" من ضباط الجيش المصري، وقد رُزِقَ بابنه مصطفى وهو في الستين من عمره، وعُرِف عن الابن النابه حبُّه للنضال والحرية منذ صغره؛ وهو الأمر الذي كان مفتاح شخصيته وصاحبه على مدى 34 عامًا، هي عمره القصير.
    والمعروف عنه أنه تلقى تعليمه الابتدائي في ثلاث مدارس، أما التعليم الثانوي فقد التحق بالمدرسة الخديوية، أفضل مدارس مصر آنذاك، والوحيدة أيضًا، ولم يترك مدرسة من المدارس إلا بعد صدام لم يمتلك فيه من السلاح إلا ثقته بنفسه وإيمانه بحقه.
    وفي المدرسة الخديوية أسس جماعة أدبية وطنية كان يخطب من خلالها في زملائه، وحصل على الثانوية وهو في السادسة عشرة من عمره، ثم التحق بمدرسة الحقوق سنة (1309 هـ = 1891م)، التي كانت تعد مدرسة الكتابة والخطابة في عصره، فأتقن اللغة الفرنسية، والتحق بجمعيتين وطنيتين، وأصبح يتنقل بين عدد من الجمعيات؛ وهو ما أدى إلى صقل وطنيته وقدراته الخطابية.
    وقد استطاع أن يتعرف على عدد من الشخصيات الوطنية والأدبية، منهم: "إسماعيل صبري" الشاعر الكبير ووكيل وزارة العدل، والشاعر الكبير "خليل مطران"، و"بشارة تكلا" مؤسس جريدة "الأهرام"، الذي نشر له بعض مقالاته في جريدته، ثم نشر مقالات في جريدة "المؤيد".
    في سنة (1311 هـ = 1893م) ترك مصطفى كامل مصر ليلتحق بمدرسة الحقوق الفرنسية؛ ليكمل بقية سنوات دراسته، ثم التحق بعد عام بكلية حقوق "تولوز"، واستطاع أن يحصل منها على شهادة الحقوق، ووضع في تلك الفترة مسرحية "فتح الأندلس" التي تعتبر أول مسرحية مصرية، وبعد عودته إلى مصر سطع نجمه في سماء الصحافة، واستطاع أن يتعرف على بعض رجال الثقافة والفكر في فرنسا، وازدادت شهرته مع هجوم الصحافة البريطانية عليه.


    مساعي مصطفى كامل في إنشاء الجامعة


    علم الزعيم مصطفى باشا كامل في أثناء وجوده ببريطانيا للدفاع عن القضية المصرية والتنديد بوحشية الإنجليز بعد مذبحة دنشواي، أن لجنة تأسست في مصر للقيام باكتتاب عام لدعوته إلى حفل كبير وإهدائه هدية قيمة؛ احتفاءً به وإعلانًا عن تقدير المصريين لدوره في خدمة البلاد، فلما أحيط علما بما تقوم به هذه اللجنة التي كان يتولى أمرها محمد فريد رفض الفكرة على اعتبار أن ما يقوم به من عمل إنما هو واجب وطني لا يصح أن يكافأ عليه، وخير من ذلك أن تقوم هذه اللجنة "بدعوة الأمة كلها، وطرق باب كل مصري لتأسيس جامعة أهلية تجمع أبناء الفقراء والأغنياء على السواء، وأن كل قرش يزيد عن حاجة المصري ولا ينفقه في سبيل التعليم هو ضائع سدى، والأمة محرومة منه بغير حق".
    أرسل إلى الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد برسالة يدعو فيها إلى فتح باب التبرع للمشروع، وأعلن مبادرته إلى الاكتتاب بخمسمائة جنيه لمشروع إنشاء هذه الجامعة، وكان هذا المبلغ كبيرًا في تلك الأيام؛ فنشرت الجريدة رسالة الزعيم الكبير في عددها الصادر بتاريخ (11 شعبان1324 هـ= 30 سبتمبر1906م).
    ولم تكد جريدة المؤيد تنشر رسالة مصطفى كامل حتى توالت خطابات التأييد للمشروع من جانب أعيان الدولة، وسارع بعض الكبراء وأهل الرأي بالاكتتاب والتبرع، ونشرت الجريدة قائمة بأسماء المتبرعين، وكان في مقدمتهم حسن بك جمجوم الذي تبرع بألف جنيه، وسعد زغلولوقاسم أمين المستشاران بمحكمة الاستئناف الأهلية، وتبرع كل منهما بمائة جنيه.
    غير أن عملية الاكتتاب لم تكن منظمة، فاقترحت المؤيد على مصطفى كامل أن ينظم المشروع، وتقوم لجنة لهذا الغرض تتولى أمره وتشرف عليه من المكتتبين في المشروع، فراقت الفكرة لدى مصطفى كامل، ودعا المكتتبين للاجتماع لبحث هذا الشأن، واختيار اللجنة الأساسية، وانتخاب رئيس لها من كبار المصريين من ذوي الكلمة المسموعة حتى يضمن للمشروع أسباب النجاح والاستقرار. أتمت لجنة الاكتتاب عملها ونجحت في إنشاء الجامعة المصرية يرئسها الملك فؤاد الأول آنذاك.


    علاقة مصطفى كامل بالخديو عباس حلمي الثاني

    من المعروف أن الخديو عباس قد اصطدم في بداية توليه الحكم باللورد كرومر في سلسلة من الأحداث كان من أهمها أزمة وزارة مصطفى فهمي باشا عام 1893، وتوترت العلاقات إلى حد خطير في حادثة الحدود عام 1894، وكان عباس يري أن الاحتلال لا يستند إلى سند شرعي، وأن الوضع السياسي في مصر لا يزال يستند من الناحية القانونية إلى معاهدة لندن في 1840 والفرمانات المؤكدة لهذه المعاهدة إلى جانب الفرمانات التي صدرت في عهد إسماعيل بشأن اختصاصات ومسئوليات الخديوية، فالطابع الدولي للقضية المصرية من ناحية إلى جانب عدم شرعية الاحتلال كانا من المسائل التي استند عليها عباس في معارضته للاحتلال ثم رأى عباس أن يستعين كذلك في معارضته للاحتلال بالقوى الداخلية. لا نعتقد أن الخديو عباس كان على إستعداد للسير في صرامة ضد كرومر إلى حد التفكير في تصفية الاحتلال نهائياً، بل كانت معارضته المترددة لسياسة كرومر تستهدف المشاركة في السلطة حتى في ظل الاحتلال.
    أما بالنسبة لتعاون مصطفى كامل مع عباس غله أسبابه أيضاً من وجهة نظر مصطفى كامل . أولاً : يجب أن نقرر أن الحركة الوطنية المصرية في ذلك الوقت كانت أضعف من أن تقف بمفردها في المعركة. ثانياً : أن مصطفى كامل كان يضع في اعتباره هذفاً واحداً وهو الجلاء وعدواً واحداً وهو الاحتلال، و لذلك كان مصطفى كامل على استعداد للتعاون مع كل القوى الداخلية والخارجية المعارضة للاحتلال، أما المسائل الأخرى التي كانت العناصر الوطنية المعتدلة، من أمثال حزب الأمة فيما بعد، تضعها في الإعتبار الأول كمسألة الحياة البرلمانية وعلاقة مصر مع تركيا وغيرها فكلها مسائل يجب أن تترك حتى يتخلص المصريون من الاحتلال.


    اهتمامه بالحياة الثقافية

    في عام (1316 هـ = 1898م) ظهر أول كتاب سياسي له بعنوان "كتاب المسألة الشرقية"، وهو من الكتب الهامة في تاريخ السياسة المصرية. وفي عام (1318 هـ = 1900م) أصدر جريدة اللواء اليومية، واهتم بالتعليم، وجعله مقرونًا بالتربية.


    من أقواله المأثورة :

    لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً.
    أحراراً في أوطاننا، كرماءً مع ضيوفنا.
    الأمل هو دليل الحياة والطريق إلى الحرية.
    لا معني لليأس مع الحياة ولا معني للحياة مع اليأس.
    إني أعتقد أن التعليم بلا تربية عديم الفائدة.
    إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء وإن من يتهاون في حق من حقوق دينه وأمته ولو مرة واحدة يعش أبد الدهر مزلزل العقيدة سقيم الوجدان


    اتجاهاته


    كان مصطفى كامل يفضل وجود الدولة العثمانية عن الوجود البريطاني أو الوجود المسيحي بشكل عام بالبلاد العربية حيث أن الدولة العثمانية كانت تمثل الخلافة الإسلامية وهي التي كان يرى وجوب الخضوع لها حتى بعد ما كان يرى من مظاهر التخلف المنتشر بالبلاد العربية والذي كان يرجع إلى الدولة العثمانية التي عزلت الدول العربية عن الحياة الثقافية وساعدت على انتشار الخرافات والامراض واهتمت بتوسعاتها دون الاهتمام بمصلحة شعوبها.



    وفاتة

    جنازة الزعيم مصطفى كامل

    توفى عن عمر يناهز 34 عاما رغم انه عاش ثمانى سنوات فقط في القرن العشرين فان بصماته امتدت حتى منتصف القرن, وتوفى في فبراير1908.




    محمد فريد :







    محمد فريد بك (1868-1919 م) محام ومؤرخ معروف وأحد كبار الزعماء الوطنيين بمصر وله تمثال في ميدان بإسمه بالقاهره تخليداً لذكراه. ترأس الحزب الوطني بعد وفاة مصطفى كامل. أنفق ثروته في سبيل القضية المصرية. من أشهر ما كتب: "تاريخ الدولة العثمانية".


    أهداف محمد فريد لمصر


    أعلن محمد فريد أن مطالب مصر هي: الجلاء والدستور. وكانت من وسائله لتحقيق هذه الأهداف: تعليم الشعب علي قدر الطاقة ليكون أكثر بصراً بحقوقه، وتكتيله في تشكيلات ليكون أكثر قوة وارتباطاً. أنشأ محمد فريد مدارس ليلية في الأحياء الشعبية لتعليم الفقراء مجاناً. وقام بالتدريس فيها رجال الحزب الوطني وأنصاره من المحامين والأطباء الناجحين، وذلك في أحياء القاهرة ثم في الأقاليم. (2)


    انجازاته


    وضع محمد فريد أساس حركة النقابات، فأنشأ أول نقابة للعمال سنة 1909 ثم اتجه الي الزحف السياسي، فدعا الوزراء الي مقاطعة الحكم، وقال "من لنا بنظارة (أي وزارة) تستقيل بشهامة وتعلن للعالم أسباب استقالتها؟ لو استقالت وزارة بهذه الصورة، ولم يوجد بعد ذلك من المصريين من يقبل الوزارة مهما زيد مرتبه، اذن لأُعلن الدستور ولنلناه على الفور"
    عرفت مصر علي يديه المظاهرات الشعبية المنظمة، كان فريد يدعو اليها، فيجتمع عشرات الألوف في حديقة الجزيرة وتسير الي قلب القاهرة هاتفة بمطالبها. وضع محمد فريد صيغة موحدة للمطالبة بالدستور، طبع منها عشرات الآلاف من النسخ، ودعا الشعب الي توقيعها وارسالها اليه ليقدمها الي الخديوي، ونجحت الحملة وذهب فريد الي القصر يسلم أول دفعة من التوقيعات وكانت 45 ألف توقيع وتلتها دفع أخرى. (2)


    محاكمته



    تعرض محمد فريد للمحاكمة بسبب مقدمة كتبها لديوان شعر بعنوان "أثر الشعر في تربية الأمم"، من ما قال فيها: "لقد كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد اماتة الشعر الحماسي، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح علي وضع قصائد المدح البارد والاطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء وابتعادهم عن كل ما يربي النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال.. كما كان من نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود علي المستمع، حتي أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد في الدنيا، والحض علي الكسل وانتظار الرزق بلا سعي ولا عمل"
    ذهب محمد فريدالي أوروبا كي يُعد لمؤتمر لبحث المسألة المصرية بباريس، وأنفق عليه من جيبه الخاص كي يدعو اليه كبار معارضي الاستعمار من الساسة والنواب والزعماء، لايصال صوت القضية المصرية بالمحافل الدولية. نصحه أصدقاؤه بعدم العودة بسبب نية الحكومة محاكمته بدعوي ما كتبه كمقدمة للديوان الشعري، ولكن ابنته (فريدة) ناشدته علي العكس بالعودة، في خطابها الذي مما جاء فيه: "لنفرض أنهم يحكمون عليك بمثل ما حكموا به علي الشيخ عبد العزيز جاويش، فذلك أشرف من أن يقال بأنكم هربتم... وأختم جوابي بالتوسل اليكم باسم الوطنية والحرية، التي تضحون بكل عزيز في سبيل نصرتها أن تعودوا وتتحملوا آلام السجن!"
    حُكم علي محمد فريد بالسجن ستة أشهر، قضاها جميعاً ولدي خروجه من السجن كتب الكلمات الآتية: "مضي علي ستة أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر أبداً بالضيق الا عند اقتراب خروجي، لعلمي أني خارج الي سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفرد.. ويحرسه الاحتلال! .. ان اصبح مهدداً بقانون المطبوعات، ومحكمة الجنايات.. محروماً من الضمانات التي منحها القانون العام للقتلة وقطاع الطرق.." (2)



    موته


    استمر محمد فريد في الدعوة الي الجلاء والمطالبة بالدستور، حتي ضاقت الحكومة المصرية الممالية للاحتلال به وبيتت النية بسجنه مجدداً، فغادر فريد البلاد الي أوروبا سراً، حيث وافته المنية هناك، وحيداً فقيراً، حتي أن أهله بمصر لم يجدوا مالاً كافياً لنقل جثمانه الي أرض الوطن، الي أن تولي أحد التجار المصريين من الزقازيق نقله بنفسه علي نفقته الخاصة.

    مقال فى حب شخص الزعيم محمد فريد :

    محمد فريد.. زعيم من طراز فريد





    كان الزعيم محمد فريد متفردًا في كل مزاياه، فهو مسلم شديد التدين، وهو ثوري شديد الثورية، وهو متجرد ومخلص إلى أقصي درجة، وهو منحاز إلى الفقراء والمستضعفين برغم كونه من أسرة ثرية، ثم هو يعطي بلا حدود، فينفق معظم ثروته على العمل الوطني ويموت في المنفي فقيرًا مريضـًا.


    الجامعة الإسلامية


    محمد فريد هو خليفة مصطفي كامل على زعامة الحزب الوطني منذ 1907 وقبل ذلك كان الرجل الثاني في الحزب وهو رفيق كفاح مصطفي كامل منذ البداية وبالتالي فإن مبادئ الحزب الوطني في حياة مصطفي كامل هي نفسها مبادئ محمد فريد لأنه شارك في صنعها وآمن بها منذ البداية، ثم استمر على نفس المبادئ في فترة زعامته للحزب الوطني منذ 1907 وحتى وفاته سنة 1919، وكانت تلك المبادئ هي الجامعة الإسلامية ـ الجلاء ـ وحدة وادي النيل ـ الدستــور.
    وفي إطار الإيمان بوحدة المسلمين " الجامعة الإسلامية " انفرد محمد فريد بتأجيج هذا الإيمان وقوته لدرجة أنه ألف كتابًا عن تاريخ الدولة العلية العثمانية طبع سنة 1893 م ثم أعيد سنة 1896 م ثم في سنة 1912 م مما يدل على ثبات موقف محمد فريد في هذا الصدد.
    يقول محمد فريد في مقدمة هذا الكتاب :” إن الملك العثماني قد لم شعت الولايات الإسلامية، وإن التعصب الديني في الممالك الأوروبية قد قام لتفتيت هذه الوحدة، وإن الدولة العلية هي الحامية لبيضة الإسلام والمدافعة عن حرية شعوب الشرق والزائدة عن حياضه “.
    ويقول الرافعي:” إن سياسة محمد فريد الإسلامية هي سياسة مصطفي كامل، فقد عمل على توثيق عري التعاون والتضامن بين الأمم الإسلامية، وكان يدعو إلى هذه الغاية في مقالاته وخطبه وأحاديثه “0
    ( الرافعي ـ محمد فريد، ص 496 ).
    وقد اهتم محمد فريد في منفاه في أوروبا بإنشاء جمعية ترقي الإسلام، كما أصدر مجلة بالفرنسية للتحدث باسم هذه الجمعية وتعمل على نشر المقالات الإسلامية والأخبار التي تهم العالـم الإسلامـي0
    كما حرص محمد فريد - كما يقول الرافعي- على توثيق علاقة مصر بتركيا، لكي يحبط المساعي الإنجليزية التي كانت ترمي إلى حمل الحكومة التركية بمختلف الوسائل على الاعتراف بمركز الاحتلال البريطاني في مصر0 ( الرافعي ـ محمد فريد، ص 496 )


    الانحياز إلى الفقراء والمستضعفين


    وانطلاقًا من فهم محمد فريد للإسلام وانطلاقًا من التزامه بمبادئ هذا الدين الحنيف فإن محمد فريد انحاز انحيازًا واضحًا إلى الفقراء والمستضعفين، كما أهتم بنشر التعليم، وتتجلى جهوده تلك في دراسته للميزانية في اجتماعات الحزب الوطني، ودعوته إلى تعديلها للإنفاق على إصلاح حالة الشعب والعناية بالصحة والأحياء الشعبية، ففي يوم 7 يناير سنة 1910م يقول محمد فريد :” إن هناك إهمال واضح للأحياء الشعبية، وهناك عدم اعتناء بصحة الأهالي لدرجة مروعة إذ ثبت بالإحصاء أن متوسط الوفيات في السنة يتراوح بين (80 –60 ) في الألف مع أنها في مدن أوربا لاتزيد عن 25 في الألف مطلقًا وليس هذا لفقر الميزانية المصرية ولكن من إهمال مصلحة الصحة وصرفها المبالغ المخصصة لها في الأحياء التي يقطنها الإفرنج وإهمالها باقي الأحياء “0
    وفي نفس الخطبة يقول محمد فريد :” إن المعاهدات التجارية التي تبرمها الحكومة مع الدول لا تراعي مصالح البلاد الاقتصادية، فيجب الاهتمام بالحاصلات الضرورية للفقراء وعدم فرض ضرائب عليها، بل يجب فرض الضرائب والجمارك على المنتجات الأجنبية وتشجيع الصناعة الوطنية، وليس من المعقول أن نفرض على الحنطة والدقيق نفس الضرائب التي تؤخذ على الخمور، بل ليس من المعقول أن تفرض الحكومة ضريبة 80%على المغازل المصرية في حين تعفي صناعة الخمور منها “0
    دعا محمد فريد إلى وضع تشريع للعمال يراعي مصالحهم ويرفع عنهم البؤس والجهل والإرهاق، كما أهتم بإنشاء نقابات للعمال والصناع لترقية أحوالهم والعناية بشئؤنهم، وساهم بنفسه في تأسيس نقابة للصناع بالقاهرة وهي نقابة عمال الصنائع اليدوية وأنشأ لها ناد ببولاق، كما أهتم بدعم قيادات الحزب الوطني، وساهم في إنشاء العديد من الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية في القرى والمدن، وقد وجه محمد فريد تلاميذه إلى بذل جهودهم لدعم الحركة التعاونية والمشروعات الاقتصادية وأعتبر هذا عملاً وطنيًا من الدرجة الأولي0 (الرافعي ـ محمد فريد ص 499 ).
    كما وجه محمد فريد عنايته بالتعليم فسعي إلى تأسيس مدارس الشعب الليلية لتعليم الصناع والعمال مجانًا، وأسس العديد من هذه المدارس في القاهرة والبنادر، وكان يدعو دائمًا إلى تعميم التعليم الابتدائي وجعله مجانيًا وإلزاميًا لكل مصري ومصرية، كما ساهم في إنشاء الجمعيات الخيرية بهدف تأسيس المدارس، وعمل على إنشاء مدرسة ثانوية في كل مدينة، وكان من أهم العناصر المؤسسة لمشروع الجامعة المصرية، وأكتتب في مشروع الجامعة المصرية بمبلغ مائتي جنيه سنويا.
    وقد وصل انحياز محمد فريد إلى الفقراء إلى درجة أن مدام رينيه سجلت بنفسها القول بأن أفكار محمد فريد تكاد تكون متقاربة مع أفكار لينين حول استغلال الرأسمالية لطبقات الشعب ( المصور، 14 نوفمبر 1969 حديث صحفي مع مدام رينيه الفرنسية ص 30، نقلاً عن د0 عصام ضياء الدين، الحزب الوطني والكفاح السري، الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 115).
    وفي الحقيقة فإن كراهية محمد فريد للرأسمالية وانحيازه للفقراء، كان نابعا من الإسلام، وأن اتفاقه في الأفكار مع لينين لا يرجع إلى إيمان محمد فريد بالماركسية أو الاشتراكية، بل يرجع إلى الفهم العميق للإسلام الذي كان يمثله محمد فريد وبديهي أن الإسلام ينحاز إلى الفقراء ويكره استغلال الشعوب، ويحارب الرأسمالية بطريقة أكثر جدوى وعلمية من الماركسية والاشتراكية وغيرها من المبادئ والنظريات الوضعية التي انهارت الآن بعد إفلاسها، ولو لجأت البشرية إلى الإسلام كحل لقضايا الظلم الاجتماعي لكان مصير البشرية الآن مختلفًا ولكان الفقراء والمستضعفين قد حصلوا على حقوقهم كاملة، ولكان عصر الرأسمالية البغيض قد أنهار منذ فترة طويلة.


    الإعـداد للثورة


    كان محمد فريد يؤمن بان الأسلوب الوحيد لمقاومة الاحتلال هو الكفاح الشعبي السلمي والمسلح ـ العلني السري ـ وقد سجل الدكتور عصام ضياء الدين في كتابه الرائع " الحزب الوطني والكفاح السري 1907 ـ 1915 م الرأي بأن محمد فريد قد لعب دورًا كبيرًا بالاتفاق مع كل من عبد العزيز جاويش وإبراهيم الورداني في إنشاء وإدارة الكثير من المنظمات والجمعيات السرية بهدف تسليح الجماهير بالوعي والقوة والإعداد للثورة على الإنجليز والخديوي، وأن محمد فريد كان يستهدف إنشاء تنظيم سري وكبير في كل مكان استعداداً لتلك الثورة، وفي الحقيقة فإن سلطات الاحتلال قد أشارت إلى وجود 85 منظمة سرية مسلحة تابعة للحزب الوطني سنة 1910، وهو رقم كبير جدًا يدل على مدي انتشار تلك الجمعيات السريـة.
    يقول د0 عصام ضياء الدين في نفس المرجع السابق الإشارة إليه ص 293 " وفي الحقيقة فإنه لولا تلك الجهود التي بذلها الحزب الوطني وقيادته الثورية لما نشبت ثورة 1919، فمما لا شك فيه أن الكوادر الثورية التي خلقها الحزب في مصر كان مقدرًا لها القيام بالثورة قبل هذا التاريخ بسنوات ولكنه نظرًا لظروف الإرهاب والنفي والاضطهاد والتنكيل التي مارستها سلطات الاحتلال على الوطنيين أثر حادثة بطرس غالي وطيلة سنوات الحرب العالمية الأولي فإنه لم يكن هناك مناص من تأجيل الثورة، فالحزب الوطني حرك في المصريين مرة أخري مشاعر الثورة بعد السكون الرهيب الذي أطبق على الحياة في مصر بعد انتكاسة ثورتها سنة 1881 ـ 1882 م، وكانت الفترة من 1908 ـ 1912 م حين خرج محمد فريد من البلاد، فترة نضوج ثوري بعد جهود الحزب المخلصة في تحرير الشعب وممارسة العنف الثوري الذي تجلي في الحوادث العديدة التي شهدتها مصر منذ 1910 إلى 1915 .




    سعد زغلول وثورة 1919 :


    الزعيم سعد زغلول







    سعد زغلول باشا









    سعد زغلول مع الملك فؤاد









    سعد زغلول أمام تمثال نهضة مصر












    سعد زغلول باشا




    ثورة 1919


    نساء مصريات يتظاهرن ضد الإنجليز في شوارع مصر برفقة الرجال في ثورة 1919، ضد نفي القادة الوطنيين المصريين وعلى رأسهم سعد زغلول







    ثورة 1919 هي ثورة حدثت في مصر بقيادة سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية. جائت هذه الثورة في ظل المعاملة القاسية التي كانت بحق المصريين من قبل البريطانيين، والأحكام العرفية التي أصدرت بحق المصريين بالإضافة إلى رغبة المصرين بالحصول على الاستقلال. أتت هذه الثورة نتيجة مطالبة سعد زغلول بالسماح للوفد المصري بالمشاركه في مؤتمر الصلح في باريس، وعندما رفضت بريطانيا هذه المشاركة واصرار سعد زغلول عليها اضطرت إلى نفيه هو و محمد محمودوحمد الباسلوإسماعيل صدقى إلى مالطة، فانفجرت الثوره في كل مكان في مصر واشتركت فيها عديد المصريين. وكانت أول ثورة تشترك فيها النساء في مصر، بقيادة صفية زغلول مطالبين بالإفراج عن سعد زغلول، فاضطرت السلطات البريطانية إلى الرضوخ للمطلب الشعبي وأفرجت عن سعد زغلول.
    هذه الثورة أعطت للبريطانيين الضوء الأحمر والتي جعلت البريطانين يقومون بإلغاء الأحكام العرفية، و وعد المصريين بالحصول على الاستقلال بعد ثلاث سنوات مقابل إبقاء قوات بريطانية في مصر.


    مقدمات الثورة


    في ظل المعاملة القاسية التي عاناها المصريون من قبل البريطانيين والاحكام العرفية التي أصدرت بحق المصريين، ورغبة المصريين بالحصول على الاستقلال، قامت ثورة 1919 م والتي تعتبر أول ثورة شعبية في أفريقيا وفي الشرق الأوسط ، تبعتها الهند وثورة العراق والمغرو وليبيا.
    اما عن لماذا قامت الثورة ؟ فقد لاقت الجماهير الفقيرة ظلم واستغلال خلال أربع سنوات هي عمر الحرب العالمية الأولي ، ففي الريف كانت تصادَر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة في تكاليف الحرب، كما حرصت السلطات العسكرية على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار قليلة. وتم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سمي بـ "فرقة العمل المصرية" التي استخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها. نقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن ، وشهدت مدينتي القاهرة والأسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب. ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، في التخفيف من حدة الأزمة ، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب إعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التي تحرم التجمهر والإضراب.



    اعتقال سعد


    خطرت للزعيم سعد زغلول فكرة تأليف الوفد المصري للدفاع عن قضية مصر سنة 1918م حيث دعا أصحابه إلى مسجد وصيف للتحدث فيما كان ينبغي عمله للبحث في المسألة المصرية بعد الهدنة "بعد الحرب العالمية الأولى" عام 1918 ، وتم تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين.. وأطلقوا على أنفسهم "الوفد المصري".
    وقام الوفد بجمع توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة: "نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى" ، ثم اعتقل سعد زغلول ونفي إلى جزيرة مالطة بالبحر المتوسط هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس 1919م فانفجرت ثورة 1919م.



    أحداث الثورة


    في اليوم التالي لاعتقال الزعيم الوطني المصري سعد زغلول وأعضاء الوفد، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات. وفي غضون يومين، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الازهر. وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن. ففي القاهرة قام عمال الترام بإضراب مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وغيرها ، وتم شل حركة الترام شللا كاملا ، تلا ذلك إضراب عمال السكك الحديدية، والذي جاء عقب قيام السلطات البريطانية بإلحاق بعض الجنود للتدريب بورش العنابر في بولاق للحلول محل العمال المصريين في حالة إضرابهم، مما عجّل بقرار العمال بالمشاركة في الأحداث.
    ولم يكتف هؤلاء بإعلان الإضراب، بل قاموا بإتلاف محولات حركة القطارات وابتكروا عملية قطع خطوط السكك الحديدية – التي أخذها عنهم الفلاحون وأصبحت أهم أسلحة الثورة.
    وأضرب سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك ، تلا ذلك إضراب عمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكومية ومصلحة الجمارك بالاسكندرية.

    ولم تتوقف احتجاجات المدن على التظاهرات وإضرابات العمال، بل قام السكان في الأحياء الفقيرة بحفر الخنادق لمواجهة القوات البريطانية وقوات الشرطة، وقامت الجماهير بالاعتداء على بعض المحلات التجارية وممتلكات الأجانب وتدمير مركبات الترام.
    في حين قامت جماعات الفلاحين بقطع خطوط السكك الحديدية في قرى ومدن الوجهين القبلي والبحري، ومهاجمة أقسام البوليس في المدن. ففي منيا القمح أغار الفلاحون من القرى المجاورة على مركز الشرطة وأطلقوا سراح المعتقلين ، وفي دمنهور قام الأهالي بالتظاهر وضرب رئيس المدينة بالأحذية وكادوا يقتلونه عندما وجه لهم الإهانات.
    وفي الفيوم هاجم البدو القوات البريطاينة وقوات الشرطة عندما اعتدت هذه القوات على المتظاهرين. وفي اسيوط قام الأهالي بالهجوم على قسم البوليس والاستيلاء على السلاح، ولم يفلح قصف المدينة بطائراتين في إجبارهم على التراجع ، أما في قرية دير مواس بالقرب من اسيوط، هاجم الفلاحون قطارا للجنود الإنجليز ودارت معارك طاحنة بين الجانبين.
    وعندما أرسل الإنجليز سفينة مسلحة إلى أسيوط، هبط مئات الفلاحين إلى النيل مسلحين بالبنادق القديمة للاستيلاء على السفينة. وعلي الجانب الأخر كان رد فعل القوات البريطانية من أفظع أعمال العنف الذي لاقاه المصريون في التاريخ الحديث، فمنذ الايام الأولى كانت القوات البريطانية هي أول من أوقع الشهداء بين صفوف الطلبة أثناء المظاهرات السلمية في بداية الثورة.
    وعقب انتشار قطع خطوط السكك الحديد، اصدرت السلطات بيانات تهدد بإعدام كل من يساهم في ذلك، وبحرق القرى المجاورة للخطوط التي يتم قطعها. وتم تشكيل العديد من المحاكم العسكرية لمحاكمة المشاركين في الثورة. ولم تتردد قوات الأمن في حصد الأرواح بشكل لم يختلف أحيانا عن المذابح، كما حدث في الفيوم عندما تم قتل أربعمائة من البدو في يوم واحد على أيدي القوات البريطانية وقوات الشرطة المصرية. ولم تتردد القوات البريطانية في تنفيذ تهديداتها ضد القرى، كما حدث في قرى العزيزية والبدرشين والشباك وغيرها، حيث أُحرقت هذه القرى ونُهبت ممتلكات الفلاحين، وتم قتل وجلد الفلاحين واغتصاب عدد من النساء.



    نهاية الثورة


    اضطرت إنجلترا الي عزل الحاكم البريطاني وافرج الإنجليز عن سعد زغلول وزملائه وعادوا من المنفي إلي مصر. وسمحت إنجلترا للوفد المصري برئاسة سعد زغلول بالسفر إلي مؤتمر الصلح في باريس ، ليعرض عليه قضية استقلال مصر.
    لم يستجب أعضاء مؤتمر الصلح بباريس لمطالب الوفد المصري فعاد المصريون إلي الثورة و ازداد حماسهم ، و قاطع الشعب البضائع الإنجليزية ، فألقي الإنجليز القبض علي سعد زغلول مرة أخرى ، و نفوه مرة أخرى إلي جزيرة سيشل في المحيط الهندى ، فازدادت الثورة اشتعالا ، وحاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة ، ولكنها فشلت.


    آراء في الثورة


    يعتبر الباحثون أن ثورة 19 "ثورة نموذج" من حيث قدرتها على استيعاب القوى الاجتماعية المختلفة وطرحها شعارات التف حولها الناس علي اختلاف مشاربهم وساعدت علي تحقيق الوحدة الوطنية. وقد شقت ثورة 19 مجري الحركة الوطنية المصرية حول ثابتين سيادة الأمة بوجهيها الاستقلال والدستور والوحدة الوطنية بقاعدتيها المواطنة والعدالة الاجتماعية، فقد كان من اسهامات ثورة 1919 في مجال الوحدة الوطنية شعار " الدين لله والوطن للجميع " فمعني أن الدين لله والوطن للجميع. حيث لا يستقيم مفهوم المواطنة دون أن تكون مصدر الحقوق والواجبات العامة بصرف النظر عن الدين .
    وبحسب مختصين فقد وضعت ثورة 1919 دستورا ديموقراطيا إلى حد كبير وقطعت اشواط على طريق المواطنة ، لكن خضوع مصر حينها للاحتلال البريطاني ولسيطرة كبار الرأسماليين والرأسمالية الأجنبية اجهض هذا التطور الديموقراطي.



    سعد زغلول (1860 - 1927) :


    زعيم مصري التف حوله الشعب من الاسكندرية الي أسوان في وقت لم تكن هناك أجهزة ووسائل اتصال أو اعلام ومعظم الشعب امي لا يقرأ الصحف و قائد ثورة 1919 في مصر .
    ولد سعد في يوليو1860 في قرية إبيانة التابعة لمديرية الغربية (سابقًا -محافظة كفر الشيخ حاليًا)، وكان والده رئيس مشيخة القرية حين توفي عندما كان سعد يبلغ خمس سنوات فنشأ يتيما هو وأخوه أحمد فتحي زغلول. توفي سعد زغلول في 23 أغسطس1927 . وقد تعلم على يد السيد جمال الدين الافغانى والشيخ محمد عبده وقد حصل على ليسانس الحقوق وتعين بالحكومه الا انه فصل بسبب اشتراكه في الثوره العرابية وقد أصبح فيما بعد وزيرا للحقانية (العدل حاليا)وبعد ذلك أصبح وزيرا للمعارف (التربية والتعليم الآن)وقد عدل في كثير من المناهج وجعلها بالعربية مرة أخرى كما جعل التعليم خطرت له فكرة تأليف الوفد المصري للدفاع عن قضية مصر العام 1918م حيث دعا أصحابه إلى مسجد وصيف في لقات سريه بمنزل عائله المقدم للتحدث فيما كان ينبغي عمله للبحث في المسألة المصرية بعد الهدنة (بعد الحرب العالمية الأولى) العام 1918.
    تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ومصطفى النحاسومكرم عبيدوعبد العزيز فهميوعلي شعراويوأحمد لطفي السيد وآخرين.. وأطلقوا على أنفسهم (الوفد المصري).
    وقد جمعوا توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة: "نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى".
    اعتقل سعد زغلول ونفي إلى جزيرة مالطةبالبحر المتوسط هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس (آذار) 1919 فانفجرت ثورة 1919 في مصر التي كانت من أقوى عوامل زعامة سعد زغلول والتمكين لحزب الوفد.
    اضطرت إنجلترا الي عزل الحاكم البريطاني و أفرج الإنجليز عن سعد زغلول و زملائه و عادوا من المنفي إلي مصر. و سمحت إنجلترا للوفد المصري برئاسة سعد زغلول بالسفر إلي مؤتمر الصلح في باريس ، ليعرض عليه قضية استقلال مصر. لم يستجب أعضاء مؤتمر الصلح بباريس لمطالب الوفد المصري فعاد المصريون إلي الثورة و ازداد حماسهم ، و قاطع الشعب البضائع الإنجليزية ، فألقي الإنجليز القبض علي سعد زغلول مرة أخرى، و نفوه مرة أخرى إلي جزيرة سيشل في المحيط الهندى ، فازدادت الثورة اشتعالا ، و حاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة ، و لكنها فشلت.
    من أشهر اقواله / الحق فوق القوه و الأمه فوق الحكومة.ومن أشهر اقواله أيضا /إن اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية/ و قد اسس وزاره الشعب في عهد الملك فؤاد الأول و عندما مات /رحمه الله/ خلفه مصطفى النحاس باشا في راسه الوفد المصري و أسس النحاس باشا أول وزاره له عام 1928 ثم عام 1930 ثم عام 36.




    العالم العامل عمر مكرم رحمه الله :









    ولد "عمر مكرم" في أسيوط (1164هـ = 1750م)، ثم انتقل إلى "القاهرة" للدراسة في الأزهر الشريف، وانتهى من دراسته وأصبح نقيبًا لأشراف مصر في زمنه، عام (1208هـ = 1793م)، وكان يتمتع بمكانة عالية عند العامة والخاصة.


    ظهر العالم العامل "عمر مكرم" كقائد شعبي عندما قاد حركة شعبية ضد ظلم الحاكمين المملوكيين "إبراهيم بك" و"مراد بك"، عام (1210هـ = 1795م) ورفع لواء المطالبة بالشريعة والتحاكم إليها كمطلب أساسي كما طالب برفع الضرائب عن كاهل الفقراء وإقامة العدل في الرعية.


    تميزت حياة السيد عمر مكرم بالجهاد المستمر ضد الاحتلال الأجنبي، والنضال الدؤوب ضد استبداد الولاة وظلمهم، وكان ينطلق في هذا وذاك من وعي إسلامي عميق وفذ وإيجابي.


    ففي إطار الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي نجد أنه عندما اقترب الفرنسيون من القاهرة سنة 1798 م قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب الجيش النظامي " جيش المماليك في ذلك الوقت "، وفي هذا الصدد يقول الجبرتي " وصعد السيد عمر مكرم أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فانزل منها بيرقًا كبيرًا اسمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه ألوف من العامة " ويعلق الرافعي على ذلك بقوله: ”وهذا هو بعينه استنفار الشعب إلى التطوع العم بعد هجمات الغازي المغير والسير في طليعة المتطوعين إلى القتال “.


    وعندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك، بل فضل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيس.


    ثم عاد السد عمر مكرم إلى القاهرة وتظاهر بالاعتزال في بيته ولكنه كان يعد العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبري ضد الاحتلال الفرنسي تلك الثورة التي اندلعت في عام 1800م.. فيما يعرف بثورة القاهرة الثانية، وكان السيد عمر مكرم من زعماء تلك الثورة، فلما خمدت الثورة أضطر إلى الهروب مرة أخري خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه أحد زعماء الثورة وقاموا بمصادرة أملاكه بعد أن أفلت هو من أيديهم، وظل السيد عمر مكرم خارج مصر حتى رحيل الحملة الفرنسية سنة 1801 م.


    وفي إطار جهاد السيد عمر مكرم ضد الاحتلال الأجنبي، نجد أن السيد عمر مكرم قاد المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية 1807م، تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد مما أضطر فريزر على الجلاء عن مصر.


    وفي هذا الصدد يقول الجبرتي:
    "نبه السيد عمر النقيب على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز، حتى مجاوري الأزهر أمرهم بترك حضور الدروس، وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس".


    ويعلـق الرافعي على ذلك بقوله:
    "فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فأنك لتري هذا الموقف مماثلا لموقفه عندما دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام، ثم تأمل دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم ودين فحسب بل رجال جهاد وقتال ودفاع عن الزمان، فعلمهم في ذلك العصر كان أعم وأعظم من عملهم اليوم".


    ولعل الرافعي قد وضع يده على النقطة الحرجة في مسألة الكفاح ضد الاستعمار والنجاح في هزيمته وحماية بلادنا منه، فإذا كان الشعب المصري قد نجح مرتين في أقل من عشر سنوات في هزيمة محتلين استعماريين هما الحملة الفرنسية 1798 م ـ 1801 م، والحملة الإنجليزية المعروفة بحملة فريزر 1807 م فإن ذلك يرجع إلى قيام علماء الأزهر بواجبهم في قيادة الشعب للجهاد والقتال والدفاع عن الزمار، يرجع إلى وجود العلاقة الصحيحة بين الأمة، وقيام الأزهر بواجبه كقيادة طبيعية للأمة، ولكن عندما قام محمد علي ومن بعده بفصم هذه العلاقة والقضاء على دور العلماء وإحلال النخب المغتربة محل العلماء في قيادة الأمة سقطت مصر في قبضة الاحتلال الإنجليزي سنة 1882م.


    وفي إطار نضال السيد عمر مكرم ضد الاستبداد والمظالم، نجد أنه قاد النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804م، وكذا ضد مظالم الوالي خورشيد باشا سنة 1805، ففي يوم 2 مايو سنة 1805 م بدأت تلك الثورة، حيث عمت الثورة أنحاء القاهرة وأجتمع العلماء بالأزهـر وأضربوا عن إلقاء الدروس وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون، وبدأت المفاوضات مع الوالي للرجوع عن تصرفاته الظالمة فيما يخص الضرائب ومعاملة الأهالي، ولكن هذه المفاوضات فشلت، فطالبت الجماهير بخلع الوالي، وقام السيد عمر مكرم وعدد من زعماء الشعب برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وسلم الزعماء صورة من مظالمهم على المحكمة وهي إلا تفرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها العلماء والأعيان، وأن يجلو الجند عن القاهرة وألا يسمح بدخول أي جندي إلى المدينة حامـلا سلاحه.


    وفي يوم 13 مايو قرر الزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلا منه بعد أن أخذوا عليه شرطًا: "بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع، ويقلع عن المظالم وإلا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء وأنه متي خالف الشروط عزلوه".


    وفي يوم 16 مايو 1805 صدرت فتاوى شرعية من المحكمة على صورة سؤال وجوابه بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا، وأنتهي الأمر بعزل الوالي خورشيد باشا، ونجاح الثورة الشعبيـة.


    وإذا تأملنا هذه الأحداث، نجد أن هذه ثورة شعبية ضد الاستبداد استندت إلى فتوى شرعية من المحكمة، وأنها قامت بتولية محمد علي حاكمًا على مصر من خلال معاهدة وشروط بين محمد علي "الوالي الجديد" وبين زعماء الشعب، وأقرت مبدأ الشورى، وعدم اتخاذ قرار بدون الرجوع لممثلي الشعب، وهم العلماء والأعيان، ولو سارت الأمور في مسارها الصحيح بعد ذلك لكان إيذانًا بروح من الحرية والشورى واحترام إرادة الشعب وخياراته يسود مصر، ولكن محمد علي التف على هذا الأمر وأفرغه من مضمونه فيما بعد.


    وكان السيد عمر مكرم هو زعيم هذه الحركة الشعبية ومحركها، وفي ذلك يقول الرافعي: "كان للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور، ولكل منهم نصيبه ومنزلته، ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادهـا".


    وإذا كان السيد عمر مكرم مجاهدًا ضد الاستعمار، مناضلا ضد الاستبداد فإنه في نفس الوقت كان يملك وعيَا إسلاميًا فذًا ومتقدمًا، ويظهر ذلك من خلال حواره مع مستشار الوالي خورشيد باشا، ووفقًا لرواية الرافعي... فقد التقى السيد عمر مكرم يومًا بعمر بك مستشار خورشيد باشا فوقع بينهما جدال..


    فكان مما قاله عمر بك: ” كيف تنزلون من ولاه السلطان عليكم؟ وقد قال الله تعالى {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]!!


    فأجابه السيد مكرم: "أولوا الأمر هم العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل، وهذا رجل ظالم حتى السلطان والخليفة إذا سار في الناس بالجور فإنهم يعزلونه و يخلعونه".


    فقال عمر بك: "وكيف تحصروننا وتمنعون عنا الماء والأكل وتقاتلوننا؟ أنحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك؟".


    فقال السيد مكرم: "قد أفتى العلماء والقاضي بجواز قتالكم ومحاربتكم؛ لأنكم عصاة".


    كان "عمر مكرم" يصر على استمرار حمل الشعب للسلاح حتى إقرار النظام الجديد، وهو نظام "محمد علي" الذي اختاره الشعب ليكون حاكمًا للبلاد، إلا أن رأي غالبية المشايخ -وعلى رأسهم الشيخ "عبد الله الشرقاوي"- هو أن مسألة إنزال "خورشيد" من القلعة قضية تخص الوالي الجديد.


    استمرت هذه الثورة المسلحة بقيادة "عمر مكرم" 4 أشهر، وأعلنت حق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه، وفق مبادئ أشبه بالدستور تضع العدل والرفق بالرعية في قمة أولوياتها.


    والسؤال الذي يطرح نفسه:

    لماذا لم يستول "عمر مكرم" على السلطة على اعتبار أنه قائد الثورة ومحركها، والأقدر على إقامة العدل والرفق بالشعب؟


    والواقع أن إجابة هذا التساؤل لا بد أن تعتمد القراءة الثقافية السياسية من منظور ذلك العصر الذي لم ينظر إلى العثمانيين على أنهم غزاة مغتصبون، ولكن كان ينظر إليهم على أنهم حماة للإسلام، ومن ثم فالثورة على "خورشيد" كانت ثورة على الحاكم الظالم بصفته الشخصية وليست ثورة على النظام السياسي، لذلك فإن تولي "عمر مكرم" للحكم من خلال هذه الثورة قد يفسره العثمانيون على أنه ثورة ضد دولة الخلافة، أما اختيار "محمد علي" -وهو من جنس القوم- لتولي حكم مصر فلن يثير غضب الباب العالي بدرجة كبيرة، ومن هنا تتضح حصافة الرجل الذي قال للزعماء صراحة: "لا بد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية".


    تولى "محمد علي" حكم مصر بتأييد الزعامة الشعبية التي قادها "عمر مكرم" وفق مبادئ معينة في إقامة العدل والرفق بالرعية، وكان من نتيجة ذلك أن تحملت الزعامة المسئوليات والأخطار التي واجهت نظام "محمد علي" الوليد، ومنها أزمة الفرمان السلطاني بنقله إلى "سالونيك"، والحملة الإنجليزية على مصر سنة (1222هـ = 1807م)، وإجهاض الحركة المملوكية للسيطرة على الحكم في مصر؛ ففي هذه الأزمات الثلاث الكبرى كانت زعامة "عمر مكرم" تترسخ في وجدان المصريين؛ إذ رفض مساندة المماليك في تأليب الشعب ضد "محمد علي"، ورفض فرمانات السلطان العثماني بنقل "الباشا" إلى "سالونيك" فاحتمى "محمد علي" به من سطوة العثمانيين، وفي حملة "فريزر" قام "عمر مكرم" بتحصين القاهرة، واستنفر الناس للجهاد، وكانت الكتب والرسائل تصدر منه وتأتي إليه، أما "محمد علي" فكان في الصعيد يتلكأ، وينتظر حتى تسفر الأحداث عن مسارها الحقيقي.


    أدرك "محمد علي" أن "عمر مكرم" خطر عليه أمام أحلامه في الاستفراد بحكم مصر؛ فمن استطاع أن يرفعه إلى مصافّ الحكام يستطيع أن يقصيه، ومن ثم أدرك أنه لكي يستطيع تثبيت دعائم ملكه وتجميع خيوط القوة في يده لا بد له أن يقوض الأسس التي يستند عليها "عمر مكرم" في زعامته الشعبية.. فعندما أعلن زعماء الشعب عن استعدادهم للخروج لقتال الإنجليز أجاب "محمد علي": "ليس على رعية البلد خروج، وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر".


    كانت العبارة صدمة كبيرة لعمر مكرم؛ إذ حصر دور الزعامة الشعبية في توفير علائف الحيوانات، ولكن حصافة الرجل لم تجعله يعلن خصومة "محمد علي"، وأرجع مقولة "الباشا" إلى أنها زلة لسان، وآثر المصلحة العامة لمواجهة العدوان؛ فقام بجمع المال؛ وهو ما وضعه في موقف حرج مع بعض طوائف الشعب.


    وصف الجبرتي مكانة "عمر مكرم" بقوله: "وارتفع شأن السيد عمر، وزاد أمره بمباشرة الوقائع، وولاية محمد علي باشا، وصار بيده الحل والعقد، والأمر والنهي، والمرجع في الأمور الكلية والجزئية". فكان يجلس إلى جانب محمد علي في المناسبات والاجتماعات، ويحتل مركز الصدارة في المجتمع المصري، حتى إن الجماهير كانت تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه.


    التقت إرادة "محمد علي" في هدم الزعامة الشعبية مع أحقاد المشايخ وعدد من العلماء على "عمر مكرم"، وتنافسهم على الاقتراب من السلطة وتجميع ما تُلقي إليهم من فتات، في هدم هذه الزعامة الكبيرة؛ فقد دب التنافس والانقسام بين المشايخ حول المسائل المالية، والنظر في أوقاف الأزهر، وتولي المناصب.


    ولم تفلح محاولات رأب الصدع بين العلماء؛ فتدهورت قيمتهم ومكانتهم عند الشعب، واستشرى الفساد بينهم، واستطاع "محمد علي" أن يجد طريقه بين هذه النفوس المريضة للوصول إلى "عمر مكرم"، بل إن هؤلاء المشايخ سعوا إلى السلطة الممثلة في "محمد علي" للإيقاع بعمر مكرم، ووقف هذا السيد الكريم في مواجهة طغيان السلطة وطغيان الأحقاد بمفرده، ونقل الوشاة من العلماء إلى "الباشا" تهديد "عمر مكرم" برفع الأمر إلى "الباب العالي" ضد والي مصر، وتوعده بتحريك الشعب للثورة، وقوله: "كما أصعدته إلى الحكم فإنني قدير على إنزاله منه".


    ولم تفلح محاولات "محمد علي" في رشوة "عمر مكرم" في تطويع إرادته وإرغامه على الإقلاع عن تبني مطالب الشعب، ومن ثم لجأ إلى المكيدة التي عاونه فيها العلماء، وعزل "عمر مكرم" عن "نقابة الأشراف" ونفاه إلى دمياط في (27 من جمادى الثانية 1224هـ = 9 من أغسطس 1809م)، وقبض العلماء الثمن في الاستحواذ على مناصب هذا الزعيم الكبير؛ ومن هنا جاءت تسمية الجبرتي لهم بـ"مشايخ الوقت".


    استمر "عمر مكرم" في منفاه ما يقرب من 10 سنوات، وعندما حضر إلى القاهرة في (12 من ربيع الأول 1234هـ = 9 من يناير 1819م) ابتهج الشعب به ولم ينس زعامته له، وتقاطرت الوفود عليه. أما الرجل فكانت السنون قد نالت منه؛ فآثر الابتعاد عن الحياة العامة، ورغم ذلك كان وجوده مؤرقًا لمحمد علي؛ فعندما انتفض القاهريون في (جمادى الآخرة 1237هـ = مارس 1822م) ضد الضرائب الباهظة نفاه محمد علي ثانية إلى خارج القاهرة؛ خوفًا من أن تكون روحه الأبية وراء هذه الانتفاضة، لكن الموت كان في انتظار الزعيم الكبير حيث توفي في ذلك العام بعد أن عاش آلام الشعب، وسعى لتحقيق آماله، وتحمل العنت من أجل مبادئه.





    حسن طوبار الذى أرعب الحملة الفرنسية :





    حملة نابليون وجدت نفسها مضطرة الي استعمال هذين الأسلوبين ـ الخداع والدبلسة ـ مع المناضل الشعبي حسن طوبار في اقليم المنزلة‏,‏ لم يكن في يقينها انها وقعت في أشد أنواع الهزيمة قهرا أمام ما تصورت أنه أشد اهدافها ضعفا‏..‏ لدرجة ان نابليون نفسه بكل جبروته وقوته ارسل اليه بعض الهدايا ليستميله ويشتري بها سكوته فرفض حسن طوبار بكل اباء‏.‏

    إن قصة الحملة الفرنسية مع حسن طوبار تمثل أروع مايمكن أن يقدمه الشعب المصري العملاق من قدرات خارقة في مواجهة الأعداء الغزاة

    كان حسن طوبار في ذلك الوقت شيخا لاقليم المنزلة‏.‏ وكان في حالة من الرواج كفيلة بأن تقعده عن اتخاذ أي موقف يمكن أن يهدد ثروته‏,‏ اذ كان يملك أسطول صيد قدرته بعض المصادر الفرنسية بحوالي خمسة آلاف مركب‏,‏ وعددا لابأس به من مصانع نسج القطن‏,‏ ومن المتاجر‏,‏ ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية‏,‏ وفوق ذلك كان يملك حب الناس وتقديرهم‏.‏

    ويقول الجنرال لوجييه معبرا عن هذا المعني ان كل الجهات التي مروا بها في طريقهم الي المنزلة لم تكن تهتف الا بالحب لطوبار والثناء عليه

    ولذلك فحينما عين الجنرال فيال حاكما علي دمياط لم يكن يورق ذهنه شئ سوي شبح طوبار‏..‏ فأهدي اليه سيفا مذهبا ولم يشأ أن ينحيه عن منصبه‏.‏ لكن حسن طوبار قابل ذلك بالسخرية الشديدة‏,‏ فكيف يستميله سيف مذهب وهو يستطيع أن يسلح نفسه بالذهب تسليحا كاملا ثم كيف يهنأ له بال وهو يعيش في ذل مقيم يضغط العدو علي حريته ويذيقه هو وأهله أنواع الضيم وقد يعتدي علي كرامتهم ويهتك أعراضهم مثلما فعل في مناطق أخري؟

    لابد أن أسئلة كهذه كانت تطل برأسها في أعماق حسن طوبار وهو يشتري من ثروته الخاصة أسلحة ويجهز أسطولا بحريا من القوارب لكي تذهب وتحارب الفرنسيين في البحيرة وتهاجمهم في دمياط وتقض مضاجعهم ليل نهار‏..‏

    وقد استطاع بالفعل أن يلقي الرعب والفزع في قلوبهم‏.‏
    ورفض كذلك ان يلتقي معهم في أي مفاوضات حتي ولو كانت مع القائد الأكبر نابليون‏.‏ رفض ايضا مقابلة الجنرال داماس ودعوة الجنرال دوجا للصلح‏.‏

    ورفض كل شئ ماعدا قتالهم حتي اخر قطرة من دمه‏..‏ وراح يجوب القري ليؤلف الكتائب ويجهز الفدائيين ويزودهم بالأسلحة وبالروح المعنوية الخارقة‏..‏

    وحينما استجمع نابليون كل طاقاته لمحاربة حسن طوبار‏,‏ جهز له حملتين‏:‏ برية وبحرية بقيادة كل من الجنرال أندريوس والجنرال داما‏,‏ تحت اشراف الجنرال دوجا قائدا عاما‏..‏ وهاجم المنزلة ودخلها في‏6‏ اكتوبر سنة‏1798‏ ولم يتمكن من الايقاع بحسن طوبار‏,‏ لأنه تمكن من الفرار الي الشام‏.‏

    والواقع ان حسن طوبار في غيابه لم يكف عن المقاومة‏,‏ فقد ذهب الي غزة واستأنف نشاطه من جديد‏,‏ وكون جيشا من المناضلين وأسطولا مكونا من خمسين قطعة لكي يبحروا به إلي دمياط لمباغتة العدو‏.‏ ورغم ان الظروف لم تمكن طوبار من اتمام هذه الحملة‏,‏ إلا أن رعب الفرنسيين منها جعل نابليون يسمح له بالعودة الي مصر‏..‏

    وتنتهى قصة الثائر البطل حسن طوبار بأن ‏:‏ مات الزعيم الثائر في‏29‏ نوفمبر سنة‏1800,‏ وظل كفاحه يهدد زعماء الحملة الفرنسية حتي بعد موته‏!




    كلمات مفتاحية  :
    عظماء الوطنية المصرية العصر الخديث

    تعليقات الزوار ()