بتـــــاريخ : 10/10/2010 3:43:59 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1275 0


    والعافين عن الناس

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : دكتور / بدر عبد الحميد هميسه | المصدر : dean4me.com

    كلمات مفتاحية  :

     
    والعافين عن الناس

     
    حثنا الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم على خلق العفو والصفح والتسامح فقالسبحانه(وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) سورة التغابن.

     
    كما أمرَ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلمبذلك فقال (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِالجَاهِلِينَ [الأعراف:199).

     
    ولقد جعل الله تعالى خلق العفو من صفات المؤمنينالتقين قال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْوَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَوَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) سورة آل عمران.

     
    قال الإمام ابن كثير في تفسيره : أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم فلايبقى في أنفسهم موجدة على أحد وهذا أكمل الأحوال. أ.هـ. تفسير ابن كثير2/122.

     
    وجعل العفو عن الناس أقرب إلى التقوى , فقال سبحانه(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) سورة البقرة.

     
    كما جعله سبباً لمرضاةالله ومغفرته وعفوه , فقال سبحانه(إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْتُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149) سورة النساء.

     
    عن عُرْوَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - يعني ابْنَ الزُّبَيْرِ - فيقَوْلِهِ : (خُذِ الْعَفْوَ) قَالَ :أُمِرَ نَبِىُّ اللَّهِ , صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاسِ.أخرجه البخاري 6/76.

     
    وعَنْأَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: مَانَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ رَجُلاً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ ِللهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد (7205) 2/235 و (الدارِمِي 1676) و(مسلم6684)و(التِّرمِذي 2029)و(ابن خزيمة 2438)

     
    وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخوالحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أنس قال(بينا رسول الله صلى اللهعليه و سلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله ؟قال : رجلا جثيا من أمتي بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخيقال الله : أعط أخاك مظلمته قال : يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال : يا رب يحمل عنيمن أوزاري وفاضت عينا رسول الله بالبكاء ثم قال : إن ذلك ليوم عظيم يوم تحتاج الناسإلى أن يتحمل عنهم من أوزارهم فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفعرأسه فقال : يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأيصديق هذا لأي شهيد هذا ؟ ! قال : هذا لمن أعطى الثمن قال : يا رب من يملك ثمنه ؟قال : أنت قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك قال : يا رب قد عفوت عنه قال : خذ بيدأخيك فأدخله الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اتقوا الله وأصلحوا ذاتبينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة .((أخرجه أبو يعلى فيمسنده )) - كما في (( ابن كثير )) ( 3/ 550- 551) - ، والبخاري في ((الكبير(2/1/459)((وابن أبي الدنيا في (( حسن الظن بالله )) ( 66/ 116) ، وابن أبي داود في))البعث )) ( 32) ، والحاكم ( 4/ 576) ، قَالَ الحاكم : (( صحيح الإسناد))

     
    وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائعة للعفو والتسامح فقد ضرب النبيصلى الله عليه وسلم النموذج والمثل الأعلى في هذا الخلق الرفيع , ومن الأمثلة على ذلك:

     
    ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي : هل أتى عليك يوم كانأشد من يوم أحد؟ قال : ((قد لقيت من قومي وكان أشد ما لوقيته منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرية الثعالب فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتنيفإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت منهم، فناداني ملك الجبال فسلمعلي وقال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربي إليكلتأمرني بما شئت فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)) (رواه البخاري ومسلم).

     
    وبعد فتحمكة وقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن آذوه وحاربوه وطردوه من بلده:(يا مَعْشرَ قريشٍ، ما تَظُنُّونَ أني فاعِلٌ بكُمْ؟ قالوا: خيراًأخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريم، قال: فإنِّي أقُول لكم كما قال يوسفُ لإخوَتِه {لاَتَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ } [يوسف: 92] أذْهَبُوافَأنْتم الطُّلَقَاء. انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضى عياض (1/100ـ101).

     
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في ظل شجرة، فإذا برجل من الكفاريهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول: يا محمد، من يمنعك مني. فيقول الرسول صلىالله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء: (الله).فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده،فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف، وقال للرجل: (ومن يمنعك مني؟). فقال الرجل:كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه. [متفق عليه)

     
    وقد سار السلفالصالح رضوان الله عنهم على هذا الخلق الكريم والتزموه سلوكاً قويماً في حياتهمفعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُحِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ ،وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُأَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ ، كُهُولاً كَانُوا ، أَوْ شُبَّانًا ،فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ : يَا ابْنَ أَخِي ، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَهَذَا الأَمِيرِ ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ ، قَالَ : سَأَسْتَأْذِنُ لَكَعَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ ، فَأَذِنَلَهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ : هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ،فَوَاللهِ ، مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ ،فَغَضِبَ عُمَرُ ، حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ : يَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليهوسلم : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ(وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ ، وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. أخرجه البُخَارِي. (4642) 6/76

     
    روي عن ميمون بن مهران أن جاريته جاءت ذات يوم بصحفة فيها مرقةحارة، وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقة عليه، فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية :يا مولاي، استعمل قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} قال لها: قد فعلت, فقالت: اعمل بما بعده {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} . فقال: قد عفوت عنك. فقالتالجارية: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} . قال ميمون: قد أحسنت إليك، فأنت حرةلوجه الله تعالى. تفسير القرطبي 4/207.

     
    وكلّم الشعبيُّ ابن هبيرة في قوم حسبهمفقال إن كنت حبَسْتَهم بباطلٍ فالحَقُّ يُطْلِقهم ، وإن كنتَ حبستهم بحقّ فالعفو يَسَعُهم.

     
    قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما: (لو أنَّ رجلاً شتَمني فيأذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/319.

     
    وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله(لأن أندمَ على العفوِ عشرينمرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة) أدب المجالسة لابنعبد البر (ص116).

     
    قال علي بن الحسين: إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهلالفضل، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهمالملائكة، فيقولون: ما فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا،وإذا أسيء علينا عفونا. فيقولون: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. ثم ينادي مناد:ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب،فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: ما كان صبركم؟ فيقولون: صبرنا أنفسنا على طاعة الله،وصبرنا عن معاصي الله، فيقولون لهم: ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. ثم يناديفيقول: ليقم جيران الله! فيقوم ناس من الناس، وهم الأقل، فيقال لهم: بم جاورتم اللهفي داره؟ فيقولون: كنا نتجالس في الله، ونتذاكر في الله، ونتزاور في الله، فيقولون:ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. وقال: بئس القوم قوم ختلوا الدنيا بالدين، وبئسالقوم قوم عملوا بأعمال يطلبون بها الدنيا. حلية الأولياء 3/139.

     
    يقول الإمامابن القيم : يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لايعلمها إلا هو , وإنكتحب أن يغفرها لك الله , فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده , وأن وأحببت أنيعفوها عنك فاعف أنت عن عباده , فإنما الجزاء من جنس العمل ... تعفو هنا يعفو هناك , تنتقم هنا ينتقم هناك تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك.

     
    قال الشافعي رحمهالله:

     
    لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ * * أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ

     
    إنِّي أُحَيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ * * لِأَدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّي بِالتَّحِيَّاتِ

     
    وَأُظْهِرُ الْبِشْرَ لِلْإِنْسَانِ أَبْغَضُهُ * * كَأَنَّمَا قَدْ حَشَى قَلْبِي مَحَبَّاتِ

     
    النَّاسُ دَاءٌ دَوَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمْ * * وَفِي اعْتِزَالِهِمْ قَطْعُ الْمَوَدَّاتِ

     
    وقال الحريري المتوفي سنة 516ه:

     
    سامحْ أخاك إذا خَلَطْ* * * منه الإِصَابةَ بالغَلَطْ

     
    وتَجَافَ عن تَعْنِيفِهِ* * * إنْ زاغ يوماً أو قَسَطْ

     
    واعْلَمْ بأنَّك إن طَلَبْـ* * * ـتَ مُهذَّباً رُمْتَ الشَّطَطْ

     
    ولو انْتَقَدْتَ بني الزَّمَا* * * نِ وَجَدْتَ أكْثَرَهُمْ سَقَط

     
    مَنْ ذَا الذي ما سَاءَ قَطْ* * * ومَنْ له الحُسْنَى فَقَطْ

     
    جعلنا الله من العافين عن الناس , ورزقنا عفو ورحمة رب الناس وجنبناالزلل في القول والعمل.

    hamesabadr@yahoo.com

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()