بتـــــاريخ : 9/17/2010 6:15:55 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1133 0


    استعاذة الرحم

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرنى | المصدر : alislamnet.com

    كلمات مفتاحية  :

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    أما بعد..
    عن
    أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه تبارك وتعالى قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة.
    قال: نعم، أما ترضين أن أصِل من وَصَلكِ وأقطعَ من قطعك؟
    قالت: بلى يا ربي.
    قال: فهو لك.
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقرأوا إن شئتم: ((
    فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ))) (1) .
    في هذا الحديث مسائل أولها: قوله صلى الله عليه وسلم: (
    لما خلق الله الخلق).
    قال أهل الحديث: المقصود من الخلق خلق السماوات والأرض.
    وقال
    ابن حجر : قد يكون لما خلق الله الخلق يعني لما كتب تقدير الخلق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض.
    أقول: هذا خطأ وبعيد، وهو يخالف ظاهر الحديث، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا جهاراً أنه تعالى قد خلق الخلق أي انتهى من ذلك سبحانه وتعالى.
    والمقادير كما تعلمون، وهو معتقد
    أهل السنة والجماعة، كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما في الحديث: (إن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة) (1) ، فهو في كتاب عنده على العرش سبحانه وتعالى.
    وفي الكتاب نفسه: إن رحمتي وسعت كل شيء، وفي الكتاب: (
    إن رحمتي سبقت غضبي) (1) .
    فنسأل الله أن يرحمنا وإياكم.
    وقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام كما هو مبين في القرآن.
    (حتى إذا فرغ من خلقه)، يعني انتهى سبحانه وتعالى من خلق الخلق وتكوين السماوات والأرض. قالت الرحم: أي الرحم الموصولة.
    وبعضهم يقول: رحم المرأة لأنه مكان الحمل.
    والذي يظهر: أنها العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض.
    قال تعالى: ((
    وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)).
    فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فتكلَّمت الرحم.
    فهل تكلَّمت بلسان المقال أم الحال؟
    المعتزلة يقولون في مثل هذا: تكلمت بلسان الحال، كقوله سبحانه وتعالى عن السماوات والأرض: ((قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ))، لا بصوت وإنما بلسان حالها.
    و
    أهل السنة يقولون: لا.. بل نحمله على الظاهر وأنها تكلَّمت حقيقة، لأن الله أخبرنا أنها تكلمت.
    فلماذا نصرف ذلك عن ظاهره؟
    وفي رواية
    مسلم : (أنها أخذت بقائمة العرش).
    وفي رواية أخرى صحيحة: (
    أنها تعلقت بعرش الله كالشاكية تعوذ إلى الله من الذي يقطعها).
    لأن المستجير يتعلق بمن يستجير به ويلتجئ إليه، ولذلك قالت: (
    هذا مقام العائذ بك)، يعني: قمتُ يا ربي مقاماً أعوذ بك من القاطع وأستعيذ بك من القطيعة، فأنقذني وأنجدني.
    ولا يكون الالتجاء والعوذ إلا إلى الله سبحانه وتعالى، فقوله تعالى: ((
    فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، أي التجئ إلى الله من الشيطان.
    وهو يعيذ سبحانه وتعالى ويجير ولا يُجار عليه.
    ولذلك لما سُحر عليه الصلاة والسلام أنزل الله عز وجل قوله: ((
    قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ))، ((قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)).
    فالاستعاذة تكون بالله، وإنما أشرك من أشرك من العرب لأنهم كانوا يستعيذون بغير الله.
    فكانوا مثلاً يستعيذون بسيد الوادي من الجن.
    قال تعالى: ((
    وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)).
    فالعوذ إنما يكون بالله، ولا يملك أن يعيذ إلا الله، لأنه صاحب المنعة.
    ولذلك لام سبحانه وتعالى من اتخذ إلهاً غيره فقال: ((
    وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا)).
    وفي كتب الأدب أن أحد الشعراء من
    الأندلس دخل على سلطان من سلاطين الدنيا فقال:

    ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار


    فسكت السلطان المجرم، وأقره عليه الناس وما أنكروا.
    فأخبره الله من هو الواحد القهار، ومن هو الذي بيده مقاليد كل شيء.
    فابتلى الله هذا الشاعر بمرض عضال أعيى به الأطباء، حتى أنه كان ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، ويتقلب ظهراً لبطن ليلاً ونهاراً.
    لأن الله أراد أن يذيقه معنى هذا البيت.
    وفي الأخير انتبه الشاعر من سكاره، وأخذ يقول وهو في مرض الموت وقد أصبح جلداً على عظم:

    أبعين مفتقر إليك نظرت لي فأهنتني وقذفتني من حالقي


    لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق


    قالوا للإمام
    أحمد : ما هو التوكل؟
    قال: التوكل كما فعل
    إبراهيم لما أصبح قريباً من النار قال: ((حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)).
    ويذكرون في ترجمة
    إبراهيم عليه السلام أنه لما وضع في المنجنيق فأصبح بدل القذيفة..
    فتولى عنه الأصدقاء والأحباء والقرابة، فأصبح التوحيد في باطنه وفي قلبه مثل الجبال لأنه سيد الموحدين مع رسولنا صلى الله عليه وسلم.
    فقال
    جبريل له وهو في الهواء: يا إبراهيم ألك إلي حاجة؟
    و
    جبريل عليه السلام بإذن الله باستطاعته أن ينقذه.
    فقال
    إبراهيم : أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم.
    فلما أصبح قريباً من النار قال: ((
    حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))، فما أصابه سوء.
    وفي
    صحيح البخاري موقوفاً على ابن عباس قال رضي الله عنهما: ((حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))، قالها إبراهيم لما ألقي في النار، ((حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ))، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ((إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) (1) ،
    الجواب:
    ((
    فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَالله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)).
    وتقدم كثيراً قصة
    خالد بن الوليد لما أتى إلى معركة اليرموك وكان جيشه يقارب ثلاثين ألفاً وجيش الروم مائتان وثمانون ألفاً.
    فلما التقى الجيشان واصطف الجمعان وتبارز الفريقان قال أحد المسلمين لـ
    خالد : ما أكثر الروم وما أقلنا!
    قال
    خالد : لا والله، بل ما أكثرنا وما أقل الروم ، لأن الله معنا سبحانه وتعالى.
    قال مسلم آخر: أظن يا
    خالد أنا نفر اليوم إلى جبل أجا و سلمى .
    قال: لا والله لا نفر إلى
    جبل أجا و سلمى ، ولكن نفر إلى الله ((حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)).
    وبدأت المعركة فانتصر
    خالد ، لأن الله حسيبه وهو كافيه سبحانه وتعالى.
    قال: (
    قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة)، أي: أعوذ بك يا رب ممن يقطعني في الحياة لأن قاطع الرحم استحق اللعنة من الله، ففي الكتاب الحكيم: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ))، ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله)) فهو ملعون.
    يقول
    جعفر الصادق لابنه: [يا بني لا ترافق ثلاثة:
    1- لا ترافق الفاجر فيعديك بفجوره.
    2- ولا ترافق قاطع الرحم، فإنه ملعون في السماء ملعون في الأرض.
    3- ولا ترافق البخيل، فإنه يبيعك أحوج ما تحتاج إليه
    ].
    قال الله: (نعم)، يعني أعيذك وأجيرك من القاطع.
    ثم قال سبحانه: (
    أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟
    قالت: بلى
    ).
    والجواب ببلى لأن العرض كان بأداة الاستفهام.
    ولذلك لما قال سبحانه وتعالى: ((
    أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)).
    قال
    ابن عباس رضي الله عنهما: [لو قالوا: نعم، لكفروا، لأنه لا يجاب عند الاستفهام بالهمزة بنعم، لأن معناها يكون حينئذ التقرير بالمذكور، فكأنهم يقولون والعياذ بالله: نعم لست بربنا!].
    ثم قال عليه الصلاة والسلام: (
    اقرأوا إن شئتم: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ))).
    يقول سبحانه: إذا فعلتم ما فعلتم وكفرتم بالله فما بقي عليكم إلا أن تقطعوا أرحامكم، هذا مجمل معنى الآية.
    وهذا كما تقول للإنسان إذا أذنب وأخطأ: ما بقي عليك إلا أن تترك الصلاة، أو إذا شئت اترك الصلاة.
    وأنت لا تقره على ذلك لكنك تتهدده وتنذره.
    فالله يقول: إذا توليتم عن الإيمان فلم يبق إلا أن تقطعوا أرحامكم، فهو أهون ذنباً من ترك الإيمان.
    وعن
    أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته) (1) .
    قوله: (شجنة) ضبطت (شَجنة) و (شُجنة).
    والشجنة: القطعة من الشيء.
    والشجون: المنحنيات في الوديان.
    والشجون كذلك: العروق في الجسم.
    والشجون: هي الأحاديث التي يأخذ بعضها ببعض.
    تقول العرب: الحديث ذو شجون، أي الحديث يأخذ بعضه ببعض، والحديث مشوق لا ينتهي الإنسان من حديث إلا ويبدأ في حديث آخر، كما يقول
    ابن الرومي :

    وحديثها السحر الحلال لو أنه لم يجن قتل المسلم المتحرز


    إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز


    ويقولون: الشجن الأسى واللوعة، أنا ذو شجن أي أنا ذو أسى ولوعة.
    وأشجاني كذا: أي ذكرني وأطربني.

    تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا


    والشجنة هنا هي القطعة من الشيء، يعني من الرحمن.
    قيل: فيض من فيوضاته سبحانه وتعالى.
    وقيل: خلق من خلقه، فتكون إضافتها من باب التشريف أي أن الله خلقها سبحانه وتعالى.
    أو اشتق لها اسماً من اسمه تبارك وتعالى (الرحمن)، وهذا الاشتقاق للتشريف.
    وبعض أهل العلم من
    أهل السنة يقولون: إن اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مشتق من اسم الله، لأن الله هو المحمود سبحانه وتعالى وهو صاحب الحمد، حتى يقول حسان:

    وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد


    قال الله: (
    من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته)، وهذا كالحديث السابق.
    وليعلم أن صلة الرحم المرغب فيها كثيراً هي أن تصل أرحامك الذين يقطعونك وتحرص على ذلك، فهذا أعلى درجات صلة الرحم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (
    ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) (1) .
    أي أن الذي يستحق اسم الوصل هو من يصل من يقطعه من أرحامه.
    ولذلك مر علينا كثيراً قصة الرجل الذي يصل أرحامه ويودهم وهم لا يصلونه ولا يودونه، فاشتكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم:
    (
    لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) (1) ، والمل هو: الرماد الحار.
    وهذا كما قال الشاعر:

    وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمى لمختلف جداً


    إذا هتكوا عرضي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا


    ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا


    لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا


    أسأل الله لي ولكم أن يجعلنا ممن يصل أرحامه ليصله الله في الدنيا والآخرة.
    والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()